المكتبة العامة أو مدرسة الشعب واحدة من أهم مقاييس تطور الأمم وارتقاء الشعوب ونموذج واضح لوعيها الفكري ومستواها العلمي والثقافي. فهي مجمع للإنتاج الفكري على اختلاف أشكاله ومواضيعه وقبلة للقراء على اختلاف فئاتهم، أعمارهم وأجناسهم. وهي المكان الذي تتآلف فيه الأفكار وتنمو فيه شخصية الفرد وتتوسع فيه قدراته ومواهبه وتنضج مكتسباته العلمية. فهي مدرسة مفتوحة مدى الحياة. ولقد عرفت بعض الدول قيمة المكتبة العامة وأثرها على التنمية المحلية فتكفلت بتوفيرها، وحرصت على توفير الإمكانيات لها من مباني مناسبة وأثاث وتجهيزات ومجموعات وأرصدة منتقاة من الإنتاج العلمي والثقافي، ودعمتها بالموظفين المتخصصين والمؤهلين. ولم تذخر جهدا في تطبيق أحدث النظم والوسائل لتقدم المكتبة خدماتها وتؤدي رسالتها على أكمل وجه، كما هو الحال في كثير من دول العالم المتقدم وعلى رأسها بريطانيا، فرنسا، ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية. بينما تجاهلت قيمتها دول أخرى، فمنها من أسستها ثم أهملتها ومنها من لم تؤسسها بتاتا فجنت هذه الدول جهلا رهيبا يضيع أبناءها وفراغا قاتلا يسمم أوقاتهم، فأخذت الآفات تسير بهم كل مسار والبطالة تعبث بهم في كل درب، لأنهم فارغون من كل فكر قوي يبني شخصيتهم ومن كل علم ينير مستقبلهم، ومن كل حكمة توجههم وتنير دربهم، وجنت أيضا تخلفا يجرف كل قطاعاتها وعشوائية وفوضى في مختلف مؤسساتها. المكتبة العامة مؤسسة ثقافية لها رسالة سامية في حياة الشعوب والأمم وتقدمها وهي مركز علمي تربوي، وثقافي للمجتمع يوفر مختلف الموارد البشرية، المادية والمالية من أجل تقديم أحسن الخدمات العلمية والأنشطة التربوية والثقافية لكل أفراد المجتمع بدون تمييز، وبغض النظر عن المعتقدات، أو الجنس، أو اللون، أو المستوى الاجتماعي أو التعليمي. وقد أدركت العديد من الدول أهميتها والتمست أثرها ودورها الإيجابي حقيقة في واقعها ومجالات الحياة فيها، فأصبحت من أهم المؤسسات التي توجه نحوها البرامج والخطط والاعتمادات المالية والكفاءات العلمية. مفهوم وخصائص المكتبة العامة المكتبة العامة واحدة من المؤسسات العاملة في خدمة المجتمع، من خلال أرصدتها المتنوعة والمتجددة، وموظفيها الذين يعملون باستمرار على أن تكون المكتبة بخدماتها وأنشطتها في مستوى تطلعات أفراد المجتمع المحلي، وقد حاول الكثير من المنظرين وضع مفهوم واضح ومحدد للمكتبة العامة، حيث تعرف بأنها "مؤسسة ثقافية تقدم خدماتها المكتبية والمعلوماتية لجميع أفراد المجتمع في منطقة معينة، وتساندها مخصصات مالية عامة أو خاصة"، وقد قصر هذا التعريف دور المكتبة العامة على تقديم الوثائق والمعلومات، كما ترى كذلك بأنها "المركز المحلي للمعلومات الذي يتيح كافة أنواع المعرفة والمعلومات للمستفيدين منها، وهي مؤسسة ثقافية اجتماعية مكملة للمدرسة ولها دورها الأساسي في خدمة المجتمع" وبالتالي فالمكتبة العامة تقدم خدمات عديدة للمجتمع، وهي تكمل دور بعض المؤسسات الأخرى كالمدرسة، لأنها "مؤسسة اجتماعية وثقافية وتربوية لها هدف سام هو جمع وحفظ وتنظيم تراث الإنسان الثقافي والحضاري، وجعله في متناول أيدي أفراد المجتمع، وذلك بغية الارتقاء بمستوى هؤلاء الأفراد فكريا، وثقافيا وتربويا من خلال ما توفره من أوعية معلومات، وما تقدمه من خدمات، وما تقوم به من أنشطة هادفة، وهي مدعومة من الدولة أو المواطنين أو منهما معا، وملزمة بتقديم خدماتها لجميع فئات المجتمع بصرف النظر عن الجنس أو السن أو اللون أو العقيدة أو المستوى التعليمي أو الثقافي، وتكون معظم خدماتها المتاحة لهذه الفئة مجانية"

فالمكتبة بذلك واحدة من مؤسسات النشأة والتنمية الاجتماعية، وهي تعمل في المجتمع من أجل تحقيق جملة من الأهداف 1- تذليل مشكلات التعليم الذاتي غير النظامي للصغار والكبار، وتقدم لهم وسائط تساعدهم على تطوير مستواهم العلمي وبالتالي تشجيع التعليم المستمر. 2- إثراء المعرفة الإنسانية، وتنمية المعلومات في مختلف فروع المعرفة، ورفع نوعية البحث العلمي، ودعم نشاطات الباحثين عن طريق تحسين برامج خدمات المعلومات لاستغلال أعلى نسبة من المعلومات المخزنة في قواعد بيانات إلكترونية متاحة لجميع الأعضاء والقراء.4 3- دعم النشاطات العلمية والاجتماعية والتربوية. 4- تحقيق الرفاه الاجتماعي عن طريق توفير الفرص لقضاء وقت فراغ ممتع وبناء، والاستثمار الإيجابي للوقت بما يعود بالنفع على الأفراد. 5- تنمية الهوايات، والرفع من القابليات العقلية للمزيد من الإبداع، وصقل المواهب وتنمية الذوق السليم والإبداع الفني والأدبي والعلمي عن طريق توفير المعلومات لإشباع الأولاع. الثقافية والعلمية بين المواطنين. 6- توفير المعلومات المتنوعة للأفراد وفق احتياجاتهم، مما يجعلهم على مستوى من الوعي بما يجري من أحداث على المستويات المحلية، الإقليمية والدولية.

لقد وازدادت الحاجة والاهتمام بالمكتبات عموما والمكتبات العامة بصفة خاصة نظرا لعوامل عديدة نذكر منها: أ‌. انتشار التعليم بين الأفراد في كافة المجتمعات البشرية. ب‌. ظهور نظريات جديدة في التربية والتدريس والتعليم. ت‌. ظهور نظرية التعليم الإلزامي لكل المواطنين في عدد كبير من أقطار العالم، إلى جانب برامج محو الأمية وتعليم الكبار. ث‌. اختراع الطباعة وتطور قدراتها على توفير كافة أوعية المكتبة. ج‌. التطور العلمي والتكنولوجي في مختلف حقول المعرفة وتنافس الدول المعنية في هذه المجالات. ح‌. تطور المجتمعات اقتصاديا، اجتماعيا، وثقافيا في كافة أقطار العالم وخاصة الدول النامية. خ‌. ظهور النظريات الحديثة التي تقضي بالعناية بالإنسان جسميا، روحيا، ثقافيا وعلميا وحاجة هذا الإنسان إلى القراءة والمطالعة حاجته إلى الماء والهواء. د‌. رفاهية الإنسان وتقدمه المادي والاقتصادي وفرت له وقتا أكثر من ذي قبل للاهتمام بجانبه الفكري والثقافي. وانطلاقا من التعريفات السابقة يمكننا أن نحدد للمكتبة العامة خصائصا هي: • المكتبة العامة تقدم خدماتها لجميع فئات المجتمع دون تمييز بسبب الجنس أو الدين أو اللون أو غير ذلك، وهي تقدم خدماتها لجميع الأعمار، ولجميع المستويات الثقافية والتعليمية، • المكتبة العامة تقدم خدماتها بالمجان بصفة عامة، بصرف النظر عن مخصصاتها المالية ومصادرها سواء كانت عامة أو خاصة. • المكتبة العامة تتوفر على أرصدة علمية ثقافية تربوية، لكنها ليست متخصصة إلى حد كبير. • أن المكتبة العامة ترتبط بالبيئة التي توجد فيها، سواء كانت مقاطعة كبيرة أو مدينة أو حي، مما يقتضي ضرورة الاهتمام باحتياجات تلك البيئة وخصوصياته. • خدمات المكتبة العامة ليست محدودة في الإفادة من أرصدتها فقط، وإنما تتصل كذلك بتنشيط الجو المحلي للمجتمع وتفعيله، وتحقيق الانسجام الاجتماعي. ومختلف هذه الخصائص التي تميز المكتبة العامة عن غيرها من المكتبات، هي التي تكسبها أهمية وقيمة خاصة في المجتمع.