قضية الاحتجاج اللغوي

قضية الاحتجاج اللغوي أو نظرية الاحتجاج اللغوي إحدى قضايا دراسة اللغة العربية قديمًا التي حددت المعايير والقواعد اللغوية للغة العربية في الوقت الحاضر، سُميت قضية الاحتجاج وعصورها بهذا الاسم لأنها قائمة على الحجج؛ حيث اتفق العلماء العرب على جمع وتدوين التراث اللغوي العربي وتحديد ما يُستشهد به ويُحتج به في اللغة ويؤخذ به وما لا يؤخذ به ولا يعد استشهادًا أو حجةً.[1]

مصادر الاحتجاج

عدل

اعتمد علماء اللغة في وضع القواعد على أربعة مصادر يؤخذ بها

الاحتجاج في الشعر

عدل

قسم العلماء الشعراء العرب في الاستشهاد بشعرهم إلى أربع طبقات

معايير فصاحة القبيلة في النثر

عدل
  • مقدار قرب ديارها من مكة وما حولها.
  • مقدار توغلها في البادية.

نهاية عصور الاحتجاج

عدل

في الحاضرة منتصف القرن الثاني الهجري 150هـ وفي البادية منتصف القرن الرابع الهجري 400هـ.[3]

اختلاف العلماء في الاحتجاج بالحديث

عدل

سادت المباحث النحوية، واللغوية فكرة تصل شهرة جذورها الأساسية إلى أبي حيان الأندلسي (ت 745هـ). وعصارتها أن أئمة النحو المتقدمين من الكوفة والبصرة ما كانوا ليستشهدوا بشيء من الحديث. وقال إبراهيم مصطفى في هذا الصدد: «أما الحديث فقد رفضوه جملة وقالوا: رواته لا يحسنون العربية فيلحنون فلا حجة في الحديث والاستشهاد به». وقال عن ذلك عبد الصبور شاهين «ففي القرن الرابع كان قد مضى زمان طويل من الإنكار الشديد لمكانة الحديث الشريف من نصوص اللغة».

ويقول مهدي المخزومي في المجال ذاته: «أما الحديث فلم يجوز اللغويون والنحاة الأولون كأبي عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر والخليل بن أحمد الفراهيدي وسيبويه من البصريين والكسائي والفراء وغيرهما من الكوفيين الاستشهاد به». وإلى ذلك أشار شوقي ضيف وعبد العال سالم مكرم، إذ استبعد البصريون من منهجهم الاعتماد على الحديث النبوي الشريف في تقعيد القواعد.

وقد جاء أبو حيان الأندلسي في تفسيره «البحر المحيط» بشواهد كثيرة، ولم يأل جهدا في ميدان الاحتجاج والاستشهاد؛ فقد اعتمد على الشواهد في استنباط معاني الكلمات القرآنية وتوضيحها وتحديدها. ولأبي حيان موقف من الاحتجاج، يمكن تلخيصه بما يلي:

إنه يحتج ويستشهد بالقرآن الكريم، وقراءاته، والكلام العربي ولهجاته، ولكنه لا يجوِّز الاحتجاج بالحديث النبوي الشريف، ويتبين ذلك من خلال إنكاره على ابن مالك استشهاده بالحديث النبوي الشريف، معللا ذلك أن العلماء تركوا ذلك لعدم وثوقهم من أن ذلك لفظ الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ لو وثقوا بذلك لجرى مجرى القرآن الكريم في إثبات القواعد الكلية. وإنك تجد أن الرواة جوزوا النقل بالمعنى – لا سيما بالأحاديث الطوال - نقلا عن «سفيان الثوري»: إن قلت لكم إني أحدثكم كما سمعت فلا تصدقوني، إنما هو المعنى.

وهناك أمر ثان، وهو أنه قد وقع بعض اللحن فيما روي من الحديث؛ لأن بعض الرواة كانوا غير عرب، وكانوا يقعون باللحن وهم لا يعلمون ذلك. فلم يستشهد أبو حيان الأندلسي بالحديث إلا قليلا، وفي كثير من الأحيان يورده على سبيل المثال. ونجد في كتابه أنه يسوق الحديث النبوي الشريف للاستدلال به ولكن يؤخره عن المصدرين الآخرين: (القرآن الكريم والكلام العربي) المستشهد به. وكان يكتفي بالاستدلال بالحديث النبوي الشريف ويحذف الإسناد ولا يذكر درجة الحديث من الصحة أو الضعف.

وقد راجت في كتب النحاة والمعاجم فكرة عرض لها البغدادي في خزانة الأدب، مفادها أن تأخر تدوين الحديث النبوي الشريف قد أخر جواز الاستشهاد به! ذلك أن علماء العربية هم غير علماء الحديث النبوي، ثم إن دواوين الحديث لم تكن بعد مشتهرة في العهد الأول من التدوين، ولم يتناولها علماء العربية كما كانوا يتناولون القرآن الكريم. فإذا سلمنا عدم استشهادهم بالحديث؛ فذلك لعدم انتشاره بينهم، لا لأنهم يمنعون الاستشهاد به. وإلى تلك الفكرة اطمأن سعيد الأفغاني في أصول النحو حيث قال: «وأغلب الظن أن من لم يستشهد بالحديث من المتقدمين لو تأخر به الزمن إلى العهد الذي راجت فيه بين الناس ثمرات علماء الحديث من رواية ودراية لقصروا احتجاجهم عليه بعد القرآن الكريم، ولما التفتوا قط إلى الأشعار والأخبار التي لا تلبث أن يطوقها الشك إذا وزنت بموازين فن الحديث العلمية الدقيقة».

وينفي الدكتور عماد علي الخطيب صحة الرأي القائل بعدم الاحتجاج بالحديث النبوي، ويؤكد أنه «كان من علماء اللغة العربية رواة للحديث النبوي الشريف، مثل: أبي عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر الثقفي، والنضر بن شميل المازني، والخليل بن أحمد، والقاسم بن سلام، وعبد الملك الأصمعي، والرياشي، وقد شغل سيبويه بالحديث قبل دخوله مجال العربية، وقد تلمّذ على محدث كبير يعرف بحماد بن سلمة، ويقول ابن شميل المازني يوضح الحقيقة:» ما رأيت أعلم بالسنة بعد ابن عون من الخليل بن أحمد«، فأين ادعاء الباحثين أن علماء العربية ما كانوا ليتناولوا دواوين الحديث لأنها لم تكن مشتهرة كما كانوا يتناولون القرآن الكريم».

ويضيف الخطيب: «إنه ادعاء باطل؛ فإن مدون الحديث الأول هو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري (ت 124هـ)، وظهر الأئمة مبكرين: الإمام مالك بن أنس (93-179هـ)، والإمام الشافعي (150-204هـ)، والإمام أحمد بن حنبل (164-241هـ)، وصنفوا في الحديث. وصولا إلى الصحيحين للبخاري (ت 256هـ)، ومسلم (ت 261هـ)، وهذا عن دل فإنه يدل على اعتماد أئمة اللغة الأولين على الحديث اعتمادا ملحوظا ليحكم بتداول تلك المصنفات الحديثية بينهم. ومن أئمة اللغة الذين استشهدوا بالحديث النبوي ابن جني (ت 392هـ)، وابن فارس (ت 395هـ)، والجوهري (ت 398هـ)، وابن سيده (ت 458هـ)، والسهيلي (ت 581هـ)، وابن بري (ت 581هـ) وابن خروف (ت 609هـ)».[4]

الاحتجاج بالضرورة الشعرية

عدل

لقد اشترط علماء اللغة للاستشهاد بالشعر، أن يكون الشعر من عصر الاحتجاج الذي يمتد حتى سنة 150 للهجرة، أو إضافة قرن آخر إن كان الشاعر العربي عاش في قلب البادية، ويدخل في ذلك القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والشعر الجاهلي، وشعر صدر الإسلام، وشعر العصر الأموي، ومطلع من شعر العصر العباسي بلا استثناء إلا إن ثبت عدم عروبية الشاعر. وإذا لم يكن الشاعر من عصر الاحتجاج دعي الشاهد «مثالا» للاستئناس لا للبرهنة: كشعر المتنبي والمعري، وهما من زعماء البيان العربي.

ومعنى الضرورة الشعرية هي: مخالفة المألوف من القواعد في الشعر، سواء كان في وزن عروضي أو قافية. ولم يسمه العلماء بالخطأ اللغوي، بل نسبوا الخطأ لانهماك الشاعر بموسيقى شعره وأنغام قوافيه، فيقع في الخطأ عن غير شعور منه.

ولم يكن كثير من اللغويين والنحويين يعترف بما يسمى «الضرورة الشعرية» فلم يكونوا يتصورون أن يخطئ شاعر في هذه اللغة؛ لأنه يتكلمها بالسليقة، فإذا وجدوا في شعر شاعر خروجا عن المألوف راحوا يتلمسون له المعاذير والحيل ويتكلفون في التأويل والتخريج ما لا يحتمل.

فتساهل الكوفيون وقعدوا لكل شاذ قاعدة وتشدد البصريون وجعلوا يبررون ويعللون ما ورد مخالفا، وكلاهما جانب الصواب وما كان ضرهم لو أنهم حكموا عليه بالخطأ وأن ما فعله ضرورة شعرية لإصلاح الوزن أو القافية وأن الشاعر بها قد ارتكب خطأ.[4]

مراجع

عدل
  1. ^ "قضية الاحتجاج في اللغة". www.alukah.net. 2 يناير 2017. مؤرشف من الأصل في 2020-08-22. اطلع عليه بتاريخ 2020-08-22.
  2. ^ "الاحتجاج في العربية: المحتج بهم – زمان الاحتجاج". www.alukah.net. 4 يناير 2007. مؤرشف من الأصل في 2020-08-22. اطلع عليه بتاريخ 2020-08-22.
  3. ^ "قضية الاحتجاج للنحو واللغة - منتدى مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية". www.m-a-arabia.com. مؤرشف من الأصل في 2020-08-22. اطلع عليه بتاريخ 2020-08-22.
  4. ^ ا ب "نقد فكرة الاحتجاج في التراث العربي". annales.univ-mosta.dz. مؤرشف من الأصل في 2021-12-03. اطلع عليه بتاريخ 2021-12-03.