سجود الشكر

شرع الله سبحانه وتعالى العبادات للنّاس ليتقربوا بها إليه، وليشكروه على ما أنعم به عليهم من نِعم باطنةٍ وظاهرة، فإذا حصلت للعبد نعمةٌ مُفاجئةٌ أو كانت غير متوقعة أو غير مُنتظرة، أو نجاه من كارثةٍ حتمية فقد شُرِع له أن يشكر الله على تلك النّعمة بعبادات عاجلةٍ أو آجلة، ومن العبادات المخصوصة لشكر تلك النّعم أن يسجد المرء لله عزَّ وجل، فيتوجه إليه ويشكره على ما أنعم به عليه، فإنّ العبد أقرب ما يكون من ربه إذا سجد.

جاءت تعريفات سجود الشّكر عند الفقهاء تدور حول معنى واحدٍ تقريباً؛ وهو أنّ الشّكر لله -عزّ وجلّ- يكون لِحلول نعمةٍ، أو لِزوال نقمةٍ، ومن أبرز تعريفات سجود الشّكر؛ أنّه السّجود الذي يُؤدّيه العبد لله -سبحانه وتعالى- شكراً عند حصول خيرٍ ونعمةٍ؛ ويكون سجدةً واحدةً كالسّجود في الصّلاة،[١] وهيئةَ سجود الشّكر هي ذاتها هيئةُ سجود التّلاوة.[٢]

حكم سجود الشكر

اختلف الفقهاء في حكم سجود الشّكر، فأجازه بعضهم وكرهه آخرون، وفيما يأتي بيان أقوال وأدلّة كل فريق:

ذهب أبو حنيفة إلى أن سجود الشّكر ليس بشيءٍ مَسنون، بل أكثر من ذلك أنّه ذُكر أيضاً أنّ أبا حنيفة يرى كراهته كما جاء في كتابه السّير الكبير، وقال محمد بن الحسن الشيبانيّ صاحب أبي حنيفة أنّه لا بأس به، وقد استدلّ القائلون بالكراهة بعددٍ من الأدلة، منها أنَّ نِعَمَ الله تعالى كانت على النبيّ أكثر من أن تُعدّ أو أن تُحصى، فلو كان السّجود سُنَّةً لكرّر سجود الشّكر عند كل نعمه، ولو فعل ذلك لنُقل فعله للسّجود إلى حدِّ الاستفاضة، فلَمّا لم يُنقل أنّه فَعَله إلا نادراً دلَّ على أنّه ليس سُنَّةً، كما استدلّوا بما يَروي أنس بن مالك رضي الله عنه: (أنَّ رجلاً جاء إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ الجمُعةِ وهو يخطُبُ بالمدينةِ، فقال: قَحَط المطرُ، فاستَسْقِ ربَّك . فنظَر إلى السماءِ وما نَرى من سَحابٍ، فاستَسقَى، فنشأ السَّحابُ بعضُه إلى بعضٍ، ثم مُطِروا حتى سالتْ مَثاعِبُ المدينةِ، فما زالتْ إلى الجمُعةِ المُقْبِلَةِ ما تُقْلِعُ، ثم قام ذلك الرجلُ أو غيرُه، والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُبُ، فقال: غرِقْنا، فادعُ ربَّك يحبِسْها عنا، فضحِك ثم قال: (اللهم حوالَينا ولا علينا)، مرتينِ أو ثلاثًا، فجعَل السَّحابُ يتصَدَّعُ عن المدينةِ يمينًا وشِمالًا، يُمطَرُ ما حوالَينا ولا يُمطِرُ منها شيءٌ، يُريهِمُ اللهُ كَرامَةَ نبيِّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وإجابةَ دعوتِهِ)،[١] وهذه نعمة ظاهرةٌ أن أجاب الله دعاءه، وصدق دعواه بالمعجزة، وأنعم على النّاس بزوال الجدب، ولم يسجد رسول الله لأجل كلِّ ذلك، ولا أمرهم بالسّجود، فلو كان ذلك مسنوناً لم يتركه أو على أقل تقديرٍ لأمرهم بالسّجود، وأيضاً لأنّ من أعظم نعم الله تعالى على الإنسان أن هداه للإسلام، وقد كانوا يُسلّمون على يدي النّبي عليه الصّلاة والسّلام وبعد وفاته عند صحابته، ولم يُنقل عن أحدٍ منهم أنّه أمر من أسلم بالسّجود، أو أنه سجد هو لإسلام شخصٍ على يديه مع علمه بعِظم أجر ذلك.[٢]

كيفية سجود الشكر

سجود الشّكر نفس سجود التّلاوة؛ فلا يلزم فيه أيّ شرط من شروط الصّلاة، فقط يخرّ المسلم ساجداً دون أن يُكبِّر، ثم يقول كما يُقال في سجود الصّلاة أو سجود التّلاوة، ويشكر الله على نعمه، ويدعوه بما يُريد، وكلُّ ذلك دون وضوء، أو تكبير، أو تَشهُّد، أو تسليم، ولم يَرِد عن الرّسول -عليه الصّلاة والسّلام- في سجدة الشّكر قولٌ أو دعاءٌ مخصوص أو ذكرٌ مُعيّن، بل يقول المُسلم ما يُقال عند السّجود، ويُمكنه أن يجتهد بما يشاء من ذكرٍ أو أيّ كلامٍ فيه من شكر الله وتقديسه وتمجيده، ويجوز له إضافة تحميدٍ، أو استغفارٍ أو شكرٍ، أو دعاء، كما أنّه إذا بُشِّر المسلم بما يَسُّره وهو يُصلّي فلا يجوز له أن يسجد سجدة الشّكر، أو أن يُصلّي ثم يُضيف سجدةً للصّلاة على أنّها سجدة شكر فذلك يُبطل الصّلاة؛ حيث إنّ سبب سجوده ليس من الصّلاة، ولا يجوز إضافة شيءٍ في الصّلاة ليس منها، أو زيادة ما لم يرد فيه نصٌّ عليها، وإذا طال الفصل بين سجدة الشّكر وسببها فلا يُشرع له السّجود لانتفاء السّبب.[٩]

المراجع

↑ "سجود الشكر"، www.aliftaa.jo، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2020. بتصرّف. ↑ حسن بن عمار الشرنبلالي (1246هـ)، نور الإيضاح ونجاة الأرواح في الفقه الحنفي، بيروت: المكتبة العصرية، صفحة 101. بتصرّف. ↑ رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن محمد بن مسلمة، الصفحة أو الرقم: 1127، صحيح. ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1441، حسن لغيره. ↑ سعيد باعشن (1425هـ)، شَرح المقدمة الحضرمية المُسمّى بُشرى الكريم بشَرح مَسَائل التَّعليم (الطبعة الأولى)، جدّة: دار المنهاج، صفحة 307-308، جزء 1. بتصرّف. ↑ سليمان بن عمر العجيلي، فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب، دمشق: دار الفكر، صفحة 475، جزء 1. بتصرّف. ↑ د.إيناس عبد الرزاق علي الجبوري، حكم سجود الشكر في الفقه الإسلاميّ، بغداد: مجلة الجامعة العراقية، صفحة 268-270. بتصرّف. ↑ "سجود الشكر: مشروعيته وصفته"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2020. بتصرّف. ↑ سورة إبراهيم، آية: 7. ↑ سورة آل عمران، آية: 101. ↑ رواه الألباني، في إرواء الغليل، عن أبي بكرة نفيع بن الحارث، الصفحة أو الرقم: 474، حسن. ↑ البهوتي، الروض المربع شرح زاد المستقنع، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 120. بتصرّف. ^ أ ب سعيد باعشن (1425هـ)، شَرح المقدمة الحضرمية المُسمّى بُشرى الكريم بشَرح مَسَائل التَّعليم (الطبعة الأولى)، جدّة: دار المنهاج، صفحة 308-310، جزء 1. بتصرّف. ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3432، صحيح. ↑ رواه الألباني، في إرواء الغليل، عن أبي بكرة نفيع بن الحارث، الصفحة أو الرقم: 474، حسن. ↑ النووي، المجموع شرح المهذّب، بيروت: دار الفكر، صفحة 70، جزء 4. بتصرّف. ↑ كوكب عبيد (1406هـ)، فقه العبادات على المذهب المالكي (الطبعة الأولى)، دمشق: مطبعة الإنشاء، صفحة 192. بتصرّف.

https://mawdoo3.com