العبودية في الإمبراطورية البيزنطية

كانت العبودية شائعة في بدايات الإمبراطورية الرومانية والعصر الكلاسيكي اليوناني. وكانت أمرًا قانونيًا في الإمبراطورية البيزنطية لكنها أصبحت نادرة بعد النصف الأول من القرن السابع.[1] منذ القرن الحادي عشر، حلت العلاقات شبه الإقطاعية محل العبودية إلى حد كبير.[2] تحت تأثير المسيحية، تغيرت وجهات النظر بخصوص العبودية؛ فبحلول القرن العاشر كان يُنظر إلى العبيد كمواطنين محتملين (العبد كإنسان تابع أو مأمور)، بدلاً من اعتبارهم ممتلكات (العبد كشيء).[3] كما كان يُنظر إلى العبودية على أنها «شر مخالف للطبيعة، خلقته أنانية الإنسان»، على الرغم من أنها ظلت قانونية.[4]

مصادر العبيد عدل

كان المصدر الرئيسي للعبيد هم أسرى الحروب، الذين كان يُمكن تحقيق أرباح كبيرة منهم.[5] يذكر كتاب Madrid Skylitzes أنه بعد معركة أدراسوس، أُرسل العديد من أسرى الحرب إلى القسطنطينية. وقد كانت أعدادهم كبيرة لدرجة أنهم ملؤوا جميع القصور والمناطق الريفية.[6] كان معظم خدم المنازل في البيوت البيزنطية الكبيرة عبيدًا وكانوا كثيرين جدًا. قدمت دانياليس من باتراس، وهي أرملة ثرية في القرن التاسع، هدية من 3000 عبد إلى الإمبراطور باسيل الأول.[7] وقال مستشار في عهد باسيل الثاني، أنه كان يمتلك 3000 عبد وخادم.[8] عمل بعض العبيد في أراضي أسيادهم، والتي تدهورت في العصور اللاحقة.

يُقدّر مؤرخ عربي من العصور الوسطى أن 200000 امرأة وطفل قد أُخذوا كعبيد بعد أن استعاد البيزنطيون جزيرة كريت من المسلمين.[8] بالإضافة لذلك، أُجبر الآباء الذين يعيشون في الإمبراطورية البيزنطية على بيع أطفالهم لسداد ديونهم، وهو ما حاولت القوانين البيزنطية منعه دون جدوى.[5] بعد القرن العاشر، كان المصدر الرئيسي للعبيد غالبًا هم السلاف والبلغار،[9] الذين جُلبوا بعدَ الحملات في البلقان والأراضي الواقعة شمال البحر الأسود.[10] في الساحل الشرقي للبحر الأدرياتيكي، صُدِّرَ العديد من العبيد السلاف إلى أجزاء أخرى من أوروبا. كان العبيد يُعاملون التجار الروس (غالبًا الفايكنج) في زيارتهم السنوية إلى القسطنطينية. بعد القرن الثاني عشر، أصبحت الكلمة اليونانية القديمة "δοῦλος" (دولوس) مرادفة لكلمة "σκλάβος" (سكلافوس[11] والتي ربما تكون مشتقة من نفس جذر "slav" الذي اشتُقّت منه كلمة عبيد.

الحياة الاجتماعية عدل

كانت العبودية في الغالب ظاهرة حضرية حيث عملَ معظم العبيد في المنازل.[12] يتناول كل من «قانون المزارعين» في القرنين السابع/الثامن و«كتاب الحاكم» مفي القرن العاشر، العبودية.[13] لم يُسمح للعبيد بالزواج حتى شرّع ذلك الإمبراطور ألكسيوس الأول كومنينوس في عام 1095. ومع ذلك؛ لم يحصلوا على الحرية إذا فعلوا ذلك. وبقي أبناء العبيد عبيدًا حتى لو كان الأب هو سيدهم. جُنّدَ العديد من العبيد في الجيش.

لم يتطابق الوضع الاجتماعي والاقتصادي للعبيد بالضرورة مع وضعهم القانوني. فقد كان العبيد العاملين لدى الأغنياء يتمتعون بمستوى معيشي أعلى من الأحرار الذين كانوا فقراء. وأيضًا، جعل النظام القانوني من المفيد للسادة وضع العبيد في مناصب اقتصادية معينة، مثل رؤساء المحلات التجارية. على سبيل المثال، كان من الممكن فقط مصادرة أملاك صائغ ذهب متهم بالاتجار غير المشروع بالذهب، إذا كان عبدًا. أما إذا كان حراً، فسوف يُجلد ويدفع عقوبة ثقيلة تتجاوز قيمة العبد. وهكذا، كان الأسياد يعينون العبيد كعاملين في المتاجر، حيث يمكن أن يكون لهم سلطة على العمال الأحرار.[14]

الخصيان عدل

كان الإخصاء محظورًا، لكن القانون كان مطبقًا بشكل سيء، وكان الأولاد الصغار غالبًا ما يُخصون قبل أو بعد سن البلوغ. كان يُتاجر بالخصيان (الأولاد والرجال المخصون) في أنحاء الإمبراطورية، حيث كانوا يُباعون ويُشترون. تقول الباحثة كاثرين رينغروز إنهم «يمثلون فئة جندرية مميزة، فئة محددة بالملابس، والسلوك الجنسي، والعمل، والمظهر الجسدي، ونوعية الصوت، وبالنسبة لبعض الخصيان، التأثير الشخصي».[15]

كان الخدم الخصيان شائعين في بعض الأحيان. غالبًا ما دفعت العائلات البيزنطية الغنية أسعارًا باهظة لهؤلاء العبيد، وكانوا يقبلونهم أحيانًا كجزء من الأسرة. لعب الخصيان دورًا مهمًا في القصر والمحكمة البيزنطية حيث تمكنوا من الارتقاء إلى مناصب عليا.[13]

الأسعار عدل

كانت أسواق العبيد موجودة في العديد من المدن والبلدات البيزنطية. وُجدَ سوق للعبيد في القسطنطينية في وادي المراثي. في أوقات معينة، كان سعر الطفل البالغ من العمر 10 سنوات يبلغ 10 نوميسما، وكان سعر الطفل المخصي من نفس العمر 30. بينما بلغ ثمن الذكر البالغ 20 والذكر البالغ المخصي 50.[10]

الانتقال من العبودية إلى العمل الحر عدل

من المحتمل أن العمل العادي في المدن قد أُجريَ على نظام مثل ذلك الذي أدخله دقلديانوس، حيث كان العامل ملزمًا بمتابعة العمل بالوراثة، لكنه كان يتقاضى أجرًا ويوفر نفقته الخاصة. هذا هو النظام المشار إليه في «كتاب الحاكم» في القرن العاشر. أظهرَ «قانون المزارع» في القرنين السابع والثامن أن المزارع المأجور يعمل في قريته، ويعمل العبد في حوزة مالك الأرض الكبيرة، لكن كلاهما كانا يصنفان كأقنان مرتبطين بالتربة. وهكذا فإن الإمبراطورية البيزنطية تمثل فترة انتقالية مهمة من العبودية إلى العمل الحر.[8] قام الإمبراطور جستنيان (حكم بين 527-565) بمراجعة وتدوين القانون الروماني القديم، بما في ذلك قانون العبودية. اعترف بأن العبودية هي حالة غير طبيعية للوجود البشري وليست سمة من سمات القانون الطبيعي. احتفظ قانون جستنيان بالمبدأ القائل بأن العبد عنصر تابع، لكنه لم ينص على أن العبد خالٍ من الشخصية. كما أزال بعض القوانين القاسية المتعلقة بالعبيد في السابق. على سبيل المثال، أعطى للعبيد الحق في الدفاع عن أنفسهم أمام القضاء بشكل مباشر وشخصي من أجل حريتهم، وأعلن أن السيد الذي يقتل عبده يرتكب جريمة قتل.[16]

انظر أيضًا عدل

مراجع عدل

  1. ^ Aleksandr Petrovich Kazhdan et al., "Change in Byzantine Culture in the Eleventh and Twelfth Centuries", University of California Press, 1985, p. 10 نسخة محفوظة 2019-04-03 على موقع واي باك مشين.
  2. ^ Clarence-Smith, "Islam and the Abolition of Slavery", 228. نسخة محفوظة 2021-02-28 على موقع واي باك مشين.
  3. ^ Youval Rotman, "Byzantine Slavery and the Mediterranean World", transl. by Jane Marie Todd, Cambridge, Massachusetts – London, Harvard University Press 2009. Book presentation in a) Nikolaos Linardos (University of Athens),, Mediterranean Chronicle 1 (2011) pp. 281, 282, b) Alice Rio, American Historical Review, Vol. 115, Issue 5, 2010, pp. 1513–1514 نسخة محفوظة 2021-02-25 على موقع واي باك مشين.
  4. ^ Clarence-Smith. W. G. Religions and the abolition of slavery - a comparative approach. https://www.lse.ac.uk/Economic-History/Assets/Documents/Research/GEHN/GEHNConferences/conf10/Conf10-ClarenceSmith.pdf نسخة محفوظة 2020-11-16 على موقع واي باك مشين.
  5. ^ أ ب D. Phillips، William (1985). Slavery from Roman Times to the Early Transatlantic Trade. Manchester University Press. ص. 37. ISBN:9780719018251.
  6. ^ Stephenson، Paul (2010). The Byzantine World. Routledge. ص. 99. ISBN:9781136727870.
  7. ^ Marcus Louis Rautman, Daily Life in the Byzantine Empire, (Greenwood Publishing, 2006), 22.
  8. ^ أ ب ت Trade and Industry, F.H. Marshall, Illustrated Encyclopedia of World History, Vol. 4, ed. JA Hammerton, (Mittal Publications), p. 2629. نسخة محفوظة 2016-12-21 على موقع واي باك مشين.
  9. ^ M. Bennett، Judith (2013). The Oxford Handbook of Women and Gender in Medieval Europe. Oxford University Press. ص. 286. ISBN:9780199582174.
  10. ^ أ ب James، Liz (2010). A Companion to Byzantium. John Wiley & Sons. ص. 90. ISBN:9781444320022.
  11. ^ Rotman، Youval (2009). Byzantine Slavery and the Mediterranean World. Harvard University Press. ص. 66. ISBN:9780674036116.
  12. ^ Daily Life in the Byzantine Empire, Marcus Louis Rautman, page 22
  13. ^ أ ب Cameron، Averil (2009). The Byzantines. John Wiley & Sons. ص. 126. ISBN:9781405178242.
  14. ^ Youval Rotman, Byzantine Slavery and the Mediterranean World, Harvard University Press, 2009, pp 101, 102 نسخة محفوظة 2021-03-08 على موقع واي باك مشين.
  15. ^ Ringrose, Kathryn M. (1 Nov 2007). The Perfect Servant: Eunuchs and the Social Construction of Gender in Byzantium (بالإنجليزية). University of Chicago Press. p. 29. ISBN:978-0-226-72016-6. Archived from the original on 2016-10-13.
  16. ^ Tim Clarckson, in "The Historical Encyclopedia of World Slavery", ABC-CLIO (1997), article "Justinian, laws of", vol. 1, pp 386, 387 نسخة محفوظة 2020-06-17 على موقع واي باك مشين.