سفر التكوين

الكتاب الأول من الأناجيل المسيحية والعبرية

سِفْرُ التَّكْوِينِ (بالعبرية:בראשית)، هو أول أسفار التوراة (أسفار موسى الخمسة) وأول أسفار التناخ، وهو جزء من التوراة العبرية، كما أنه أول أسفار العهد القديم لدى المسيحيين.[1][2]

سفر التكوين
Genesis (باللغات متعددة)
בְּרֵאשִׁית (بالhbo)
Första Moseboken (بالسويدية) عدل القيمة على Wikidata
معلومات عامة
اللغة
الموضوع
النوع الأدبي
شخصيات
التقديم
الأجزاء
المواقع
ويكي مصدر
كتب أخرى للمؤلف
السلسلة

مكتوب فيه أحداث تبدأ مع بدء الخليقة وسيرة حياة بعض الأنبياء، ومذكور فيه كيف خلق الله الكون والإنسان وكيف اختار الله النبي نوح لكي ينذر البشرية من الطوفان العظيم الذي كان قادمًا إليها، ثم دعوة الله لإبراهيم وإسحاق ويعقوب أبي الأسباط ثم كيف بيِع يوسف من قبل إخوته إلى تجار العبيد ووصوله إلى مصر وتملكه على كل أرض مصر. سفر التكوين يسرد الأحداث منذ بدء الخليقة إلى فترة نهاية حياة يوسف.

تم نسب تأليف السفر تقليديا إلى موسى، وكذلك كل من سفر الخروج، سفر اللاويين، سفر العدد ومعظم سفر التثنية، ولكن العلماء المعاصرين يرون أنه منتج من القرنين السادس والخامس قبل الميلاد،[3][4] وأنه نتاج العديد من الأشخاص على مر قرون عدة.[5]

الهوية عدل

أصل التسمية عدل

 
التوراة
أسفار موسى الخمسة
سفر التكوين
سفر الخروج
سفر اللاويين / الأحبار
سفر العدد
سفر التثنية


يسمى السفر في العبرية بي راشيت (بالعبرية: בְּרֵאשִׁית)، والتي تعني حرفيًا في اللغة العربية: في البدء، وهما الكلمتان الأولى والثانية من السفر: «في البدء، خلق الله السماوات والأرض».تك 1:1] وحينما ترجم أحبار اليهود الكتاب إلى اللغة اليونانية في القرن الثاني قبل الميلاد، في الترجمة المعروفة باسم الترجمة السبعينية للكتاب المقدس، اختاروا اسم الأصل أو تكوين (باليونانية: Γύνεσις) في الإشارة إلى «تكوين» السماء والأرض، غير أن التقليد اللاحق اكتفى بالإشارة إلى كل سفر بالكلمة الأولى من العنوان، فهناك «تكوين» السماء والأرض، و«خروج» بني إسرائيل من مصر، و«عدد» الأسباط، و«تثنية» الاشتراع أي تكرار الشريعة، وكلها تعرف باسم التوراة أي الشريعة اليهودية المكتوبة.[6]

أصل التأليف عدل

كانت قضية التأليف، لدى اليهود الأوائل والمسيحيين من بعدهم، قضية بسيطة ومحسومة، فإن النبي موسى كتب السفر في برية قادش ما وراء نهر الأردن قبيل وفاته في مرحلة التيه،[7] استنادًا إلى منطوق الأسفار نفسها بخصوص النسبة، على سبيل المثال: «كما هو مكتوب في شريعة موسى رجل الله».عز 2:3][8] غير أنّ الفكر الديني منذ القرن التاسع عشر، بات أشد حساسيّة لقضية التأليف وتاريخيته ويرى العلماء المعاصرون أن أسفار موسى الخمسة منتج من القرنين السادس والخامس قبل الميلاد،[3][4] وأنها نتاج العديد من الأشخاص على مر قرون عدة.[5] في معظم القرن العشرين، اتفق معظم الباحثين على أن أسفار موسى الخمسة - سفر التكوين، الخروج، اللاويين، العدد والتثنية - أتت من أربعة مصادر، اليهوي، الإلوهي، التثنوي والمصدر الكهنوتي، كل منها يقول نفس القصة الأساسية، وتم ضمهم معا من قبل مختلف المحررين.[9] منذ سبعينيات القرن العشرين، كانت هناك ثورة في الدراسات البحثية: يُنظر إلى المصدر الإلوهي الآن على نطاق واسع على أنه ليس أكثر من نسخة مختلفة من اليهوي، بينما يُنظر إلى المصدر الكهنوتي بشكل متزايد ليس كوثيقة بل كجسم من التنقيحات والتوسعات على المحتوى اليهوي (أو «غير الكهنوتي»). (المصدر التثنوي لا يظهر في سفر التكوين).[10]

يتم استخدام الأمثلة من القصص المتكررة والمزدوجة لتحديد المصادر المنفصلة. في سفر التكوين تشمل هذه ثلاثة روايات مختلفة لإدعاء البطريرك أن زوجته كانت أخته، وقصتي الخلق، والنسختين المختلفتين من قصة إرسال إبراهيم لهاجر وإسماعيل إلى الصحراء.[1]

هذا يترك السؤال حول متى تم إنشاء هذه الأعمال. توصل العلماء في النصف الأول من القرن العشرين إلى استنتاج مفاده أن المصدر اليهوي أُنتج في الفترة الملكية، وتحديدًا في بلاط سليمان، في القرن العاشر قبل الميلاد، والكهنوتي في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد (المؤلف حتى تم تعريفه على أنه عزرا)، ولكن التفكير الأكثر حداثة هو أن اليهوي قد كتب قبل أو خلال المنفى البابلي في القرن السادس قبل الميلاد، وأن النسخة الكهنوتية النهائية جاءت في وقت متأخر من فترة النفي أو بعدها بقليل.[4]

أما بخصوص لماذا تم تأليف الكتاب، فإن نظرية اكتسبت اهتماما كبيرا، وإن كانت لا تزال مثيرة للجدل هي «إذن الإمبراطورية الفارسية». تقترح النظرية أن الفرس من الإمبراطورية الأخمينية، بعد غزوهم لبابل في عام 539 قبل الميلاد، وافقوا على منح القدس قدرًا كبيرًا من الحكم الذاتي المحلي داخل الإمبراطورية، لكنهم طلبوا من السلطات المحلية إصدار قانون واحد مقبول من المجتمع بأكمله. المجموعتان القويتان اللتان شكلتا المجتمع - العائلات الكهنوتية التي كانت تسيطر على المعبد والتي ترجع أصولها إلى موسى، وعائلات ملاك الأراضي الرئيسية التي شكلت «الشيوخ» والذين ترجع أصولهم إلى إبراهيم - كانوا في صراع حول العديد من القضايا، وكان لكل منهم «تاريخ الأصول» الخاص به، ولكن الوعد الفارسي المتمثل في زيادة الحكم الذاتي المحلي كثيرًا للجميع كان بمثابة حافز قوي للتعاون في إنتاج نص واحد.[11]

القانونية والقبول عدل

سفر التكوين قبل بقانونيته - أي قانون أو لائحة كتب الكتاب المقدس - من قبل اليهود بمن فيهم السامريين، وكذلك جميع المسيحيين. ولم يحصل أبدًا نزاع حول قانونيته. سفر التكوين حسب هذا الاعتقاد، هو سفر مُلهَم، أي أن الله ألهم المؤلف حين كتب، والإلهام من حيث مفهوم الوحي الكتابي مختلف عن الإنزال، فالإنزال يعني أن النصّ قد سجل بطريقة حرفيّة آلية وليس لأي إنسان دور فيه، أما الكتاب المقدس إجمالاً، هو سفر موحى به لدى جميع اليهود والمسيحيين، بمعنى أن المؤلف كان عنده أفكار عن الحقائق التي أراد كتابتها، فكتبها بأسلوبه الخاص، وتفكيره وبالصيغ الأدبية والثقافية الخاصة به والسائدة في زمانه، لذلك يستطيع الباحث أن يستنتج الكثير من صفات السفر والظروف التي كانت قائمة في وسطه، إذا ما حلل أسلوب الكتابة، وفي داخل هذه التعابير التي لها صياغة بشرية، مضمون إلهي وفكرة إلهية.[12]

البنية عدل

حلقات المواضيع عدل

يقسم عادة سفر التكوين إلى حلقتين كبيرتين، أصل الكون والإنسان في الفصول 1-11، وأصل الآباء وأصل شعب إسرائيل 12-50. ويمكن تمييز داخل هذه الحلقات الكبيرة، على حلقات صغيرة داخلها، فالجزء الأول من أصل الكون والإنسان، يتألف من أربعة حلقات صغيرة، الأولى ي كيف صنع الله الإنسان من التراب وأقامه بين النبات والحيوان، والثانية كيف دخل الشر إلى العالم حينما أصغى الإنسان لأصوات غير صوت الله، وهو ما ينعكس في جريمة القتل الأولى بين قايين وهابيل، وسقوط الملائكة، والحلقة الثالثة تظهر البشرية التي حاولت أن تؤلف وحدتها في برج بابل بمعزل عن الله ففشلت، وفي الحلقة الرابعة يبدأ الله بخطيته لتحقيق وحدة وتجميع البشر، فيخلّص نوحًا من الطوفان، وأقام عهدًا معه ومن خلاله عبر ذريته مع البشرية كلها، واختار منها إبراهيم ليبارك بواسطتها جميع الأمم؛ وهنا تبدأ الحلقة الثانية الكبرى التي تشرح تكوين شعب إسرائيل، وهي تتألف أيضًا من أربعة حلقات صغرى، الأولى هي إبراهيم، الذي انتقل من مكان إلى مكان، ومن مقدس إلى مقدس، ونال بركة الله، وولد له إسماعيل واسحق، وتختم حلقة إبراهيم بزواج اسحق من إحدى قريباته في بلاد آرام، ومع حلقة صغيرة تالية عن اسحق وريث إبراهيم، تظهر الحلقة الثالثة عن يعقوب، جد الأسباط والملقب «إسرائيل» فمنح الشعب اسمه؛ أما الحلقة الرابعة والأخيرة فهي يوسف في مصر، فيستقبل إخوته وينقذهم من المجاعة، ولن يلبث يوسف أن يموت هو أيضًا تاركًا ذويه في أرضٍ سوف يذوقون فيها العبودية، وسيكون موضوع تحريرهم وإعادتهم إلى «أرض الآباء» موضوع السفر التالي أي سفر الخروج.[13][14]

التقاليد الأدبية عدل

 
التقاليد الأدبيّة في سفر التكوين:
* الأرقام التي كتبت بخط عريض هي رقم الفصل.
* الأرقام التي كتبت بخط صغير هي أرقام الآيات؛ حرفا a وb، هما جزئي الآية الواحدة.
* الحروف J، وE، وP يعنون التقليد اليهوي، والتقليد الإيلوهي، والتقليد الكهنوتي.
* علامة الاستفهام، تفيد عدم الجزم.
هذه النظرية، غير مقبولة من قبل جميع المنظمات والمذاهب في التراث اليهودي المسيحي، وهي انطلقت من غير أوساط رجال الدين، وتبنت من قبل عدد وافر منهم لاحقًا.

إلى جانب تقسيم سفر التكوين حسب تسلسل مواضيعه، فهناك التقسيم الثاني الذي يعتمد أساسًا على النقد النصي، وفقه اللغة العبرية القديمة وتطورها، والفوارق الإنشائية في النصوص، ويعرّف باسم «التقسيم العرضي» مقابل التقسيم الطولي الخاص بحلقات السفر. أحد أبرز القضايا التي ساعدت في التأسيس لنظرية التقاليد الأدبيّة، الواسعة القبول بين علماء الكتاب المقدس، هي استعمال ألفاظ جلالة مختلفة، ولاسيّما في الروايات المتوازية، على سبيل المثال فإنّ إحدى روايتي طرد هاجر تستخدم اسم الجلالة يهوه - والذي كتبه اليهود إنما نطقوه تبجيلاً أدوناي بمعنى الرّب أو السيّد، ومنها في الترجمة السبعينية كيريوس، ومن هنا استخدمت النسخ العربية لفظ الرّب للإشارة إليه - والرواية الثانية تستعمل الاسم الشائع للجلالة ئيل، وانطلاقًا من ذلك أقرّ النقاد هذين الاسمين لتسمية تقليدين أدبيين مختلفين، التقليد اليهوي ويرمز له (ي)، والتقليد الإلوهيمي ويرمز له (أ)، وإلى جانب هذين التقليدين هناك تقاليد ثالث هو الكهنوتي (ك)، والأقل وضوحًا في سفر التكوين.[15]

لكل تقليد من التقاليد الثلاثة، ما تميّز به، فإن التقليد اليهودي واقعي وتصويري وغني بالاستعارات، وله إنشاء رواي قصص، ولا يتردد في الكلام عن الله بألفاظ كثيرة الصور والتشابيه على سبيل المثال: «سمعا وقع خطا الرّب الإله»،تك 8:3] «إنه يروي خلق الإنسان بأسلوب مجازي تكثر فيه الصور والتشابيه، وبهذه الطريقة يفسّر اليهوي عن إيمانه بالله الذي خلق الإنسان ومنحه الحياة»؛[16] وفي المقابل، فإنّ الإلوهيمي أشدّ إبرازًا لله بوصفه خالق الكون ومتعالي عنه، أما التقليد الكهنوتي فهو نصوص مرتكزة على تشاريع، ويمتاز إنشاؤه بالتكرار وحصر الأعداد؛ وكمحصلة فإنّ التقليد اليهودي أشدّ اهتمامًا بإبراز العلاقة القائمة بين الله والإنسان، والإلوهيمي أشدّ اهتمامًا بإبراز السمو الإلهي، والكهنوتي أكثر انتباهًا لأمور القانون والعبادة، على سبيل المثال فإنّ روايتي الخلق، الكهنوتية تعكس سيادة الله على العالم كلّه، بينما اليهوية تبرز بوجه خاص العلاقة القائمة بين الله والإنسان.[17]

يعود التدوين المكتوب للرواية اليهوية، إلى القرن العاشر قبل الميلاد باتفاق الآراء، في القدس في زمن الملكية في إسرائيل التي أسسها داود النبي، أما الرواية الإلوهيمية فيعود لما بعد وفاة سليمان وانقسام المملكة الموحدة في القرن التاسع قبل الميلاد، وتنقل تقاليد من الشمال - أي الجليل لا القدس -، وتتردد فيها «أصداء التيار النبوي الصاعد في إسرائيل»؛ أما أحدث التقاليد تدوينًا فهو التقليد الكهنوتي، وقد كتب على الأرجح في العراق زمن السبي، ولذلك فهو تقليد أزمة كاملة: لقد أجلي الرجال والنساء إلى بابل، وخسرت إسرائيل بلادها، وزال الملك والهيكل، ولم يعد بإمكان اليهود المنفيين في بابل أن يحجوا إلى الهيكل، فتبرز الإله بوصفه إله الكون وحافظ البشرية في شخص نوح،[18] أما أهميته الكبرى تأتي لكونه الوعاء الذي ربط بين التقليدين السابقين ونسجهما في بنية واحدة. حين عاد إسرائيل من سبيه في بابل، وشرع في بناء الهيكل بقيادة النبي عزرا، أراد جمع التقاليد كلّها وتدوينها في كتاب واحد محفوظ، وبلذلك اكتمل تدوين التوارة بالشكل المتعارف عليه اليوم، ولم يطمس جمع الكتاب النهائي أبدًا أيًا من التقاليد السابقة، بل أعاد ترتيبها وتبويبها مقرًا إياها جميعها، «ناقلاً إلينا الإنشاء والروح الذي تتصف بهما التقاليد السابقة، وتاركًا أثارًا ظاهرة نستطيع بفضلها أن نكون فكرة عن مراحل هذا التقليد، ويدلل أيضًا على أمانة التحرير النهائي لتلك التقاليد الوافرة».[19]

قضية الخلق عدل

التكوين ورواية الخلق البابلية عدل

 
أحد الرقم التي تحوي قصة الخلق البابلية، من محفوظات المتحف البريطاني.

في الفترة التي جمعت فيها التوراة وحررت، انتشر وذاع صيت قصة الخلق البابلية في منطقة الهلال الخصيب وأثرت على الفكر البشري فيها،[20] وقد تركت الرواية البابلية آثارًا على الفكر الديني للشعب العبري؛ على سبيل المثال فإنّ الكلمتين الأوليتين من سفر التكوين في البدء، تماثل الكلمتين الأوليتين في رواية الخلق البابلية إنامو إليش، والتي ترجمها البعض أيضًا بوصفها في البدء.[21] إلى جانب استعمال السفر لفظتي توهو بوهو، في وصف الكون بعد خلقه، ولفظتي توهو بوهو ذات جذور بابلية،[22] وتترجم عادة إلى العربية «خربة وخالية»، لتماثل حالة الفوضى التي تضعها الرواية البابلية، بفرق أنّ حالة الفوضى في الكون التي تحدثت عنها الأسطورة البابلية هي أزلية، خلافًا لحالة الفوضى في التكوين المحدثة فيما بعد الخلق؛ أيضًا فالنظرية البابلية تحدثت عن تزاوج بين غمر المياه - أي المحيط، أو المياه المالحة - والسماء -أو الغيم أو الضباب - أو آلهتها، فولدت آلهة كثيرة، وحدث تشاجر بين هذه الآلهة، وتمكن أحدها وهو مردوك أن يهزم باقي الآلهة، ثم فتح بطن آلهة غمر المياه، ومن دمها خلق الكائنات المختلفة على الأرض، ثم ترك الأرض واستوى إلى السماء حيث يعيش.[20] ولذلك فإن رواية الخلق التوراتية، شكلت حسب رأي الأب هنري بولاد اليسوعي «ثورة عقائدية في الزمن الذي كتبت به»،[23] فالرواية تقول أنّ الله - والذي يمكن مقابلته مع مردوك، بوصف مردوك الرّب الأعلى في الحضارة البابلية - خلق السماوات والأرض فهو غير ناتج عن تزاوج آلهتها، وإذ قال «في البدء خلق»، فهو إذن موجود قبل البدء، أي أزلي وغير محدث، قبل التاريخ وقبل الزمن.[23] أما قضية الغمر، أي المياه الأولى التي خلقت منها جميع المبروئات حسب الرواية البابلية، فقد استعملها سفر التكوين بمقاربة مختلفة عن تلك التي وردت في الروايات البابلية، ومن الأمور الأخرى التي وجدت آثارًا تكوينية من تراث بابلي، توزيع الخلق على ستة أيام.

التكوين والعلوم الحديثة عدل

 
"وقال الله: ليكن النور؛ فكان النور". من أعمال اليوم الأول حسب الرواية، نحا البعض لمقارنتها بالانفجار العظيم.

حسب النظرة اليهودية - المسيحية لسفر التكوين أو التوراة عمومًا، ورواية الخلق فيها، فهي ليست مقالاً في العلوم أو نصًا في الفلسفة بل ذات هدف روحي، وقد أشار كليمنت الإسكندري وكذلك أوريجانوس وسواهما من آباء الكنيسة أنّ «الكتاب يوحي بحقائق يتيسر فهمها، لا حقائق تاريخية»،[24] أما باسيليوس الكبير علّم بأن التكوين «لا يجيب عن جميع الأسئلة، وهو يوحي بما يفيد هدانا الروحي، لكن بكلامه عن العالم، يوقظ فضوليتنا دون أن يرضيها»،[25] كذلك فإنّ التوراة، ورواية الخلق فيها قد كتبت في عصر ما قبل العلم، لذلك فهي «مثقلة بتصورات زمانها» كما قال عالم اللاهوت الألماني كارل راهيز،[26] وهو أحد مجالات النقاش حول إذا ما كان تحرير السفر تمّ بنية الرموز أم بنية تقديم نظريات علمية كاملة، والتي أظهرت رأيًا ثالثًا، هو نوع من القراءة المختلطة، فإن كتب بلغة «علوم عصره ونظرياته» فهو يقدّم لما بعد عصره الرموز والتعاليم الروحية.

رغم ذلك، فقد ظهرت في شتى أنحاء العالم المسيحي مقارنات ومقاربات مختلفة حول نظريات العلم الحديث وما جاء في السفر بوصفها من «منبع واحد» أي الله،[27] تعرف هذه النظرة بالوئامية أي التوائم ما بين العلم ومحتويات الكتاب أو المنقول والمعقول؛[28] فأعمال اليوم الأول على سبيل المثال: «قال الله ليكن نور، فكان النور» تناسب نظرية الانفجار الكبير، حيث انبثقت المادة المكونة للكون كلّه. أعمال اليوم الخامس عن الوحوش العملاقة تتلائم مع وجود حيوانات عملاقة منقرضة كالديناصورات والماموث.[29] أما توزيع الخلق على ستة أيام فالمتفق عليه أن «اليوم» المذكور في النص ليس بأربع وعشرين ساعة، بل «ستة مراحل»، يعضد ذلك أن كلمة يوم وردت بمعان مختلفة في الكتاب، كما أنّ الظهور التدريجي للحياة خلال هذه الأيام - المراحل - يوافق تطور الحياة ومن ثمّ تطور الأنواع؛[30] أيضًا فإن رواية الخلق تبدو منسجمة مع فكرة القانون الطبيعي،[31] فالله خلق العالم وزوده بقوانين تكفل له سيره الطبيعي، خلافًا للنظرة التقليدية التي كانت سائدة في ثقافة الشرق الأوسط وحضارات أخرى حول مسؤولية آلهة أو ألواح مساعدة لها في العمل الطبيعي كحركة الأجرام أو المد والجزر أو الحبل والولادة.

نظرية الانفجار الكوني تأتي لتحلّ جزئيًا قضايا ذات صلة حول حجم الكون، إن كان محدودًا أم لا، وإذ دعمت العديد من الجهات الفكرية القول بعدم محدودية الكون، فإن الفلسفة المسيحية وكذلك عدد من الفلاسفة أمثال أرسطو اعتبروا أن الكون محدود وأنه «أبعد من حدود الكون ليس ثمة شيء، ولا حتى فراغ، لأن الفراغ حينذاك قد يكون مكانًا».[32] أما أبرز المواضيع التي ثارت حولها نقاشات مستفيضة فهي قضية «المياه التي في الأعلى»، إذ نصّ السفر أن الله قد فصل بين مياه ومياه، بواسطة الجَلد، وساد الاعتقاد لفترة طويلة، بأن الجلد هو قبة السماء - سقف العالم، المنتصب على شواهق الجبال، وفوقه الجلد تلبث المياه، على أنّ هذه القبة تحوي ثقوبًا تسمح للمطر بأن يهطل، وقد استقرّ الرأي منذ القديس أوغوسطين في القرن الخامس على اعتبار أن «المياه التي في الأعلى» هي في حالة غازية أي سحاب.[33]

التكوين والتطور عدل

 
"يمكن للمسيحي قبول نظرية النشوء والارتقاء باعتبارها النموذج الذي نال أوفر مصادقة من العلم، ما دام لم يقع في ضلال اعتبار الإنسان نتيجة صدفة مسارات بيولوجية. لا يملك اللاهوت أي اختصاص في علوم الطبيعة، وعلوم الطبيعة لا تملك أي اختصاص لاهوتي. علوم الطبيعة لا يمكنها أن تجيب عن أسئلة الوجود والكيان والكرامة والمهمة والمعنى المتعلق بالإنسان والعالم، والإيمان لا يمكن أن يحدد كيف تنجز المسارات واقعيًا في مجرى تطور الطبيعة." - التعليم المسيحي للشبيبة الكاثوليكية.[34]

كانت نظرية التطور هادمة للنظرة التقليدية لنشوء العالم، ولبثت خلال القرن التاسع عشر أحد رموز الإلحاد، وانتهاك القدسيات، لاسيّما في الولايات المتحدة. خلال القرن العشرين ظهرت محاولات توليف عديدة بين التطور والتكوين، ومنها تيّار دي شاردان، الراهب الفرنسي اليسوعي المتوفى عام 1955، وفي عام 1987 نصّ التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية على وجوب «انفتاح المؤمن على موضوع التطور»، وبالمثل فإنّ جماعات ومنظمات دينية بروتستانتية قبلت هذه القراءة، لا تزال تواجه معارضة في أوساط أخرى مسيحية.

الفكرة الأساسية تبدأ بقراءة أكثر رمزية لسفر التكوين، على سبيل المثال، فإنّ الآية الثالثة «وعلى وجه الغمر ظلام، وروح الله يرفّ على وجه المياه»، لا يستوي معناها دون معرفة أنّ إسرائيل، وهو الشعب البدوي، كانت المياه والبحر مصدر خوفه بعكس الفينيقيين والإغريق الذين عاشوا قرب البحر؛ وعلى العكس من البحر فإن الصخر أو الأرض تشكل عنصر ثبات واستقرار، القضية ذاتها تتجلى عند الحديث عن الظلام والنور، كما تظهر في أغلب كتب العهد القديم؛ فلذلك حين يقول السفر «وعلى وجه الغمر ظلام»، فالكاتب يعكس لبيئته، مفهوم العدم، الغير موجود كلفظ أو تعريف في مجتمعه لانعدام اشتغال إسرئيل في الفلسفة واقتصار مفردات لغته على الماديّات الملموسة، وبمعنى آخر تصبح عبارة «وعلى وجه الغمر ظلام، وروح الله يرفّ على وجه المياه»، مرادفة للقول: «انتصر الله، بالوجود، على العدم».[23] وهكذا فالتطورات الموجودة في سفر التكوين، تدلّ على حقائق روحية، ومن ثمّ فإنه «عندما جبل الله الإنسان، من تراب بيديه»، هي صحيحة بجميع المعاني ما عدا المعنى الحرفي.[22] عندما نقول «من تراب» فهذا يتوافق مع التطور الذي يقول بطفرة الحياة من مادة، وعندما نقول «يدي الله» أي بالمحصلة «عمل الله»، فإنّ «يد الله» تعمل من خلال الخلق، أي من قلب المادة لا من الناحية الخارجية، كما شرح مدرّس اللاهوت هنري بولاد:[35]

هناك مصنع بدائي لصنع الحلويات، حين تزوه تشاهد عمالاً يعدّون الدقيق وآخرون يعجنون وآخرين يضعونه في قوالب خاصة، ثم هناك من يضعه في الأفران، وهناك فتيات لتغليف المنتج. من صانع المنتج؟ العمال!. ولنقارن بين هذا المصنع وآخر بني على أحد التقنيات التكنولوجية، تدخل المصنع فلا تجد سوى الآلات: يدخل الدقيق من طرف ويخرج من الطرف الآخر مغلفًا جاهزًا، كل هذا يتم دون أن ترى يد بشرية تلمس المنتج، أعود وأسأل من الذين صنع الحلويات؟ الآلات سبب ثانٍ ليس إلا، السبب الأول هو العامل.
هذا هو الوضع تمامًا في عملية التطور، بدل أن يعمل «بيديه» الإنسان أو بسلسلة أوامر شفهية منفصلة عن بعضها البعض الكون، ابتكر آليّة منظمة ومخططة لخلق المخلوقات، بدون أن نشعر بحركته أو بتدخله، حينئذ ندّعي أنها الطبيعة، وإذا سألنا إنسانًا ملحدًا سيجيب إنها الطبيعة، فهذه الطبيعة ذكية وفيها تخطيط وتفكير وولدت المشاعر؟.
من الذي يخلق الطفل في بطن أمه؟ فيزيولوجيًا، من خلال الجماع ولقاء الحيوان المنوي بالبويضة، ولكن من وراء الستار من نظم هذه العملية وأرادها؟ هو الله. كان يمكن أن يخلق الله كل إنسان بمفرده من لا شيء، لكنه أراد أن يكون الإنسان مشاركًا له في الخلق؛ فهناك قوّة أوليّة أصلية - أي الله - تعمل من خلال كائنات وضعت فيها نوع من التلقائية - فالرجل والمرأة قوة ثانية في حال الحمل - ومن هنا يأتي شرف الكائنات: «تقدّسوا، لأنّ الربّ يعمل في وسطكم عجائب» قال يشوع بن نون.يش 5:3]

تعرف هذه النظرية أيضًا باسم «الخلق التطوري»، وهي تقرّ بجميع تفاصيل نظرية التطور ما عدا الصدفة، «الصدفة غير عاقلة، ولا تستطيع أن يكون لها منطق مفكر، الصدفة هي تصرف عشوائي»،[36] «الصدفة تعني استقالة الفكر البشري» كما قال يوحنا بولس الثاني.[37] ولذلك فنظرية التطور يجب أن تقرأ على ضوء قانون الغاية أو الغائية. أخيرًا، فإن أسلاف الإنسان الحالي، كإنسان نيادرتال يجسبون على الإنسان ولكن ليس على البشر، فالبشرية ابتدأت بآدم، بظهور الحضارات الاجتماعية نحو الألف الثامن قبل الميلاد، وهي بذلك تقارب الزمن المفترض في سلاسل أنساب التوراة، والتي تهدف للإشارة إلى قرابة جميع البشر الحاليين دون أن تضع شجرة عائلة للبشرية.

مضمون السفر وتلخيصه عدل

محتويات سفر التكوين
القسم الأول: التاريخ العام للبدايات
1. الخلق من آدم إلى نوح 1: 1 – 6: 4
قصة الخلق 1: 1- 2: 4
آدم وحواء بجنة عدن 2: 4 – 3: 24
قابيل وهابيل 4: 1-16
نسب قابيل 4: 17-26
من آدم إلى نوح 5: 1-32
أبناء الله وبنات الناس 6: 1-4
2. من نوح إلى إبراهيم 6: 5- 11: 32
الطوفان 6: 5- 8: 32
عهد الله ومباركته للإنسان 9: 1-17
نوح يسكر ويتعرى
سلالات نوح 10: 1-9
برج بابل 11: 1-9
من سام إلى إبراهيم 11: 10-32
القسم الثاني: تاريخ الآباء 12: 1- 50: 26
3. إبراهيم 12: 1- 25: 18
دعوة إبراهيم وهجرته إلى كنعان 12: 1-9
إبراهيم وسارة في مصر 12: 10-20
إبراهيم ولوط 13: 1-18
محاربة إبراهيم للملوك ومباركة ملكي صادق له 14: 1-24
عهد الله مع إبراهيم 15: 1-21
إبراهيم وسارة وهاجر وعهد الله بخصوص إسماعيل 15: 1-16
عهد الختان 17: 1-27
ضيف إبراهيم وتشفعه من أجل لوط 18: 1-33
تدمير القولوطيين 19: 1-29
لوط يزني بابنتيه 19: 30-38
إبراهيم وسارة في جَرار 20: 1-18
مولد إسحاق 21: 1-8
طرد هاجر وإسماعيل 21: 9-21
إبراهيم وأبيمالك وميثاق بئر سبع 21: 22-34
ابتلاء إبراهيم في ابنه 22: 1-19
أبناء ناحور 22: 20-24
موت سارة ودفنها 23: 1-20
إسحاق يتزوج رفقة 24: 1-67
زواج إبراهيم من قطورة 25: 1-6
موت إبراهيم ودفنه 25: 7-18
4. إسحاق ويعقوب 25: 19- 36: 43
مولد يعقوب وعيسو وبيع البكورية 25: 19-34
إسحاق ورفقة وأبيمالك في جَرار 26: 1-33
عيسو وزوجاته الحثيات 26: 34-35
خداع يعقوب لأبيه إسحاق 27: 1- 28: 5
عيسو يتخذ زوجة من بنات إسماعيل بن إبراهيم 28: 6-9
يعقوب في بيت إيل 28: 10-22
يعقوب وخاله لابان 29: 1 -30: 43
يعقوب يهرب من لابان 31: 1-54
يعقوب يستعد لملاقاة عيسو 32: 1-21
يعقوب يصارع الله 32: 22-32
لقاء يعقوب وعيسو 33: 1-20
اغتصاب دينة ابنة يعقوب 34: 1-31
عودة يعقوب إلى بيت إيل 35: 1-15
موت راحيل وإسحاق 35: 16-29
ذرية عيسو وسعير الحوري 36: 1-43
5. يوسف 37: 1 - 50: 26
يوسف وإخوته 37: 1-36
يهوذا يزني بكُنَّته ثامار 38: 1-30
يوسف في بيت فوطيفار 39 :1-23
يوسف في السجن 40: 1-44
رؤية فرعون 41: 1-57
إخوة يوسف يرحلون إلى مصر 42: 1 – 44: 34
يوسف يفصح عن نفسه لإخوته 45: 1-28
يعقوب يرحل إلى مصر 46: 34
يوسف والمجاعة 47: 1-31
يعقوب يبارك ابني يوسف 48: 1-21
يعقوب يبارك بنيه 49: 1-28
موت يعقوب 49: 29- 50: 21
موت يوسف 50: 22-26

تاريخ البدايات عدل

لا يقتصر الأمر على اقتباس قصة الخلق فحسب وإنما يمتد ليشمل قصة قايين وهابيل، وقصة الطوفان، وقصة برج بابل؛ فجميع هذه القصص لها ما يناظرها في الميثولوجيا الوثنية لشعوب الشرق الأدنى القديم، ولذا يرجح أن الكاتب قد استعان ببعض التقاليد الوثنية من الشعوب المجاورة ن وأعاد صياغتها في قالب جديد يتناسب وطبيعة اللاهوت الذي شرع في تقديمه.

  فالاكتشافات الأثرية منذ نحو قرن تدل على وجود كثير من الأمور المشتركة بين الصفحات الأولى من سفر التكوين وبين بعض النصوص الغنائية والحكمة والليترجية الخاصة بسومر وبابل وطيبة وأوغاريت.  

— النسخة اليسوعية للكتاب المقدس

قصة الخلق

 
Gud skaber manden

بدأ الكاتب أولاً يرسم بكلماته حالة الفوضى والخراب والظلمات التي عمت الكون في اللحظات الأولى التالية لخلق السماوات والأرض،[38] وكيف خلق الله النور وفصل بينه وبين الظلمة،[39] وكان إذا أراد أمراً يقول ليكن كذا فيكون،[40] فخلق بمشيئته وكلمته ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما، وأتم خلق الكون وما فيه في ستة أيام.[41]

في الحقيقة هنالك روايتان تتناولان قصة الخلق، الرواية الأولى تنسب للمصدر الكهنوتي P وتعطي سرداً موجزاً لأحداث الخلق يوماً بيوم[42] ويرد فيها أن الله خلق الإنسان على صورته ذكراً وأنثى وأنه استراح بعد ذلك في اليوم السابع (1:1-2:4)، أما الرواية الثانية فتنسب للمصدر اليهودي J وتبدأ بوصف حالة القحط والجفاف التي كانت عليهما الأرض في بداية الأمر،[42][43] ثم ينتقل الكاتب اليهوي ليروي لنا كيف أن الله خلق آدم من ترابٍ فنفخ فيه نسمة الحياة،[44] وأعد له جنة عدن في وسط الأرض،[45] وأخرج منها أثمارها،[46] وأعطاها لآدم؛ كي يحرثها ويتخذ منها مأو له،[47] وأباح له أن يأكل من جميع ثمارها،[48] غير أنه نهاه عن الأكل من شجرة معرفة الخير والشر، وحذره أن الموت مصيره إذا ما أكل منها،[49] ولا يتضح السبب من هذا النهي غير أن الله يريد تخيير الإنسان بين الاستسلام لمشيئته ومخالفتها. لم يلبث آدم كثيرا في الجنة إلى أن قضى الله أن يجعل له نظيراً من نفس نوعه فألقى عليه سباتاً وأخذ من ضلوعه ضلعاً فخلق منها حواء، ويتضح من هاتين الروايتين أن المصدر الكهنوتي لا يكترث لخلق الإنسان بقدر اهتمامه بخلق الكون، بعكس الكاتب اليهوي الذي يظهر اهتماماً كثيراً لخلق الإنسان.

بعد ذلك ينتقل السفر إلى قضية سقوط الإنسان ووقوعه في المعصية، فإن «الحية» زينت للمرأة أن تأكل من الشجرة المنهي عنها، فأكلت وأعطت آدم فأكل، فلما أكلا انفتحت أعينهما – كما أخبرتهما الحية – وبدت لهما سوآتهما واكتشفا أنهما عاريان، فبدآ يصنعان لأنفسهما ثوباً من ورق التين؛ ليسترا عوراتهما، وكانت عاقبة تعديهما أن أخرجهما الله من الجنة إلى عالم الألم والشقاء والموت.

 
Adam svarede: »Kvinden, du satte hos mig, gav mig af træet, og så spiste jeg.« (1 Mos 3:12)

قد سارع الرب إلى طرد آدم وزوجه من الجنة؛ خشية أن يأكلا من شجرة الحياة التي في وسط الجنة قائلا: «والآن لعل الإنسان يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة ويأكل منها فيحيى إلى الأبد»، وهنا يتضح التأثر الكبير بالأساطير الوثنية الشركية حيث وجود قوى السحر وغيرة الآلهة من الجنس البشري ووجود شجرة الحياة الأبدية (الموسوعة البريطانية)، ينبغي القول ههنا أن «شجرة معرفة الخير والشر» هي من الإبداع الشخصي للكاتب اليهوي، فليس ثمة ذكر لمثل هذه الشجرة في الأساطير، ولكنه لم يستطع التخلص من تأثره بالأساطير بشكل نهائي، فاضطر إلى إقحام شجرة الحياة؛ موحياً أن ثمة حظر عليها، مما يدل على أنه قد تأثر كثيراً بهذه الأساطير الوثنية واتخذ منها مصدراً للصور والرموز التي استعملها لتصف معاناة الإنسان وجزعه وقصوره، ويتجلى أيضاً بوضوح أن المغزى الدائم من قصص السفر يدور حول محورين رئيسيين وهما كمال الله ومحدودية الإنسان وعدم مثاليته.

قايين وهابيل

أما تاريخ البشر وثقافات الشعوب فتبدأ فعلياً بخروج الإنسان الأول من الجنة، ففي قصة ولدي آدم قايين وهابيل ابتدأ الإنسان يكون راعياً ومزارعاً بل وقاتلاً أيضاً، أمسى الإنسان قاتلاً، في الوقت الذي لم تكن الأرض تحمل على ظهرها سوى ستة أفراد، وذلك حينما قتل قايين أخاه هابيل مرتكباً أول جريمة قتل في تاريخ الإنسانية، تبدو هذه القصة انعكاساً آخر من انعكاسات الأساطير القديمة، وبجلاء يتضح فيها التركيز على خطية الإنسان وانفصاله عن الله.

قصة الطوفان

يلي ذلك قصة الطوفان والتي تشتمل على اقتباسات أكيدة من قصص بلاد الرافدين الأسطورية، حيث يرد بها رواية عن طوفان عظيم أرسلته الآلهة لإبادة البشر، غير أننا لا نعرف من هذه الروايات ما السبب الذي دفع بالآلهة إلى هذه الرغبة، والغالب أنه ليس من مغزى أو سبب أخلاقي لهذا الطوفان، كما أن نجاة بطل الطوفان وعشيرته لا ترجع أيضاً إلى سبب أخلاقي واضح، بل لأن أحد الآلهة أحبه فاحتال على كبير الآلهة وأنجاه سراً، أما الكتاب فيؤكد أن الشر والجور كانا العاملين الذين قرر الله من أجلهما أن يمحو الحياة من وجه الأرض، لكنه اصطفى نوحاً وآله؛ لتقواه وبره فأنجاهم جميعاً، ولما انتهى الطوفان باركه الله، ومنحه الأرض وما عليها، وعاهده الله عهداً بألا يدمر الحياة بطوفان عظيم مرة أخرى، وهذه هي المرة الأولى في السفر والكتاب عامة التي تظهر فيها مباركة الله ومعاهدته للإنسان، ولذا يسمى بالعهد الأول.

برج بابل

 
Babelstårnet af Pieter Brueghel den Ældre (1563)

أما الحدث الأخير في تاريخ البدايات فهو قصة برج بابل، وهي ذروة البراهين على الطبيعة الشريرة لدى الإنسان وتعد مثلاً على غطرسته وغروره، فقد كان الناس أمة واحدة حين قرروا بناء برج شاهق يصل إلى السماء، وكانت لغتهم لغة واحدة لا يتحدثون سواها، ويبدو أنهم قصدوا ببنائهم هذا أن يرتقوا إلى مكان عال يتطلعون فيه إلى الآلهة، أما يهوه حين رأى ذلك قال (للمجمع السماوي): «هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض»، هنا أيضاً يبدو أن الكاتب اليهوي قد استعمل أفكاراً رئيسية من الأساطير الخرافية القديمة، وقد أبقى الكاتب على الرموز الشركية دون تعديل يلائم سمة التوحيد بالسفر، يلاحظ أيضاً أن الكاتب يحاول إيجاد سبب لاختلاف اللغات وتعدد البشر إلى شعوب وقبائل، وعدم وجود انسجام أو توافق بينهم، ويعزي ذلك إلى الغرور والغطرسة الدائمين لديهم، كما يستنتج من هذه القصة إمكانية وقوع الصدام بين الخالق والمخلوق.

تاريخ الآباء عدل

ينتقل السفر بعد ذلك إلى تناول تاريخ آباء فئة معينة، وهم الآباء الأول للشعب العبري، ويظهر أن أحداث هذا القسم تستند إلى تقاليد عشائر أو قبائل معينة، ومن المحتمل أنها نقلت نقلاً شفهيا قبل أن تتخذ شكلها المكتوب، وعلى الرغم من أن هذه الروايات ليست تاريخية بالمعنى المعروف، إلا أنه لا خلاف على وجود مرجعية تاريخية لها، إذ أنها تتفق مع العديد من التفاصيل التي نعرفها عن ذلك الوقت وتلك المنطقة التي سكنوها. من وجهة نظر أدبية يمكن أن ينقسم هذا الجزء إلى مجموعة من القصص البطولية لإبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف، أما من وجهة النظر اللاهوتية يعد هذا الجزء رواية تتناول وعداً إلهيا وميثاقاً أبرمه الله مع إبراهيم ونسله من بعده، كما تتناول إيمان الإنسان وعدم الإيمان في المقابل، وفيها يعتبر إبراهيم الشخصية النموذجية للرجل المؤمن.

تأثير المصدر الإيلوهي يظهر للمرة الأولى من الإصحاح الخامس عشر، أي أن المصدر الإيلوهي ليس له أدنى مشاركة في القسم الأول المعروف بتاريخ البدايات، ولكنه يساهم في تاريخ الآباء جنباً إلى جنب مع المصدرين اليهوي والكهنوتي. وباستثناء المساهمات المحدودة المفتقرة إلى البلاغة للكاتب الكهنوتي، فإن أغلب أحداث هذا القسم تتسم بالروعة والتشويق، وخاصة الأجزاء المنسوبة للمصدر الإيلوهي، والتي يبدو أنها كانت أطول مما هي عليه قبل مزجها بالمساهمات اليهوية. أهم حدثين يتناولهما هذا الجزء: قصة الذبيح وقصة يوسف بن يعقوب،

إبراهيم وإسحاق ويعقوب

 
Gud sætter Abraham på prøve, af Laurent de LaHire، 1650.

إن المصادر الثلاثة تتفق على أن الله دعا إبراهيم؛ ليهاجر من بلاد الرافدين إلى أرض كنعان، وواعده بأنه سيجعله أباً لأمم عظيمة، وأن نسله سيرث الأرض التي يسكنها الكنعانيون، واصطفى الله إسحاق، ابن إبراهيم من زوجته سارة؛ ليتحقق العهد في نسله، واصطفى من نسل إسحاق، يعقوب أصغر ابنيه، الذي دعي فيما بعد بإسرائيل، وقد تجدد العهد مع يعقوب كما تجدد العهد مع إسحاق من قبله.

ولقد تزايد أبناء يعقوب وأبناء أبنائه حتى أصبحوا سبعين نفساً، هؤلاء السبعون هم البذرة لما سيعرف بإسرائيل لاحقاً، وبالتالي فإن الوعد الذي قطعه الله مع إبراهيم وإسحاق سيتحقق فيهم، فيرثون أرض كنعان من الفرات إلى النيل، لكنهم قبل أن يرثوا تلك الأرض الموعودة كان لابد أن يرتحلوا إلى أرض مصر ويُستعبَدوا أربعمائة سنة بحسب ما أخبر الله إبراهيم.

في القصة الأولى يأمر اللهُ إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده «إسحاق»؛ ممتحناً بذلك إيمان إبراهيم، فلما أسلم لأمر الله وأجابه في غير تردد أرسل إليه كبشاً يذبحه فداءً عن إسحاق، أما قصة يوسف فهي التمهيد لارتحال بني إسرائيل إلى مصر وإقامتهم بها، وهي قصة تدور أحداثها حول أخ حسدته إخوته فألقوه في أحد الآبار، وجاءت إحدى القبائل التجارية فأخرجوه من البئر وباعوه في مصر، واشتراه أحد وزراء مصر، ويدعى فوطيفار؛ ليتخذه خادماً، وهناك في بيت سيده راودته سيدة البيت عن نفسها، فلما أبى وامتنع عنها، وشت به عند زوجها فادعت أنه تحرش بها وراودها عن نفسه، فزج به في السجن.

يوسف

 
يوسف يفسر حلم فرعون مصر.

ينجح يوسف في تفسير حلمين لسجينين رافقاه في سجنه، فتنبأ للأول بالخروج من السجن والعودة لسقاية الملك كما كان من قبل، وتنبأ للثاني بأن يصلب وتأكل الطير من لحمه. وطلب من الأول الذي ظن أنه ناج بأن يذكره عند «فرعون» فنسي، مرت سنتين بعدها ويوسف لايزال في سجنه، وحدث بعد ذلك أن «فرعون» رأى حلمين، ويبدو أنه انزعج منهما كثيراً، الأمر الذي جعله يجمع الحكماء والسحرة؛ لتأويل هذين الحلمين، ولم يستطع تفسيرهما جميع الحكماء ولا السحرة، حينئذ تذكر رئيس السقاة يوسف وقص على فرعون ما كان من أمره، فأمر فرعون بإطلاق سراحه وإحضاره، ومثل يوسف في حضرة فرعون، وفسر الحلمين بمجاعة تأتي على مصر في سبع سنوات من بعد سبع سنوات من الرخاء والشبع، ونصح فرعونَ بأن يوكل زمام الأمور إلى رجل رشيد يقود الأمة بتدبير وتخطيط؛ ليخرجها من تلك الفترة العصيبة القادمة، فلم يجد فرعونُ خيراً منه يفوض إليه الأمر.

وبالفعل تحقق الحلمان كما فسرهما يوسف، وأتت المجاعة وامتدت إلى البلدان المجاورة، حينها بعث يعقوب بنيه لشراء غلال القمح من مصر، ولما جاء إخوة يوسف ودخلوا عليه عرفهم ولكنه تنكر لهم، وبعد أن تبين له يقيناً في هذه الزيارة وفي زيارة ثانية أنهم إخوته، أفصح لهم عن هويته، وغفر لهم ما اقترفوه في حقه وما أضمروه له من الضغينة والعداء، وطلب منهم أن يحضروا أباهم وآل بيته فيقيمون في مصر.

ذهب يعقوب وآل بيته، وعددهم ستة وستون فردا، إلى مصر، وقد سمح لهم فرعون بأن يقيموا بأرض «جاسان» (تكوين 47: 4)، إذا أضفنا إلى هؤلاء الستة وستين يوسف وبنيه إلى جانب يعقوب يكون مجموع الإسرائيلين الذين أقاموا بمصر سبعين نفساً. ولما حضر يعقوب الموت دعا أولاده وأنبأهم بمستقبل كل منهم (49: 1)، وأوصاهم أن يدفنوه في مقبرة آبائه التي في «مغارة حقل المكفيلة» (تكوين 49: 30)، ففعلوا ما أوصاهم (50: 12). بلغ يوسف مائة وعشرين سنة حتى أنه أدرك أبناء أحفاده (50: 23)، ولما دنى أجله استحلف إخوته أن يحملوا رفاته معهم عند خروجهم من مصر، ويتنهي السفر بموته تاركاً إخوته وبنيه ليذوقوا مرارة العبودية في أرض مصر. وسيكون تحريرهم موضوع السفر التالي؛ سفر الخروج.

مشكلات السفر عدل

توجه الكثير من الانتقادات إلى السفر حيث يرى النقاد أنه يحتوي على الكثير من المفارقات التاريخية والتناقضات والنبوءات التي لم تتحق وأضحى تحققها من غير الممكن، كما ويراه البعض يجانبه الصواب في المسائل العلمية وفيما يلي تحليل لتلك المشكلات.

التناقضات عدل

تنقسم تناقضات هذا السفر إلى نوعين، فالنوع الأول هو تناقضات ناشئة عن اختلاف في مصدر الرواية وغالباً ما تكون خلافات بين الرواية اليهوية والكهنوتية لنفس الحدث كالتناقضات التي تقع بين روايتي الخلق[50] وأيضا روايتي الطوفان وبعض التناقضات الأخرى، وأحياناً تكون التناقضات بين الرواية الإيلوهية والرواية اليهوية، أما النوع الثاني فقد يقع بين الرواية وذاتها، ويعزى سبب النوع الأخير أحياناً إلى أخطاء النساخ.

تناقضات روايتي الخلق

إن أكثر النقاد يلاحظون أن الرواية الكهنوتية لقصة الخلق (الإصحاح الأول) تتناقض مع الرواية اليهوية (الإصحاح الثاني) في مواضع عدة، ففي الرواية الكهنوتية يبدو أن خلق الدواب متقدم على خلق الإنسان (تكوين 1: 25- 27) بينما الروابة اليهوية تضع خلق الإنسان قبل الدواب (تكوين 2: 7- 19)، وفي الرواية الأولى خلقت الطيور من الماء (تكوين 1: 20) بينما خلقت الطيور من التراب طبقا للرواية الثانية (تكوين 2: 19)، والرواية الكهنوتية تجعل خلق الطيور سابق لخلق الحيوانات حيث خلقت الطيور في اليوم الخامس والحيوانات في اليوم السادس (تكوين 1: 21- 25) بينما في الرواية اليهوية يبدو أنهما خلقوا معاً في نفس الوقت (تكوين 2: 19)، كذلك في الرواية الكهنوتية نجد أن آدم وحواء خلقا معاً في نفس الوقت (تكوين 1: 27) بينما في الرواية اليهوية نقرأ أن آدم خلق أولاً (تكوين 2: 20- 22)، أيضا في الرواية الكهنوتية يبدو أن الأرض في بداية الخلق كانت مغطاة بالمياه (تكوين 1: 29- 30) ولكن الرواية اليهوية، على النقيض من ذلك، تشير إلى أن الأرض كانت ميتة بسبب الجفاف (تكوين 2: 17).

تناقضات روايتي الطوفان

يتفق النقاد والمتحررون من علماء المسيحية واليهودية في أن القصة الكتابية للطوفان تعتمد على روايتين اثنتين: إحداهما كهنوتية والأخرى يهوية وأنهما مختلفتان عن بعضهما البعض. تقول النسخة اليسوعية للكتاب المقدس بخصوص المقطع الذي يتناول قصة الطوفان: «يضم هذا المقطع روايتين متوازيتين: الأولى يهوية مليئة بالألوان والحيوية (6/5-8 و7/1-5 و 7/10 و12 و22-23 و8/2-3 و6-13 و20-22) والثانية كهنوتية أكثر دقة وتفكيراً. لكنها أكثر جفافاً (6/9-22 و7/6-11 و13-16 و18-21 و24 و8/1-5 و13-19 و9/1-17). وقد راعى المحرر الأخير هاتين الشهادتين اللتين أخذهما عن التقليد. ولم يحاول أن يزيل ما بينهما من اختلاف في التفاصيل.»

اختلافات روايتي الطوفان
الرواية اليهوية الرواية الكهنوتية
يأمر الله نوحاً أن يأخذ زوجاً من كل طير ومن الأنعام والحيوانات (8) يأمره الله بأن يأخذ سبعة أزواج(9)
يتوعد الله بإهلاك كل ما فيه روح من تحت السماء غير نوح والذين معه (10) يتوعد الله بإهلاك ما يدب على اليابسة فقط ولا ذكر لكائنات البحار(11)
تستمر الأمطار والفيضانات مائة وخمسين يوماً(12) بقيت الأمطار والفيضانات أربعين يوماً(13)
ظل نوح في السفينة نحو سنة كاملة(14) بقي أربعة وخمسين يوماً(15)
الله قرر إهلاك الحياة لأن الإنسان شرير بفطرته(16) الله قرر أن لا يبيد الحياة ثانية لأن الإنسان شرير بفطرته(17)

تناقضات الرواية الواحدة

وأما عن التناقضات التي تقع في الرواية الواحدة وبعضها البعض فمنها: التناقض بين (تكوين 1: 4-5) و (تكوين 1: 14-19) وكلاهما من الرواية الكهنوتية (راجع الجدول أعلاه). ففي الأعداد الأولى يروى لنا أن الله فصل بين النور والظلمة في اليوم الأول بينما في الأعداد الثانية تم ذلك في اليوم الرابع لما خلقت الشمس والقمر، ومنها أيضا التناقض بين (تكوين 36: 2) و (تكوين 36: 24) - مع العلم أن الإصحاح السادس والثلاثين ينتمي بأكمله إلى الرواية الكهنوتية (راجع الجدول أعلاه) - فتارة يشار إلى عنى على أنه ذكر وتارة أخرى يشار إليه باعتباره أنثى، وعلى الرغم من اختلاف العددين في جنس عنى إلا أنه لا خلاف بين العددين في أن صبعون هو أبو عنى، الأمر الذي يخالف (تكوين 36: 20) حيث يبدو أن عنى وصبعون أخوان.

المفارقات التاريخية عدل

إن المفارقات التاريخية التي تظهر من حين إلى آخر خلال السفر كثير ما تتخذ برهاناً على أن الكاتب قد عاش في فترة أقرب إلينا نسبياً من الفترة التي عاش بها النبي موسى، وخاصة عندما يذكر الكاتب أسماءً أو وقائع ثبت تاريخياً أن النبي موسى لم بعاصرها، ولذا فإن مؤيدي الفرضية الوثائقية يتخذون من تلك الأخطاء التاريخية دليلاً يعززون به نظريتهم. لكن هناك رأي آخر يرى أن المفارقات التاريخة ربما تكون نتاج إضافات قام بها كاتب أو ناسخ متأخر، بيد أن هذا الكاتب كان ملهماً من الله.[51]

من المفارقات التاريخية الواردة بالسفر:

  • ذكر أورالكلدانيين على أنها اسم المدينة التي عاش بها النبي إبراهيم (تكوين 11: 28 و31 و 15: 7) بالرغم أن الكلدانيين لم يخترقوا منطقة ما بين النهرين قبل الألفية الثانية ق.م. ومن المؤكد أنهم سكنوا هذه المنطقة بعد زمن طويل من الفترة التي عاش بها إبراهيم إذ أن أقدم ذكر للكلدانيين يرجع لسنة (825-860 ق.م).
  • عبارة «وكان الكنعانيون حينها في الأرض» (تكوين 12: 6) توحي أن الكنعانببن لم يكونوا في الأرض وقت كتابة السفر كما يلاحظ ذلك إبراهيم ابن عزرا (1089-1164 م)[52] والذي علق قائلاً «يبدو أن كنعان حفيد نوح قد استولى على الأرض التي تحمل اسمه من آخرين، وإذا لم يكن هذا المعنى هو المقصود سيكمن لغز ما في هذه الجملة، وليلزم الصمت أولئك الذين يعون».
  • ذكر مدينة دان في زمن إبراهيم (تكوين 14: 14) بالرغم من أن المدينة – وكانت تدعى حينها «لاشَم» - لم تتخذ هذا الاسم إلا في زمن يشوع بن نون (يشوع 19: 47) أو ربما بعد موت يشوع (القضاة 18: 29)
  • يصعب أن تصدر عن موسى عبارة «لأنه صنع قباحة في إسرائيل» (تكوين 34: 7) حيث لا خلاف على موت موسى قبل تأسيس إسرائيل، ولكنها تبدو مثلاً شائعا في فترات لاحقة حين غدت إسرائيل دولة (انظر مثلا القضاة 20: 6 و 10 وإرميا 29: 23).
  • لاحظ الحاخام إسحاق بن ياشوش (1056 م) أن قائمة أسماء الملوك الواردة في الإصحاح السادس والثلاثين (تكوين 36: 31-39) لابد أنها كتبت بعد موسى لأنه ما كان من سبيل لموسى أن يعرف أنه سيكون هناك ملك على إسرائيل(18)[52]

أهمية السفر في المسيحية عدل

لسفر التكوين أهمية كبيرة في الكنيسة المسيحية، وقد أولته الكنيسة الأولى عناية خاصة، واهتم الآباء الأوائل بتفسيره وشرحه، بل وصل الأمر إلى حد اعتبار بعض نصوصه «إنجيلاً سابقاً»، وكثير من شخصيات السفر - من وجهة النظر المسيحية – هي إما إشارات مباشرة للمسيح أو نبوءات رمزية عن حياته وأفعاله، وأحياناً ينظر إلى بعض أحداثه باعتبارها تمثيل لطقوس المسيحية، فآدم هو المسيح الأول، وملكي صادق يرمز للمسيح، والطوفان يرمز إلى طقس التعميد.

إن العديد من العقائد التي أرسى بولس الطرسوسي مبادئها تعتمد أساساً على نصوص من السفر، فنجده، مثلاً، يرتكز على السفر في مسألة تبرر الإنسان بالإيمان، ويستغل قصة السقوط، سقوط الإنسان الأول، في تدعيم عقيدة الخطيئة الأصلية وتوارثها، مع أن هذه العقيدة لا وجود لها في نص التكوين، بل إن فكرة الخطيئة الأصلية الموروثة لا ترد في العهد القديم برمته، والراجح أن بولس قد استعان بأحد الأسفار المنحولة ويدعى «سفر عزرا الرابع»، والذي يرد به للمرة الأولى انتقال الخطيئة من آدم إلى ذريته بناء على قصة السقوط في تك 2-3، فاقتبس منه الفكرة وأعاد صياغتها رابطاً بين آدم والمسيح، بعد ذلك وجدت الفكرة طريقها إلى التراث الكنسي اللاهوتي على يدي إيريناوس، ووصلت لذروتها بلمحات أغسطينوس، والذي يعود إليه الفضل في تسميتها بالخطيئة الأصلية، وصياغة معناها الأخير.

حواشٍ عدل

  • 8 تكوين 6: 19 ومن كل حي من كل ذي جسد اثنين من كل تدخل إلى الفلك لاستبقائها معك. تكون ذكرا وانثى.
  • 9 تكوين 7: 2 من جميع البهائم الطاهرة تاخذ معك سبعة سبعة ذكرا وانثى. ومن البهائم التي ليست بطاهرة اثنين: ذكرا وانثى.
  • 10 تكوين 6: 17 فها انا ات بطوفان الماء على الأرض لاهلك كل جسد فيه روح حياة من تحت السماء. كل ما في الأرض يموت.
  • 11 تكوين 7: 21-22 فمات كل ذي جسد كان يدب على الأرض من الطيور والبهائم والوحوش وكل الزحافات التي كانت تزحف على الأرض وجميع الناس. كل ما في انفه نسمة روح حياة من كل ما في اليابسة مات.
  • 12 تكوين 7: 24 وتعاظمت المياه على الأرض مئة وخمسين يوما.
  • 13 تكوين 7: 4 و12 و17 و 8: 6 لاني بعد سبعة أيام أيضا امطر على الأرض اربعين يوما واربعين ليلة. وامحو عن وجه الأرض كل قائم عملته».
  • 14 تكوين 7: 11 في سنة ست مئة من حياة نوح في الشهر الثاني في اليوم السابع عشر من الشهر انفجرت كل ينابيع الغمر العظيم وانفتحت طاقات السماء. وتكوين 8: 3-4 ورجعت المياه عن الأرض رجوعا متواليا. وبعد مئة وخمسين يوما نقصت المياه. واستقر الفلك في الشهر السابع في اليوم السابع عشر من الشهر على جبال اراراط.
  • 15 تكوين 8: 6-12 وكانت المياه تنقص نقصا متواليا إلى الشهر العاشر. وفي العاشر في أول الشهر ظهرت رؤوس الجبال. وحدث من بعد اربعين يوما ان نوحا فتح طاقة الفلك التي كان قد عملها وارسل الغراب فخرج مترددا حتى نشفت المياه عن الأرض. ثم ارسل الحمامة من عنده ليرى هل قلت المياه عن وجه الأرض فلم تجد الحمامة مقرا لرجلها فرجعت اليه إلى الفلك لان مياها كانت على وجه كل الأرض. فمد يده واخذها وادخلها عنده إلى الفلك. فلبث أيضا سبعة أيام اخر وعاد فارسل الحمامة من الفلك فاتت اليه الحمامة عند المساء واذا ورقة زيتون خضراء في فمها. فعلم نوح ان المياه قد قلت عن الأرض. فلبث أيضا سبعة أيام اخر وارسل الحمامة فلم تعد ترجع اليه أيضا.
  • 16 تكوين 6: 5-7 وراى الرب ان شر الإنسان قد كثر في الأرض وان كل تصور افكار قلبه انما هو شرير كل يوم. فحزن الرب انه عمل الإنسان في الأرض وتاسف في قلبه. فقال الرب: «امحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته: الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء. لاني حزنت اني عملتهم».
  • 17 تكوين 8: 21 فتنسم الرب رائحة الرضا. وقال الرب في قلبه: «لا اعود العن الأرض أيضا من اجل الإنسان لان تصور قلب الإنسان شرير منذ حداثته. ولا اعود أيضا اميت كل حي كما فعلت.

انظر أيضًا عدل

المراجع عدل

  1. ^ أ ب Lawrence Boadt؛ Richard J. Clifford؛ Daniel J. Harrington (2012). Reading the Old Testament: An Introduction. Paulist Press. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من التاريخ في: |سنة= لا يطابق |تاريخ= (مساعدة)
  2. ^ Genese 1:11 dans la Bible du Rabbinat. نسخة محفوظة 01 ديسمبر 2017 على موقع واي باك مشين.
  3. ^ أ ب Van Seters (1998), p. 5
  4. ^ أ ب ت Davies (1998), p. 37
  5. ^ أ ب McDermott 2002، صفحة 21.
  6. ^ Sarna, Nahum M., S. David Sperling. Book of Genesis. Encyclopedia Judaica, Second Edition, Volume 7, p.440
  7. ^ مقدمة في سفر التكوين، الأنبا تكلا، 23 مايو 2013. نسخة محفوظة 07 سبتمبر 2017 على موقع واي باك مشين.
  8. ^ على سبيل المثال، بخصوص الإشارة إلى النسبة إلى موسى في العهد الجديد، تقول دائرة المعارف الكتابية: "ونقرأ في العهد الجديد أن المسيح "ابتدأ من موسى وجميع الأنبياء، يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب" (لو 24: 27). فمن الواضح أن الرب يسوع أقر بأن موسى هو كاتب أول أسفار الكتاب المقدس، بل إنه أطلق على العهد القديم اسم "موسى والأنبياء" (لو 16: 19 و 31، ارجع أيضاً إلى يو 5: 46 و47، مت 5: 17، لو 24: 44). كما أن الرسول بولس استخدم نفس هذه العبارة (أع 26: 22، 28: 23) وفي نفس الوقت أشار الرب يسوع المسيح إلى الكثير من فصول سفر التكوين باعتبارها جزءاً من الأسفار الموحى بها (مت 19: 4-6، 24: 38، لو 17: 32، يو 7: 22)." بكل الأحول فإنّ النسبة لا تعتبر فقط بالتأليف وإنما بالإملاء.
  9. ^ Gooder (2000), pp. 12–14
  10. ^ Van Seters (2004), pp. 30–86
  11. ^ Ska (2006), pp. 169, 217–18
  12. ^ الإنسان والكون والتطور بين العلم والدين، هنري بولاد، دار المشرق، الطبعة الرابعة، بيروت 2008، ص.144
  13. ^ التراث الإنساني في التراث الكتابي، روبير بندكتي، دار المشرق، بيروت 1987، ص.28-29
  14. ^ Catholic Encyclopedia, vol. 6, p 130
  15. ^ موسوعة المعرفة المسيحية، مرجع سابق، ص.10
  16. ^ الله يسير مع شعبه، مرجع سابق، ص.13
  17. ^ موسوعة المعرفة المسيحية، مرجع سابق، ص.12
  18. ^ الله يسير مع شعبه، مرجع سابق، ص.5
  19. ^ موسوعة المعرفة المسيحية، مرجع سابق، ص.12-13
  20. ^ أ ب عن الإنسان والكون والتطور، مرجع سابق، ص.148
  21. ^ The Seven Tablets of Creation. Description of Their Contents., The Babylonian Legends of Creation, by E. A. Wallis Budge, [1921], at sacred-texts.com, 26-5-2013. نسخة محفوظة 07 يوليو 2017 على موقع واي باك مشين.
  22. ^ أ ب عن الإنسان والكون والتطور، مرجع سابق، ص.151
  23. ^ أ ب ت عن الإنسان والكون والتطور، مرجع سابق، ص.150
  24. ^ الكنيسة والعلم، مرجع سابق، ص.97
  25. ^ الكنيسة والعلم، مرجع سابق، ص.126
  26. ^ الكنيسة والعلم، مرجع سابق، ص.12
  27. ^ الكنيسة والعلم، مرجع سابق، ص.19
  28. ^ ما فائدة التحدث عن العلم في الكتاب المقدس؟، الأنبا تكلا، 5 يونيو 2013. نسخة محفوظة 04 سبتمبر 2017 على موقع واي باك مشين.
  29. ^ أعمال اليوم الخامس، الأنبا تكلا، 5 يونيو 2013. نسخة محفوظة 16 سبتمبر 2017 على موقع واي باك مشين.
  30. ^ الكنيسة والعلم، مرجع سابق، ص.36
  31. ^ الكنيسة والعلم، مرجع سابق، ص.38
  32. ^ الكنيسة والعلم، مرجع سابق، ص.56
  33. ^ الكنيسة والعلم، مرجع سابق، ص.149
  34. ^ التعليم المسيحي للشبيبة الكاثوليكية، مرجع سابق، ص.37.
  35. ^ عن الإنسان والكون والتطور، مرجع سابق، ص.133
  36. ^ عن الإنسان والكون والتطور، مرجع سابق، ص.156
  37. ^ التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، مرجع سابق، ص.39
  38. ^ تكوين 1: 1-2
  39. ^ تكوين 1: 3-4
  40. ^ تكوين 1: 6 و 1: 14
  41. ^ تكوين 1: 31
  42. ^ أ ب "biblical literature." Encyclopædia Britannica. Encyclopædia Britannica 2007 Ultimate Reference Suite. Chicago: Encyclopædia Britannica, 2009.
  43. ^ تكوين 2: 5
  44. ^ تكوين 2: 7
  45. ^ تكوين 2: 8
  46. ^ تكوين 2: 9
  47. ^ تكوين 2:15
  48. ^ تكوين 2: 16
  49. ^ تكوين 2: 17
  50. ^ الفلكلور في العهد القديم، الفصل الأول
  51. ^ المدخل إلى العهد القديم، د.ق. صمويل يوسف، ص 84
  52. ^ أ ب Criticisms Of Old Testament History نسخة محفوظة 10 سبتمبر 2017 على موقع واي باك مشين.

مواقع خارجية عدل