سفر اللاويين

الكتاب الثالث من الكتاب المقدس

سفر اللاويين (بالعبرية: ויקרא) هو أحد الأسفار المقدسة في التناخ الكتاب المقدس لدى الديانة اليهودية والعهد القديم لدى المسيحية؛ ولا خلاف على قدسيته لدى جميع الطوائف المسيحية واليهودية؛ يعتبر سفر اللاويين أحد الأسفار الخمسة الأولى المنسوبة لموسى ويشكل جزءًا من التوراة؛[1] أصل التسمية تعود إلى مفردة لاوي وهو أحد أسباط بني إسرائيل الإثني عشر وقد عهد إلى هذا السبط شؤون الخدمة الكهنوتية في المجتمع اليهودي بشكل حصري؛ أما في الترجمة اليسوعية للكتاب المقدسة يظهر السفر تحت اسم سفر الأحبار.

سفر اللاويين

رئيس الكهنة بلباسه الكامل كما جاء في الفصل الثامن من السفر.
العنوان الأصلي ויקרא
الكاتب موسى (حسب التقليد)
تاريخ الكتابة القرن الخامس عشر قبل الميلاد - القرن الخامس قبل الميلاد.
اللغة الأصلية العبرية التوراتية
التصنيف التوراة، تناخ
الأسلوب أحكام الشريعة اليهودية، سرد قصصي
ويكي مصدر سفر اللاويين
أسفار أخرى

ويعتبر السفر الثالث من حيث الترتيب في الكتاب المقدس.

مؤلف السفر عدل

سفر اللاويين كسائر الأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم ينسب إلى موسى،[2] لكن هذه النسبة تأت من التقليد اليهودي ثمّ المسيحي دون وجود أدلة تثبت ذلك، فعلماء نقد النصوص يرجحون فكرة كون الكاتب الأول مجهولاً، وتبدو علاقته بموسى والفاصل الزمني بين الأحداث وتدوينها مجهولاً أيضًا؛ بيد أن تطابق السفر من الناحية التاريخية في وصفه الممالك والأحداث كما هو معروف وشائع، يحفظ للسفر مكانته التاريخية والوثوقية، إذ من المستبعد في حال ألف السفر بكامله استنادًا إلى نسج الخيال، أن يكون متطابقًا مع أحداث حصلت قبل ألف عام من تاريخه، إذا أخذت فترة حكم داوود أو ابنه سليمان لبني إسرائيل موعدًا لكتابة السفر، أو ربما تحديد الفترة اللاحقة لعودة اليهود من سبي بابل؛ فالراجح أن السفر حتى لو لم يكن مؤلفه هو موسى، قد كتب استنادًا إلى تقليد قوي صحيح عن موسى أو عن وثائق قديمة فقدت في العصر الحديث، وهذا رأي ريتشارد سيمون في القرن الثامن عشر إذ وجد أن التوراة كانت مجموعة وثائق مختلفة نسجت في كتاب واحد على يد عزرا بعيدالعودة من سبي بابل، وهذا النسيج لا يقلل من شأن موسى أو من شأن قواعد الشريعة اليهودية. وفي حين يبدي الليبراليون من اليهود والمسيحيون قبولاً لهذا الرأي يرفض المحافظون ذلك ويتمسكون بالتقليد القديم بكون موسى هو مؤلف السفر.

يستخدم السفر للإشارة إلى الرب عبارة ألوهيم وهي صيغة جمع لأيل وربما استخدمت للتفخيم، أطلقت بشكل عام على الأسفار الخمسة الأولى في التوراة، كما أطلقت في بعض المزامير، يرى المستشرق الفرنسي غوستاف لوبون أن كلمة ألوهيم تعني الإله الأعلى، في وقت كان الاعتقاد بتفريد الإله سائدًا في المجتمع اليهودي،[3] كذلك يطلق عليه اسم بعل وهو إله كنعاني أصبح مرادفًا لكلمة الله في الديانة اليهودية.[4] إلى جانب ورود لفظ يهوه والذي لم يتحول إلى مصطلح رسمي حتى العودة من سبي بابل.

قصة السفر وأحداثه عدل

السفر هو سفر تشريعي، وليس سفرًا يروي احداثًا تاريخية، وغالبًا ما ينقل كلام الرب لموسى بشكل مباشر في تنظيم قواعد الديانة اليهودية؛ بعد أن قام موسى بتأسيس خيمة الاجتماع ووضع تابوت العهد دالخلها، أخذ الله يظهر داخل تابوت العهد ولا يسمح لأحد بالدخول سوى موسى وبناءً على دعوة الله.[5]

إن أكثر الأمور التي ينظمها السفر ترتبط بالكهنة ولذلك دعي باسمهم: كيف يقدم الكاهن الذبيحة؟ وشروط الذبائح من العجل، الغنم أو الطيور[6] وكذلك القرابين،[7] وهناك نوعان من الذبائح: ذبيحة الرضا للتكفير عن الخطايا،[8] وذبائح السلامة،[9] ويحدد السفر أيضًا مواعيد تقديم الذبائح وأسبابها:

 
يهود يحتفلون بيوم الغفران الذي قام سفر اللاويين بتنظيمه، لوحة لمارسي جوتيب، 1838.
  وكلّم الرب موسى قائلاً. كلّم بني إسرائيل قائلاً. إذا أخطئت نفس سهوًا في شيء من جميع مناهي الرب التي لا ينبغي عملها وعملت واحدًا منها. إن كان الكاهن الممسوح يخطئ لإثم الشعب، يقرّب عن خطيئته التي أخطأ ثورًا ابن بقر صحيحًا للرب.[10]  

ويميز السفر بين ثلاث أنواع من الخطايا، إذا أخطأ جميع الشعب أو قسمًا كبيرًا منهم،[11] رئيس أو شخصية مرموقة في المجتمع،[12] وواحد من عامة الشعب،[13] ويذكر البخور كرائحة سرور للرب،[14] إن الذبائح المترافقة مع رش الدم في خيمة الاجتماع وحولها وإحراق بقاياها تبدو الطريقة الوحيدة لغفران الخطايا فعن طريقها:يكفر الكاهن عن خطيئته التي أخطأ فيصفح عنه.[15]

يقوم السفر أيضًا في تنظيم قواعد الشهادة لدى المحاكم،[16] وقواعد النجاسة والطهر،[17] والذبائح المقدمة لدى شهادة الزور أو الامتناع عن الشهادة أو القيام بنجاسة ما،[18] يتكلم أيضًا عن عادة يهودية قديمة ظلت حتى أيام يسوع المسيح، وهي تيس الخطيئة،[19] حيث كان كل فرد في المجتمع يقر خطاياه التي اقترف فوق التيس والذي يطلق في يوم محدد من قبل الكاهن إلى الصحراء حيث يموت هناك وتموت معه خطايا الشعب التي حملها.[20]

الفصل الحادي عشر من السفر، ينظم قوائم محرمات الطعام ومحللاتها في الديانة اليهودية:

النوع الطاهر النجس
الثدييات تنظم في فئتين: 1. عاشبة، مجترة. 2. صحيحة الحوافر. ما لا يحقق أحد الشرطين.
الطيور ما لم يذكر صراحة في القائمة نجاسته. الطيور اللاحمة والتي تعيش في أماكن الخراب أو النجاسة.
الزواحف لا شيء. الجميع.
الحيوانات المائية شرطين: 1. تملك زعانف. 2. تملك حراشف أو قشرة خارجية. ما لا يحقق أحد الشرطين.
الحشرات لاشيء، عدا الجراد. الجميع، عدا الجراد.

ثم ينتقل في الفصل الثاني عشر لتنظيم قواعد الحبل والولادة وكيفية الطهور بعدها إذ إن المرأة الحامل والحائض تعتبر نجسة.[21]

الفصل الثالث عشر يحدد أعراض البرص وحكم الكاهن فيها، إن المحكوم بالبرص يعتبر نجسًا يفصل عن المجتمع ويبقى خارج الجماعة،[22] ويحدد السفر أحكام ثيابه ومنزله وسائر ممتلكاته التي باتت نجسة منه،[23] لكن السفر يذكر أيضًا إمكانية البرئ من البرص ومراسيم الطهر منه،[24] كذلك مراسيم الطهار بعد الجماع وبعد أي سائل آخر يخرج من الجسم والذي يعتبر عملاً نجسًا يجب الطهر منه،[24] ويحدد مظاهر الحشمة في المجتمع اليهودي ورجم المثليين جنسيًا وكذلك من يضاجع الحيوانات،[25] وينهي عن الوشم،[26] والسحر واللجوء إلى السحرة.[27]

وينظم السفر أيضًا مهام الكاهن الأعظم للشعب اليهودي، وصفات زوجته،[28] والصفات الواجب أن تتوافر في الكاهن بشكل عام،[29] ويعيد تنظيم قواعد الراحة في السبت، والأعياد المذكورة في سفر الخروج؛[30] والنذور،[31] والسنة السبتية والسنة اليوبيلية والتي تعتبر علامة فارقة في الديانة اليهودية،[32] وينتهي السفر بمجموعة عواقب قد ينزلها الله في حال أخطأ بنو إسرائيل واستمروا في خطأهم.[33]

غاية السفر وأهميته عدل

إن غاية السفر تنظيم المجتمع اليهودي القبلي البدائي خصوصًا وظائف الكهنة به، وإلى جانب كونهم من يقرب الذبائح فقد منح الكهنة سلطتي القضاء ونوعًا من الطب؛ السفر بالنسبة للديانة اليهودية خصوصًا القديمة يعتبر أساسي في عدة نواحي، إذ نظم أصول الرق والسنة السبتية، الذبائح، البرص، الأعياد والراحة، أيضًا فإن سفر اللاويين يظهر في الصلوات اليهودية اليومية وسائر الطقوس في الديانة اليهودية، كالركوع في الصلاة،[34] وتنظيم العشور والصدقة،[35] والصوم: يكون لكم فريضة دهرية أنكم في الشهر السابع في عاشر الشهر تذللون أنفسكم للرب إلهكم.[36] وإلى جانب ذلك فإن اليهود يفتخرون في صلواتهم اليومية بالتوراة وسفر اللاويين جزء منها، وتردد أدعية تفيذ ذلك، ويلقب الله في بعض الأحيان بمعطي التوراة.[37] في اليهودية الحديثة لم يعد الالتزام بالنصوص كما كمان سابقًا، باستثناء مجموعات صغيرة من اليهود الأرثوذكس:

  لقد منع الله تشريح الجثث حسب سفر اللاويين، لكن فتح الجثث في تلك الأيام كان سيؤدي إلى انتشار الأوبئة، أما اليوم فإن التشريح فتح الجثث هو من يمنع انتشار الأوبئة وينقذ البشرية، فغاية النص وليس حرفيته هي الخالدة.  

—جورج مينوا، الكنيسة والعلم.

هذه أيضًا نظرة الدين المسيحي نحو شرائع سفر اللاويين، وتتزايد أهمية السفر في المسيحية لارتباطه بمعاني لاهوتية وعقائد مسيحية لاحقة ظهرت في العهد الجديد؛ فالمسيحيون لم يعودوا يقربون الذبائح لأن يسوع هو الذبيحة الدائمة:

  إن البركات السماوية قد تحقتت في المسيح فهو الآن كاهننا الأعلى الذي يؤدي خدمته في الخيمة الحقيقية وهي أعظم وأكمل من الخيمة الأرضية إنها في السماء؛ فإلى قدس أقداس هذه الخيمة دخل المسيح مرة واحدة حاملاً دم نفسه لا دم التيوس والعجول يعد أن سفك دمه عوضًا عنا فحقق لنا فداءً أبديًا.

وهو لم يدخل ليقدم نفسه ذبيحة مرة بعد مرة، كما الكاهن الأعلى على الأرض يفعل، ويدخل مرة كل سنة إلى قدس الأقداس بدم غير دمه، وإلا لكان يجب أن يموت المسيح متألمًا مرات كثيرة منذ إنشاء العالم، ولكنه الآن وعند انتهاء الأزمنة ظهر مرة واحدة ليبطل قوة الخطيئة بتقديم نفسه ذبيحة.[38]

 
 
يسوع في عظة الجبل اقتبس من سفر اللاويين: كونوا قديسين لأني أنا قدوس؛ اللوحة لكارل بلوش، القرن التاسع عشر.

كذلك لا يتلزم المسيحيون بشريعة مسموحات الطعام وممنوعاته:

  إن نظام العهد السابق قد اقتصر على تحريم بعض المأكولات والمشروبات وتحليل غيرها، وعلى وضع نظم مختصة بطقوس الاغتسال المختلفة، إن كل ما ضمه ذلك النظام كانت قوانين جسدية ينتهي عملها حين يأتِ وقت الإصلاح.[39]  

كذلك لم يعد المسيحيون يهتمون بنظام الكهنوت القديم لأنه: قد ألغي فهو عاجز وغير نافع.[40]

لكن السفر يلبث هامًا ليطلع من خلاله المسيحيون على ما كان الوضع في السابق وما أصبح عليه، فلا يمكن فهم العهد الجديد من دون الاطلاع على العهد القديم.[41]

السفر في العهد الجديد عدل

يرد الاستشهاد بسفر اللاويين في العهد الجديد أولاً خلال عظة الجبل التي يذكرها إنجيل متى حيث غير يسوع بضعًا من شرائع السفر: سمعتم أنه قبل عين بعين وسن بسن، أما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر بمثله.[42] ولكنه ثبت بعضها الآخر مقتبسًا أقولاً بعينها: كونوا قديسين لأني أنا قدوس[43] وأيضًا: إذا أخطأ أخوك فعاتبه، فإذا تاب فاغفر له (2)[44] وقد استشهد به يسوع أيضًا للدلالة على أهمية إكرام الوالدين،[45] وعند حديثه مع الأبرص التزم يسوع ما ورد في شريعة البرص المنصوص عنها في سفر اللاويين: اذهب واعرض نفسك على الكاهن.[46] واعتبر وصية السفر: أحبب قريبك كنفسك[47] الوصية الأولى في التوراة،[48] ويمكن إيجاد التشابه بين دعوة يوحنا المعمدان ودعوة سفر اللاويين،[49] وعندما انعقد مجمع أوراشيم الأول سنة 50 أوصى المسيحيون الأوائل أن: يمتنعوا عن الأكل من الذبائح النجسة المقربة للأصنام، وعن ارتكاب الزنى، وعن تناول لحوم الحيوانات المخنوقة، وعن الدم.[50] ما يتوافق مع شرائع سفر اللاويين أيضًا،[51] كذلك يستشهد بولس عدة مرات بسفر اللاويين.[52]

انظر أيضًا عدل

 
التوراة
أسفار موسى الخمسة
سفر التكوين
سفر الخروج
سفر اللاويين / الأحبار
سفر العدد
سفر التثنية


هامش عدل

المراجع عدل

  1. ^ مقدمة في سفر اللاويين موسوعة الأنبا تكلا، 20 أيلول 2010 نسخة محفوظة 08 سبتمبر 2017 على موقع واي باك مشين.
  2. ^ The first five books of the Old Testament الموسوعة الكاثوليكية، 29 أيلول 2010 نسخة محفوظة 19 سبتمبر 2015 على موقع واي باك مشين.
  3. ^ العبادات في الديانة اليهودية، عبد الرزاق الموحي، دار الأوائل، طبعة أولى، دمشق 2004، ص.23
  4. ^ العبادات في الديانة اليهودية، مرجع سابق، ص.24
  5. ^ لاويين 1/1
  6. ^ لاويين 1/ 2-17
  7. ^ لاويين 2/ 1-16
  8. ^ لاويين 3/1
  9. ^ لاويين 2/3
  10. ^ لاويين 4/ 1-3
  11. ^ لاويين 4/ 13-21
  12. ^ لاويين 4/ 22-26
  13. ^ لاويين 4/ 27-31
  14. ^ لاويين 32/4
  15. ^ لاويين 35/4
  16. ^ لاويين 1/5
  17. ^ لاويين2/5
  18. ^ لاويين 5/ 5-19
  19. ^ لاويين 16/10
  20. ^ لاويين 21/16
  21. ^ لاويين 2/12
  22. ^ لاويين 46/13
  23. ^ لاويين 59/13
  24. ^ أ ب لاويين 14/ 1-32
  25. ^ لاويين، 18
  26. ^ لاويين 28/19
  27. ^ لاويين 31/19
  28. ^ لاويين 21/ 10-13
  29. ^ لاويين 21/ 16-20
  30. ^ لاويين 23/ 22-44
  31. ^ لاويين، 27
  32. ^ لاويين، 25
  33. ^ لاويين، 26
  34. ^ وقد استبدلت هذه العادة بالانحناء اليوم، راجع، العبادات في الديانة اليهودية، عبد الرزاق الموحي، دار الأوائل، طبعة أولى، دمشق 2004، ص.43
  35. ^ العبادات في الديانة اليهودية، مرجع سابق، ص.72
  36. ^ العبادات في ادليانة اليهودية، مرجع سابق، ص.76
  37. ^ العبادات في الديانة اليهودية، مرجع سابق، ص.55
  38. ^ الرسالة إلى العبرانيين 9/ 11-12 و25-26
  39. ^ الرسالة إلى العبرانيين 10/9
  40. ^ الرسالة إلى العبرانيين 18/17
  41. ^ تتفق أسفار العهد القديم والعهد الجديد في تعيين طرق الخلاص الحق، 29 أيلول 2010. نسخة محفوظة 31 مارس 2016 على موقع واي باك مشين.
  42. ^ قارن لاويين 20/24 ومتى 5/ 38-39
  43. ^ قارن متى 48/5 ولاويين 1/19
  44. ^ قارن لوقا 3/17 ولاويين 17/19
  45. ^ قارن متى 4/15 ولاويين 2/19
  46. ^ قارن مرقس 43/1 ولاويين 14/ 1-32
  47. ^ لاويين 18/19
  48. ^ مرقس 12/ 28-32
  49. ^ قارن لوقا 14/3 ولاويين 11/19
  50. ^ أعمال الرسل 20/15
  51. ^ لاويين 17/3
  52. ^ قارن مثلا: غلاطية 12/3 ولاويين 5/18 وكولوسي 1/4 ولاويين 13/19

مواقع خارجية عدل

سبقه
سفر الخروج
العهد القديم


تبعه
سفر العدد