سند (علم الحديث)

سلسلة الرواة الذين نقلوا خبر الحديث

السند أو الإسناد(1) في سياق علم الحديث هو سلسلة الرواة الذين نقلوا الحديث واحدا عن الآخر، حتى يبلغوا به إلى قائله،[1] بعبارة أخرى فالسند هو الطريق الموصل إلى متن الحديث، والسند في اللغة: ما ارتَفع من الأَرض في قُبُل الجبل أَو الوادي،[2] والسند: المعتمد، وسمي كذلك لأن الحديث يستند إليه ويعتمد عليه.[3]

أهمية السند

عدل

يُمثل البحث في السند أحد الدعائم الأساسية لعلم الحديث، ويوصل إلى الهدف الأسمى والغرض المطلوب من هذا العلم ألا وهو تمييز الحديث المقبول من المردود.[1] ولذا اختص السند بشروط معينة ليكون الحديث الصحيح، ولذلك قيل فيه أن «الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء»،[4] وأفرد له الإمام مسلم باب سماه «باب بيان أن الإسناد من الدين وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات وأن جرح الرواة بما هو فيهم جائز، بل واجب وأنه ليس من الغيبة المحرمة، بل من الذب عن الشريعة المكرمة».

شروط صحة السند

عدل

يشترط للحكم بصحة السند شروط وهي:

  1. اتصال السند
  2. عدالة كل راو من رواة السند
  3. ضبط كل راو من رواة السند
  4. سلامة السند من الشذوذ
  5. سلامة السند من العلة

فإذا استوفي السند هذه الشروط صار سندا صحيحا، ويبقي استيفاء المتن لشروط الصحة حتى يُحكم على الحديث بالصحة.

أقسام السند

عدل

يُقسم السند بشكل عام إلى قسمين رئيسيين وهما:

السند المتصل

عدل

السند المتصل هو السند الذي فيه كل راو من رواته أخذ الرواية ممن فوقه حتى ينتهي إلى قائله، دون أن يسقط بينهم أحد الرواة، ويُمثل الاتصال أحد شروط صحة السند.

  • مثله:

ما رواه البخاري قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله قال:«الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله»

فنجد أن سند هذا الحديث قد نقل كل راو من رواته عمن يليه حتى وصل إلى رسول الله ، فهو على الشكل التالي:

البخاري ← عبد الله ← مالك ← نافع ← ابن عمر ← رسول الله

وقد تُستخدم بعض المصطلحات في سياق السند المتصل لتُفيد مع اتصال السند وصفا آخر لهذا السند، كوصف عارض له أو كوصف بيان كيفية الاتصال، ومن هذه المصطلحات:

المسند

عدل

يُفيد مصطلح الحديث المسند أن السند متصل، وأن الحديث مرفوع (أي أن القائل هو رسول الله )، ومثاله الحديث السابق، والحديث المسند يكون على الشكل التالي:

سند متصل + متن مرفوع ⇐ حديث مُسنَد

سلسلة الذهب

عدل

سلسلة الذهب تشير لأصح الأسانيد على الإطلاق، ويرى البخاري أن أصح الأسانيد ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر، ومثاله الحديث السابق، وفي ذلك يقول العراقي في ألفيته:

إمساكنا عن حكمنا على سند
بأنه أصح مطلقا وقد
خاض به قوم فقيل مالك
عن نافع بما رواه الناسك
ولاه واختر حيث عنه يسند
الشافعي قلت وعنه أحمد

السند العالي والسند النازل

عدل

يُفيد مصطلح السند العالي اتصال السند وقلة عدد رواته، أي قرب المسافة من رسول الله .

  • مثله:

مارواه البخاري قال حدثنا مكي بن إبراهيم قال حدثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال: سمعت النبي يقول: «من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار»

فهنا نري أنه قد توسط بين البخاري وبين النبي ثلاثة رواة فقط فهو حديث عال.

البخاري ← مكي بن إبراهيميزيد بن أبي عبيدسلمة بن الأكوع ← رسول الله

وعكسه مصطلح السند النازل الذي يُفيد اتصال السند وكثرة عدد رواته، أي بعد المسافة عن رسول الله .

السند المسلسل

عدل

مصطلح السند المسلسل يُفيد أن السند متصل، وأن الرواة تناقلوا الرواية عن بعضهم البعض بهيئة تحاكي هيئة النبي أثناء قوله، وذلك يقوي معنى الاتصال في الحديث، إذ أنهم لم يقتصروا على نقل نص كلام النبي، وإنما تجاوزه لنقل هيئته أثناء كلامه.

  • مثله:

ما رواه البخاري قال حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى أن رسول الله قال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه»

فكان كل واحد من الرواة عندما يروي هذا الحديث لمن بعده كان يشبك بين أصابعه كما فعل النبي ، فهذا حديث مسلسل بفعل تشبيك الرواي بين أصابعه، لأن الرواة تناقلوا الرواية بلفظ رسول الله وبمحاكاة هيئة النبي أثناء قوله. وألف السيوطي في هذا الباب كتاب «المسلسلات الكبرى» و«جياد المسلسلات».

السند المعنعن والسند المؤنن

عدل

يُفيد مصطلح السند المعنعن أن السند متصل، وأن لفظ الأداء المستخدَم فيه هو «عن»، فيُقال: فلان عن فلان، ويُشترط في السند المعنعن لقاء الراوي لمن روى عنه بالعنعنة، وبراءة الراوي من التدليس.

  • مثله:

مارواه مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله قال: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون»

أما مصطلح السند المؤنن فيُفيد أن السند متصل، وأن لفظ الأداء المسُتخدم فيه هو «أن»، فيقال فيه: روى فلان أن فلانا قال...، وهو كالحديث المعنعن، ومثاله:

  • مثله:

مارواه ابن جريج أن نافعا أخبره أن ابن عمر أخبره قال: «كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الأولين وأصحاب النبي في مسجد قباء، فيهم أبو بكر وعمر وأبو سلمة وزيد وعامر بن ربيعة[5]»

المزيد في متصل الأسانيد

عدل

مصطلح المزيد في متصل الأسانيد يُفيد أن السند متصل، وأن هذا السند قد ذُكر فيه راو لم يُذكر في غيره من الأسانيد.

  • مثله:

ما روي عن عبد الله بن المبارك قال: حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثني بسر بن عبيد الله قال: سمعت أبا إدريس يقول: سمعت واثلة بن الأسقع يقول: سمعت أبا مرثد الغنوي يقول: سمعت رسول الله يقول: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها»

وإدراج سفيان وأبا إدريس في هذا الإسناد زيادة ووهم، لأن جماعة من الثقات رووا هذا الحديث بالسند التالي:[6]

عبد الله بن المبارك ← عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ← بسر بن عبيد الله ← واثلة بن الأسقع ← أبو مرثد ← رسول الله

وقد ألف الخطيب البغدادي في هذا الباب كتابه «تمييز المزيد في متصل الأسانيد».

السند المنقطع

عدل

السند المنقطع هو السند الذي سقط منه أحد رواته، فكل سند لا يتصل رواته فهو منقطع، وعليه يكون المنقطع أصلا عاما يندرج تحته أنواعا[1]، وقد جعله بعض المتأخرين قسما خاصا.

  • مثله:

مارواه أبو داود حدثنا شجاع بن مخلد حدثنا هشيم أخبرنا يونس بن عبيد عن الحسن أن عمر بن الخطاب جمع الناس على أبي بن كعب فكان يصلي لهم عشرين ليلة ولايقنت بهم إلا في النصف الباقي

وقد ورد في هذا السند أن الحسن البصري رَوَى عن عمر بن الخطاب، وبالنظر إلى أن الحسن وُلد سنة (21هـ)، وعمر مات أواخر (23هـ)، أو أول (24هـ)، فلا يمكن للحسن أن يسمع من عمر، فيكون السند كما يلي:

أبو داود ← شجاع بن مخلد ← هشيم ← يونس بن عبيد ← الحسن ← ... ← عمر بن الخطاب

وقد تُستخدم بعض المصطلحات في سياق السند المنقطع لتُفيد بجانب الانقطاع تحديدا لمكان هذا الانقطاع، ومن هذه المصطلحات:

السند المعضل

عدل

السند المعضل هو الذي سقط من أثناء سنده راويان على التوالي.

  • مثله:

ما رواه مالك أنه بلغه أن رسول الله قال: «استقيموا ولن تحصوا، واعملوا وخير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن»

فهنا نرى أنه قد سقط من رواة السند بين مالك وبين النبي رجلان على الأقل، التابعي والصحابي، فهو حديث معضل، (كما أنه يصلح أن يسمى معلقا لأن السقط وقع في أول السند)، وهو على الشكل التالي:

مالك ← ... ← ... ← عن رسول الله

السند المرسل

عدل

السند المرسل هو ما رواه التابعي عن رسول الله مباشرة دون راو بينهما، فيكون قد رفع الحديث لرسول الله دون أن يذكر الصحابي الذي رَوى عنه، فيكون موضع الانقطاع بين التابعي وبين رسول الله .

  • مثله:

ما رواه الشافعي أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال أخبرني حميد الأعرج عن مجاهد أنه قال: «كان النبي يظهر من التلبية لبيك اللهم لبيك»

ولأن مجاهد هو أحد التابعين ولم يدرك النبي ولم يذكر اسم الراوي بينه وبين النبي فيكون الحديث مرسلا ويكون على الشكل التالي:

مجاهد ← ... ← رسول الله

المرسل الخفي
عدل

وهو الحديث الذي رواه راو عن راو آخر في عصره لكنه لم يلقاه ولم يسمع منه، ولذا فهو سند منقطع، إلا أن انقطاعه انقطاعا خفيا، لأن التعاصر بين الراويين يُوهم مظنة اللقاء بينهما ومن ثم يُهم اتصال السند.

  • مثله:

ما رواه الترمذي حدثنا إبراهيم بن عبد الله الهروي حدثنانا هشيم أخبرنا يونس بن عبيد عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله : «مطل الغني ظلم، وإذا أحلت على ملئ فاتبعه، ولا تبع بيعتين في بيعة»

فهذا الإسناد ظاهره الاتصال، لأن يونس بن عبيد أدرك نافعا وعاصره معاصرة حتى عد فيمن سمع من نافع، لكن أئمة النقد قالوا إنه لم يسمع منه، فهو من المرسل الخفي.[1]

السند المعلق

عدل

السند المعلق هو ما حُذف مبتدؤه (بدايته أو أوله)، سواء كان المحذوف راو واحدا أو أكثر من راو على التوالي، ولو إلى آخر السند، وسُمي هذا النوع معلقا لأنه بحذف أوله صار كالشيء المعلق من الأعلى بالسقف.

  • مثله:

ما رواه الترمذي قال يُذكر أن النبي قضى بالدين قبل الوصية

فهنا نرى أن الترمذي قد أسقط كل رجال الإسناد من أوله حتى آخره.

انظر أيضًا

عدل

هامش

عدل
  • 1 السند والإسناد قد يطلق أحدهما على الآخر[7]

مراجع

عدل
  1. ^ ا ب ج د منهج النقد في علوم الحديث لنور الدين عتر
  2. ^ قاموس المعني
  3. ^ تيسير مصطلح الحديث لمحمود الطحان
  4. ^ عبدالله بن المبارك، مقدمة صحيح مسلم
  5. ^ صحيح البخاري حديث رقم 7175
  6. ^ مقدمة ابن الصلاح
  7. ^ <منهج النقد في علوم الحديث> لنور الدين عتر، طبعة دار الفكر، صفحة33 ""