هجرة البوعتلاويين

على بعد حوالي30 كيلومترا من مدينة سطات، توجد أراضي الشرفاء أبناء سيدي بوعتل الإدريسي الحسني دفين زاويته بالقرب من زاوية الشرادي. وهذه الأراضي تعد من حبوس الزوايا وقد منحت بظهائر شريفة للسلاطين العلويين الذين تلاحقوا على عرش المملكة المغربية الشريفة. وقد تمت مصادرة هذه الأراضي إبان الاستعمار الفرنسي الغاشم من قبل أحد رجال الأعمال الفرنسيين وقطب في مجال الإعلام يدعى بيير أنتوان ماس الذي تحايل على المساطر القضائية ساعدته في ذلك السلطات الاستعمارية التي لم تكن تعترف بأي حق للمغاربة لمصادرة أراضي البوعتلاويين حيث تم استغلالها وإعادة بيعها علماً أن أراضي الشرفاء لا يجب بيعها لكونها جزء من أراضي حبوس الزوايا التي لا تباع ولا تشترى حسب القانون المغربي.

المرحلة الأولى: من فاس إلى الساقية الحمراء عدل

بدأت القصة حوالي 12 قرنا مضت، حينما فر أحدهم لإنقاذ حياته والحفاظ على نسبه الشريف المنحدر من الرسول. قطع إدريس مع رفيقه رشيد شمال إفريقيا بالسفر ليلا والنوم نهارا.وببلوغهم جهة زرهون، وجد إدريس دعما منقبيلة أوربة حيث تزوج كنزة. وحين مات مولاي إدريس ترك وراءه طفل في سن صغير. إدريس الأصغر وضع أساس الأسرة المالكة في المغرب: الأدارسة هذه المملكة لن تدوم طويلا، حيث سرعان ما أضعفتها الحروب أعقبتها مرحلة اضطهاد للشرفاء أبناء مولاي إدريس وهو الأمر الذي دفعهم إلى الهروب في اتجاه جبال وصحارى المغرب. ويحكي أحد المؤرخين لذلك العهد، السيوطي المكناسي أن «سبعمائة قافلة من الشرفاء هربوا في اتجاه جبل غمارة...اثنا عشر قافلة أخرى اتجهت إلى جبال تادلة، سبعة إلى فكيك، أربعة إلى سجلماسة، عشرة إلى أقصى سوس، أربعة إلى دكالة، أربعة إلى تامسنا، سبعة إلى وطاط الحاج، سبعة بوادي عزة، ثمانية إلى الساقية الحمراء وعشرة إلى الأندلس...». واحدة من بين هذه القوافل، وجدت مكانا لها في الصحراء المغربية عند قبائل الشبانات.هذه القبيلة حمت الشرفاء واستقبلتهم لمئات السنوات. منحتهم مكانا خاصا في العشيرة. مكانا يليق بمقامهم. الشبانيون، حسب منى هاشم في كتابها «معجم الأسماء العائلية بالمغرب» من قبيلة شبانة التي تستمد اسمها من سلفها، شبانة بن مختار بن محمد بن معقيل سلف قبائل معقيل اليمنية الأصل، جاءت بأعداد قليلة في أعقاب البد الهيلالية بين القرن الخامس والسادس، للاستقرار في حدود الصحراء. الشبانيون، حسب مؤلفة نفس المعجم، ينحدرون من نفس أصل زيرارة والدليميين، والشراردة وبني حسن. استقروا في جهة الساقية الحمراء منذ قدومهم إلى المغرب، التحقوا بجهة سوس منذ القرن السابع مع قراى أخرى محاربة، حيث دعموا علي بن إيدر، زعيم الجهة وثاروا بعدها ضد آخر ملوك الموحدين. ليتم تعدادهم فيما بعد في صفوف أوائل أتباع المرينيين، ثم السعديين الذين سيشكلون خلالها جزء من الجيش المنتصر على البرتغاليين في جوانب سوس، قبل الاستقرار في الحوز ليصبحوا كيش أهل سوس الذين يمونون الوحدات العسكرية مقابل الاستفادة من امتيازات في الأراضي والجبايات. دائما حسب نفس المعجم هناك عائلات تسمى بالشباني الإدريسي تم تعدادهم كشرفاء منحردين من مولاي إدريس الثاني، كما يشهد على ذلك عدد من الظهائر العلوية والسعدية.و كانت معروفة فيما قبل باسم الجعفري نسبة لسلفها أبي جعفر المسمى قائد الشبانات الذي كان يقطن بفاس والذي وري ثراه بالقرب من زرهون بين مكناس وسيدي قاسم وترجعنا شجرة عائلية للبوعتلاويين تظهر أن أصل سيدي علي بوعتل من عائلات الشباني الإدريسي ويذكر العلامة الحسن اليوسي 1691/1631 في مؤلفه «المحاضرات»، الصفحة 142، شخصية أبي القاسم بن بوعتل الشباني الزيراري.

سيدي علي بوعتل عدل

وري سيدي علي بوعتل الإدريسي الحسني التراب على بعد 35 كلم من مدينة مراكش ويعد من أقدم المزارات في جهة الحوز، كما يعد أحد الزعماء الروحيين للقبائل الصحراوية المستقرة في الحوز والتي تشكل فروعا من الشبانات وخصوصا قبائل الشراردة. وهناك عدة حكايات تتداول بين سكان زاوية الشرادي حول مناقب سيدي بوعتل وكراماته. كما أن الشراردة كانوا يستنجدون بأبناء سيدي علي بوعتل لعلاج أمراض الماشية كالسعار. هناك حكاية أخرى تقول أن سيدي علي لم يكن يحب يعيش في طقوس الأبهة ويفضل العيش منعزلا عن إغراءات الحياة. في أيامنا، محاولات التجديد وتأتيت ضريحه باءت جميعها بالفشل. فقط هناك جدار من الحجر يلف القبر بدون مظاهر الزينة.

المرحلة الثانية: من مراكش إلى سطات وإلى الغرب عدل

منح السلطان مولاي إسماعيل للمرابطين أولاد بوعتل أراضي محبسة على زاويتهم تبعا لأعراف الملوك العلويين حتى يبقى «السيد» وأبناءه ينوطون بدورهم التحكيمي بين القبائل وملقنين للقرآن للكريم وتعاليم الإسلام.و لم تكن الأراضي المحبسة قريبة من الحوز بل كانت تبعد عن منطقة الحوز حيث يقطن «السيد» وتوجد بالقرب من مدينة السطات عند وفاة سيدي علي بوعتل، هاجر أبنائه اتجاه أراضيهم ليقطنوا بها، وقد سكنوا بها سنين طويلة إلى غاية قدوم عهد الحماية. وفي نفس الوقت تم إصدارعدد من الظهائر التي تؤكد البوعتلاويين للأراضي ونذكر بالخصوص ظهير السلطان مولاي الحسن الأول الذي جاء فيه: «الحمد لله وحده والصلاة على رسولنا وسيدنا محمد وعلى آله. (ختم عليه من طرف السلطان مولاي الحسن بن محمد بن عبد الرحمان). بفضل من الله وعنايته، نجدد لأصحاب هذ الظهيرالشرفاء المرابطين أولاد السيد علي بن بوعتل على ما بيدهم من ظهائر أسلافنا المنعمين المتضمنة توقيرهم واحترامهم وإبقائهم على عادتهم المعروفة وطريقتهم المألوفة بحيث لا تحرف عليهم عادة بنقص أو زيادة وأقررناهم على أرضهم كما اهي في ظهائر أسلافنا الكرام والسلام. يوم 18 شعبان 1292.».

أرض البوعتلاويين عدل

بيير أنتوان ماس، مالك بنك «ماس» وعدد من الجرائد المغربية في عهد الحماية من بينها «المغرب الصغير»، نمّا أعماله عبر المتاجرة في الأراضي بجهة سطات. استغل خلاف بين أفراد من عائلة سيدي علي بوعتل وقبائل مجاورة حول أراضي لدعم حركة، بالمال، تروم طرد البوعتلاوي من أراضيهم. هؤلاء تعرضوا لأسوء الانتهاكات من طرف أزلام الاستعمار: اغتصاب، تعذيب، إحراق محاصيلهم وأراضيهم. للهروب من الهلاك، ولجئ الناجون الذين بقوا على قيد الحياة ضيوفا على بني عمهم من الشراردة قرب مدينة سيدي قاسم حيث تمت تسميتهم منذ ذاك الوقت الفقرة البوعتلاويين الفقرة البوعتلاويون. أراضي البوعتلاوي تمت إعادة بيعها من طرف بنك بيير باس، الذي استعمل تأثيره لتزوير عقد بيع في المحافظة العقارية بين سنتي 1927-1934. هذا العقد تم رغم أن هذه الأراضي عبارة عن «حبوس الزاويا» ممنوحة بظهير، وهو ما يعني أنه لا يمكن بيعها حسب القانون المغربي. اليوم اجتمع، البوعتلاويون في جمعية «أبناء بوعتل» التي تهدف إلى إعادة إحياء تقاليد أجدادهم والمساهمة في التعريف في التاريخ الغني لجميع الأجيال المغربية. تاريخ عائلة قطعت في 12 قرنا جميع جهات المغرب، من الصحراء إلى الغرب عبر الحوز والشاوية.

المصادر عدل

1- معجم العائلات المغربية - منى هاشم - باللغة الفرنسية 2- المحاضرات في الأدب واللغة - أبي الحسن اليوسي 3- الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى - الجزء السبع والثامن في أخبار زاوية الشرادي.