بحث في

الفساد الإداري والمالي أسبابه مظاهره * طرق علاجه



                                  إعداد السيد 
                           احمد جميل خضير السلطاني



بسم الله الرحمن الرحيم

الفســـاد الإداري والمالي : مظاهره : طرق علاجه



قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * صدق الله العلي العظيم (41) الروم

أولا :- المقدمة الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين تعتبر ظاهرة الفساد ظاهرة عالمية شديدة الانتشار ذات جذور عميقة أزليه فمذ خلق الله الإنسان كان هناك سؤال من قبل الملائكة على خلق الإنسان بقوله تعالى(وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني اعلم ما لا تعلمون) وهذه الظاهرة تأخذ إبعاداً واسعة تتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها، وتختلف درجة شموليتها من مجتمع إلى آخر ومن مؤسسة إلى أخرى وهو يعيق تقدم البلد والمجتمع بأكمله ويساعد على نهب ثرواته ويمنع حركة العمران والتقدم وتحقيق الرفاهية الاقتصادية للبلد وهو صفة مذمومة يكون صاحبها منبوذا عند الآخرين لما تخلفه هذه الظاهرة في انحراف الشخص عن الطريق الصحيح وقد وردت آيات كثيرة تصف الفساد والإفساد والنهي عن ممارسه الفساد لما يخلفه من انهيار في شخصية الفاسد وجعله شخص آخر لا يختلف عن الإرهاب الذي يريد إن يدمر ويسعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل لذا فان الفساد والإرهاب وجهان لعملة واحدة . لذا فإن الشريعة الإسلامية كان لها السبق في هذا المضمار الصعب لغرض الوقاية منه والعمل على الحد من مظاهره والتحذير من عواقبه، لقوله تعالى

"وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل واالله لا يحب الفساد " (البقرة) 205

وكذلك التوعد بالخير والنعيم المقيم لمن ترك تلك الظاهرة بقوله تعالى: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ

ثانيا ً :- مفهوم الفساد من الناحية اللغوية والاصطلاحية للفساد مفهوم من الناحية اللغوية وكذلك من الناحية الاصطلاحية 1- الفساد لغة ً :- هو التلف و العطب والخلل ويقال فسد الشيء إذا لم يعد صالحا بمعنى انه عكس الصلاح 0

2- الفساد اصطلاحاً:- هو إساءة استخدام السلطة الرسمية الممنوحة له سواء في مجال المال العام أو النفوذ أو التهاون في تطبيق النظام أو المحاباة وكل ما يضر بالمصلحة العامة وتعظيم المصلحة الشخصية (النفع) وهو انتهاك القوانين والانحراف عن تأدية الواجبــــــــات الرسمية في القطاع العام والخاص لتحقيق مكسب مالي شخصي وقد ذُكرت كلمة النفع في القرآن الكريم بعدد كلمة الفساد وهي (50) مرة

ثالثا ً :- مفهوم الفساد في القرآن الكريم

يجب أن نلاحظ أن هناك فرق بين الفاسد والمفسد , وبين الفاسدين والمفسدين , وبين الفاسد والإفساد في القرآن الكريم وخصوصا ً في هذا الزمان الذي كثر فيه الفساد الفاسد :- هو فعل وتصريفه الثلاثي (فســـــد ) تقول فسد يفسد فسادا ً فهو فاسد , وهم فاسدون والفساد هو الشر والسوء وارتكاب القبيح والفاسد هو ذلك الشخص الذي يفعل الأفعال القبيحة والمنكرة والباطلة التي حرمها الله تعالى وقد تكرر ذم الفساد في القرآن كثيرا, فقد ورد لفظ (الفساد) في القرآن في أحد عشر موضعا من ثماني سور0 المفسد :- هو فعل وتصريفه الرباعي (أفســــد) تقول أفسد يفسد إفسادا , فهو (مفسد ) , وهم (مفسدون) والإفساد هو التخريب ونشر الرذائل في الأرض , والمفسد هو الذي يخرب وينشر الرذائل , والمفسدون هم الذين يقومون بهذا الفعل التخريبي الشيطاني وقد ورد لفظ (المفسد) في موضع واحد من سورة البقرة 0 وبين الفاسد والمفسد يتكون الفساد الذي نهى عنه الله تعالى كونه يهدم الصلاح والسبب الرئيسي لظهور الفساد هو المفسد (الحكام الطغاة) كونهم هم من يدعون إلى نشر الفساد في الأرض والتي ذكرها الله تعالى في محكم كتابه الكريم (بسم الله الرحمن الرحيم " إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم انه كان من المفسدين") القصص "4"



رابعا :- أنواع الفساد للفساد أنواع كثيرة منها ما يكون كبيرا ً ومنها ما يكون صغيرا ً وهي تشمل أنواع الأنشطة الفاسدة ويمكن تصنيفه إلى:- 1- الفساد السياسي :- الذي ينتشر في أعلى دوائر السلطة السياسية حيث يقوم القابضون على القرار السياسي باستعمال سلطتهم ونفوذهم لتوطيد مكانتهم وتعزيز ثرواتهم بتفصيل السياسات والأولويات والتشريعات على قياسهم ولمصلحتهم ، وهو اخطر أنواع الفساد وأكثرها تعقيدا وأثرا على المجتمعات والدول وأكثرها صعوبة في المعالجة وهو اكبر وأكثر أثرا وأعظمها حجما وثأتيرا من بقية الأنشطة الفاسدة ويتعلق بمجمل الانحرافات المالية ومخالفات القواعد والأحكام التي تنظم عمل المؤسسات السياسية في الدولة. وهناك فارق جوهري بين المجتمعات التي تنتهج أنظمتها السياسية أساليب الديمقراطية ، وبين الدول التي يكون فيها الحكم دكتاتورياً، وتتمثل مظاهره في: فقدان الديمقراطية، وسيطرة نظام حكم الدولة على الاقتصاد وتفشي المحسوبية. 2- الفساد المالــي :- ويتمثل بمجمل الانحرافات المالية ومخالفة القواعد والأحكام المالية التي تنظم سير العمل المالي في الدولة ومؤسساتها ومخالفة التعليمات الخاصة بأجهزة الرقابة المالية المختصة بفحص ومراقبة الحسابات والأموال،ويمكن ملاحظة مظاهره في : الرشاوى والاختلاس والتهرب الضريبي والمحاباة وتفشي المحسوبية . 3- الفساد الإداري :- ويتعلق بمظاهر الفساد والانحرافات الإدارية والوظيفية أو التنظيمية وتلك المخالفات التي تصدر عن الموظف العام إثناء تأديته لمهام وظيفته في منظومة القوانين والضوابط والمنصوص عليها في قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 المعدل واجبات الموظف 0 4- الفســــاد الدينــــــــي :- ويتمثل بمجمل الانحرافات الدينية التي تشوه سمعة الدين وبث أفكارا ً داخلة على الدين وليست أصيلة الغاية منها خلق جيل منحرف شاذ وهذا ما نراه في حياتنا من ظهور تيارات وحركات تقودها منظمات دولية لزعزعت النسيج الإسلامي وجعله إسلاماً وهابيا يستبيح الأعراض والأنفس 0 5- الفساد الأخلاقي :- ويتمثل بمجمل الانحرافات الأخلاقية والسلوكية المتعلقة بسلوك الموظف الشخصي وتصرفاته، كالقيام بإعمال مخلة بالحياء في أماكن العمل أو أن يجمع بين الوظيفة وأعمال أخرى خارجية دون أذن أدارته، أو أن يستغل السلطة لتحقيق مآرب شخصية له على حساب المصلحة العامة أو أن يمارس المحسوبية بشكلها الاجتماعي دون النظر إلى اعتبارات الكفاءة والجدارة 0 6- الفساد التراكمي :ـ أهم ما تعانيه إدارات الدولة هو الفساد التراكمي نتيجة غياب الرقابة الإدارية الصارمة وغياب مبدأ الثواب والعقاب، فالتجاوزات القانونية والمالية للمسؤول يشجع كل موظف في مؤسسات الدولة على ارتكاب تجاوزات مماثلة، مما يؤدي إلى تراكم الفساد، وزيادة انتشاره في إدارات الدولة0 خامسا :- مظاهر الفساد

للفساد مظاهر كثيرة ومتباينة ومتعددة على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:- 1- الرشوة :- هي مال يُعطى لشخص ذي سُلطة أو مركز مسؤول، لكي يوافق على أمرٍ غير قانوني أو غير شرعي، ولكُلٍّ من الراشي أي الذي يدفع المال،وكذلك المُرتشي الذي يستلم المال عقوبة في الدين وفي القانون، وكذلك إن كان هُناك وسيط بينهما ويُسمى الرائش وهي أحد أهم أشكال الفساد وقد لا تكون بالمال بل بتقديم خدمة مقابل خدمة ليست من حق الطرف الأول ، وقد تكون بين أفراد أو جماعات مُتمثلة بمُؤسسات، كأن تدفع مُؤسسة مالاً لمُؤسسة أُخرى للحصول على حق ليس لها بالأصل، أو للحصول على معلومات تضُر الطرف الآخر 0 2- التزوير :- وهي تغيير الحقائق للمستندات والمعاملات المالية أو أي محرر رسمي لغرض المصلحة الشخصية0 3- إقصاء الكفاءات المؤهلة : تتم من خلال عدم إعطاءها دورها في بناء البلد وتتم عن طريق وضع الشخص المناسب في المكان غير المناسب وبهذا يتم إقصاء الكفوء 0 4- المحسوبية :- وهي تفضيل الأقارب بسبب قرابتهم وليس كفاءتهم والكلمة تستخدم للدلالة على الازدراء. فمثلاً إذا قام أحد المدراء بتوظيف أو ترقية أحد أقاربه الموظفين بسبب علاقة القربى بدلاَ من موظف آخر أكفأ ولكن لا تربطه علاقة بالمدير فيكون المدير حينها متهماً بالمحسوبية 5- المحاباة :- وهي تفضيل الأصدقاء الشخصيين على غيرهم وليس على أساس الكفاءة في العمل 0 6- التكسب من وراء الوظيفة العامة :- من خلال وضع العراقيل لغرض المصلحة الشخصية والكسب من وراءها وجعل الوظيفة أداة للكسب الغير مشروع0 7- استغلال الممتلكات العامة : وهو الاعتداء على المال العام وجعلها تعمل للمصلحة الشخصية الحزبية0 8- الواسطة على حساب الغير:- وهي المحسوبية في التفضيل 0 9- إساءة استخدام السلطة الرسمية:- وهي نوع من أنواع الفساد يقوم بها صاحب السلطة من خلال استخدامها للإغراض الشخصية أو الفئوية أو الحزبية قد منحت له وفق القانون0 10- استغلال النفوذ الحزبية من خلال انتماء رئيس العمل إلى جهة سياسية تكون سانده وحامية له 0 11- عدم المحافظة على أوقات الدوام الرسمي مما يؤثر على إنتاجية الموظف 0 12- الاستيلاء على المال العام بالطرق غير المشروعة من خلال استغلال النفوذ0 13- الابتزاز :- ويكون بقيام الموظف بوضع عراقيل أمام انجاز معاملة ما لغرض ابتزاز المراجع وبالتالي المنفعة الشخصية0 14- وضع الشخص المناسب في غير المكان المناسب 0 15- التهاون في تطبيق الأنظمة والتشريعات أو تطبيقها على البعض دون الآخر 0


سادسا :- دور الموظف في محاربة الفساد

هناك أخلاقيات للعمل الوظيفي يمكن إن نحددها بانها (مجموعة القواعــــد والضوابط والقيم التي تحدد السلــــوك الذي يفترض على الموظف العام الالتزام بها عند ممارسته لعمله في أي وقت وأي مكان وان يكون منهج الموظف هو ضرورة تمسكه بجمله من الأخلاقيات الوظيفية لضمان زيادة إنتاجيته ، وهناك مجموعــــة من الواجبــــات المفروض إتباعها من قبل الموظف لتحقيق هذا المفهوم لذا يجب أن يكون هناك دور للموظف العام في محاربة الفساد ومن هذه الواجبات0 1- تأدية الواجبات الوظيفية بإتقان العمل والإخلاص فيه وعدم إفشاء أسرار العمل 2- على الموظف العام المحافظة على أوقات العمل الرسمي . 3‌- على الموظف تطبيق القوانين والأنظمة والتعليمات وعدم مخالفتها . 4‌- المحافظة على المال العام التي تحت تصرفه والابتعاد عما يخل بشرف الوظيفة العامة . 5‌- احترام وطاعة الرؤساء و مراعاة آداب الذوق العام وحسن المعاملة مع المراجعين. 6‌- إدراك الموظف انه جزء في عملية الإصلاح للقضاء على الفساد 7‌- زيادة خبرته وكفاءته وإنتاجيته في العمل. 8- الإخلاص في العمل وعدم التهاون في انجاز الأعمال الموكله له . 9- على الموظف التعاون مع الجهات الرقابية وخاصة مكتب المفتش العام وإعطاء معلومات عن مواطن الفساد 0 سابعا ً :- طرق العلاج مما لا شك فيه إن لكل آفة علاج وآفة الفساد والإفساد يمكن علاجها ولكن بتضافر الجهود بين المواطن والموظف من خلال نشر روح النزاهة بين المجتمع وان تشكيل هيئة النزاهة ومكتب المفتش العام في العراق خطوة في الاتجاه الصحيح لمكافحة الفساد على إن يتم دعمها وعدم التدخل في عملها , وهنا نتطرق إلى عده أمور نحتاجها للقضاء على آفة الفساد بكل اشكاله0 1- الاهتمام بالجانب الأخلاقي للمجتمع و بثّ مبادئه في أفراده من خلال المناهج التربوية و الثقافية في مختلف المدارس و الجامعات و المراكز الدينية ووسائل الإعلام المختلفة لبناء علاقة جديدة بين الفرد و الدولة أساسها الأمانة و النزاهة و الحفاظ على المال العام لأنّ القوانين و إن كانت صارمة قد لا تكفل الابتعاد عن الفساد ،و إنما مبادئ و أخلاق الفرد وحدها قد تكون رادعة لذلك.و من جهة أخرى لا بد من نشر الوعي لدى المواطنين لضرورة التعاون مع الجهات المختصة في مكافحة الفساد في التبليغ بفساد الإداريين و الموظفين و مختلف المسؤولين سواء في القطاع العام أو الخاص خاصة في حالة طلب الرشى0 2- تحسين المستوى المعيشي لإفراد المجتمع وخاصة ضعيفي الدخل فهم معرضون أكثر من غيرهم في التوجه نحو الفساد0 3- محاربة الفساد السياسي وإيجاد هيئة مستقلة تعنى بهذا الغرض من خلال فرض غرامات مالية على المتجاوزين على المال العام بالإضافة إلى الإجراءات القانونية 0 4- إعطاء صلاحيات كاملة للجهات التي تحارب الفساد ومنها مكاتب المفتشين العموميين والتصويت على قانون مكاتب المفتشين العموميين وفصله عن الوزارة التي يقوم بمراقبتها استقلالا تاما ً 0 5- وضع نظام مكافأة مالية لمن يقوم بالتبليغ عن حالات الفساد بشتى صوره في دوائرهم والدوائر الأخرى والابتعاد عن الشكاوى الكيدية . 6- عقد ندوات دينية في الدوائر الحكومية يحاضر فيها رجال دين حول دور الدين في القضاء على الفساد الإداري وكذلك دور العبادة والجامعات والمدارس والقنوات المسموعة والمرئية والمكتوبة في محاربة هذا الداء وخطورته على المجتمع وإيضاح القصص والعبر عبر التاريخ حول الأقوام السابقة وما حصل لهم بسبب الفساد0 7- تبسيط القوانين والتشريعات والأنظمة والتعليمات وجعلها أكثر شفافية وتوضيح مفرداتها لكي لا تستغل من قبل ضعاف النفوس لتحقيق مأربهم من خلال استخدام الثغرات في القوانين وخاصة القابلة للتفسير بأكثر من رأي ومنع الاجتهاد0 8- إجراء تنقلات للموظفين الذين يكونون في أعمال يكونون باحتكاك مع المراجعين واختيار العناصر النزيهة والتي لديها خبرة في هذه الأماكن 0 9- عقد اللقاءات الدورية بين رئيس الدائرة والمرؤوسين لديه للاطلاع على أعمالهم ومناقشتها وحل المشاكل والمعوقات التي تواجههم إثناء العمل0 10- أداء القسم على الأمانة للموظفين الذين لديهم ذمة مالية أو الذين يشغلون وظائف قيادية للمحافظة على المال العام وعدم استغلاله لتحقيق مآرب شخصية وكذلك عدم استغلال النفوذ وإساءة استخدام السلطة . 11- التقليل من الروتين في عمل دوائر الدولة لمنع ضعاف النفوس من وضع العراقيل في انجاز معاملات المواطنين والتقاعس عن أداء الواجب الوظيفي 0

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

                                                                                                           مقدم البحث
                                                                                                   أحمد جميل خضير السلطاني