حديث مسلسل

تتابع الرواة على نقل الحديث بهيئة تُماثل هيئة النبي أثناء قوله هذا الحديث أو هيئة السياق الذي قيل فيه هذا الحديث
(بالتحويل من الحديث المسلسل)

الحديث المسلسل في سياق علم الحديث هو ما تتابع رجال إسناده على صفة واحدة أو حال واحدة للرواة أو للرواية،[1] [2] بعبارة أخرى فالحديث المسلسل هو الحديث الذي تناقله الرواة عن بعضهم البعض بهيئة تحاكي هيئة النبي أثناء قوله، أو هيئة السياق الزماني أو المكاني الذي قيل فيه الحديث، كأن يقول النبي حديثا ثم يقبض على لحيته، فيأتي الراوي ليروي ما قاله النبي ثم يقبض الراوي على لحيته كما فعل النبي ، ثم يأتي الراوي الذي بعده فيروي الحديث ثم يقبض على لحيته وهكذا، وذلك يقوي معنى الاتصال في الحديث،[1] لأن فيه دلالة على اتصال السماع وزيادة في ضبط الراوي،[3] إذ أن الرواي لم يكتفي بنقل العبارة النبوية فقط، بل تجاوزها ليحاكي هيئة النبي أثناء الحديث.

أمثلة على المسلسلات

عدل

المسلسل بأحوال الرواة الفعلية

عدل

مثله الحديث الذي رواه أبو هريرة قائلا:

شبك بيدي أبو القاسم وقال لي: «خلق الله عز وجل التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الإثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل»[4]

فكان أبو هريرة إذا حدث أحد الرواة بهذا الحديث يشبك يده بيد الرواي ثم يقول له: شبك بيدي أبو القاسم وقال لي: «خلق الله عز وجل التربة يوم السبت...»، فإذا أراد هذا الراوي أن يحدث راو آخر بهذا الحديث فإنه يشبك يده بيد هذا الراوي الثاني ويقول له: شبك أبو هريرة يده بيدي وقال: شبك بيدي أبو القاسم وقال لي: «خلق الله عز وجل التربة يوم السبت...» وهذا المسلسل يُسمى مسلسل التشبيك باليد، حيث أن كل راو من رواة الحديث كان يشبك يده بيد من يروى له الحديث.

المسلسل بأحوال الرواة القولية

عدل

مثله الحديث الذي رواه معاذ بن جبل قائلا:

أخذ بيدي النبي فقال: «يا معاذ، قلت: لبيك، قال: إني أحبك، قلت: وأنا والله أحبك، قال: ألا أعلمك كلمات تقولها في دبر كل صلاتك، قلت: نعم، قال: قل اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك»[5]

فكان معاذ إذا حدث أحد الرواة بهذا الحديث يقول له: «إني أحبك فلا تدعن دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك»، فإذا أراد هذا الراوي أن يحدث راو آخر بهذا الحديث فإنه يروي الحديث ثم يقول للراوي الذي يسمعه: «إني أحبك فلا تدعن دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك»، وهكذا.

ومثله أيضا الحديث الذي روته عائشة   قائلة:

قال رسول الله «إن من الشِعر حكمة»[6]

قالت عائشة  : يرحم الله لبيدا وهو الذي يقول:

ذهب الذين يعاش في أكنافهم
وبقي في خلف كجلد الأجرب
يتأكلون خيانة مذمومة
ويعاب سائلهم وإن لم يشغب

ثم قالت عائشة  : «يرحم الله لبيدا كيف لو أدرك زماننا هذا»، وقد روى عن عائشة هذا الحديث عروة بن الزبير، ثم قال: «رحم الله عائشة كيف لو أدركت زماننا هذا» ثم تسلسل الرواة بقولهم: «رحم الله فلانا كيف لو أدرك زماننا هذا»

المسلسل بأحوال الرواة الفعلية والقولية معا

عدل

مثله الحديث الذي رواه أنس بن مالك قائلا:

قال رسول الله «لا يجد العبد حلاوة الإيمان حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حلوه ومره»، وقبض رسول الله على لحيته وقال:«آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره»[7]

فكان أنس إذا حدث أحد الرواة بهذا الحديث فإنه يقبض على لحيته ويقول: «آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره»، فإذا حدث هذا الراوي غيره بهذا الحديث فإنه يروي الحديث ثم يقبض على لحيته ويقول: «آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره»، والمسلسل في هذا الحديث هو القبض على اللحية وقول «آمنت بالقدر خيره وشره حلوه ومره».

المسلسل بصفات الرواة

عدل

هو المسلسل بصفة من صفات الرواة، مثل اتفاق أسماؤهم كالمسلسل بالمحمدين، أو اتفاق صفاتهم كالمسلسل بالفقهاء والحفاظ، أو اتفاق نسبتهم كالمسلسل بالمكيين والمسلسل بالمدنيين والمسلسل بالمصريين.

  • مثله: المسلسل بالمحمدين

أخبرني محمد بن إبراهيم الأديب عن محمد بن أحمد المهدي أن محمد بن رزين أخبره عن الزكي محمد بن يوسف البرزالي الحافظ قال: حدثنا محمد بن أبي الحسين الصوفي، قال: حدثنا محمد بن محمود الطائي، قال: حدثنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد الدقاق قال: حدثنا محمد بن علي الكراني قال: حدثنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسحاق العبدي قال: حدثنا أبو منصور محمد بن سعد الباوردي قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن المثنى قال: حدثنا محمد بن بشر قال: حدثنا محمد بن عمرو قال: حدثنا محمد بن سيرين عن أبي كثير مولى محمد بن جحش، ويقال: إن اسمه محمد أيضا، عن محمد بن جحش، عن محمد رسول الله أنه مر في السوق على رجل، وفخذاه مكشوفتان، فقال له: «غط فخذيك، فإن الفخذ عورة»[7]

المسلسل بصفات الرواية

عدل

المسلسل بصفة من صفات الرواية كزمان الرواية أو مكانها أو صيغ أدائها.

المسلسل بزمان الرواية

شهدت مع سيدنا ومولانا رسول الله في يوم عيد فطر أو أضحى، فلما فرغ من الصلاة أقبل بوجهه الكريم، فقال: «أيها الناس قد أصبتم خيرا، فمن أحب أن ينصرف فلينصرف، ومن أحب أن يقيم حتى يسمع الخطبة فليقم»[7]

وقد روى هذا الحديث عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس في يوم عيد، ثم رواه ابن جريج عن عطاء في يوم عيد، ثم رواه سفيان الثوري عن ابن جريج في يوم عيد، فسُمى المسلسل بروايته يوم العيد.

  • ومثله: المسلسل بيوم عاشوراء، وهو حديث أبي قتادة الأنصاري الذي تناوله الرواة بالرواية يوم عاشوراء، والذي روى فيه أبو قتادة أنه سمع رسول الله في يوم عاشوراء يقول:«صيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله».[8]

المسلسل بمكان الرواية

  • مثله: الحديث المسلسل بإجابة الدعاء في الملتزم

عن عبد الله بن عباس   قال: سمعت النبي يقول: «الملتزم موضع يستجاب فيه الدعاء، وما دعا عبد الله تعالى فيه دعوة إلا استجابها»[7]

قال ابن عباس: «فوالله ما دعوت الله فيه قط إلا أجابني»، وقد روى الحديث عمرو بن دينار عن ابن عباس   وقال: «وأنا ما دعوت الله فيه إلا استجاب لي»، ثم رواه سفيان وقال: «وأنا ما دعوت الله فيه إلا استجاب لي»، ثم تتابع الرواة على هذا القول.

والمسلسل بصيغ الأداء هو الحديث الذي يَستخدم فيه كل راو من رواته نفس لفظ الأداء، كأن يقول كل راو «سمعت» أو «أخبرنا»، والمسلسل بالقسم مثل «أخبرنا فلان والله» و«بالله العظيم»، والمسلسل بقول «أشهدنا على نفسه» و «أشهدُ على فلان» و«أشهد بالله وأشهد لله» وغيرها.

المسلسل بالفقهاء الحنابلة

عدل

"حدثنا به المحدث الفقيه الشيخ محمود السيد بن محمد السيد الدومي الحنبلي عن شيخه مصطفى بن أحمد الشطي عن أبيه أحمد الشطي عن العلامة حسن بن عمر الشطي عن مصطفى بن سعد الرحيباني عن محدث الشام محمد ابن أحمد السفاريني وأحمد البعلي كلاهما عن أبي المواهب محمد بن عبد الباقي البعلي عن أبيه الفقيه المحدث المقرئ الشيخ عبد الباقي الحنبلي البعلي ثم الدمشقي عن الشيخ عبد الرحمن البهوتي عن التقي التنوخي عن والده القاضي شهاب الدين عن القاضي شهاب الدين أبي حامد ابن النور علي بن أحمد البشبيشي الميداني عن القاضي العز أبي البركات أحمد بن القاضي البرهان إبراهيم بن الناصر نصر الله الكناني عن الجمال عبد الله بن القاضي علاء الدين علي الكناني عن العلاء أبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الفرضي الدمشقي عن الفخر ابن البخاري عن أبي علي حنبل بن عبد الله المكبر الرصافي عن أبي القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن الحصيني عن أبي علي الحسن بن علي التميمي المذهب الواعظ عن أبي بكر محمد بن جعفر القطيعي عن عبد الله ابن الإمام أحمد بن محمد بن حنبل عن أبيه عن أبي عدي عن حميد عن أنس قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله قالوا كيف يستعمله؟ قال يوفقه لعمل صالح قبل موته».

قلت: رواه الترمذي".[9]

كتب المسلسلات

عدل

من الكتب التي جمعت الأحاديث المسلسلة:

انظر أيضا

عدل

مراجع

عدل
  1. ^ ا ب منهج النقد في علوم الحديث لنور الدين عتر
  2. ^ تدريب الراوي، تأليف: السيوطي، ج2، ص187-189، دار الكتب الحديثة، ط2.
  3. ^ مقدمة ابن الصلاح
  4. ^ رواه مسلم في صحيحه، رقم: 2789.
  5. ^ الأدب المفرد للبخاري
  6. ^ مسند البزار، حديث رقم 118
  7. ^ ا ب ج د كتاب جياد المسلسلات للسيوطي
  8. ^ الجامع الصغير، تأليف: السيوطي، رقم: 5118، وقال: صحيح.
  9. ^ العجالة في الأحاديث المسلسلة لأبي الفيض محمد ياسين الفاداني المكي: ص ٤٠ - ٤١.