مستخدمة:Zanobya/ملعب

حركة الزنج: (255 ـ 270هـ/ 869 ـ 883م):يُشار إلى أن مدينة البصرة شهدت في منتصف القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) ما عرف بـ"ثورة الزنج"، الذين ثاروا على المالكين وأسسوا حكومة لهم كان مقرها مدينة المختارة (جنوب البصرة) قبل أن تنهار حركتهم بعد أقل من عقدين، وذلك عندما جندت الدولة العباسية كل إمكاناتها، فكانت أطول ثورات العصر العباسي وأخطرها.

أحوال الزنج في الخلافة العباسية ومنشئ تلك الحركة

عدل

قامت حركة الزنج في عام 255 هـ، وأنهكت دولة الخلافة العباسية قبل أن تقضي عليها، وكان عماد هذه الحركة في باديء الأمر بعض العرب المغامرين من المهالبة والهمدانيين وغيرهم، أما الفئات التي شاركت فيها فهي متنوعة: الزنج، أهل القرى، العرب، عشائر عربية ثائرة على السلطة.. أما فيما يتعلق بالشخصية التي قادت هذا الجمع، فهو فارسي الأصل من أهل الري يُدعى "بهبوذ" وتسمى بعلي بن محمد وادعى انتسابه إلى عبد القيس ثم إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي، وهو شخصية محيرة فعلاً حيث يلاقي الباحث صعوبات جمة في معرفة نسبه، وذلك بفعل تقلباته السريعة، تبعًا للظروف التي كان يمر بها.

ويبدو أن حياته كانت غير طبيعية فقد بدأها كشاعر في بلاط الخليفة بسامراء، ثم حاول القيام بحركة ضد النظام في البحرين للوصول إلى الحكم، إلا أنه أخفق في تحقيق مبتغاه، فسلك نهجًا جديدًا، وظهر كقائد ديني ومتنبيء، فادعى نسبًا علويًا محاولاً أن يستثمر ما للشيعة من عطف وتأييد بين الناس، وقد أحلَّه أتباعه من أنفسهم محل النبي حتى جُبِي له الخراج..

ويبدو أن جماعة كثيرة العدد في البحرين قد تنكرت له، مما دفعه إلى مغادرتها إلى البادية ليستقطب الأعراب، وادعى فيها النسب الشيعي على أنه يحيى بن عمر أبو الحسين، فالتف حوله بعض الأعراب استغلهم بإعادة السيطرة على البحرين، إلا أنه هزم وفر إلى البصرة..

والزنج هم طائفة من العبيد من زنوج أفريقيا جلبوا من الصومال وزنجبار بأسعار رخيصة للعمل في المستنقعات الممتدة بين البصرة وواسط وهي أراض فيها مياه يستخرج منها الملح ومغطاه بالأعشاب والآجام، وبيعت هذه الأراضي منذ خلافة الرشيد واحتيج إلى هؤلاء العبيد الزنوج للاستفادة من هذه الأراضي بتجفبفها واستخراج الملح منها وزراعتها، وبلغ عدد العاملين من العبيد بالبصرة ونواحيها حوالي خمسة عشر ألفًا يعيشون في خالة سيئة وظروف معيشية صعبة، طعامهم فيها قليل من الدقيق والتمر والسوبق، واستغل "بهبوذ" جهلهم وفقرهم وأحوالهم الاجتماعية والاقتصادية السيئة واستغوى عبيد الناس وأوباشهم، فتجمع له كل لص ومريب.

ووقف أثناء إقامته القصيرة فيها على أوضاعها الداخلية السياسية والاجتماعية حيث كان المجتمع البصري منقسمًا على نفسه، فحاول أن يستغل هذه الخلافات لصالحه إلا أنه فشل، وطُرِدَ منها فذهب إلى بغداد، وفي بغداد استنبط نسبًا علويًا جديدًا فانتسب إلى أحمد بن عيسى بن زيد، ثم حاول الوثوب إلى السلطة مستغلاً الأوضاع المضطربة في حاضرة الخلافة، ولكنه لم يتمكن من ذلك بفعل إحكام الأتراك قبضتهم على الوضع، فعاد إلى البصرة في عام 255هـ ليتزعم حركة ثورية مدعيًا أن الله أرسله لتحرير العبيد وإنقاذهم مما كانوا يعانونه من بؤس كما ادعى العلم بالغيب، وانتحل النبوة..

والواقع أن فكرة المهدي المنتظر رافقت بهبوذ في جميع مراحل حياته السياسية؛ فاستغلها بذكاء، وهو بادعائه المهدية، كان يضرب على وتر حساس في نفوذ جماعة العلويين الذين برح بهم الشقاء، فكانوا يأملون في ظهور مهدي منقذ يزيل عنهم الغمة، ويفرج عن أيامهم كربتها، وركز كثيرًا على عراقة أصله وكتبها على نقوده وسمي نفسه "المهدي علي بن محمد" المنقذ..

وجهر علي بن محمد في إحدى مراحل حياته بمذهب الخوارج الذين يلائم مبدأهم ميل أصحابه الشورية، ولكن لم يجهر بمبدأ الشيعة مما جعل الذهبي يصفه بأنه حروري (نسبة إلى حروراء بالكوفة التي اجتمع بها الخوارج بعدما خرجوا على سيدنا علي فسموها بالحرورية)، على رأي فجرة الخوارج يتستر بالانتماء إليهم . وكتب شعاراته على الرايات باللونين الأخضر والأحمر وهما لون العلويين ولون الخوارج..

لقد تعارضت أفكار علي بن محمد عن الخلافة مع مفهوم الشيعة لها التي تؤكد على الوراثة، وتبنى رأي الخوارج القائم على الشورى، مما نفَّر منه الأعراب البسطاء، وعرب البصرة والأهواز وواسط والمناطق المحيطة بها، كما رفض قرمط أن يرتبط معه بعوامل دينية، أما شدته وقسوته تجاه أعدائه فقد جعلته خارجيًا متطرفً، يُضَاف إلى ذلك أنه عامل أسرى الحرب معاملة الرقيق، ووعد أتباعه بأنه سيملكهم المنازل والعبيد، وهذا يعني تحويل حياة الزنج من أرقاء إلى ملاك للعبيد، وكان يسب سيدنا عثمان وعليًّا ومعاوية وطلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم، وكان ينادي على المرأة العلوية التي وقعت في أسره في عسكره بدرهمين وثلاثة وكان عند الواحد من الزنج العشر من العلويات يطؤهن ويستخدمهن.


= دوافع الاستجابة لهذه الحركة

عدل

تعددت دوافع الاستجابة لهذه الحركة ما بين سياسية، واقتصادية واجتماعية:

  • الدوافع السياسية:

بسبب تردي أوضاع الخلافة، نتيجة تصاعد نفوذ الأتراك إلى جانب صراع خفي بين المترفين والعبيد وجد متنفسًا له في دعوة علي بن محمد..

  • الدوافع الاقتصادية:

نتيجة الأوضاع المالية المتدهورة وظاهرة التكوين الطبقي داخل المجتمع الإسلامي من طبقة ثرية إلى طبقة تجار فالطبقة العامة العاملة..

واتسعت الهوة مع مرور الزمن بين هؤلاء وبين الطبقة الإقطاعية، وبلغ التناقض الاجتماعي مداه، مما كان دافعًا للاستجابة لنداء الثورة الذي أطلقه علي بن محمد..

  • الدوافع الاجتماعية:

بفعل نمط حياة فئات العبيد التي كانت تعيش في ظروف قاسية وسيئة من خلال عملها في تجفيف المستنقعات وإزالة السباخ (18) عن الأراضي، ثم نقل الملح إلى حيث يعرض ويباع، لقاء وجبة طعام، فأرادت هذه الفئات التخلص من هذا العمل الشاق ومن ضنك العيش..

وقد سيطر علي بن محمد خلال عشرة أعوام (255 ـ 265هـ) على رقعة واسعة تمتد بين الأهواز وواسط، وهدد بغداد، عندئذ عهد الخليفة المعتمد إلى أخيه أبي أحمد الموفق طلحة بمحاربته؛ فاصطدم بمجموع الزنج وقتل علي بن محمد، واستسلم من بقى من أتباعه ومات العديد..

وبإخماد الثورة، أُسْدِلَ الستار على هذه الحركة والفتنة المدمرة الخبيثة التي هددت الدولة العباسية والتي دامت أكثر من أربعة عشر عامًا (255ـ 270هـ) (19) وحصدت أرواح مليون ونصف مليون مسلم منهم كبار الفقهاء والأئمة على رأسهم: زيد بن أخزم الحافظ البصري أحد شيوخ البخاري وأرباب السنة الأربعة، ووثقه النسائي " وكان ممن قتلته الزنج والأوباش واستخدام أحدث ما توصلت إليه الحرب النفسية بتأمين الزنوج المستسلمين على حياتهم وإحسان معاملتهم".

حركة الزنج في الميزان

عدل

لقد انطلقت حركة الزنج من واقع الألم والاضطهاد الاجتماعي والاقتصادي بين مستنقعات البصرة وسهولها، وكانت بدايتها ناجحة انسجمت فيها أهدافها مع أفعالها لكن النزعة الفوضوية التي طبعتها وهي في قمة مواجهتها أدت إلى تقلص أبعادها الاجتماعية، وقد زاد من تلك النزعة افتقارها إلى برنامج ثوري يصوغ تطلعات وأهداف القائمين بها، ويوضح العلاقة بين القيادة والأتباع، كما يلاحظ أن رجالها استهدفوا الانتقام لا الإصلاح، والانقلاب الاجتماعي لا التقويم، وأن قائدها لم يستطع أن يحرر ذاته من مسألة فكرة الزعامة القرشية، بالإضافة إلى أن أطرها الثورية كانت محلية ومحدودة ولم تكن لديها تطلعات شاملة، وندرك من هنا عدم نجاح علي بن محمد في اكتساب قطاعات كبيرة من المجتمع العراقي كالفلاحين وكبار الملاك والتجار والحرفيين، وحتى القرامطة، فأصبح العبيد بمفردهم ضعفاء رغم عددهم الكبير..

كيفية القضاء على تلك الحركة

عدل

توالت انتصارات جيش بهبوذ على الجيوش العباسية وقتل ألوف المسلمين، حيث قتل بالأُبلة على مقربة من الخليج العربي وشط العرب نحو 30 ألف مسلم، ونحو 50 ألف مسلم بالأهواز وسبى منها 40 ألفًا، وكان الموفق طلحة أخو الخليفة العباسي المعتمد على الله يكتب إلى بهبوذ يدعوه إلى التوبة من ادعاء مخاطبة الملائكة ومن تحريفه القرآن وضلالته فما أجاب بشيء، وبنى مدينته " المختارة " جنوب البصرة لتكون مركزًا لدعوته ومعسكرًا لجنده، وبناها على الضفة الغربية لنهر أبي الخصيب أحد الأنهار الآخذة من الجانب الغربي من نهر دجلة، وكانت مدينة منيعة ضرب بحصانتها المثل ، ونصب فيها المجانيق والأسلحة بما يبهر العقول وبها نحو 200 ألف مقاتل ، فما قدر عليها الجيش العباسي إلا بالمطاولة، ولما تولى الموفق طلحة أمر مقاتلتهم بنغسه بنى إزاءها مدينة الموفقية على دجلة وبنى بها الجامع والأسواق وسكنها وأسكنها الناس ، وتمكن الموفق طلحة بعد حروب متواصلة مع الزنج بدءًا من سنة 264هـ ، من إجلاء الزنج عن الأهواز وتهديد المختارة أكثر من مرة، لكن بهبوذ كان يصد هجوم الموفق عليها، وأخذ جنده في التخلي عنه والخروج على الموفق الذي أحسن إليهم، إلى أن جاءت سنة 269هـ، وفيها اقتحم الموفق طلحة المختارة عَنوة ونادي بالأمان ، وقاتل حاشية بهبوذ عنه أشد قتال وجُرح الموفق، فعاد عن المختارة التي رممها بهبوذ وأعاد تحصينها. وفي شوال 270 هـ كانت الملحمة الكبرى بينه وبين الموفق ووقعت الهزيمة على الزنج وقتل علي بن محمد، وأتى فارس برأسه إلى الموفق فما صدق حتى عرضه على جماعة فقالوا: هو هو فترجل الموفق والأمراء وخروا ساجدين لله، وضجوا بالتكبير ودخل برأسه إلى بغداد وكان يومًا مشهودًا، وكان قتله بعد 15 سنة حيث كان ظهوره في السادس من رمضان سنة 255هـ.

مصادر

عدل

علاء العميدي الكامل في التاريخ ابن الاثير تاريخ الأمم والملوك الطبري

تصنيف:نزاعات في القرن 9 تصنيف:تاريخ العراق تصنيف:ثورات العبيد تصنيف:رق تصنيف:ثورات تاريخية تصنيف:عصر عباسي تصنيف:الإسلام والعبودية