كان خط رادكليف خطًا لترسيم الحدود بين الجزأين الهندي والباكستاني من إقليمي البنجاب والبنغال من الهند البريطانية. دُعي الخط بهذا الاسم نسبة لمصممه السير سيريل رادكليف الذي، بصفته شريكًا في رئاسة اللجنتين الحدوديتين المسؤولتين عن الإقليمين، تلقى مسؤولية تقسيم منطقة تبلغ مساحتها 175,000 ميل مربع (450,000 كيلومتر مربع) من الأراضي تحوي 88 مليون قاطن بشكل منصف.[1]

خط رادكليف

نُشر خط ترسيم الحدود في السابع عشر من أغسطس عام 1947 حول فترة تقسيم الهند. في يومنا الحالي بقي الجزء الغربي منه يمثل الحدود بين الهند وباكستان في حين يمثل الجزء الشرقي الحدود بين الهند وبنغلادش.

العملية والأشخاص الأساسيون

عدل

كانت قد رُسمت مسودة للحدود مسبقًا من قبل اللورد ويفل حاكم الهند باسم التاج البريطاني قبل أن يُعفى من منصبه في فبراير 1947 ويحل محله اللورد لويس مونتباتن. في خطوة هادفة إلى تحديد الأراضي التابعة لكل بلد بدقة، عينت بريطانيا في يونيو 1947 السير سيريل رادكليف ليترأس لجنتين حدوديتين إحداهما للبنغال والأخرى للبنجاب.[2]

كُلفت اللجنة بمهمة «ترسيم الحدود بين جزئي البنجاب على أساس التحقق من المناطق المتجاورة ذات الغالبية المسلمة أو غير المسلمة. في سبيل تحقيق ذلك، سوف تأخذ اللجنة عوامل أخرى بعين الاعتبار».[3] لم تكن العوامل الأخرى محددة، ما أعطى رادكليف مجالًا للمناورة، لكنها تضمنت قرارات متعلقة بـ «الحدود الطبيعية والتواصل والمجاري المائية وأنظمة الري»، بالإضافة إلى العوامل الاجتماعية والسياسية.[4] ضمت كل لجنة أيضًا أربعة ممثلين: اثنان منهم من المؤتمر الوطني الهندي واثنان من رابطة مسلمي عموم الهند. نظرًا لوصول التفاهم بين مصالح الطرفين إلى طريق مسدود والعلاقة المتسمة بالحقد بينهما، كان القرار الأخير لرادكليف في الواقع.

بعد الوصول إلى الهند في الثامن من يوليو 1947، أُعطي رادكليف مهلة خمسة أسابيع فقط لتقرير الحدود.[2] التقى بعد فترة قريبة بزميله السابق في الجامعة مونتباتن وسافر إلى لاهور وكلكتا للالتقاء بأعضاء اللجنة خصوصًا نيهرو من المؤتمر وجنة رئيس رابطة المسلمين.[5] اعترض على المهلة الزمنية المحدودة، لكن جميع الأطراف أصرت على انتهاء الخط الحدودي بحلول الخامس عشر من أغسطس لدى انسحاب البريطانيين من الهند. كان مونتباتن قد وافق على منصب حاكم الهند باسم التاج الملكي البريطاني بشرط بقاء الموعد النهائي المبكر.[6] كان القرار قد تم قبل يومين فقط من الانسحاب، لكنه لم يُنشر حتى السابع عشر من أغسطس بسبب تأخر الإجراءات السياسية، وذلك بعد يومين من منح الاستقلال للهند وباكستان.[2]

أعضاء اللجنتين

عدل

تألفت كل لجنة من خمسة أعضاء هم رئيس اللجنة (رادكليف) وعضوان مرشحان من قبل المؤتمر الوطني الهندي وعضوان مرشحان من قبل رابطة مسلمي عموم الهند.[7]

تألفت اللجنة الحدودية البنغالية من القضاة سي. سي. بيسواس وبي. كي. موكرجي وأبو صالح محمد أكرم وإس. إيه رحمان.[8]

تألفت اللجنة الحدودية البنجابية من القضاة مير شاند ماهاجان وتيجا سينغ ودين محمد ومحمد منير.[8]

المشاكل في العملية

عدل

إجراءات رسم الحدود

عدل

بما أنهم كانوا جميعًا يعملون كمحامين وحقوقيين، امتلك رادكليف وزملاؤه جميع المعلومات النظرية لكنهم لم يملكوا شيئًا من المعرفة التخصصية الضرورية للمهمة. لم يكن لهم مستشارون يخبرونهم بالإجراءات المنظمة جيدًا والمعلومات الضرورية لرسم الحدود. كما لم يكن لديهم وقت كافٍ لاستقصاء المعلومات المحلية. كان غياب بعض الخبراء والمستشارين مثل الأمم المتحدة أمرًا مقصودًا بهدف تجنب التأخير.[9] كانت حكومة حزب العمال البريطانية الجديدة «غارقة في ديون الحرب، لذلك فهي ببساطة لم تتمكن من التمسك بإمبراطوريتها المضطربة بشكل متفاقم».[10] «خدم غياب المشاركين الخارجيين -مثل الأمم المتحدة على سبيل المثال- الرغبة الملحة للحكومة البريطانية بحفظ ماء الوجه أيضًا، وذلك من خلال تجنب الظهور علنًا بأنها تحتاج إلى مساعدة خارجية في حكم -أو التوقف عن حكم- إمبراطوريتها».[11]

التمثيل السياسي

عدل

بدا أن التمثيل المتساوي المقدم إلى السياسيين من كل من المؤتمر الوطني الهندي ورابطة المسلمين يقدم التوازن المطلوب، لكنه أدى إلى انتهاء المفاوضات بطريق مسدود. كانت العلاقات سيئة إلى درجة أن القضاة «كانوا بالكاد يتحدثون إلى بعضهم البعض»، والأجندات متناقضة إلى درجة أن التفاوض لم يكن ممكنًا. الأسوأ من ذلك أن «زوجة وطفلي القاضي السيخي في لاهور كانوا قد قُتلوا من قبل مسلمين في راوالبيندي قبل عدة أسابيع».[12]

في الواقع، لم يكن تقليل عدد الهندوس والمسلمين على الجانب الخاطئ من الحدود هو الهم الوحيد للوصول إلى التوازن. كان على اللجنة الحدودية البنجابية أن ترسم الحدود عبر منطقة تابعة لمجتمع سيخي.[13] أثار عدم إعطاء البريطانيين اعتبارًا كافيًا للمجتمع السيخي استياء اللورد إسلاي الذي قال إنه «قدم الآلاف من المتطوعين الرائعين للجيش الهندي» خدمة للتاج الملكي في الحرب العالمية الأولى.[14] لكن السيخ كانوا مكافحين في معارضتهم لأي حل يضع مجتمعهم ضمن دولة محكومة إسلاميًا. إضافة إلى ذلك، أصر الكثيرون منهم على إقامة دولة مستقلة خاصة بهم، لكن أحدًا لم يوافق على هذا الطلب من بقية الأطراف.[15]

أخيرًا، بقيت مشكلة المجتمعات البشرية التي لا تملك أي تمثيل. اهتم ممثلو اللجنة الحدودية البنغالية بشكل أساسي بمن سيحصل على كلكتا. لم تملك القبائل البوذية في تشيتاجونج هيل تراكتس في البنغال أي تمثيل رسمي وتُركت دون أي معلومات للتحضير لوضعها الجديد حتى بعد مضي يومين على التقسيم.[16]

بعد أن رأى الوضع عصيًا ومستعجلًا، مضى رادكليف في الأمر ليتخذ جميع القرارات الصعبة بنفسه. كان هذا الأمر مستحيلًا منذ البداية، لكن يبدو أن رادكليف لم يملك أي شك في إمكانياته ولم يرفع شكوى رسمية أو طلبًا لتغيير شروط المهمة.[1]

المعرفة المحلية

عدل

لم يكن رادكليف قد زار الهند أبدًا قبل تعيينه ولم يملك أي معارف هناك. اعتُبر الحياد ميزة مهمة بالنسبة إلى البريطانيين والسياسيين المتحاربين على حد سواء؛ اعتُبر رادكليف غير متحيز تجاه أي من الأطراف المتنازعة ما عدا بريطانيا بالطبع.[1] كان سكرتيره الشخصي كريستوفر بومونت فقط على علم بالأمور الإدارية والحياة في البنجاب. بسبب رغبته في الحفاظ على انطباع عدم التحيز حوله، بقي رادكليف أيضًا بعيدًا عن حاكم الهند الملكي مونتباتن.[4]

لم يكن لأي كمية من المعرفة أن تنتج خطًا يتجنب النزاع بشكل كلي؛ إذ «أحبطت أعمال الشغب الطائفية في البنجاب والبنغال الآمال بالوصول إلى انسحاب بريطاني كريم وسريع» بالفعل.[17] زُرعت بذور كثيرة للاضطراب في فترة ما بعد الاستعمار قبل فترة طويلة في جنوب شرق آسيا، وذلك عبر قرن ونصف من التحكم البريطاني المباشر وغير المباشر بأجزاء كبيرة من المنطقة، لكن وكما أظهرت الكتب المتتالية، لم يكن أي شيء محتم الحدوث في قصة التقسيم المعقدة والمأساوية للمنطقة.[18]

انظر أيضًا

عدل

مراجع

عدل
  1. ^ ا ب ج Read & Fisher, The Proudest Day 1998، صفحة 482
  2. ^ ا ب ج Frank Jacobs (3 يوليو 2012). "Peacocks at Sunset". Opinionator: Borderlines. The New York Times. مؤرشف من الأصل في 2012-07-14. اطلع عليه بتاريخ 2012-07-15.
  3. ^ Mansergy
  4. ^ ا ب Read & Fisher, The Proudest Day 1998، صفحة 483
  5. ^ Read & Fisher, The Proudest Day 1998، صفحات 482–483
  6. ^ Read & Fisher, The Proudest Day 1998، صفحة 418: "He wrote to then Prime Minister كليمنت أتلي, 'It makes all the difference to me to know that you propose to make a statement in the House, terminating the British 'Raj' on a definite and specified date; or earlier than this date, if the Indian Parties can agree a constitution and form a Government before this.'"
  7. ^ "Minutes of the award meeting : Held on 16 August 1947". مؤرشف من الأصل في 2014-11-22. اطلع عليه بتاريخ 2013-12-11.
  8. ^ ا ب Chester، Lucy (2009). Borders and Conflicts in South Asia: The Radcliffe Boundary Commission and the Partition of Punjab. Manchester: Manchester university Press. ISBN:9780719078996. مؤرشف من الأصل في 2018-07-30.
  9. ^ Read & Fisher, The Proudest Day 1998، صفحة 482: "After the obligatory wrangles, with Jinnah playing for time by suggesting calling in the United Nations, which could have delayed things for months if not years, it was decided to set up two boundary commissions, each with an independent chairman and four High Court judges, two nominated by Congress and two by the League."
  10. ^ Mishra, Exit Wounds 2007، para. 19: "Irrevocably enfeebled by the Second World War, the British belatedly realized that they had to leave the subcontinent, which had spiraled out of their control through the nineteen-forties. ... But in the British elections at the end of the war, the reactionaries unexpectedly lost to the Labour Party, and a new era in British politics began. As von Tunzelmann writes, 'By 1946, the subcontinent was a mess, with British civil and military officers desperate to leave, and a growing hostility to their presence among Indians.' ... The British could not now rely on brute force without imperiling their own sense of legitimacy. Besides, however much they 'preferred the illusion of imperial might to the admission of imperial failure,' as von Tunzelmann puts it, the country, deep in wartime debt, simply couldn’t afford to hold on to its increasingly unstable empire. Imperial disengagement appeared not just inevitable but urgent."
  11. ^ Chester, The 1947 Partition 2002، "Boundary Commission Format and Procedure section", para. 5.
  12. ^ Read & Fisher, The Proudest Day 1998، 483,&nbsppara. 1
  13. ^ population?
  14. ^ Read & Fisher, The Proudest Day 1998، صفحة 485
  15. ^ Read & Fisher, The Proudest Day 1998، صفحات 484–485: "After the 3 June 1947 plan had been announced, the main Sikh organization, the Shiromani Akali Dal, had distributed a circular saying that 'Pakistan means total death to the Sikh Panth [community] and the Sikhs are determined on a free sovereign state with the [rivers] Chenab and the Jamna as its borders, and it calls on all Sikhs to fight for their ideal under the flag of the Dal.'"
  16. ^ Read & Fisher, The Proudest Day 1998، صفحة 481
  17. ^ Mishra, Exit Wounds 2007، para. 4
  18. ^ Mishra, Exit Wounds 2007، para. 5