بايلك تونس

مملكة تونس في العهد الحسيني منذ سنة 1705

كان بايلك تونس ويُعرف أيضًا باسم مملكة تونس،[1] دولة مستقلة بحكم الأمر الواقع في تونس الحالية ورسميًا جزء من الدولة العثمانية.[2] حكمتها الأسرة الحسينية، بعد هزيمة الدايات الأتراك في 1705 لغاية تحولها إلى محمية فرنسية في 1881. ومع ذلك ظل الحسينيون يحكمونها وإن كان حكمًا رمزيًا.[3][4][5] سُميت الدولة باسم بايلك، في إشارة إلى الملك الذي كان يُدعى باي تونس.

تونس
بايلك تونس
→ إيالة تونس
1705 – 1881 ←
بايلك تونس
بايلك تونس
العلم
بايلك تونس
بايلك تونس
الشعار
الشعار الوطني : يا ذا الألطاف الخفية احفظ هذه المملكة التونسية
مملكة (بايلك) تونس في 1707
عاصمة تونس
نظام الحكم ملكية دستورية
اللغة الرسمية العربية  تعديل قيمة خاصية (P37) في ويكي بيانات
الديانة الإسلام (الغالبية)
اليهودية
المسيحية
باي
حسين الأول 1705–1735
محمد الثالث 1859–1881
رئيس الوزراء
رجب خزندار 1759–1782
مصطفى بن إسماعيل 1878–1881
التشريع
السلطة التشريعية المجلس الأكبر
التاريخ
الفترة التاريخية التاريخ الحديث
التأسيس 15 يوليو 1705
محمية 12 مايو 1881
بيانات أخرى
العملة ريال
اليوم جزء من تونس

ظل البايات مخلصين للباب العالي، لكنهم حكموا كملوك بعد نيلهم الاستقلال تدريجيًا ليكون لهم دولة ذات سيادة، والتي شهدت نظامًا ملكيًا دستوريًا بين عامي 1861 و1864 بعد اعتماد أول دستور في أفريقيا والعالم العربي. كان للبلاد أيضًا عملتها الخاصة وجيشها المستقل، وتبنت علمها الذي لا يزال قيد الاستخدام حتى اليوم منذ 1831.[6]

أُلغي نظام البايلك نهائيًا بعد عام واحد من الاستقلال في 25 يوليو 1957 عندما أُعلنت الجمهورية.

تاريخ البايلك

عدل

إقامة البايلك (1705–1735)

عدل

أصبح إبراهيم الشريف أول باي يجمع هذا المنصب مع منصب الباشا، بعدما أطاح بحكم المراديين خلال ثورات الخلافة [الإنجليزية]. لكنه أُسر ونٌقل إلى مدينة الجزائر بعد هزيمته أمام داي الجزائر، فيما لم يتمكن من وضع حد للاضطرابات التي عصفت بالبلاد، فكان ضحية انقلاب الحسين الأول بن علي في 10 يوليو 1705، والذي اتخذ لقب حسين باي الأول.

حكم حسين الأول تونس منفردًا، وأقام نظاماً ملكياً حقيقياً، وأصبح حاكمًا على المملكة التونسية، وحكم بالعدل بين رعاياه من جميع الطبقات. وتمتعت مراسيمه وقراراته بقوة القانون.[7]

وقد سعى، بصفته باي تونس، إلى أن يُنظر إليه على أنه مسلم من العامة يهتم بالقضايا المحلية والرخاء. فولى على قضاء تونس قاضيًا على المذهب المالكي، بدلاً من المذهب الحنفي الذي يفضله العثمانيون. كما قيد الامتيازات القانونية للإنكشارية والداي. وأولى الزراعة اهتمامًا في عهده، وخاصة زراعة بساتين الزيتون. وأقام المنشآت العامة، على سبيل المثال، المساجد والمدارس. وتجلت شعبيته في 1715 عندما أبحر قبطان باشا أمير الأسطول العثماني إلى تونس لتعيين حاكم جديد ليحل محله. إلا أن حسين الأول استدعى مجلسًا مؤلفًا من زعماء مدنيين وعسكريين محليين، دعموه ضد قرار الدولة العثمانية، والذي حادت عنه بعد ذلك.[8]

الحروب وأزمات النزاع على العرش (1735–1807)

عدل

تمكن علي باي الأول من الاستيلاء على العرش في 1735، عن طريق خلع عمه حسين الأول الذي قُتل على يد حفيد أخيه يونس باي في 1740.[9]

ثم أُطيح بعلي الأول بدوره في 1756، على يد ابني سلفه حسين الأول، اللذين استوليا على تونس بمساعدة والي قسنطينة وهما، محمد الأول الرشيد (1756–1759) وعلي الثاني (1759–1782).[10]

ولم تنته المحاولات الجزائرية للإطاحة بالبايات إلا في 1807، بانتصار التونسيين بقيادة حمودة الأول.[9]

الاستقرار والإصلاحات (1807–1869)

عدل

شهدت البلاد إصلاحات جذرية خلال القرن التاسع عشر، وذلك بفضل العمل الإصلاحي لخير الدين باشا ومستشاريه المقربين: وزير الداخلية الجنرال رستم، ووزير المعارف الجنرال حسين، والوزير بن أبي الضياف، والعلماء محمود قابادو، وسالم بوحاجب ومختار شويخة.

كان من بين هذه الإصلاحات: إلغاء العبودية، وتأسيس مدرسة باردو الحربية في 1840، والمدرسة الصادقية في 1875، واعتماد أول دستور في إفريقيا والوطن العربي في 1861، لتصبح البلاد ملكية دستورية.[11]

الأزمة المالية والتدخل الأجنبي (1869–1881)

عدل

وتلا ذلك وقوع الأزمات المالية في البلاد، مع تولي مصطفى خزندار منصب رئيس الوزراء، مما شكل فرصة للتدخل الأوروبي في تونس. وبناء على ذلك، تشكل الكومسيون المالي، وهي لجنة مالية دولية، في 1869.[12] بضغط من بعض الدول الأوروبية، في ظرف اشتدت فيه الأزمة المالية التونسية وأصبح من المستحيل على الدولة سداد ديونها الخارجية، التي بلغت في ذلك الوقت 125 مليون فرنك.

وتأسست هذه اللجنة برئاسة الوزير المصلح خير الدين باشا، ثم آلت بعد ذلك إلى مصطفى بن إسماعيل، كما ضمت ممثلين عن الدول الدائنة (إيطاليا وإنجلترا وفرنسا). وكانت اللجنة أحد مظاهر التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لتونس من خلال إخضاع أموالها للرقابة الدولية. وانقسمت إيرادات البلاد إلى قسمين، جزء مخصص لنفقات الدولة والآخر لسداد ديونها. لذلك تم تقييد الباي، فلم يعد بإمكانه منح أي امتياز أو إبرام أي اتفاقية قرض إلا بموافقة اللجنة التي كانت بمثابة وزارة المالية التونسية. وقد سهّل ذلك إبرام معاهدة ثنائية بين تونس وفرنسا في 1881 نصت على حماية فرنسا لتونس، وبالتالي إعلان الحماية الفرنسية.

الحكومة

عدل
 
علم باي تونس

كانت بايلك تونس ملكية دستورية وراثية (1861–1864) ويمارس الملك السلطة التشريعية بالتعاون مع المجلس الأعلى.

الباي

عدل

يعتبر الباي زعيم الأسرة الحسينية، ورئيس الدولة، ورمز وحدتها، وحامي حدودها. كما يمارس السلطة من خلال الحكومة والمجلس الأعلى، حسبما نصت عليه المادة 12 من دستور 1861.[13]

وما يميز نظام الحكم في ذلك الوقت، هو أن الملك مسؤول أمام المجلس الأعلى وفقًا للمادة 11 من الدستور، وهي من أوائل الدول في العالم التي نصت على ذلك.[13]

وأكد الفصل 13 من الدستور أن الباي (الملك) هو القائد الأعلى للقوات المسلحة التونسية، كما أكد الفصل 9 أيضًا على وجوب احترام الميثاق الأساسي لسنة 1857 من قبله.[13]

ورغم أن الدستور حد من صلاحياته، فإنه كان في مقدوره تعيين أعضاء المجلس الأعلى، بالإضافة إلى أن القوانين تصدر باسمه.

ويكون الباي أكبر أفراد الأسرة الحسينية. والثاني بعده يصبح «باي المحلة»، وهو لقب لوريث العرش. ويسبق اللقب صاحب السمو. وآخر من حمل هذا اللقب هو الأمير حسين بك باي المحلة.

رئيس الوزراء

عدل

كان رئيس وزراء تونس إبان عهد البايلك هو رئيس الحكومة الذي كان مسؤولاً عن شؤونها، وكان يعينه الباي ويقيله. أُحدث هذا المنصب سنة 1759 مع بداية حكم علي الثاني وكان رجب خزندار أول من يتولاه، ليصبح أول رئيس وزراء في تاريخ تونس.

احتكر المماليك ذوي الأصول الأجنبية هذا المنصب عند تأسيسه والذين جاءوا إلى تونس في سن مبكرة لخدمة العائلة المالكة والمخزن (النخبة السياسية)، مثل مصطفى خزندار وخير الدين باشا وغيرهم.

ويعتبر محمد العزيز بوعتور أول شخص من أصل تونسي يتولى هذا المنصب سنة 1882، وبالمناسبة، فهو صاحب أطول فترة كرئيس وزراء في تاريخ تونس بفترة تقارب 25 سنة، وقد أُعلنت الحماية الفرنسية في تونس خلال ولايته.

كان لرئيس الوزراء التونسي سلطة هامة في القرن التاسع عشر، حيث كان كل ما يتعلق بالعائلة المالكة محفوظًا في مكتبه وفقًا للمادة 2 من الدستور.[13]

يُعد رئيس الوزراء، استناداً إلى المادة 9 من الدستور، الموازنة التي تعرضها عليه وزارة المالية ويعرضها على مجلس النواب وفقًا للمادة 64.[13]

السلطة التشريعية

عدل

كان البرلمان التونسي يسمى بالمجلس الأكبر. وهي مؤسسة تأسست في عهد محمد الثالث في فترة تميزت باعتماد العديد من الإصلاحات، منها إعلان عهد الأمان (1857)، وجريدة الرائد التونسي (1860)[14] وإقرار الدستور (1861).

يتألف هذا المجلس وفقًا للمادة 44 من هذا الدستور من 60 عضوًا، منهم 20 عضوًا يتم اختيارهم من كبار الموظفين وكبار موظفي الدولة، و40 عضوًا يتم اختيارهم من الأعيان الذين لا يتقاضون أجور. وكان من أعضائه أحمد بن أبي الضياف وجوزيف رافو.[13]

وحُددت مهام المجلس في الفصل السابع من الدستور. وكان من أهم هذه المهام تشريع القوانين ومراجعتها وشرحها وتفسيرها، وإقرار الضرائب، ومراقبة الوزراء، ومناقشة الميزانية. وأكدت هذه المهام أهمية المجلس الأكبر باعتباره مؤسسة تشريعية ومالية وقضائية وإدارية في الوقت نفسه.[13]

أُلغي هذا المجلس في 1864 بعد ثورة المجبى.

السياسة

عدل

سلطة الباي

عدل
 
حمودة باشا ساهم في ازدهار بايلك تونس.

تطلبت سياسة الحسينيين توازنًا دقيقًا بين عدة أطراف متباينة: العثمانيون البعيدون، والنخبة الناطقة بالتركية في تونس، والتونسيين المحليين (سواء في المناطق الحضرية أو الريفية، والأعيان ورجال الدين، وملاك الأراضي وزعماء القبائل النائية). وقد تجنبوا التورط مع الدولة العثمانية. وبدلاً من ذلك، عُززت الروابط الدينية مع الخليفة، مما زاد من هيبة البايات وساعد في كسب موافقة العلماء المحليين واحترام الأعيان. واستمر تجنيد الإنكشاريين، ولكن مع تزايد الاعتماد على القوات المحلية القبلية. اقتصر الحديث بالتركية بين أفراد النخبة، مع ازدياد استخدام الدارجة التونسية في الهيئات الحكومية. حاز الكراغلة (من ذوي الأصول التركية والتونسية المختلطة) والأعيان التونسيين المحليين على قبول متزايد في المناصب العليا والمداولات. لكن البايات الحسينيين لم يتزوجوا من السكان المحليين؛ وبدلاً من ذلك كانوا يلجأون في كثير من الأحيان إلى طبقة المماليك للزواج. كما خدم المماليك في مناصب النخبة.[15] وقد جرى تقريب العلماء المحليين، من خلال تمويل التعليم الديني ورجال الدين. وعمل فقهاء محليون (من المذهب المالكي) في خدمة الحكومة. فيما هدأت ثائرة المرابطين الريفيين. واعتُرف بشيوخ القبائل وجرى دعوتهم لحضور المجالس. حظيت حفنة من العائلات البارزة، الناطقة بالتركية، بتفضيل خاص لدى النخبة، حيث مُنحت فرص الوظائف والأراضي، فضلاً عن مناصب بارزة في الحكومة، اعتمادًا على ولائهم لباي تونس.[16][17]

العلاقات مع أوروبا

عدل
 
أحد سفراء تونس بلندن، 1781.

أثرت الثورة الفرنسية وردود الفعل عليها بالسلب على النشاط الاقتصادي الأوروبي مما أدى إلى نقص البضائع والذي وفر بدوره فرصاً تجارية لتونس، أي فيما يتعلق بالسلع ذات الطلب المرتفع ولكن مع نقص العرض، وبالتالي أرباح كبيرة. كان حمودة باشا (1782–1813) القوي والمحظي باحترام كبير هو باي تونس (الخامس) خلال هذه الفترة من الازدهار؛ كما صد الغزو الجزائري في 1807، وقمع ثورة الإنكشارية في 1811.[18]

حصلت بريطانيا وفرنسا على موافقة الباي على وقف رعاية أو السماح بغارات القراصنة بعد مؤتمر فيينا في 1815، والتي استؤنفت خلال الصراع مع نابليون. وبعد استئناف قصير للغارات، توقفت.[19] شهد النشاط الاقتصادي في تونس تراجعاً حاداً خلال عشرينيات القرن التاسع عشر. وتأثرت الحكومة التونسية خاصةً بسبب مواقفها الاحتكارية للعديد من الصادرات. واضطرت للاقتراض للتغلب على العجز، ولكن في نهاية المطاف كان الدين ينمو إلى مستويات لا يمكن السيطرة عليها. وقد سعت تونس إلى تحديث تجارتها وتجارتها. ومع ذلك، بدأت المصالح التجارية الأجنبية المختلفة تمارس سيطرتها بتزايد على الأسواق المحلية؛ غالباً ما أدت واردات المصنوعات الأوروبية إلى تغيير أسعار المستهلك، مما أثر بشدة على معيشة الحرفيين التونسيين، الذين لم تكن سلعهم رائجة في البيئة الجديدة. وثبت أن التجارة الخارجية ما هي إلا حصان طروادة.[20][21]

أهمية البحرية التونسية

عدل
 
الساحل التونسي في 1843.

برزت أهمية أنشطة القراصنة البحريين في ذلك الوقت حيث أن الاستقلال عن السلطان العثماني أدى إلى تراجع دعمه المالي، وبالتالي اضطرت تونس إلى زيادة عدد سفنها في البحر من أجل البقاء.

وصلت البحرية التونسية إلى ذروتها في عهد حمودة الأول (1782-1814)، حيث استولت السفن المنطلقة من موانئ بنزرت وحلق الوادي وغار الملح وسوسة وصفاقس وجربة على سفن الإسبان والكورسيكيين والنابوليين والبنادقة وغيرها. وظفت الحكومة التونسية خلال هذه الفترة ما يتراوح بين 15 إلى 20 قرصاناً، وكان نفس العدد منهم مرتبطاً بشركات أو أفراد، ومن بينهم في بعض الأحيان شخصيات رفيعة المستوى مثل حافظ الأختام مصطفى خوجة أو قادة بنزرت أو صفاقس أو غار الملح، وإعطاء الحكومة بعض صيدهم، والذي كان يشمل العبيد المسيحيين.[22]

نظمت معاهدات السلام، التي تضاعفت في القرن الثامن عشر (مع النمسا في 1748 و1784، والبندقية في 1764-1766 و1792، وإسبانيا في 1791 والولايات المتحدة في 1797)، البحرية وحجمت آثارها.[23]

فرضت المعاهدات في البداية متطلبات (حيازة تراخيص السفن وجوازات السفر للأشخاص) وحددت أيضاً شروط الصيد في البحر (المسافة من الساحل)، وذلك لتجنب الانتهاكات المحتملة. وظل الوضع على ما هو عليه حتى مؤتمر فيينا ومؤتمر إكس لا شابيل عندما استدعت الدول الأوروبية تونس لوضع حد لذلك، وهو ما سيكون فعالاً وحاسماً بعد تدخل فرنسا في هذه المسألة سنة 1836.

السياسة المالية

عدل
 
مصطفى خزندار، أحد رؤساء الوزراء الذين تسببوا في الأزمة المالية.

لم تكن الضرائب في تونس سنة 1815 (البالغة 2,2 مليون فرنك ذهبي) مربحة. وفي الوقت نفسه، كان الباي يطمع في طرابلس الغرب. وفي 1848، رفع الباي الضرائب، من أجل الحفاظ على جيشه المكون من 5000 جندي، مما أثار ثورة أخمدها في النهاية. انخفضت الضرائب، لكن مع تعاقد على قرض بقيمة 35 مليون فرنك ذهبي بفائدة 7% مع مصرفيين فرنسيين.

ومع ذلك، استمر الإنفاق المتهور؛ قصر على طراز فرساي في المحمدية، وآخر في حلق الوادي، ومدرسة عسكرية وترسانة. والأسوأ من ذلك أن وزير المالية محمود بن عياد فر إلى فرنسا بميزانية الحكومة.[24] ومع ذلك، استمرت عمليات التحويل في عهد خلفائه. ودفع هذا الوضع رئيس المجلس الأعلى خير الدين باشا إلى الاستقالة وحل المجلس الأعلى.

اندلعت أزمة خطيرة في بداية 1864، بسبب سوء الإدارة المالية من جانب رئيس الوزراء مصطفى خزندار؛ أدى الدين العام والقروض الثقيلة في الخارج التي تم التعاقد عليها في ظل ظروف كارثية (استمرار الاختلاس) ومضاعفة الضريبة إلى نظام جديد. حيث اندلعت ثورة قبائل وسط البلاد التي رفضت دفع هذه الضريبة. بعد فترة وجيزة من ثورة المجبي، أمر الباي بتحصيل الضرائب. وفي الوقت نفسه وصل حيدر أفندي سفير الدولة العثمانية ومعه مساعدات مالية لمعالجة الوضع. عهد الباي بالمبلغ المعروض إلى مصطفى خزندار. لكن الأخير استعاد هذا المبلغ لاستخدامه الشخصي. ومرة أخرى، كان لا بد من التعاقد على قرض بقيمة 30 مليون فرنك ذهبي، مما أدى إلى تدخل الدول الأوروبية (وخاصة فرنسا). وفي هذا السياق، عُلق الدستور في 1 مايو 1864.[25]

الإصلاحات الواسعة

عدل

سيادة الدولة

عدل
 
علم تونس السابق في 1831.
 
شعار النبالة سنة 1858 مكتوب فيه: "يا ذا الألطاف الخفية احفظ هذه المملكة التونسية".

كانت تونس من أوائل الدول في المنطقة التي اعتمدت مرتكزات سيادة الدولة الحديثة. واعتمد البايلك علماً وطنياً مميزاً عن الباقي. في الواقع، استخدمت العديد من الدول الإسلامية على طول الساحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط علماً بحرياً أحمراً عادياً.[26] قرر الباي حسين الثاني إنشاء علم للأسطول التونسي لتمييزه عن الأساطيل الأخرى، بعد تدمير القوة البحرية التونسية في معركة نافارين في 20 أكتوبر 1827.[27] والذي اعتُمد علماً وطنياً لتونس منذ 1831 إلى اليوم.[28] مما جعل العلم التونسي أقدم علم عربي وأفريقي، ومن بين أقدم عشرة أعلام في العالم.

كما اعتُمد شعار النبالة منذ بداية القرن التاسع عشر باللونين الأحمر والأخضر، وهما لونا السلالة الحسينية الحاكمة. كان لألوان شعار النبالة تأثير على الثقافة العامة التونسية. كونها أيضاً ألوان نادي الملعب التونسي لكرة القدم الذي كان تحت رعاية الأسرة المالكة. وتوجد أيضاً في المعجنات التونسية؛ إحداها تسمى «بقلاوة الباي» وهي مصنوعة من المرصبان الوردي والأخضر والأبيض. وهي شكل من أشكال البقلاوة التونسية.

اعتُمد شعار جديد لتونس في 1858 إبان عهد الصادق باي، مع الحفاظ على نفس ألوان السلالة الخضراء والحمراء، بحسب هنري دونان بعد زيارته لتونس، مع تحديث الشعار الوطني وإضافة عبارة «يا ذا الألطاف الخفية احفظ هذه المملكة التونسية». ويرجع ذلك إلى تلك الفترة التي كثرت فيها الأوبئة في المملكة وأدت إلى خسائر بشرية، إضافة إلى انتشار الصوفية في الثقافة التونسية التي كانت تدعو الله بذي الألطاف الخفية، متأثرة بسيدي بلحسن الشاذلي.

كما اعتمدت تونس النشيد الوطني كأحد ركائز السيادة الوطنية، وكان ذلك في 1846، أطلق عليه اسم سلام الباي (نشيد الباي). وكان يُغنى على شرف الباي. إلا أنه كان في البداية دون كلمات، لكن الكلمات كتبها شاعر غير معروف وكُيفت مع لحن النشيد. وبحسب المؤرخ عثمان الكعّاك، فإن الألحان من تأليف جوزيبي فيردي.

التجارة مع أوروبا

عدل

ابتداءً من أوائل القرن التاسع عشر، سقطت تونس تحت النفوذ الأوروبي بتزايد. زادت التجارة مع الأوروبيين عاماً بعد عام في عهد البايات الحسينيين. وأقام العديد من التجار الأجانب، وخاصة الإيطاليين أماكن إقامة دائمة لهم في العاصمة. وافق الباي على وقف غارات القراصنة نهائياً في 1819. كما اتفق الباي مع فرنسا على إنهاء سياسة الإيرادات التي بموجبها سيطر عملاء الحكومة على التجارة الخارجية من خلال احتكار تصدير البضائع التونسية. أدى هذا التغيير في السياسة إلى فتح البلاد أمام الشركات التجارية الدولية. وافق الباي على تنفيذ المعاهدات في تونس في 1830، والتي يتمتع فيها التجار الأوروبيون بامتيازات خارج الحدود الإقليمية، بما في ذلك الحق في أن يكون قناصلهم المقيمين بمثابة القضاة في القضايا القانونية التي تنطوي على التزامات مواطنيهم المدنية.[29] وفي 1830 أيضاً، احتل الجيش الملكي الفرنسي الأراضي الساحلية الوسطى في الجزائر المجاورة.[30] في ذلك الوقت، كان الفرنسيون بلا خبرة ويفتقرون إلى المعرفة بكيفية تطوير مستعمرة.[31]

السياسة العسكرية

عدل
 
عسكريون تونسيون في 1850.

حافظ الجيش على نفس بنيانه بعد هزيمة الجزائر في 1807، لكن أحمد الأول أراد تغيير السياسة العسكرية وحرص على إصلاح وتحديث القوات المسلحة، خاصة وأن فرنسا احتلت الجزائر في 1830 وأصبح جيشها يشكل تهديداً لتونس. كما تأثر بما شاهده خلال زيارته لفرنسا من تقدم معماري، خاصة في تنظيم جيشهم، مما جعله يرغب في اتباع استراتيجيتهم وتكوين جيش تونسي على الطراز الفرنسي.

وفي خطوة كبيرة، بدأ الباي تجنيد وتعبئة الأفراد التونسيين (بدلاً من الأجانب أو القبائل) للخدمة في الجيش والبحرية، وهي خطوة من شأنها أن تعمل على الحد من الانقسام العرفي بين الدولة ومواطنيها.[32] فأسس سنة 1840 مدرسة باردو الحربية ليتخرج منها الجنود التونسيون معتمداً على مساعدة الفرنسيين. كما عمل على توفير المعدات اللازمة لتحسين الجيش، فاهتم ببعض الصناعات مثل صناعة البارود في تونس، وأنشأ بحرية متطورة.

أرسل أحمد باي 4000 جندي تونسي للقتال ضد الإمبراطورية الروسية خلال حرب القرم (1854-1856)، كجزء من مناوراته للحفاظ على سيادة تونس. وخلال ذلك، تحالفت تونس مع تركيا وفرنسا وبريطانيا.[33]

إلغاء العبودية

عدل
 
أحمد باي بن مصطفى، من أبرز البايات الإصلاحيين.

قابل أحمد باي توماس ريد في 29 أبريل 1841، والذي نصحه بحظر تجارة الرقيق. وكان أحمد باي مقتنعاً بضرورة هذا الإجراء؛ فقد كان منفتحاً على التقدم وسريعاً ما بدأ في العمل ضد جميع أشكال التعصب. فقرر حظر تصدير العبيد في نفس اليوم الذي التقى فيه ريد. وعلى مراحل، أغلق سوق العبيد في تونس في أغسطس وأعلن في ديسمبر 1842 أن كل من يولد في البلاد سيكون حراً بعد ذلك.[34]

حصل أحمد باي مسبقاً على فتاوى من العلماء لتخفيف السخط، منهم المفتي سيدي إبراهيم الرياحي، حيث حُرمت العبودية بشكل قاطع وفي سابقة لم تحدث في العالم العربي الإسلامي. مع الإعلان عن الإلغاء الكامل للعبودية في جميع أنحاء البلاد في مرسوم صدر في 23 يناير 1846.[35][36] ومع ذلك، على الرغم من قبول سكان الحضر للإلغاء، فقد رفضه البدو في جربة (بحسب ابن أبي الضياف)، والفلاحين الذين يحتاجون إلى قوة عمل رخيصة ومطيعة.[37]

أدى هذا الرفض إلى إصدار الإلغاء الثاني المعلن في مرسوم علي باي الثالث في 28 مايو 1890.[38] تضمن هذا المرسوم عقوبات مالية (في شكل غرامات) وعقوبات جزائية (في شكل السجن) لأولئك الذين استمروا في الانخراط في تجارة الرقيق أو الاحتفاظ بالعبيد كخدم. مالت الروايات الاستعمارية إلى تجاوز إصدار الإلغاء الأول والتركيز على الإلغاء الثاني.

عهد الأمان 1857

عدل

الرائد التونسي 1860

عدل

دستور 1861

عدل

الإفلاس وإعلان الحماية

عدل

انظر أيضًا

عدل

المصادر

عدل
  1. ^ توماس شاو (16 يونيو 2022). "Map of the Kingdom of Tunis dating from 1743". Catalogue général. مؤرشف من الأصل في 2022-06-17.
  2. ^ Abadi, Jacob (2013). Tunisia Since the Arab Conquest: The Saga of a Westernized Muslim State (بالإنجليزية). Ithaca Press. pp. 229–230. ISBN:978-0-86372-435-0. Archived from the original on 2024-04-20.
  3. ^ Cooley, Baal, Christ, and Mohammed. Religion and Revolution in North Africa (New York 1965), pp. 193–196.
  4. ^ Richard M. Brace, Morocco Algeria Tunisia (Prentice-Hall 1964), pp. 36–37.
  5. ^ Jamil M. Abun-Nasr, A History of the Maghrib (Cambridge University 1971), pp. 278–282.
  6. ^ Jean Ganiage (1994). "Contemporary history of the Maghreb from 1830 to the present day" (بالفرنسية). Paris: Fayard.
  7. ^ Ali Mahjoubi (1977). "The establishment of the French protectorate in Tunisia" (بالفرنسية). Tunis: Faculty of Letters and Human Sciences of Tunis..
  8. ^ Abun-Nasr, A History of the Maghrib (Cambridge University 1971) p. 180.
  9. ^ ا ب أحمد بن أبي الضياف (1990). "Present of the men of our time: chronicles of the kings of Tunis and the fundamental pact". Tunis: Tunis Edition.
  10. ^ Perkins, Tunisia (Westview 1986) at 61–62.
  11. ^ Yves Lacoste / Camille Lacoste-Dujardin (1991). "The state of Maghreb" (بالفرنسية). Paris: La Découverte.
  12. ^ "How Tunisia lost its sovereignty in 1869". Jeune Afrique. 16 يونيو 2022. مؤرشف من الأصل في 2024-05-02.
  13. ^ ا ب ج د ه و ز "Tunisian constitution of 26 April 1861". Digithèque de matériaux juridiques et politiques. 16 يونيو 2022. مؤرشف من الأصل في 2023-04-19.
  14. ^ Jacques Michon; Jean-Yves Mollier (2001). Les mutations du livre et de l'édition dans le monde du XVIIIe siècle à l'an 2000. Actes du colloque international, Sherbrooke, 2000 (بالفرنسية). Montréal: Presses de l'université Lava. p. 353. ISBN:9782747508131. Archived from the original on 2023-04-16.
  15. ^ In Tunisian practice, non-Muslim slave youths were purchased in markets, educated with royal scions in high government service and in the Muslim religion, converted, given high echelon posts, and often married to royal daughters. Mamluks would number about 100. Perkins, Tunisia (Westview 1986) at 63.
  16. ^ Cf., Abun-Nasr, A History of the Maghrib (1971) at 182–185.
  17. ^ Perkins, Tunisia (Westview 1986) at 62–63, 66.
  18. ^ Perkins, Tunisia (Westview 1986) at 64.
  19. ^ Cf., Julien, History of North Africa (Paris 1931, 1961; London 1970) at 328.
  20. ^ لوسيت فالنسي, Le Maghreb avant la prise d'Alger (Paris 1969), translated as On the Eve of Colonialism: North Africa before the French conquest (New York: Africana 1977); cited by Perkins (1986) at 67.
  21. ^ Perkins, Tunisia (Westview 1986) at 64–67.
  22. ^ Christian Slaves, Muslim Masters: White Slavery in the Mediterranean, the Barbary Coast and Italy, 1500–1800. Robert Davis (2004). p.45. (ردمك 1-4039-4551-9). نسخة محفوظة 2023-04-19 على موقع واي باك مشين.
  23. ^ "Treaty of Peace and Friendship Signed at Tunis (August 28, 1797)". US Embassy in Tunisia. 16 يونيو 2022.
  24. ^ Lazhar Gharbi، Mohamed (2015). "Mahmoud Ben Ayyed Le parcours transméditerranéen d'un homme d'affaires tunisien du milieu du xixe siècle". Méditerranée. ج. 124: 21–27. DOI:10.4000/mediterranee.7641. مؤرشف من الأصل في 2024-07-10. اطلع عليه بتاريخ 2021-08-05.
  25. ^ نورة البورصالي (2008). "Tricentenaire de la dynastie husseinite (15 juillet 1705 – 25 juillet 1957) : les beys de Tunis à l'épreuve du temps et de l'Histoire" (بالفرنسية). Tunis: ريالتي.
  26. ^ Smith، Whitney (2001). Flag Lore Of All Nations. بروك فيلد  [لغات أخرى]‏, كونيتيكت: Millbrook Press. ص. 94. ISBN:0-7613-1753-8. OCLC:45330090.{{استشهاد بكتاب}}: صيانة الاستشهاد: مكان (link)
  27. ^ Bdira, Mezri (1978). Relations internationales et sous-développement: la Tunisie 1857–1864 (بالفرنسية). Stockholm: Almqvist & Wiksell International. p. 31. ISBN:91-554-0771-4. OCLC:4831648.
  28. ^ https://web.archive.org/web/20080613175430/http://www.ministeres.tn/html/indexdrapeau.html Retrieved July 2008.
  29. ^ Stanford J. Shaw, History of the Ottoman Empire and Modern Turkey (Cambridge University 1976) at I: 29–30, 97–98, and (re French capitulations of 1569) 177.
  30. ^ Richard M. Brace, Morocco Algeria Tunisia (Prentice-Hall 1964) at 34–36.
  31. ^ Balch، Thomas Willing (1909). "French Colonization in North Africa". The American Political Science Review. ج. 3 ع. 4: 539–551. DOI:10.2307/1944685. JSTOR:1944685. S2CID:144883559.
  32. ^ Perkins, Tunisia (Westview 1989) at 69–72.
  33. ^ Rinehart, "Historical Setting" 1–70, at 27, in Tunisia. A country study (3rd ed., 1987).
  34. ^ باللغة الفرنسية César Cantu, Histoire universelle, traduit par Eugène Aroux et Piersilvestro Léopardi, tome XIII, éd. Firmin Didot, Paris, 1847, p. 139
  35. ^ باللغة العربية Original decree of 23 January 1846 on the enfranchisement of slaves (National archives of Tunisia)
  36. ^ باللغة الفرنسية French translation of the decree of 23 January 1846 on the enfranchisement of slaves (Portal of Justice and Human rights in Tunisia) نسخة محفوظة 19 January 2011 على موقع Wikiwix
  37. ^ Ibn Abi Dhiaf, Al Ithaf, tome 4, pp. 89–90
  38. ^ باللغة الفرنسية Décret du 28 mai 1890, Journal officiel tunisien, 29 May 1890 نسخة محفوظة 6 February 2015 على موقع واي باك مشين.