لا يخفى على دارس تاريخ علم القراءات القرآنية أن للمغاربة فضلا كبيرا في العناية بالقراءات وعلومها، والمصنفات المغربية في شتى علوم الإقراء شاهدة على النبوغ المغربي في هذا الباب، وقد أتى على هذا العلم زمان تراخت فيه بعض جوانبه، فضعف تحقيق الأداء، وقلت العناية بتوثيق الأسانيد وضبطها، مع استمرار العناية بجوانب أخرى، كإتقان حفظ الوجوه وضبط المرسوم وإحكام صنعة الجمع والإرداف، وبدأ حملة هذا العلم يقلون في العقود المتأخرة، فازداد وهنا على وهن، تعالت معه صيحات أهل العلم بوجوب تدار وقد أناط به باعتباره مؤسسة وطنية للتعليم العالي والبحث العلمي القيام بالمهام الآتية : - التكوين الأساسي والمتخصص في مجال القراءات. - تأهيل المختصين في مجال علوم القرآن، تأهيلا يمكنهم من اكتساب المناهج والمعارف اللازمة لإنجاز الأبحاث والدراسات، والمشاركة في الحركة العلمية. - العمل على نشر الأبحاث والدراسات التي تندرج ضمن اهتماماته. - تنظيم دورات للتكوين المستمر في مجال اختصاصه. - إقامة شراكات وربط علاقات تعاون مع المؤسسات والهيئات العلمية الوطنية والأجنبية ذات الاهتمام المشترك. - تقديم دراسات وإنجاز خبرات في مجال اختصاصه بناء على طلب. ثم تفضل أمير المؤمنين بعد ذلك بإدراج المعهد ضمن المؤسسات الجامعية التابعة لجامعة القرويين بعد إعادة تنظيمها. وينتظم التكوين بالمعهد في سلكين : سلك الإجازة، وسلك الماستر. ويتم التكوين بالمعهد في أربع سنوات للحصول على الإجازة، تتبعها سنتان للحصول على الماستر.

¤ أولا : سلك الإجازة يشترط في الطالب المترشح للالتحاق بالمعهد أن يكون حافظا لكتاب الله حفظا كاملا، حاصلا على شهادة الباكالوريا، وألا يزيد عمره على ثلاثين سنة عند اجتياز المباراة، ومن أجل اجتياز المباراة الكتابية ( التي تتكون من ثلاث مواد : علوم القرآن والحديث، واللغة العربية، والثقافة العامة ) لا بد من إثبات الحفظ الكامل للقرآن الكريم، وذلك في اختبار شفوي قبل المباراة. ويعتبر حضور جميع الدروس المبرمجة إلزاميا، ولا يجوز الغياب إلا لأسباب أو ظروف استثنائية، وتستغرق فترة الدراسة والتقويم خلال كل سنة دراسية 36 أسبوعا. ويتولى التدريس بالمعهد صفوة من الأساتذة والخبراء، كل في تخصصه. وتخصص حصة محددة من المقاعد للطلبة الأجانب. ويتقاضى الطلبة منحة شهرية قيمتها 2000 درهم. تتم الدراسة في المعهد في أحد التخصصين التاليين : • تخصص القراءات القرآنية • تخصص الدراسات القرآنية - فشعبة القراءات القرآنية تهتم بتكوين قراء حافظين للقراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة، على وفق طريقة المغاربة في الجمع، واختياراتهم في الأداء، وعلى وفق طريقة المشارقة في جمع القراءات وتحريرها، مع إتقان رسمها وضبطها ووقفها وعد آيها وتوجيهها، كما يتلقى الطالب معارف أساسية في علوم القرآن والتفسير واللغة العربية والأدب والحديث والسيرة والفقه والأصول والعقيدة والمنطق والإعلاميات واللغات الأجنبية. - وأما شعبة الدراسات القرآنية فتهدف إلى تكوين علماء متخصصين في الدراسات القرآنية، محكمين لقواعد اللغة العربية ومناهج استنباط الأحكام، منفتحين على العلوم الإنسانية، مستثمرين لمناهجها في فهم الواقع وتنزيل أحكام القرآن، كما يهدف التكوين إلى تخريج باحثين عارفين باللغات القديمة وتاريخ الأديان، متملكين للغة الإنجليزية تملكا إيجابيا، مع عناية بالحديث والسيرة، وبالتاريخ قديمه وحديثه، وعلم الكلام ومقالات الفرق والمنطق ومناهج البحث وتاريخ الأفكار.

¤ ثانيا : سلك الماستر يقبل للمشاركة في مباراة ولوج سلك الماستر المترشحون الحاصلون على شهادة الإجازة في القراءات والدراسات القرآنية، أو على شهادة معترف بمعادلتها لها. وتنظم المباراة على مرحلتين : • المرحلة الأولى : انتقاء المترشحين عن طريق دراسة ملفاتهم. • المرحلة الثانية : إجراء اختبار شفوي للمترشحين، يتم فيه التحقق من حفظ المترشح لمسلك ماستر القراءات القرآنية المعمقة للقرآن الكريم كاملا بالقراءات العشر بالطريقتين المغربية والمشرقية، ومن إلمامه بالمواد المتعلقة بعلوم القراءات والقرآن واللغة العربية، ويتم التحقق من حفظ المترشح لمسلك الدراسات القرآنية المعمقة للقرآن الكريم كاملا، ومن إلمامه بالمواد المتعلقة بالدراسات القرآنية واللغة العربية والعلوم الإنسانية والتاريخ واللغة الإنجليزية. ويتقاضى طلبة سلك الماستر منحة دراسية شهرية قدرها 2500 درهم. تنتظم الدراسة في سلك الماستر في مسلكين : • مسلك ماستر ( الدراسات القرآنية المعمقة ) • مسلك ماستر ( القراءات القرآنية المعمقة ) - مسلك ماستر القراءت القرآنية المعمقة : وهو تكوين يهدف إلى تعميق التخصص العلمي في القراءات القرآنية وعلومها من خلال استكمال تلقي القراءات القرآنية المقروء بها، وضبط متونها، مع تلقي قراءات الرواة العشر عن الإمام نافع، التي اختص المغاربة بحفظها والمحافظة عليها، وبالإضافة إلى جانب الرواية يقصد هذا التكوين إلى تمتين المعرفة القرائية في جانب الدراية، وتعميق البحث في مناهج الأداء والتلقي القرائي، ونشأة القراءات وتاريخها وأسانيدها ورواتها وأصول اختيارها ومناهج التصنيف فيها وتحريراتها وتشهيرها ورسوم مصاحفها العتيقة والمطبوعة، مع عناية بخصوصية المقارئ المغربية، وانفتاح على الدرس اللساني، وإفادة من الدراسات الصوتية الحديثة، والمقصد أن يتخرج الطالب مقرئا جامعا للقراءات، عالما بعللها ووجوهها، مؤهلا للبحث في علومها وما يتصل بها، خبيرا بالتراث القرائي المطبوع منه والمخطوط، قادرا على تحقيقه والعناية به. - مسلك ماستر الدراسات القرآنية المعمقة : وهو تكوين يهدف إلى تمتين التخصص العلمي في الدراسات القرآنية، من خلال تأهيل الطالب لتحصيل مهارات الفهم والنقد والتحليل المنهجي للنص القرائي، مع مراعاة تداخل العلوم وتكامل مناهجها، وهذا التكوين يأتي استكمالا للتكوين الذي تلقاه الطالب في سلك الإجازة، ولذلك جاء بناؤه مؤسسا على أمهات المواد المقررة فيه، من دراسات قرآنية تتعمق فيها المدارسة لبعض علوم القرآن التي تدعو الحاجة إليها، كأصول التفسير وقواعده، والانتصار للقرآن وتنزيهه عن المطاعن، وتاريخ قديم يمكن من فهم أعمق لتاريخ الأمم السابقة، انطلاقا من آيات القصص في كتاب الله، ومناهج أصولية يعتصم بها لمعرفة أحكام الله في كتابه، وعلوم لغوية تحكم الفهم وتضبط الاستنباط، وعلوم إنسانية يستنار بها في فهم سياقات ورود النصوص وفي تنزيل الأحكام على الوقائع، ولغة إنجليزية يتوسل بها في تدارس ما استجد من دراسات قرآنية في المجامع العلمية الغربية، ومقاصد هذا الماستر تتجلى في تمكين الطالب من مفاتيح البحث في حقول الدراسات القرآنية المعرفية، كي يتخرج - إن شاء الله - باحثا مؤهلا للضرب في شتى مجالات البحث المتعلق بالدرس القرائي، تاريخا وترتيلا وتدوينا وتأويلا وتدليلا.