ديستوبيا فيلم الغول بين المثالية و الواقعية


فيلم الغول احد أشهر افلام السينما المصرية من انتاج عام 1983 تأليف وحيد حامد واخراج سمير سيف ،بطولة عادل امام وفريد شوقي ونيللي وحاتم ذو الفقار و كوكبة من المع النجوم.[1]

الفيلم من نوعية افلام الديستوبيا مأخوذ عن المسلسل الإذاعي (قانون سكسونيا)، اثار الفيلم ضجة كبيرة وقتها حتي ان الرقابة على المصنفات الفنية رفضت عرض الفيلم مستشهدة بأن أحداثه تهاجم النظام وتتهمه بالفساد والتواطئ مع رجال الأعمال إلى أن أجاز عرضه وزير الثقافة.

لم يكن رفض الرقابة بسبب مهاجمته للنظام او لانحراف العدالة وإنما بسبب مشاهد الفيلم الاخيرة التي أعطت إيحاءات لمشهد اغتيال السادات، فعبارة "مش معقول" التي تفوه الكاشف بها وقت اغتياله وتناثر الكراسي في موقع الجريمة استنساخ لذلك المشهد، خاصة ان الفيلم قد انتج بعد الحادث بأشهر قليلة.

عادل عيسي يرمز الي "الشباب" صحفي جريء صاحب مبدأ، ورغم انه من زبائن البارات الليلية الا انه وجد نفسه فجأة في مواجهة مع الرأسمالي العملاق فهمي الكاشف يرمز الي"النظام" بسبب جريمة قتل تورط فيها ابن رجل الاعمال الكبير لعلاقتة مع فنانة "فادية وهدان" راح ضحيتها "مرسي السويفي" ويرمز كلاهما الي "البسطاء" و بحنكة يحاول المؤلف لفت نظرنا الي ارتباط الاعلام المتمثل في المذيعة "مشيرة درويش" مع النظام بشكل او بأخر كما ظهر خلال احداث الفيلم .

الفيلم هو احد افلام وحيد حامد الذي يجيد اللعب في منطقة خاصة قلما يدخلها احداً سواه،القضايا الاجتماعية والسياسية منطقة شائكة يجيد دائماً وحيد حامد العزف علي اوتارها بمهارة واتقان شديدين وعبقرية فذة، ناهيك ايضاً عن عبقرية المخرج الفذ القدير المبدع سمير سيف في تقديم مشاهد جريئة بها لوحات سياسية برؤية فنية بحتة يرافقها تصاعد للاحداث بشكل سريع دون الاطالة موضحا تأثير تلك القضية علي المجتمعات وكذلك تأثير الفساد المستشري بتلك الفترة الزمنية، وما نتج عنه من آثار سلبية ذاكراً من خلال كاميرته تواطئ النظام والهيئات الرقابية من خلال بعض المشاهد التي نجح الفنان عادل امام في تصويرها ببراعة.

بعد سنوات كثيرة شاهدت خلالها الفيلم كان في كل مرة فيها يكسب الصحفي عادل عيسي تعاطفي معه نظراً لتفهمي الشديد لقضيتة و التي نبحث عنها جميعاً الا وهي العدالة الإجتماعية، لكن وجدتني بعد فترة وقد غيرت بعضاً من افكاري، لا ادري علي وجه الدقة هل انا فقدت جزءاً من انسانيتي وبرائتي ام لا عندما اقول في نفسي لماذا لم يقبل عادل عيسي العرض المغري الذي قدمه فهمي الكاشف؟!..

تغير قناعتي ووجهة نظري في الحقيقة لم يكن وليد اللحظة او انفعالاً مني، لكن بفعل احداث سنوات كثيرة مرت خضت فيها تجارب لا بأس بها في الحياة وبالتحديد قبل ثورة يناير ثم مروراً بها ثم ما تلاها من احداث غيرت الكثير والكثير في مجتمعنا بل واظهرت حقائق ومسلمات لا يتسع المجال لسردها.

اعود لأقول ان تراجعي وتغيير قناعتي وتعاطفي وتفهمي لمبدأ عادل عيسي الي تفهمي لدفاع فهمي الكاشف عن امبراطوريتة الرأسمالية العملاقة هذا التراجع من النقيض الي النقيض كان سببه الرئيسي هو حركة المجتمع الذي نعيش فيه، في الحقيقة انا فكرت بواقعية وعشت الاحداث جيداً، عادل عيسي فضل ان يكون فارساً اسطورياً صحيح هو معه الحق، لكن المثل الدارج يقول "اخذ الحق حرفة"، ماذا يفيد اسرة القتيل من اعدام القاتل؟!.، هل اعدامه يضمن لهم عيشة سوية وتعليم جامعي ام مبلغ وفير يعينهم ويؤمن لهم معيشتهم؟!..، بالطبع انا اعلم بعض الكلمات والهمهمات التي سوف تصدر من البعض علي شاكلة العدالة تأخذ مجراها وقانون الغاب وبعد الشعارات الحقوقية الجوفاء الرنانة والتي لا تسمن ولا تغني من جوع.

الواقع يقول ان هناك تغيرات جذرية اثرت علي الوعي المجتمعي المصري،ثقافات عديدة ومواريث وعادات جعلت من المواطن العادي ترس في آلة عملاقة ليس لها مثيل في العالم، تركيبة استثنائية لن تجدوها في اي مكان اخر سوي في مصر، الشعب الذي نزل ضد مبارك في 2011 نزل يهتف ضد حكم فرد من رجالات المؤسسة العسكرية وهو يرفع صورة جمال عبد الناصر الزعيم الخالد!! ، الشعب الذي يتحدث عن الدين وهو يدخن الشيشة ويلعب الطاولة علي المقاهي!!، الشعب الذي يتكلم عن العيب والحلال والحرام وهو اكثر شعوب الارض بحثاً عن الافلام الإباحية علي شبكة الانترنت!!، هذة التركيبة المعقدة التي جعلت من المجتمع المصري مجتمع يصعب توقعه حتي في احلك الظروف يسخر ويخترع النكات، يرى البعض ان هذه الحاله هي غياب تام عن الوعي، ويراها اخرون سلاح دفاعي نفسي يتغلب به المصريون علي معاناتهم.

اعود لطرح سؤالي.. هل كان من الأفضل ان يقبل الصحفي الشاب العرض السخي من الغول الرأسمالي ويضع مصلحة ابناء القتيل بين عينية ام اعلاء مبدأه ذو الشعارات الرنانة علي صالح الجميع كان افضل؟!..مصلحته هو شخصياً ان يعمل في مؤسسه عملاقة سبقه اليها جهابذة وعتاة القانون في مصر، مصلحة الام الثكلي وابنائها الصغار،مصلحة حبيبتة الاعلامية في عدم خسارة المستوي المادي التي كانت تعيش فيه من باب "نصف العمي ولا العمي كله"، و اخيراً مصلحة الكاشف في الدفاع عن اسمه و مؤسسته التي بالطبع لها دور مؤثر في الاقتصاد المصري ويعمل بها الكثير من العمال الفقراء.

في رأيي ان نهاية الفيلم كانت اسطورية وسوداوية ولا تعبر عن الواقع بأي صلة، خسارة القضية في ساحات المحاكم كان متوقع، فحركة المجتمع كانت تقول هذا منذ البداية، دعاء الام الثكلي علي البطل في النهاية وانه كان قد اضاع فرصة العمر دليل اخر علي ان الشعب يريد العيش علي حساب العدالة، مقتل الغول لم يضع نهاية لاستبداد النظام الرأسمالي وتحكمة وسطوتة،حتي اعدام الصحفي المتوقع لم ينجح في اعلاء فكرتة الاسطورية ان الجميع سواسية امام القانون، انكسار النائب العام نفسة مؤشر خطير علي ان القانون به عوار والقانون الاوحد الذي كان يجب ان يسود هو الرحمة وليس العدل،العدل يحتاج ادلة وقوانين والرحمة فوق العدل، اما الحق فهو عند الله وله يوم قدرة لرد المظالم.

  1. ^ فيلم - الغول - 1983 طاقم العمل، فيديو، الإعلان، صور، النقد الفني، مواعيد العرض، اطلع عليه بتاريخ 2020-03-29 {{استشهاد}}: تحقق من قيمة |url= (مساعدة)