تاريخ الإنترنت، بدأ في خمسينيات وستينيات القرن العشرين بتطوير الحاسوب. مع أن اعتماد الانترنيت كأداة تجارية ووسيلة اتصالات على نطاق واسع لم يتم حتى بداية التسعينات، إلا أن بداياتها كانت قبل ذلك بكثير. إن نشأة الانترنيت وتاريخها كأداة تجارية مليء بالاحداث، وخاصة أنها استغرقت وقتاً طويلاً كي تصبح جزءاً هاماً من عالم التجارة. سندرس هنا الأسباب التي استغرقت الانترنيت وقتاً طويلاً لإحداث تغيير عالمي على الصعيدين التجاري والإجتماعي. إن دراسة طرق الاستفادة من الانترنيت أمر مهم كي يقوم رجل الأعمال باستخدام الانترنيت على أحسن وجه، وقبل أن ندرس هذه الطرق علينا معرفة كيفية استخدامها اجتماعياً وتجارياً، وكيف حاولت الحكومات وجهات أخرى كثيرة التحكم بها.بدأت الانترنيت حياتها في نهاية الستينات كشبكة للبحوث والدفاع في الولايات المتحدة تحت اسم ARPANET. وكانت آنذاك تربط مخدمات مراكز حساسة في الجيش بحواسب مراكز البحوث والعلماء. وكانت هذه الشبكة قد أسست بطريقة آمنة حتى ولو انقطعت بعض خطوط الاتصالات عنها. وقد تم تحقيق ذلك من خلال تقسيم المعلومات والمذكرات ووضعها داخل ظروف إرسال مختلفة وإرسالها عبر خطوط اتصال متغيرة.

إلا أن جذور التقنيات الموجودة على الانترنيت تمتد إلى عام 1957، وهو وقت عصيب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق حيث كانت "الحرب الباردة" بين البلدين في ذروتها. إضافة، فان تلك السنة كانت فترة مهمة لجمع المعلومات عن طبقات الجو العليا وخاصة أن نشاط الشمس الكوني كان كثيفا في تلك الفترة.

في 1955 صرح الرئيس الاميريكي "دوايت آيزنهاور" آنذاك بأن الولايات المتحدة الأميريكية تأمل في إطلاق قمر صناعي يدور حول الأرض في 1957، وذلك بهدف مراقبة النشاط الغير عادي للشمس الذي كان متوقعاً آنذاك. وقام "الكرملين" بالتصريح بأن روسيا تود ذلك أيضاً. وهكذا بدأ السباق نحو الفضاء بين القوتين العظمتين. وفي الرابع من تشرين أول عام 1957، فاز الإتحاد السوفيتي بالرهان من خلال إطلاق مركبة "سبوتنيك 1" وهي أول قمر صناعي يدور حول الأرض.

كان لنجاح الاتحاد السوفيتي هذا تاثيراً كبيراً على قرار الولايات المتحدة بإعادة النظر بدفاعاتها الجوية. وكانت ردة فعل الولايات المتحدة أن قامت بانشاء "هيئة المشاريع والبحوث المتطورة (ARPA: Advanced Research Projects Agency) بهدف تطوير تقنيات خاصة للجيش الأمريكي تمكنهم من التقدم على السوفيت. وكانت الغاية من ARPA أن تصبح الجهة المسؤولة عن تطوير الجيش الأمريكي. وقامت ARPA بتوظيف العديد من الباحثين والعلماء في مشاريع مختلفة في مجالي الدفاع والبحوث.

كان تركيز ARPA في البداية على المشاريع المعقدة في مجالات السفر عبر الفضاء، والصواريخ العابرة للقارات، ومراقبة التجارب النووية. ولكي تستطيع الإشراف على بحوث معقدة كهذه ولسهولة الاتصالات مع الجهات والشركات المتعاقدة في هذه المشاريع، قامت ARPA فوراً بإنشاء خطوط اتصالات بين أجهزة الحواسب المختلفة. وفي عام 1962 قامت بإنشاء برنامج لبحوث الحاسب وسلمت ملف هذا البرنامج لعالم اسمه "جون ليكليدر" كي يقوم بإدارة المشروع. وكان "ليكليدر" آنذاك قد قام بنشر بحث تحت عنوان: "الشبكة الضخمة" وموضوعه هو رؤيته وتصوره لشبكة حاسوبية متوفرة لكل الناس. يقول ليكليدر: "كي ندرك أهمية الحاسب في تسهيل الاتصالات، علينا أن ننظر في أسباب وجود التجمعات الضخمة وتواصلها وكيفية استغلالها في التعاون بانشاء مشروع خلاّق. قم بدراسة أي مشكلة مهمة فعلاً، وستكتشف أن عدد الأشخاص الذين يقومون بإيجاد حلول فعالة لهذه المشكلة هو قليل جداً. لهذا، يجب وضع هؤلاء الاشخاص ضمن إطار "شراكة علمية" بحيث يمكن لأفكار أحدهم أن تتقارب مع الآخر. إلا أنك إذا قمت بوضع هؤلاء الاشخاص في مكان واحد بهدف إنشاء فريق عمل، فعندئذ ستبدأ مشاكلك، لأن غالبية الأشخاص المبدعين هم أشخاص ليسوا قادرين على العمل بشكل جيد ضمن فرق عمل. إضافة، فليس هناك مراكز عالية في أي مؤسسة كافية لإستيعابهم كلهم كمدراء. أما إذا أعطيت كل واحد من هؤلاء حريته كي يخلق مملكته الخاصة، صغيرة كانت أم كبيرة، فانه سوف يخصص وقتا أكثر لإدارة هذه المملكة عوضاً عن الالتفات لحل المشاكل. هؤلاء الاشخاص سيستمروا في عقد الاجتماعات فيما بينهم وزيارة بعضهم للآخر، إلا أن مدة زمن الاتصالات فيما بينهم سوف يطول. أما عن شكل الترابط الفكري، فإنه سوف يسوء بين الإجتماع والآخر، ولربما طالت مدة اتصالهم ببعضهم من أسبوع إلى عام. لذا، فمن الضروري أن توجد طريقة لتسهيل الاتصال بين الناس، دون الحاجة إلى وضعهم معاً في مكان واحد".

في هذه الأثناء كان "لينارد كلينروك" أحد العلماء في ARPA يقوم بتطوير أفكار هامة بغاية إرسال المعلومات عبر الشبكات من خلال تقسيم البث داخل "ظروف ارسال"، وكانت الطريقة هي إرسال كل من هذه الظروف على حدة إلى وجهتها النهائية حيث يتم إعادة تجميعها إلى صيغتها الأصلية. وبحلول 1966-1967، كانت كمية البحوث المتعلقة بهذا الأمر كافية لمدير قسم بحوث الحاسب آنذاك "لينارد روبرتس" كي يقوم بنشر خطة لإنشاء نظام لشبكة حاسوبية إسمها ARPANET.

إن قيام عدة علماء بالتوصل إلى نفس النتائج هو أمر غير عادي، خاصة إذا كانوا يعملون في اختصاصات حديثة وفي أماكن مختلفة. فعندما نُشرت مخططات شبكة ARPANET، تبين أن فرق العمل في جامعة MIT الأمريكية ومركز National Physics Labrotory البريطاني وشركة RAND Corporation الأمريكية العملاقة كانت كلها تعمل على تطوير نفس الفكرة وهي: إمكانية انشاء شبكات متباعدة جغرافياً. وقد تم وضع مقترحات كل هذه الجهات في تصميم شبكة ARPANET لاحقاً.