أثر دعوته عدل

الحروب في عصره عدل

 
الدولة السعودية الأولى في ذروة اتساعها في عهد الإمام سعود الكبير.

استمرت الحروب بين أنصار دعوة محمد بن عبد الوهَّاب وأعدائها سنوات عِدَّة، سيطر فيها أنصاره بقيادة محمد بن سعود على عدة قرى، فغيَّر هذا الأخير شكل الحكم من حكم دولة المدينة إلى حكم دولة، ونُشُوء الدولة السعودية الأولى في عام 1139هـ الموافق لـ 1727م.[وب 1] وفي سنة 1178هـ (ق. 1773م)، فُتحت الرياض بقيادة الأمير عبد العزيز بن محمَّد بن سعود، وفرَّ منها حاكمها السَّابق دهام بن دوَّاس.[1] بعد وفاة ابن عبد الوهَّاب، واصل آل سعود نشر دعوته في الحجاز، وفي سنة 1218هـ الموافق لسنة 1803م خضعت لهم أرياف الحجاز الجنوبية. ثم سيطروا على مكة سنة 1805م من غير أن يتعرَّضوا لأيَّة مقاومةٍ. وعُيِّن الشَّريف غالب الذي خضع للدرعية قائماً على مكة. وبعد عامين ضمّ السعوديّون المدينة المنوَّرة التي بايعهم أهلها على السمع والطاعة، وامتد نفوذهم على معظم شبه الجزيرة العربية.[وب 2]

استطاع القواسم الذين قبلوا تعاليم الدعوة الوهَّابية، ومِنْ خلفهم القوَّة السُّعوديَّة مِنْ توجيه ضرباتٍ موجعةٍ لأسطول الإمبراطورية البريطانية في عام 1806م، وأصبحت مياه الخليج تحت سيطرتهم.[2] بلغت الدَّولة في زمن سعود بن عبد العزيز الأوج من النَّاحية السِّياسيَّة، إِذ وصلت كربلاء في العراق، وإِلى حوران في بلاد الشَّام، وخضعت لها الجزيرة كاملةً باستثناء اليمن؛ حيث استمرت رُسل الإمام سعود بن عبد العزيز في الوفود إلى الإمام المنصور علي في صنعاء، ومن بعده إلى ولده الإمام المتوكل أحمد بمكاتيب إليهما بالدعوة إلى التوحيد، وهدمِ القبور المشيدة، والقِباب المرتفعة، ثم وقع الهدمُ للقباب والقبور المشيدة في صنعاء، وفي كثير من الأمكنة المجاورة لها، وفي جهة ذمار وما يتصل بها.[3]

كان للتوسع السعودي في شبه الجزيرة العربية، مصدر تهديد للدولة العثمانية ومكانتها في العالم الإسلامي، وبخاصة بعد سيطرة السعوديين على الحرمَين الشريفَين. وحرصت الدولة العثمانية على استعادة تلك المكانة، والقضاء على الدولة السعودية، فنشبت حرب دامت ست سنوات و11 شهرًا ما بين سنتي 1226هـ-1233هـ الموافق لـ 1811م-1818م. انتهت بسقوط الدولة السعودية الأولى وتدمير عاصمتها الدرعية على يد قوات محمد علي باشا الوالي العثماني لمصر.[4] تسبب انشغالُ جيش محمد علي بالحرب اليونانية لحظة فارقة مكنت لعودة آل سعود إلى الحكم مرة أخرى على يد تركي بن عبد الله بن محمد آل سعود الذي أنشأ الدولة السعودية الثانية.

في العالم الإسلامي عدل

تعدَّت دعوة محمد بن عبد الوهَّاب في انتشارها جزيرة العرب حتى اتسعت من سومطرة شرقا إلى نيجيريا غربا. وعجلت في ظهور العديد من الحركات الإصلاحية المُتأثرة ببعض مبادئ الدعوة الوهَّابية أو المناصرة لها في عدّة بُلدان: كظهور محمد إدريس السنوسي في ليبيا. وبروز حركة الفرائضية على يد أحمد بن عرفان البريلوي في الهند، الذي عاد من الحج سنة 1236هـ متأثرًا بابن عبد الوهَّاب، فسعى لنشر ما تعلَّمه في إقليم البنجاب، أدَّى إلى هلاكه في اشتباك وقع بينه وبين السيخ بمعاونة الإنجليز لهم عام 1246هـ. ولكن دعوته ظلت باقية من خلال أتباعه الذين تابعوا ما بدأه.[5] ومنها أيضًا حركة عثمان دان فوديو من أفراد قبيلة الفلبي في غرب إفريقيا، الذي ذهب إلى مكة لأداء فريضة الحج فتأثر بالدعوة هناك حين كانت قوتها آخذة في النمو. فحارب الشرك والبدع في عشيرته وقومه وعمل للقضاء على الوثنية وعبادة الأموات التي كانت لا تزال مختلطة بالعقيدة الإسلامية في نفوس السودانيين هناك.[6] أما في اليمن فظهر عدد من الشيوخ الدَّاعين إلى الامتثال والانقياد لتعاليم الدعوة الوهَّابية، وصار لهم أتباعٌ. ومن أبرزهم: محمد بن إسماعيل الصنعاني الذي مدحَ محمد بن عبد الوهَّاب بقصيدة شعرية بعثها له حين كان في الدُّرعية،[وب 3] ومحمد بن علي الشوكاني الذي دعا إلى التوحيد والاجتهاد ومحاربة البدع والتقليد الأعمى، وألف في ذلك رسالة أسماها القول المفيد في حكم التقليد. ثم جاءت حركة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده في مصر،[7] تلاها ظهور عدد من الجمعيات الإسلامية التي تأثرت بالدعوة السلفية مثل: جمعية أنصار السنة المحمدية، ألّف رئيسها محمد حامد الفقي كتابا عن الدعوة السلفية أسماه «أثر الدعوة الوهابية في الإصلاح الديني والعمراني في جزيرة العرب» وتُصدر هذه الجمعية مجلة شهرية باسم التوحيد. وغيرهم الكثير من البُلدان الإسلامية.

تأثر السلفية الجهادية به عدل

 
مجموعة نسخ من كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد تأليف محمد بن عبد الوهَّاب وزَّعه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في مناطق سيطرته سنة 2014.

رغم اختلاف الحركات الجهادية المُعاصرة المتمثلة في تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وحركة طالبان، إلاَّ أنهم لا يختلفون في تبنِّي ومُناصرة عقيدة محمد بن عبد الوهَّاب وطريقته في نشر دعوته، إذ تهدف هذه التنظيمات إلى تطبيق الشريعة الإسلامية عبر الجهاد المسلح. قال برنارد هيكل مدير معهد الدراسات عبر الإقليمية للشرق الأوسط المعاصر وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى بجامعة برينستون في تصريح لبي بي سي عربي: «بمجرد سقوط أي مدينة في قبضة الدولة السعودية كان محمد بن عبد الوهاب يعين فيها خطباء، يعلمون الناس منهجه في العقيدة. وكتب بن عبد الوهاب عددا من الكتب القصيرة التي أضبحت أساسا لتعليم مذهبه - وهي الكتب ذاتها التي تستخدمها داعش اليوم. لكن تنظيم الدولة يرى أن الدولة السعودية انحرفت عن المعتقدات الصحيحة لمحمد بن عبد الوهاب، وأنهم هم الممثلون الحقيقيون للدعوة السلفية أو الوهابية».[8]

مراجع عدل

  1. ^ "التاريخ والإرث". رؤية السعودية 2030. 26 يونيو 2021. مؤرشف من الأصل في 2021-06-26. اطلع عليه بتاريخ 2024-05-12.
  2. ^ زمزم حسن (29 يوليو 2021). "دخول الحجاز في طاعة إمام الدرعية". القاهرية. مؤرشف من الأصل في 2022-04-08. اطلع عليه بتاريخ 2024-05-12.
  3. ^ عبد الله محمد الحبشي (1972). "تاریخ الدعوة الوهابیة من مخطوط یمینی". العرب. ج. 73 ع. 7: 28/29. اطلع عليه بتاريخ 2024-05-13.
  1. ^ خزعل (1968)، ص. 310.
  2. ^ Corancez (1810)، ص. 120.
  3. ^ الشوكاني (2006)، ص. 202/203.
  4. ^ ابن بشر (1982)، ج. 1، ص. 396-422.
  5. ^ الطنطاوي (1979)، ص. 33.
  6. ^ أرنولد (1970)، ص. 360.
  7. ^ الشريقي (1968)، ص. 30.
  8. ^ "هل السعودية مسؤولة عن ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية" ؟". بي بي سي عربي. 19 ديسمبر 2015. اطلع عليه بتاريخ 2024-05-13.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: url-status (link)