نظرية العدوى البؤرية

نظرية العدوى البؤرية هي المفهوم التاريخي الذي يفسر العديد من الأمراض المزمنة، بما في ذلك الأمراض الجهازية والشائعة إذ كان يُعتقد أن العدوى البؤرية هي المسبب لها. يجمع الطب الحالي على أن العدوى البؤرية عبارة عن عدوى موضعية، غالبًا ما تكون دون أعراض، ولكنها قد تسبب أمراضًا في مكان آخر عند المضيف، ولكن العدوى البؤرية نادرة إلى حد ما وتقتصر على الأمراض غير الشائعة.[1] تُعد الإصابة البعيدة المبدأ الأساسي للعدوى البؤرية، بينما في الأمراض المعدية العادية، تكون العدوى نفسها جهازية، مثلما هو الحال في الحصبة، أو يمكن أن تصيب مكانًا معينًا في البداية ثم يتقدم الغزو بشكل متواصل، مثلما هو الحال في الغرغرينا.[2][3] تفسر نظرية العدوى البؤرية جميع الأمراض تقريبًا، بما في ذلك التهاب المفاصل وتصلب الشرايين والسرطان والأمراض العقلية.[4][5][6][7]

نظرية العدوى البؤرية
معلومات عامة
الاختصاص أمراض معدية  تعديل قيمة خاصية (P1995) في ويكي بيانات

اتخذ المفهوم القديم شكلًا حديثًا نحو عام 1900، إذ قُبلت نظرية العدوى البؤرية على نطاق واسع في الطب بحلول عشرينيات القرن العشرين.[8][9] في النظرية، قد يؤدي تركيز العدوى إلى عدوى ثانوية في مواقع معرضة بشكل خاص لمثل هذه الأنواع الميكروبية أو الذيفانية. كانت البؤر المزعومة شائعة ومتنوعة: الزائدة الدودية، والمثانة البولية، والمرارة، والكلى، والكبد، والبروستات، والجيوب الأنفية، ولكن الفم كان البؤرة الأكثر شيوعًا. بالإضافة إلى تسوس الأسنان واللوزتين المصابتين، فقد أُلقي اللوم على كل من عمليات ترميم الأسنان وخاصة الأسنان المعالجة لبيًا باعتبارها بؤرًا مسببة للعدوى. عولج الإنتان الفموي المفترض عن طريق استئصال اللوزتين وقلع الأسنان، بما في ذلك الأسنان المعالجة لبيًا -وحتى الأسنان السليمة على ما يبدو- ومن الوارد أحيانًا في المعالجات الحديثة ترك الأفراد بلا أسنان من أجل علاج الأمراض المتنوعة أو الوقاية منها.

أثارت نظرية العدوى البؤرية انتقادات شديدة في ثلاثينيات القرن العشرين -التي تجاوزت شعبيتها بشكل كبير أدلة الإجماع- وفقدت مصداقيتها في الأربعينيات من القرن العشرين بعد الهجمات البحثية التي اجتذبت إجماعًا ساحقًا على زيف هذه النظرية. بعد ذلك، فُضل علاج الأسنان والعلاجات اللبية مرة أخرى. احتفظ المرض اللبي غير المعالج بالاعتراف السائد بتعزيزه الأمراض الجهازية.[10][11] لكن الطب البديل وطب الأسنان البيولوجي اللاحق واصلا تسليط الضوء على بعض علاجات الأسنان، إذ استمرا في اعتبار العلاج اللبي مسببًا للبؤر، ولكن في الآونة الأخيرة أيضًا عُدت زراعة الأسنان مسببة للبؤر، وحتى قلع الأسنان كذلك، عُد بؤرة للعدوى ومسببًا للأمراض المزمنة والجهازية. في طب الأسنان السائد والطب العام كذلك فإن العدوى البؤرية المُعترف بها رسميًا هي التهاب شغاف القلب، في حال دخلت بكتيريا الفم إلى الدم وأصابت القلب أو صماماته.

عند بداية القرن الحادي والعشرين، بقيت الأدلة العلمية الداعمة للأهمية العامة للعدوى البؤرية ضئيلة، لكن الفهم المتطور لآليات المرض قد أنشأ آلية ثالثة محتملة: انبثاث (هجرة) خلايا الورم الخبيث، وانتشار الإصابات الإنتانية، وكُشف مؤخرًا عن إصابات مناعية خاملة قد تحدث في وقت واحد بل وقد تتفاعل. في الوقت نفسه، اكتسبت نظرية العدوى البؤرية اهتمامًا متجددًا، إذ يبدو أن التهابات الأسنان لها يد وعلى نطاق واسع وكبير في الأمراض الجهازية، على الرغم من أن الاهتمام السائد هو في مجال أمراض اللثة العادية، وليس في فرضيات العدوى البؤرية المسببة من علاج الأسنان.[12][13][14] وعلى الرغم من بعض شكوك نقاد طب الأسنان التقليديين المتجددة في التسعينيات، يؤكد علماء طب الأسنان على إمكانية إجراء العلاج اللبي دون خلق عدوى بؤرية.[15]

البداية والشعبية (من الثلاثينيات وحتى التسعينيات من القرن التاسع عشر) عدل

الجذور والانطلاق عدل

في اليونان القديمة، أفاد أبقراط بعلاج حالة التهاب المفاصل عن طريق قلع الأسنان. ومع ذلك، فقد انتظرت نظرية العدوى البؤرية الحديثة إنشاء روبرت كوخ لعلم الجراثيم الطبية في أواخر سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن التاسع عشر. في عام 1890، أرجع ويلوباي دي ميلر مجموعة من أمراض الفم بصفتها مسببة للعدوى ومجموعة من الأمراض العامة كخراجات الرئة والمعدة والدماغ وغيرها من الحالات إلى أمراض الفم المعدية. في عام 1894، أصبح ميلر أول من كشف عن وجود بكتيريا في عينات لب الأسنان. نصح ميلر بعلاج قناة الجذر. لكن نظرية العدوى البؤرية اجتمعت بمناخ ثقافي حيث وجدت الأفكار القديمة والشعبية -الراسخة منذ فترة طويلة عبر الطب الخلطي الغاليني- منافذ جديدة من خلال علم الجراثيم، أحد ركائز «الطب العلمي» الجديد.[16][17][18]

مهاجرًا من روسيا في عام 1886، احتضن لويس باستور في باريس عام 1886، العالم الدولي المشهور إيليا ميتشنيكوف -مكتشف الخلايا البلعمية، والمناعة الفطرية- الذي منحه أرضية كاملة للبحث بمجرد فتح معهد باستور، وهو أول معهد طبي حيوي في العالم في عام 1888. في وقت لاحق، اعتقد مدير المعهد، بالإضافة إلى الحائز على جائزة نوبل في عام 1908 ميتشنيكوف -وكذلك منافسه بول إيرليش- نظريته حول الأجسام المضادة، التي تتوسط المناعة المكتسبة، وكذلك اعتقد باستور أن التغذية تؤثر على المناعة. تقاسم وجهة نظر باستور عن العلم بصفته وسيلة من أجل قمع المشاكل التي يعاني منها الجنس البشري، جلب ميتشنيكوف إلى فرنسا ثقافة الزبادي الأولى للكائنات الحية المجهرية البروبيوتيكية (المعززات الحيوية) من أجل تعزيز الصحة وطول العمر عن طريق كبح الكائنات الدقيقة القولونية السامة والمساعدة في علاج تسمم القولون، أو ما يعرف بتطهير القولون.[19][20]

المراجع عدل

  1. ^ See, for example, David Schlossberg, ed, Clinical Infectious Disease, 2nd edn (Cambridge University Press, 2015), and Yomamoto T, "Triggering role of focal infection...", in Harabuchi Y et al, eds, Recent Advances in Tonsils and Mucosal Barriers of the Upper Airways (Karger, 2011). "نسخة مؤرشفة". مؤرشف من الأصل في 2016-05-17. اطلع عليه بتاريخ 2020-05-09.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)
  2. ^ Jed J Jacobson & Sol Silverman Jr, ch 17 "Bacterial infections", in Sol Silverman, Lewis R Eversole & Edmond L Truelove, eds, Essentials of Oral Medicine (Hamilton Ontario: BC Decker, 2002), pp 159–62. نسخة محفوظة 2016-05-12 على موقع واي باك مشين.
  3. ^ J Craig Baumgartner, José F Siqueira Jr, Christine M Sedgley & Anil Kishen, ch 7 "Microbiology of endodontic disease", in John I Ingle, Leif K Bakland & J Craig Baumgartner, eds, Ingle's Endodontics, 6th edn (Hamilton Ontario: BC Decker, 2008), p 221–24. نسخة محفوظة 2020-05-09 على موقع واي باك مشين.
  4. ^ Paul R Stillman & John O McCall, A Textbook of Clinical Periodontia, (New York: Macmillan Co, 1922), "ch 18 Focal infection". نسخة محفوظة 13 مارس 2016 على موقع واي باك مشين.
  5. ^ Graham D (1931). "Focal infection". Canadian Medical Association Journal. ج. 25 ع. 4: 422–4. PMC:382689. PMID:20318466.
  6. ^ Pallasch TJ، Wahl MJ (2000). "The focal infection theory: Appraisal and reappraisal". Journal of the California Dental Association. ج. 28 ع. 3: 194–200. PMID:11326533. {{استشهاد بدورية محكمة}}: الوسيط غير المعروف |lastauthoramp= تم تجاهله يقترح استخدام |name-list-style= (مساعدة)
  7. ^ Nils Skaug & Vidar Bakken, ch 8 "4Systemic complications of endodontic infections", subch "Chronic periapical infections as the origin of metastatic infections", in Gunnar Bergenholtz, Preben Hørsted-Bindslev & Claes Reit, eds, Textbook of Endodontology, 2nd ed. (West Sussex: Wiley-Blackwell, 2010), pp 135–37. نسخة محفوظة 9 مايو 2020 على موقع واي باك مشين.
  8. ^ Hunter W (1921). "The coming of age of oral sepsis". British Medical Journal. ج. 1 ع. 3154: 859. DOI:10.1136/bmj.1.3154.859. PMC:2415200. PMID:20770334.
  9. ^ Wisner FP (1925). "Focal infection, a medico-dental problem". California and Western Medicine. ج. 23 ع. 8: 977–80. PMC:1654829. PMID:18739726.
  10. ^ James M Dunning, Principles of Dental Public Health, 4th edn (Cambridge MA: Harvard University Press, 1986), ch 13 "Dental needs and resources", § "Systemic infection of dental origin", p 272–73. نسخة محفوظة 9 مايو 2020 على موقع واي باك مشين.
  11. ^ Gavett G, "Tragic results when dental care is out of reach"4, بي بي إس Frontline website, 26 Jun 2012 نسخة محفوظة 2019-08-07 على موقع واي باك مشين.
  12. ^ Goymerac B، Woollard G (2004). "Focal infection: A new perspective on an old theory". General Dentistry. ج. 52 ع. 4: 357–61. PMID:15366304. {{استشهاد بدورية محكمة}}: الوسيط غير المعروف |lastauthoramp= تم تجاهله يقترح استخدام |name-list-style= (مساعدة)
  13. ^ Nchaitanya Babu؛ Andreajoan Gomes (2011). "Systemic manifestations of oral diseases". Journal of Oral and Maxillofacial Pathology. ج. 15 ع. 2: 144–7. DOI:10.4103/0973-029X.84477. PMC:3329699. PMID:22529571. {{استشهاد بدورية محكمة}}: الوسيط غير المعروف |lastauthoramp= تم تجاهله يقترح استخدام |name-list-style= (مساعدة)صيانة الاستشهاد: دوي مجاني غير معلم (link)
  14. ^ Shantipriya Reddy, Essentials of Clinical Periodontology and Periodontics, 2nd edn (New Delhi: Jaypee Brothers Medical Publishers, 2008), ch 13 "Periodontal medicine", esp pp 115–16. نسخة محفوظة 1 يناير 2014 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
  15. ^ Pizzo G، Guiglia R، Lo Russo L، Campisi G (2010). "Dentistry and internal medicine: From the focal infection theory to the periodontal medicine concept". European Journal of Internal Medicine. ج. 21 ع. 6: 496–502. DOI:10.1016/j.ejim.2010.07.011. PMID:21111933. {{استشهاد بدورية محكمة}}: الوسيط غير المعروف |lastauthoramp= تم تجاهله يقترح استخدام |name-list-style= (مساعدة)
  16. ^ Barnett ML (2006). "The oral-systemic disease connection: An update for the practicing dentist". Journal of the American Dental Association. 137 Suppl: 5S–6S. DOI:10.14219/jada.archive.2006.0401. PMID:17012729.
  17. ^ Miller WD (1891). "The human mouth as a focus of infection". The Lancet. ج. 138 ع. 3546: 340–342. DOI:10.1016/S0140-6736(02)01387-9.
  18. ^ Willoughby D Miller, The Micro-Organisms of the Human Mouth: The Local and General Diseases Which Are Caused by Them (Leipzig: Verlag von Georg Thieme, 1892). نسخة محفوظة 21 سبتمبر 2013 على موقع واي باك مشين.
  19. ^ Andrew Scull, Madhouse: A Tragic Tale of Megalomania and Modern Medicine (New Haven: Yale University Press, 2005), pp 33–37. نسخة محفوظة 2020-05-09 على موقع واي باك مشين.
  20. ^ Alfred I Tauber & Leon Chernyak, Metchnikoff and the Origins of Immunology: From Metaphor to Theory (New York: Oxford University Press, 1991), pp viii, 11. نسخة محفوظة 2020-05-09 على موقع واي باك مشين.