الرها

موقع أثري في أورفة، تركيا

الرُّها أو الرُّهاء[1] (بالإغريقية: Ἔδεσσα، بالسريانية: ܐܘܪܗܝ، بالتركية: Şanlıurfa، بالكردية: Riha)، هيَ مدينة في الجزيرة الفراتية، أسسها سلوقس الأول في موقع مدينة سابقة حوالي عام 302 قبل الميلاد، كانت تعرف أيضًا باسم أنطاكية على كاليرهوي (Antiochia on the Callirhoe) في القرن الثاني قبل الميلاد. كانت عاصمة مملكة الرها شبه المستقلة حوالي العام 132 قبل الميلاد وسقطت تحت الحكم الروماني المباشر عام 242 لتكون عاصمةً لمقاطعة الرها. أصبحت مركزًا مبكرًا مهمًا للمسيحية السريانية.

الرها
خريطة
التسمية
سبب التسمية
الاسم الرسمي
Εδεσσα (بالإغريقية)
Ուռհա (بالأرمنية) عدل القيمة على Wikidata
التقديم
تاريخ التأسيس
302 "ق.م" عدل القيمة على Wikidata
تقسيم إداري
البلد
تركيا (1923 – ) عدل القيمة على Wikidata
التقسيم الأعلى
عاصمة لـ
السكان
عدد السكان
55٬000 (1890) عدل القيمة على Wikidata
الجزيرة الفراتية وسوريا في الفترة المسيحية المبكرة، تظهر الرها في الربع العلوي الأيسر

في عام 260، وقعت معركة الرها بين الإمبراطورية الساسانية والإمبراطورية الرومانية التي كان يقودها فاليريان، وانتهت بانتصار الساسانيين. وفي عام 638 دخل الجيش الإسلامي المدينة في إطار فتح بلاد الشام. استعادت الإمبراطورية البيزنطية سيطرتها على المدينة لفترة وجيزة عام 1031، وبعد ذلك أصبحت الرها مركزًا لـ كونتية الرها الصليبية بين عامي 1098–1144. سقطت المدينة في يد الدولة الزنكية عام 1144، وضُمَّت في النهاية إلى الدولة العثمانية عام 1517. الاسم الحديث للمدينة هو أورفة، وتقع حاليًا في محافظة أورفة في منطقة جنوب شرق الأناضول في تركيا.

التسمية

عدل
 
آثار أعمدة رومانية في الرها، موجودة في موقع قلعة أورفة الحديثة.

كان أول اسم للمدينة أدما (Adma، كُتبَ أيضًا Adme ،Admi ،Admum بالعبرية: אדמא)، وهو مسجل في الكتابة المسمارية في القرن السابع قبل الميلاد.[2]

وقد أُعيد تأسيس البلدة السورية على شكل مستوطنة عسكرية هلنستية من قبل سلوقس الأول حوالي 303 قبل الميلاد، وقد سُمّيت إديسا اسم العاصمة القديمة لمقدونيا، ربما بسبب وفرة المياه فيها مثل إذيسا المقدونية.[2][3][4][5] ثمّ أُعيدت تسميتها كاليروهي (Callirrhoe) أو Antiochia on Callirhoe (بالإغريقية:Ἀντιόχεια ἡ ἐπὶ Καλλιρρόης، باللاتينية: Antiochia ad Callirhoem) في القرن الثاني قبل الميلاد (وُجدت بهذا الاسم على عملات رهّاوية سكّها أنطيوخوس الرابع حوالي 175 - 164 قبل الميلاد).[2][3][4]

بعد عهد أنطيوخس الرابع، عاد اسم المدينة إلى إديسا وأورهاي[3] فأصبحت تسمّى بالعربيّة الرّها، وبالأرمنية أورها Ուռհա، وبالسريانية ʾŌrhāy ܐܘܪܗܝ وباللاتينية: Rohais. في عهد كما أتاتورك غُيّر الاسم فيالتسمية التركية إلى أورفة Urfa أو Şanlıurfa ثم شانلي أورفا (أي أورفة العظيمة)، وهذا هو اسمها الرسمي الحالي. ربما يكون الاسم الآرامي والسرياني للمدينة مشتقًا من الاسم الفارسي خسرو.[3]

سُمّيت المدينة جوستينوبوليس في أوائل القرن السادس. وفقًا لبعض التقاليد اليهودية والإسلامية، فإن الرها هيَ نفسها أور الكلدانيين، مسقط رأس إبراهيم.[بحاجة لمصدر]

الرها عند العرب

عدل

يقول ياقوت الحموي عنها في معجم البلدان:[1]

«الرُّهاء: بضم أوله، والمد، والقصر: مدينة بالجزيرة بين الموصل والشام بينهما ستة فراسخ سميت باسم الذي استحدثها، وهو الرهاء بن البلندي بن مالك ابن دعر، وقال الكلبي في كتاب أنساب البلاد بخط حجحج: الرهاء بن سبند بن مالك بن دعر بن حجر ابن جزيلة بن لخم، وقال قوم: إنها سميت بالرها ابن الروم بن لنطي بن سام بن نوح، عليه السلام، قال بطليموس: مدينة الرها طولها اثنتان وسبعون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها سبع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة، طالعها سعد الذابح لها شركة في النسر الطائر تحت ثلاث عشرة درجة من السرطان، بيت ملكها مثلها من الحمل في الاقليم الرابع، وقال يحيى ملكها مثلها من الحمل في الاقليم الرابع، وقال يحيى ابن جرير النصراني: الرها اسمها بالرومية أذاسا، بنيت في السنة السادسة من موت الإسكندر، بناها الملك سلوقس كما ذكرنا في أذاسا، والنسبة إليها رهاوي، وكذلك النسبة إلى رهاء قبيلة من مذحج، وقد نسب إليها جماعة من المتقدمين والمتأخرين، فمن المتقدمين يحيى بن أبي أسد الرهاوي أخو زيد، يروى عن الزهري وعمرو بن شعيب وغيرهما، كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل لا يجوز الاحتجاج به، روى عنه أهل بلده وغيرهم، ومات سنة 146، ومن المتأخرين الحافظ عبد القادر بن عبد الله بن عبد الرحمن الرهاوي أبو محمد، ولد بالرها ونشأ بالموصل وكان مولى لبعض أهل الموصل وطلب العلم وسمع الكثير، رحل في طلب الحديث من الجزيرة إلى الشام ومصر، وسمع بالإسكندرية من الحافظ أبى طاهر السلفي ودخل العراق وسمع من ابن الخشاب وخلق كثير من تلك الطبقة ومضى إلى أصبهان ونيسابور ومرو وهراة وسمع من مشايخها وقدم واسطا وسمع بها وعاد إلى الموصل وأقام بها بدار الحديث المظفرية مدة يحدث وسكن بآخره بحران، ومات في جمادى الأولى سنة 612، وكان يقول إن مولدة سنة 536، وكان ثقة صالحا، وأكثر سفره في طلب الحديث والعلم كان على رجله، وخلف كتبا وقفها بمسجد كان سكنه بحران، وقال أبو الفرج الأصبهاني:

حدثني أبو محمد حمزة بن القاسم الشامي قال: اجتزت بكنيسة الرها عند مسيري إلى العراق فدخلتها لا شاهد ما كنت أسمعه عنها، فبينما أنا أطوف إذ رأيت على ركن من أركانها مكتوبا فقرأته فإذا هو بحمرة: حضر فلان بن فلان وهو يقول: من إقبال ذي الفطنة إذا ركبته المحنة انقطاع الحياة وحضور الوفاة، وأشد العذاب تطاول الأعمار في ظل الاقتار، وأنا القائل:ولى همة أدنى منازلها السها، ونفس تعالت بالمكارم والنهى وقد كنت ذا آل بمرو سرية فبلغت الأيام بي بيعة الرها ولو كنت معروفا بها لم أقم بها، ولكنني أصبحت ذا غربة بها ومن عادة الأيام إبعاد مصطفى، وتفريق مجموع وتبغيض مشتهى قال: فاستحسنت النظم والنثر وحفظتهما، وقال عبيد الله بن قيس الرقيات:

فلو ما كنت أروع أبطحيا
أبى الضيم مطرح الدناء
لودعت الجزيرة قبل يوم
ينسى القوم أطهار النساء
فذلك أم مقامك وسط قيس
ويغلب بينها سفك الدماء
وقد ملأت كنانة وسط مصر
إلى عليا تهامة فالرهاء

وقد نسب ابن مقبل إليها الخمر فقال:

سقتني بصهباء درياقة متى ما تلين عظامي
تلن رهاوية مترع دنها ترجع من عود وعس
»

وقد وصفها الإدريسي في كتابه نزهة المشتاق في اختراق الآفاق بقوله:[6]

«والرها مدينة في بقعة تتصل بحران والرها وسطة من المدن والغالب على أهلها النصارى وبها أكثر من مائتي بيعة ودير ومواضع بها رهبانهم وبها بيعة ليس للنصارى أعظم منها وبها مياه وزروع وكان بها منديل للسيد المسيح فأخذه ملك الروم منهم»

الجغرافيا

عدل

كانت الرها تقع وسط سلسلة من التلال المحاطة بسهل خصب، وبالتالي اعتُبرَ موقعها جيدًا.[3][4] كانت السلسلة بدورها امتدادًا لجبل ماسيوس، وهو جزء من جبال طوروس في جنوب آسيا الصغرى.[3] كانت المدينة تقع عند مفترق طرق؛ حيثُ يتقاطع الطريق السريع بين الشرق والغرب من زيوغما على الفرات إلى دجلة، مع الطريق الواصل بين الشمال والجنوب من سامسات إلى الفرات عبر حران.[3]

التاريخ

عدل

التاريخ المبكر

عدل

في النصف الثاني من القرن الثاني قبل الميلاد، عندما تفككت الإمبراطورية السلوقية خلال الحروب مع فرثيا (145-129 قبل الميلاد)، أصبحت الرها عاصمة السلالة الأبجرية، التي أسست مملكة مملكة الرها. تأسست هذه المملكة من قبل مجموعة عربية أتت من شمال شبه الجزيرة العربية، وحكمت المدينة قرابة أربعة قرون (حوالي 132 قبل الميلاد إلى 214)، بواسطة ثمانية وعشرين حكامًا، أطلقوا على أنفسهم أحيانًا اسم «ملك» كما يظهر في عملاتهم. كانت الرها في البداية تحت حماية فرثيا، ثم تيغران الأرمني، وأصبحت عاصمة الجزء الأرمني في شمال بلاد ما بين النهرين، ثم من زمن بومبيوس الكبير أصبحت جزءًا من الإمبراطورية الرومانية. بعد الاستيلاء عليها وسلبها من قبل تراجان، احتل الرومان الرها من 116 إلى 118، وقد أدى تعاطفها مع البارثيين إلى قيام لوسيوس أورليوس فيروس بنهبها في وقت لاحق من القرن الثاني. أصبحت المملكة مقاطعة رومانية من عام 212 حتى عام 214.

 
عملة فضية في الرها قام بسكّها ماكرينوس، 217-218 م

تعرض الإمبراطور الروماني كاراكلا للاغتيال على الطريق الممتد من الرها إلى حران من قبل أحد حراسه في 217. أصبحت الرها واحدة من المدن الحدودية لمقاطعة أوسروين وتقع بالقرب من حدود الإمبراطورية الساسانية. وقعت معركة الرها بين الجيوش الرومانية تحت قيادة الإمبراطور فاليريان والقوات الساسانية بقيادة الإمبراطور سابور الأول في 260.[3] هُزم الجيش الروماني وأسر بالكامل من قبل القوات الفارسية، بما في ذلك فاليريان نفسه، وهو حدث لم يحدث من قبل.

كانت اللغة الأدبية للقبائل التي أوجدت هذه المملكة هي الآرامية، وهي الأساس الذي تفرعت منهُ اللغة السريانية. هناك دلائل على أن الثقافة الهلنستية استُبدلت بعد ذلك بوقت قصير، فمثلاً وضعت صور الأبطال السريان على القطع النقدية، وفي ما خلا فترة حكم الملك بالوكالة (أو الملك العميل) أبجر الرابع (179-214) فإن هناك نقصاً في النقوش اليونانية العامة حصل بالتوازي مع ما سبق.[7]

مركز للمسيحية المبكرة

عدل
 
الملك أبجر الخامس يحمل منديل الرها.

لا يُعرف التاريخ الدقيق لدخول المسيحية إلى الرها لكن ليس هناك شك في أن المسيحية انتشرت بقوة في الرها ومحيطها قبل عام 190 بعد الميلاد، وذلك بعد فترة وجيزة من اعتناق العائلة المالكة للمسيحية.[8]

وفقا لأسطورة ذُكرت لأول مرة من قبل يوسابيوس القيصري في القرن الرابع، اعتتق الملك أبجر الخامس المسيحية على يد آداي،[9] وهوَ واحدٌ من الرسل السبعين، أرسله الرسول توما للقيام بذلك.[10] ومع ذلك، تؤكد مصادر مختلفة أن أبجر الذي اعتنق المسيحية كان أبجر التاسع.[11][12][13] وقد أصحبت المسيحية المسيحية الديانة الرسمية للمملكة في عهده.[14]

وقد خلفه أجاي، ثم ماري الرسول، الذي عُيّنَ حوالي عام 200 من قبل سرافيون الأنطاكي. وقد أتى من الرها في القرن الثاني كتاب البشيطتا المشهور، وهوَ الترجمة السريانية للعهد القديم، وأيضًا الإنجيل الرباعي الذي أعدّهُ ططيانوس الآشوري حوالي 172، وبقيَ شائع الاستخدام حتى منعهُ رابولا أسقف الرها (412-435). من بين التلاميذ اللامعين في مدرسة الرها، برديصان (154-222)، وهوَ زميل أبجر التاسع، وقد كان لهُ دور في إنشاء الشعر الديني المسيحي، والذي استمر تعليمه من قبل ابنه هارمونيوس وتلاميذه.

عُقدَ مجلس مسيحي في الرها في وقت مبكر من عام 197.[15] وفي عام 201 دمر فيضان كبير المدينة، ودُمِّرت الكنيسة المسيحية.[16] انتشرت في بداية القرن الثالث الميلادي كتابات «سفر أعمال توما» التي نُسبَت للرسول توما في الرها، لكنّ الكنيسة اعتبرتها ملفّقة، وفي 232 نُقلت رفات توما من ميلابور في الهند إلى المدينة. عانى المسيحيون خلال الهيمنة الرومانية على المدينة واستشهد كثيرون منهم مثل شربل وبراميا في عهد ديكيوس، والقديس جرجا وشمونة وحبيب وغيرهم في عهد ديوكلتيانوس. في هذه الأثناء، قام الكهنة المسيحيون في الرها بتنصير القسم الشرقي من بلاد ما بين النهرين، وبلاد فارس، وأنشؤوا الكنائس الأولى في الإمبراطورية الساسانية. شاركَ Atillâtiâ أسقف الرها، في مجمع نيقية الأول عام 325.

يقدم Peregrinatio Silviae سردًا للعديد من المقدسات في الرها حوالي العام 388.[17]

الفترة البيزنطية

عدل

تحت الحكم البيزنطي، كان في الرها 11 أسقفية مساعدة، وكانت المدينة تشكل مقاطعة داخل الأبرشية المشرقية.[18] يذكر ميشيل لو كوين خمس وثلاثين أسقفًا لمدينة الرها في تلك الفترة، لكن قائمته غير مكتملة.[19] يُقال أن الأساقفة النساطرة قد أقاموا في الرها منذ القرن السادس.

عندما تم التنازل عن نصيبين للفرس عام 363، غادر أفرام السرياني مسقط رأسه إلى الرها، حيث أسس المدرسة الفارسية الشهيرة. وصلت هذه المدرسة، التي حضرها إلى حد كبير الشباب المسيحي في بلاد فارس، وراقبها عن كثب رابولا، صديق كيرلس بابا الإسكندرية بسبب ميولها النسطورية، إلى أعلى تطور لها في ظل الأسقف إيباس. أُغلقت بشكل مؤقت في عام 457، وبشكل نهائي في عام 489، بأمر من الإمبراطور زينون والأسقف سايروس، حيثُ غادر المعلمون والطلاب مدرسة الرها إلى نصيبين وأصبحوا مؤسسي وكتاب الكنيسة النسطورية في بلاد فارس.[20] ازدهرت الميافيزية في الرها، حتى بعد الفتح العربي.

أعاد جستين الأول الذي حكم بين 518-527، بناء الرها، وأطلق عليها تسمية جوستينوبوليس.[21]

وقع حصار فاشل ساساني. للمدينة عام 544. تم الاستيلاء على المدينة في عام 609 من قبل الإمبراطورية الساسانية، وسرعان ما استعادها هرقل، لكنها خسرت أمام جيش الخلافة الراشدة خلال الفتح الإسلامي للشام عام 638.

الحكم الإسلامي

عدل

بدأ الجيش الإسلامي حملته باتجاه الجزيرة الفراتية بقيادة عياض بن غنم، وبعد استيلائه على الرقة توجّه نحو الرها وعسكرَ على أحد أبوابها، فقاومهُ سكان المدينة واشتبكوا معهُ بدايةً، ثُمّ طلبوا منهُ الصلح فأرسل عياض كتابًا لأسقف المدينة أمّنَ فيه أهلها على بيوتهم وأموالهم وكنائسهم، واشترطَ عليهم دفع الجزية وعدم بناء كنائس أخرى أو إظهار الصلبان. وقد كان هذا الصلح مشابهًا لصلح الرقة، وسارَ على خطاه سكان مدن أخرى من الجزيرة مثل حران. وقد كان عياض بن غنم يبدأ فتوحاته نحو مناطق أخرى من الجزيرة انطلاقًا من الرها وبعد انتهاء معاركه يعود إليها.[22]

كتبَ المؤرخ الأرمني سيبيوس أسقف باغراتيد أرمينيا في ستينيات القرن 6 أقدم روايات سردية عن الإسلام. يروي سيبيوس عن وفد يهودي ذهب إلى مدينة عربية (ربما المدينة المنورة) بعد أن غزا البيزنطيون الرها:

«اجتمعت 12 قبيلة تمثل جميع قبائل اليهود في مدينة الرها. عندما رأوا أن القوات الإيرانية غادرت ... وثم أعطى هرقل، إمبراطور البيزنطيين، أمرًا بمحاصرة المدينة (625) ... فغادروا، وأخذوا الطريق عبر الصحراء إلى تشكستان ثم إلى بني إسماعيل. دعا [اليهود] [العرب] لمساعدتهم وأطلعوهم على العلاقة التي تربطهم في كتب العهد القديم. على الرغم من أن [العرب] كانوا مقتنعين بعلاقتهم الوثيقة، إلا أنهم لم يتمكنوا من الحصول على إجماع من جماهيرهم، لأنهم انقسموا على بعضهم البعض بسبب الدين. في تلك الفترة برز أحدهم، وهو رجل من أبناء إسماعيل يدعى محمد، تاجر. وكُشفت لهم عظة عن طريق الحق، يفترض أنها بأمر الله ... أمرهم جميعًا بالتجمع والتوحد في الإيمان ... قال: "وعد الله إبراهيم ونسله بهذا البلد إلى الأبد، وقد تحقق ما وعد به في ذلك الوقت عندما أحب [الله] إسرائيل، ولكن الآن، أنت حفيد إبراهيم، والله سوف يفي بالوعد الذي قطعه لإبراهيم ونسله. فقط أحبَّ إله إبراهيم، واذهب وخذ البلد الذي أعطاه الله لألبك إبراهيم، لا أحد يستطيع أن يقاومك بنجاح في الحرب، لأن الله معك.»

غالبًا ما حاول البيزنطيون استعادة الرها، خاصة في عهد رومانوس الأول، الذي حصل من السكان على «منديل الرها»، وهوَ صورة قديمة للمسيح، ونقلها رسميًا إلى القسطنطينية في 16 أغسطس 944. كان هذا آخر إنجاز كبير في عهد رومانوس. هذه الصورة الجليلة والمشهورة، التي كانت بالتأكيد موجودة في الرها عام 544، والتي توجد نسخة قديمة منها في مكتبة الفاتيكان، سُرقَت وتم إحضارها إلى الغرب من قبل جمهورية البندقية في عام 1207 بعد الحملة الصليبية الرابعة. حكم المروانيون المدينة بعد ذلك بوقت قصير.

العصور الوسطى والعصر الحديث

عدل
 
جورج مانياكيس مدافعًا عن الرها.

في عام 1031، استولى البيزنطيون بقيادة جورج مانياكيس على الرها بعد أن تخلى عنها حاكمها العربي. استعادها العرب في وقت لاحق، ثم سيطر عليها اليونانيون والأرمن ثُمّ السلاجقة (1087) والصليبيين (1099)، الذين أسسوا هناك كونتية الرها واحتفظوا بالمدينة حتى 1144، عندما استولى عليها عماد الدين زنكي، وزُعم أن معظم سكانها ذبحوا مع رئيس الأساقفة اللاتين.[23] هذه الأحداث معروفة بشكل رئيسي من خلال المؤرخ الأرمني ماثيو، الذي ولد في الرها. في عام 1144 كان عدد سكان المدينة من الأرمن 47000. في 1146، استعاد الصليبيون المدينة لفترة وجيزة لكنهم فقدوها بعد بضعة أيام. على حد تعبير ستيفين رونسيمان «دُفعَ جميع السكان المسيحيين إلى المنفى وتُركت المدينة العظيمة، التي كانت أقدم كومنولث مسيحي في العالم، فارغة وموحشة ولم تتعافى حتى يومنا هذا».[24]

منذ القرن الثاني عشر، حُكمت المدينة على التوالي من قبل سلاطين حلب (الأسرة الأيوبية) وسلاجقة الروم والمغول والمماليك وآق قويونلو والسلالة الصفوية، ومنذ عام 1517 حتى 1918 من قبل الدولة العثمانية.[25]

في عام 1890، بلغ عدد سكان الرها 55,000 نسمة، غالبيتهم من المسلمين (40,835 نسمة).[25] وكان المجتمع المسيحي يتألف من ثلاث مجموعات رئيسية: الأرمن والسُريان واللاتين. بينما تواجدَ مجتمع يهودي صغير يتكون من حوالي 1000 شخص.[26] تعرض 8000 أرمني للذبح عام 1895، وبعد عام وقعت المجازر الحميدية، مما أدى لهجرة السكان اليهود، وقد غادرَ جميع السكان السريان والآشوريين بحلول عام 1924 وتوجّهوا بشكل رئيسي نحو حلب حيثُ أسّسوا حيًا خاصًّا سُمّيَ حي السريان.[27][28]

الأدب السرياني

عدل

أقدم المخطوطات السريانية المعروفة مؤخرًا (411 و 462)، التي تحتوي على نصوص آبائية يونانية، تأتي من الرها.

فيما يلي بعض الأفراد المشهورين المرتبطين بمدينة الرها:

  1. يعقوب البرادعي، وهو ميافيزي عملَ على الحفاظ على الكنيسة (المشرقية) الأرثوذكسية بعد تعرضها للضطهاد إثر النزاع بين الخلقيدونيين واليعاقبة.
  2. يعقوب الرهاوي، أسقف الرها، وكاتب مهم (توفي 708).
  3. ثيوفيلوس، وهو فلكي ماروني، ترجم إلى السريانية ملحمتي الفينيقي هوميروس وهُما (الإلياذة والأوديسة).
  4. ستيفن بار سودهيل [الإنجليزية]، كاتب ومفكر ازدهر في نهاية القرن السادس، ثم انتقل من الرها إلى فلسطين ليصبح راهبًا.
  5. المؤلف المجهول لـ حوليات إديسا (تاريخ الرها) الذي تم تجميعه في 540.
  6. الكاتب المجهول لقصة «رجل الله»، في القرن الخامس، والتي أدت إلى ظهور أسطورة القديس ألكسيوس، المعروف أيضًا باسم ألكسوس من روما [الإنجليزية] (لأن الرهبان الشرقيين المنفيين جلبوا رفاته وآثاره إلى روما في القرن العاشر).
  7. باسل بار شومنا [الإنجليزية] (توفي حوالي 1170) أسقف الرها الذي كتب مؤلفات بالسريانية عن تاريخ المدينة (ضائعة الآن).

المراجع

عدل
  1. ^ ا ب ياقوت الحموي. الرُّهاء. معجم البلدان. ص 106-107. إلكترونيا على موقع المكتبة الشاملة. نسخة محفوظة 24 يونيو 2021 على موقع واي باك مشين.
  2. ^ ا ب ج Harrak 1992
  3. ^ ا ب ج د ه و ز ح Lieu 1997.
  4. ^ ا ب ج Gray & Kuhrt 2012.
  5. ^ Everett-Heath 2018.
  6. ^ الشريف الإدريسي. نزهة المشتاق في اختراق الآفاق. المجلد الثاني، الإقليم الرابع، الجزء السادس، ص 664. المكتبة الشاملة الحديثة. نسخة محفوظة 20 يونيو 2021 على موقع واي باك مشين.
  7. ^ Bauer، Walter (1991) [1934]. "1. Edessa". Orthodoxy and Heresy in Earliest Christianity. U Penn. مؤرشف من الأصل في 2009-02-04.
  8. ^ von Harnack، Adolph (1905). The Expansion of Christianity in the First Three Centuries. Williams & Norgate. ص. 293. there is no doubt that even before AD 190 Christianity had spread vigorously within Edessa and its surroundings and that (shortly after 201 or even earlier?) the royal house joined the church
  9. ^ Herbermann، Charles George (1913). The Catholic Encyclopedia. Encyclopedia Press. ص. 282. مؤرشف من الأصل في 2009-04-24.
  10. ^ {Eusebius Pamphilius: Church History, Life of Constantine, Oration in Praise of Constantine, Book 1 Chapter 13 http://www.ccel.org/ccel/schaff/npnf201.iii.vi.xiii.html}[وصلة مكسورة] نسخة محفوظة 24 نوفمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  11. ^ Cheetham، Samuel (1905). A History of the Christian Church During the First Six Centuries. مكملين ناشرون. ص. 58. مؤرشف من الأصل في 2015-02-05.
  12. ^ von Gutschmid, A. (Jul 1887). "Untersuchungen über die Geschichte des Königliches Osroëne" [Studies on the history of Royal Osroene]. Mémoires de l'Académie Impériale des Sciences de Saint-Pétersbourg (بالألمانية). سانت بطرسبرغ. 35.
  13. ^ Shahid، Irfan (1984). Rome and the Arabs. Dumbarton Oaks. ص. 109–12.
  14. ^ Lockyer، Herbert (1988). All the Apostles of the Bible. Zondervan. ص. 260. ISBN:0-310-28011-7.
  15. ^ يوسابيوس القيصري, Historia ecclesiastica, V, 23.
  16. ^ Chronicon Edessenum, ad. an. 201.
  17. ^ Ed. Gian Francesco Gamurrini, Rome, 1887, 62 sqq.
  18. ^ Échos d'Orient, 1907, 145.
  19. ^ Oriens christianus II, 953 sqq.
  20. ^ Labourt, Le christianisme dans l'empire perse, Paris, 1904, 130–41.
  21. ^ Evagrius, Hist. Eccl., IV, viii
  22. ^ البلاذريّ، أحمد بن يحيى بن جابر بن داود (1988م). فُتوح البُلدان. بيروت - لُبنان: دار ومكتبة الهلال. ص. 176 - 185. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من التاريخ في: |سنة= (مساعدة)
  23. ^ El-Azhari 2016.
  24. ^ Steven Runciman (1951)، A History of the Crusades, Volume II: The Kingdom of Jerusalem and the Frankish East, 1100–1187، Cambridge University Press, p. 240.
  25. ^ ا ب al-Ruha, Suraiya Faroqhi, The Encyclopaedia of Islam, Vol. VIII, ed. C.E.Bosworth, E. van Donzel, W.P. Heinrichs, G. Lecomte, (Brill, 1995), 591-593.
  26. ^ "Interview with Harun Bozo". The Library of Rescued Memories. Central Europe Center for Research and Documentation. مؤرشف من الأصل في 2016-03-31.
  27. ^ Kinross، Lord (1977). The Ottoman Centuries, The Rise and Fall of the Turkish Empire. United States: Harper Perennial. ص. 560. ISBN:0-688-08093-6. مؤرشف من الأصل في 2020-08-05.
  28. ^ Joseph، John (1983). Muslim-Christian Relations and Inter-Christian Rivalries in the Middle East: The Case of the Jacobites in an Age of Transition. United States: جامعة ولاية نيويورك Press. ص. 150. ISBN:0-87395-612-5. مؤرشف من الأصل في 2020-06-11.

مصادر

عدل
  • El-Azhari، Taef (2016). Zengi and the Muslim Response to the Crusades: The Politics of Jihad. Routledge.
  • Everett-Heath, John (2018). "Şanlıurfa". The Concise Dictionary of World Place-Names (4 ed.). Oxford University Press. ISBN 978-0191866326.
  • Gray, Eric William; Kuhrt, Amélie (2012). "Edessa". The Oxford Classical Dictionary (4 ed.). Oxford University Press.
  • Harrak، A (1992)، "The Ancient Name of Edessa" (PDF)، Journal of Near Eastern Studies، ج. 51، ص. 209–214، DOI:10.1086/373553، مؤرشف من الأصل (PDF) في 2022-11-16
  • Lieu, Samuel (1997). "EDESSA". Encyclopaedia Iranica, Vol. VIII, Fasc. 2. pp. 174–175.
  • الموسوعة الكاثوليكية 1909.

روابط خارجية

عدل