وفقًا للمكتاب المقدس العبري، سبط شمعون ((بالعبرية: שִׁמְעוֹן‏) معني الاسم "إصغاء/استماع/فهم/تعاطف") هو أحد أسباط بني إسرائيل الاثني عشر.(العدد 26: 12-14) حدّد سفر يشوع أراضي هذا السبط بأنها كانت مُطوّقة داخل حدود أراضي سبط يهوذا.(يشوع 19: 9) عادةً، يُعدّ سبط شمعون كواحد من الأسباط العشرة المفقودة، ولكن نظرً لكون أراضيهم كانت جنوبي أراضي سبط يهوذا، وابتلعها سبط يهوذا تدريجيًا، فلا يمكن اعتبارها إحدى أسباط مملكة إسرائيل الشمالية، وبالتأكيد لم يتأثروا بالغزو الآشوري لهذه المملكة.

تقول الرواية الكتابية أنهم جاءوا إلى أرض إسرائيل بعد الخروج من مصر، بينما تُخالف ذلك الآراء البحثية التي حاولت إعادة بناء المعلومات حول أصولهم وتاريخهم المبكر. بدءًا من سفر التكوين حتى السبي البابلي، قدّم الكتاب المقدس تفاصيلًا مختلفةً عن تاريخهم، وبعد ذلك اختفى ذكرهم من النصوص. وقد أضافت مجموعة متنوعة من المصادر اليهودية التقليدية خارج الكتاب المقدس معلومات إضافية حول هذا السبط.

أراضي السبط عدل

 
تخصيص يشوع للأرض للقبائل الإسرائيلية بحسب يشوع: 13-19.

في أوجها، كانت أراضي سبط شمعون تشغل الجزء الجنوب الغربي من أرض كنعان، ويحدها من الشرق والجنوب أراضي سبط يهوذا. كان وصف حدودهم مع سبط يهوذا غامضًا، ويبدو أن أراضي سبط شمعون ربما كانت جيبًا داخل الجزء الغربي من أراضي سبط يهوذا.(يشوع 19: 9) لذا، لم يكن سبط شمعون من القبائل المؤثرة في مملكة يهوذا.

اعتمدت محاولات إعادة تحديد أراضي سبط شمعون على ثلاث قوائم كتابي في سفر يشوع 19: 2-9، وفي سفر أخبار الأيام الأول 4: 28-32 الذي سرد بلدات تابعة لسبط شمعون، وسفر يشوع 15: 20-30 الذي ذكر هذه المدن نفسها، ولكن جزءًا من أراضي سبط يهوذا.[1] قسّم نداف نعمان التوجهات الأكاديمية حول هذا الموضوع إلى "مدرستين فكريتين"، سمّاهما "مدرسة ألت" (نسبةً إلى ألبرخت ألت) و"المدرسة الأخرى".[1] ترى مدرسة ألت أن القائمة المذكورة في يشوع 15 تعكس الوضع التاريخي لهذا السبط في عهد يوشيا، وأن القائمتين الأخريين هما إضافات لاحقة أقل موثوقية من قبل المحررين لتحديد المنطقة الشمعونية السابقة. أما المدرسة الأخرى، فترى أن القائمتين الأوليين تعكسان الوضع التاريخي الفعلي في زمن داود (مثلما ذُكر في سفر أخبار الأيام الأول 4: 31)، وأن يشوع 15 تعكس الوضع في وقت لاحق.[1] يعتقد نعمان أن الشمعونيين استقروا في نمط متداخل مع سبط يهوذا، مع احتفاظهم بهويتهم وتنظيمهم القبلي المتميز طوال فترة الهيكل الأول (حتى سنة 586 ق.م.)، حيث عاش سبطا شمعون ويهوذا في بعض المناطق نفسها.[1]

أصولهم عدل

وفقًا للكتاب المقدس العبري، ينحدر السبط من نسل شمعون ثاني أبناء يعقوب من زوجته ليئة. (التكوين 29: 33) ومع ذلك، يعتقد آرثر بيك أن الروايات عن أبناء يعقوب الاثني عشر في سفر التكوين، قد شملت التاريخ القبلي اللاحق "المتنكر في زي تاريخ شخصي"، حيث أٌعيد صياغة تواريخ هذه المجموعات القبلية لاحقًا في هيئة روايات عن أسلاف افتراضيين.[2] وبالمثل، يتفق العلماء المعاصرين على أن "هناك ذاكرة تاريخية قليلة أو معدومة حول أحداث أو ظروف بني إسرائيل ما قبل المذكور في سفر التكوين."[3]

تقول الرواية الكتابية أنه بعد الانتهاء من غزو بني إسرائيل لأرض كنعان، قسّم يشوع الأرض بين الأسباط الاثني عشر. يؤرخ العالم الكتابي المحافظ كينيث كيتشن هذا الحدث إلى ما بعد سنة 1200 ق.م. بقليل.[4] ومع ذلك، فإن الرأي المتفق عليه بين العلماء المعاصرين هو أن غزو يشوع الموصوف في سفر يشوع لم يحدث أبدًا.[5][6][7]

زعم مارتن نوث بأن القبائل الستة التي ينسبها الكتاب المقدس لليئة، ومن بينها سبط شمعون، كانت ذات يوم جزءًا من حلف بين الجيران قبل أن تتحالف لاحقًا الاثني عشر قبيلة.[8][9] ويقول نيلز بيتر ليمتشي، أن فرضية نوث حول التحالف بين الجيران قد وجّهت طريقة تفكير علماء العهد القديم لفترة جيل كامل".[10] إلا أنه في الآونة الأخيرة، خالف عدد كبير من العلماء نظرية نوث.[11]

في الكلمات الافتتاحية لسفر القضاة بعد وفاة يشوع، "سأل بنو إسرائيل يهوه" أي سبط يجب أن يذهب أولاً ليحتل الأراضي المخصصة له، وفتحدّد سبط يهوذا ليكون السبط الأول.(القضاة 1: 1-2) وفقًا لهذه الرواية، دعا سبط يهوذا سبط شمعون للقتال معهم في تحالف لتأمين الأراضي المخصصة لهم. ورغم ذلك، لم يُذكر سبط شمعون في أغنية دبوره القديمة التي تعتبر بشكل عام واحدة من أقدم الأجزاء المكتوبة في الكتاب المقدس العبري،[12][13] وتزعم الموسوعة اليهودية الصادرة سنة 1906م أن سبط شمعون ربما "لم يكونوا" يُحسبون دائمًا كقبيلة.[14] ويعتقد إسرائيل فينكلشتاين إن جنوب أرض كنعان حيث كانت أراضي سبط شمعون، كان مجرد منطقة ريفية راكدة غير مهمة في وقت كتابة القصيدة،[15] أو أن هناك احتمال آخر أن سبطي شمعون ويهوذا، لم ينضما ببساطة إلى الحلف الإسرائيلي في هذه المرحلة،[16][17] أو أنهما كانتا منفصلتين عن الحلف الإسرائيلي.[18]

شجرة النسب عدل

شمعون
يموئيليامينأوهدياكينصوحرشأول

الرواية الكتابية عدل

نُسبت بعض المدن المُدرجة في سفر يشوع(19: 2-6) لسبط شمعون، ثم نُسبت نفس المدن في موضع آخر من نفس السفر لسبط يهوذا.[14](15: 26-32, 42) استنتج معظم العلماء المعاصرين من ذلك أن سفر يشوع جُمعت مادته من عدة نصوص مصدرية مختلفة، وفي هذه الحالة بالذات، كانت قوائم المدن عبارة عن وثائق مختلفة، من فترات مختلفة عن بعضها البعض.[19][1][20] كما يبدو أن حجم القبيلة قد تضاءل، حيث انخفض حجم القبيلة بشكل كبير بما يزيد عن النصف بين التعدادين المسجلين في سفر العدد.[21] ورغم أن الكتاب المقدس حدد هذين التعدادين خلال فترة الخروج، إلا أن بعض علماء النقد المصدري يربطون فترة تأليف هذا السفر بزمن كتابة المصدر الكهنوتي، والتي أرّخه ريتشارد إليوت فريدمان زمن كتابه بين سنتي 722-609 ق.م.،[22][23] بينما يحدد علماء آخرون زمن كتابته بفترة ما بعد السبي، بل وينكر البعض وجوده تمامًا.[24][25]

يُعطي سفر أخبار الأيام الأول انطباعًا بأن السبط لم يكن له موقع ثابت؛ وفي أحد المقاطع ذكر أن بعض أفراد السبط هاجروا جنوبًا إلى جدور، وذلك للعثور على مرعى مناسب لأغنامهم.(أخبار الأيام الأول 4: 38-40) وفي الآية التالية، التي قد تكون ذات صلة أو لا تكون،[14] ذُكر أنه في عهد حزقيا، جاء جزء من السبط إلى أرض بعض المعونيين، وذبحوهم، واحتلوا أرضهم. كما تشير الآيات التالية إلى أن حوالي 500 رجل من القبيلة هاجروا إلى جبل سعير، وذبحوا العمالقة الذين كانوا قد استقروا هناك سابقًا.

كجزء من مملكة يهوذا، تعرّض من تبقّى من سبط شمعون في النهاية للسبي البابلي؛ وعند انتهاء السبي، لم يعد هناك فروقًا متبقية بين سبط شمعون والأسباط الأخرى في مملكة يهوذا، واندمجوا ضمن هوية مشتركة كيهود. في رؤيا يوحنا 7: 7، ذُكر سبط شمعون مرة أخرى ضمن أسباط إسرائيل الاثني عشر التي كان لها 12,000 رجلًا مختومين على جباههم.

المصادر غير الكتابية عدل

وفقًا للمدراش، تزوج العديد من أرامل سبط شمعون في أسباط بني إسرائيل الأخرى، بعد وفاة 24,000 رجلًا من سبط شمعون بالوباء في أعقاب فضيحة زمري بن سالو.[14] كما يزعم المدراش أن البابليين رحّلوا السبط إلى مملكة أكسوم (في ما يعرف الآن بإثيوبيا) خلف الجبال المظلمة.[14] وعلى عكس ذلك، يعتقد إلداد ها-داني [الإنجليزية] أن سبط شمعون زادت قوتهم بشدة، حيث أخذوا الجزية من 25 مملكة أخرى، بعضها عربية؛ وعلى الرغم من ذكره لموقعهم، إلا أن النسخ الباقية من مخطوطاته تختلف حول ما إذا كانوا في أرض الخزر أو الكلدانيين.

المراجع عدل

  1. ^ أ ب ت ث ج Na'aman، Nadav (1980). "The Inheritance of the Sons of Simeon". Zeitschrift des Deutschen Palästina-Vereins. ج. 96 ع. 2: 136–152. JSTOR:27931137.
  2. ^ Peake, Arthur. (1919). Peake's Commentary on the Bible, Introduction to Genesis. نسخة محفوظة 2023-12-09 على موقع واي باك مشين.
  3. ^ Ronald Hendel (20 مارس 2012). "Historical Context". في Craig A. Evans؛ Joel N. Lohr؛ David L. Petersen (المحررون). The Book of Genesis: Composition, Reception, and Interpretation. BRILL. ص. 64. ISBN:978-90-04-22653-1.
  4. ^ Kitchen, Kenneth A. (2003), On the Reliability of the Old Testament (Grand Rapids, Michigan. William B. Eerdmans Publishing Company)((ردمك 0-8028-4960-1))
  5. ^ “Besides the rejection of the Albrightian ‘conquest' model, the general consensus among OT scholars is that the Book of Joshua has no value in the historical reconstruction. They see the book as an ideological retrojection from a later period — either as early as the reign of Josiah or as late as the Hasmonean period.” K. Lawson Younger Jr. (1 أكتوبر 2004). "Early Israel in Recent Biblical Scholarship". في David W. Baker؛ Bill T. Arnold (المحررون). The Face of Old Testament Studies: A Survey of Contemporary Approaches. Baker Academic. ص. 200. ISBN:978-0-8010-2871-7.
  6. ^ ”It behooves us to ask, in spite of the fact that the overwhelming consensus of modern scholarship is that Joshua is a pious fiction composed by the deuteronomistic school, how does and how has the Jewish community dealt with these foundational narratives, saturated as they are with acts of violence against others?" Carl S. Ehrlich (1999). "Joshua, Judaism and Genocide". Jewish Studies at the Turn of the Twentieth Century, Volume 1: Biblical, Rabbinical, and Medieval Studies. BRILL. ص. 117. ISBN:90-04-11554-4.
  7. ^ "Recent decades, for example, have seen a remarkable reevaluation of evidence concerning the conquest of the land of Canaan by Joshua. As more sites have been excavated, there has been a growing consensus that the main story of Joshua, that of a speedy and complete conquest (e.g. Josh. 11.23: 'Thus Joshua conquered the whole country, just as the Lord had promised Moses') is contradicted by the archaeological record, though there are indications of some destruction and conquest at the appropriate time." Adele Berlin؛ Marc Zvi Brettler (17 أكتوبر 2014). The Jewish Study Bible: Second Edition. Oxford University Press. ص. 951. ISBN:978-0-19-939387-9. مؤرشف من الأصل في 2023-02-13.
  8. ^ Donald G. Schley (1 مايو 1989). Shiloh: A Biblical City in Tradition and History. A&C Black. ص. 81. ISBN:978-0-567-06639-8. مؤرشف من الأصل في 2023-12-05.
  9. ^ John H. Hayes (7 يونيو 2013). Interpreting Ancient Israelite History, Prophecy, and Law. Wipf and Stock Publishers. ص. 116. ISBN:978-1-63087-440-7. مؤرشف من الأصل في 2023-12-05.
  10. ^ Niels Peter Lemche (19 سبتمبر 2014). Biblical Studies and the Failure of History: Changing Perspectives 3. Taylor & Francis. ص. 164. ISBN:978-1-317-54494-4. مؤرشف من الأصل في 2023-12-09.
  11. ^ George W. Ramsey (30 أغسطس 1999). The Quest for the Historical Israel. Wipf and Stock Publishers. ص. 89. ISBN:978-1-57910-271-5. مؤرشف من الأصل في 2023-12-05.
  12. ^ For the age of the Song of Deborah see David Noel Freedman (1980). Pottery, Poetry, and Prophecy: Studies in Early Hebrew Poetry. Eisenbrauns. ص. 131. ISBN:978-0-931464-04-1. مؤرشف من الأصل في 2023-12-05.
  13. ^ Wong، Gregory T.K. (2007). "Song of Deborah as Polemic". Biblica. ج. 88 ع. 1: 1–22. JSTOR:42614746.
  14. ^ أ ب ت ث ج [url=http://www.jewishencyclopedia.com/view.jsp?letter=S&artid=728 Simeon, Tribe of] نسخة محفوظة 2023-12-05 على موقع واي باك مشين.
  15. ^ Finkelstein, I., The Bible Unearthed
  16. ^ Baruch Halpern (1981). "The Uneasy Compromise: Israel between League and Monarchy". في Baruch Halpern؛ Jon D. Levenson (المحررون). Traditions in Transformation: Turning Points in Biblical Faith. Eisenbrauns. ص. 73. ISBN:978-0-931464-06-5.
  17. ^ Norman K. Gottwald (18 أغسطس 2009). A Light to the Nations: An Introduction to the Old Testament. Wipf and Stock Publishers. ص. 175. ISBN:978-1-60608-980-4. مؤرشف من الأصل في 2023-12-05.
  18. ^ John H. Hayes (7 يونيو 2013). Interpreting Ancient Israelite History, Prophecy, and Law. Wipf and Stock Publishers. ص. 59. ISBN:978-1-63087-440-7. مؤرشف من الأصل في 2023-12-09.
  19. ^ Singer, Isidore; et al., eds. (1901–1906). "Joshua, Book of". The Jewish Encyclopedia. New York: Funk & Wagnalls.
  20. ^ On the authorship of Joshua in general, see Thomas B. Dozeman (25 أغسطس 2015). Joshua 1-12: A New Translation with Introduction and Commentary. Yale University Press. ص. 441. ISBN:978-0-300-17273-7. مؤرشف من الأصل في 2023-12-05.
  21. ^ العدد كان 59,300 في سفر العدد 1: 23، ثم تضاءل إلى 22,200 في سفر العدد 26: 14.
  22. ^ Singer, Isidore; et al., eds. (1901–1906). "Priestly Code". The Jewish Encyclopedia. New York: Funk & Wagnalls.
  23. ^ Richard Elliott Friedman, Who Wrote the Bible? (Harper San Francisco) (1987) (ردمك 0-06-063035-3). For the census accounts being priestly material, see pp. 252, 254. On the dating of the priestly source, see p. 210.
  24. ^ Susan Niditch (26 يناير 2016). The Wiley Blackwell Companion to Ancient Israel. John Wiley & Sons. ص. 407. ISBN:978-0-470-65677-8. مؤرشف من الأصل في 2023-12-05.
  25. ^ Propp، William H. C. (1996). "The Priestly Source Recovered Intact?". Vetus Testamentum. ج. 46 ع. 4: 458–478. DOI:10.1163/1568533962581783. JSTOR:1584959.