الإسكندر الأكبر: الفرق بين النسختين

[نسخة منشورة][مراجعة غير مفحوصة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
الرجوع عن تعديل معلق واحد من 94.47.160.100 إلى نسخة 33197914 من DenghiùComm.
وسوم: تمت إضافة وسم nowiki تعديلات طويلة تعديلات المحتوى المختار لفظ تباهي تحرير مرئي
سطر 26:
|الجنسية = لا
}}
'''الإسكندر الثالث المقدوني'''، المعروف بأسماء عديدة أخرى أبرزها: '''الإسكندر الأكبر'''، و'''الإسكندر الكبير'''، و'''الإسكندر المقدوني'''، و'''الإسكندر ذو القرنين''' ([[لغة يونانية|باليونانية]]: Ἀλέξανδρος ὁ Μέγας؛ [[نقحرة]]: {{خط عربي دولي|fa|ألكساندروس أوميگاس}})، هو أحد ملوك [[مقدونيا القديمة|مقدونيا]] [[يونانيون|الإغريق]]، ومن أشهر القادة العسكريين والفاتحين عبر [[التاريخ]]. وُلد الإسكندر في مدينة [[بيلا (اليونان)|پيلا]] قرابة سنة 356 ق.م، وتتلمذ على يد الفيلسوف والعالم الشهير [[أرسطو]] حتى بلغ ربيعه السادس عشر. وبحلول عامه الثلاثين، كان قد أسس إحدى أكبر وأعظم [[إمبراطورية|الإمبراطوريات]] التي عرفها [[تاريخ قديم|العالم القديم]]، والتي امتدت من سواحل [[البحر الأيوني]] غربًا وصولاً إلى [[الهيمالايا|سلسلة جبال الهيمالايا]] شرقًا. يُعد أحد أنجح القادة العسكريين في مسيرتهم، إذ لم يحصل أن هُزم في أي [[معركة]] خاضها على الإطلاق.<ref>{{Harvard citation no brackets|Yenne|2010|page=159}}, p. 159</ref>
 
خلف الإسكندر والده، [[فيليب الثاني المقدوني|فيليپ الثاني المقدوني «الأعور»]]، على عرش البلاد سنة 336 ق.م، وبعد أن اغتيل الأخير. ورث الإسكندر عن أبيه مملكة متينة الأساس وجيشًا عرمرمًا قويًا ذا جنود مخضرمة. وقد مُنح حق قيادة جيوش [[اليونان القديمة|بلاد اليونان]] كلها، فاستغل ذلك ليُحقق أهداف أبيه التوسعيّة، وانطلق في عام 334 ق.م في حملة على [[بلاد فارس]]، فتمكن من دحر [[فرس (قومية)|الفرس]] وطردهم خارج [[آسيا الصغرى]]، ثم شرع في انتزاع ممتلكاتهم الواحدة تلو الأخرى في سلسلة من الحملات العسكرية التي دامت عشر سنوات. تمكن الإسكندر خلالها من كسر الجيش الفارسي وتحطيم القوة العسكرية [[أخمينيون|للإمبراطورية الفارسية الأخمينية]] في عدّة وقعات حاسمة، أبرزها معركتيّ [[معركة إسوس|إسوس]] و[[معركة غوغميلا|گوگميلا]]. وتمكن الإسكندر في نهاية المطاف من الإطاحة بالشاه الفارسي [[دارا الثالث]]، وفتح كامل أراضي إمبراطوريته،[[أخمينيون|إمبراطوريته]]،{{cref|i}}وعند هذه النقطة، كانت الأراضي الخاضعة له قد امتدت من [[البحر الأدرياتيكي]] غربًا إلى [[نهر السند]] شرقًا.
 
كان الإسكندر يسعى للوصول إلى «نهاية العالم والبحر الخارجي الكبير»، فأقدم على غزو [[الهند]] سنة 326 ق.م في محاولة لاكتشاف الطريق إلى ذاك البحر، لكنه اضطرّ إلى أن يعود أدراجه بناءً على إلحاح قادة الجند وبسبب تمرّد الجيش. توفي الإسكندر في مدينة [[بابل]] سنة 323 ق.م، قبل أن يشرع في مباشرة عدّة حملات عسكرية جديدة خطط لها، وكان أولها فتح [[شبه الجزيرة العربية]]. بعد بضعة سنوات من وفاته، نشبت حروب أهلية طاحنة بين أتباعه كان من شأنها أن مزّقت أوصال إمبراطوريته، وولّدت عدّة دول يحكم كل منها «خليفة» وقد عرفت [[ملوك طوائف الإسكندر|بملوك الطوائف]] ([[لغة يونانية|باليونانية]]: Διάδοχοι، و[[لغة لاتينية|باللاتينية]]: Diadochi)، وكان كل [[ملك]] من هؤلاء الملوك مستقل لا يدين بالولاء إلا لنفسه، وكان هؤلاء هم من بقي حيًا من قادة جيش الإسكندر وشاركه حملاته في الماضي.
سطر 60:
[[ملف:Filip II Macedonia.jpg|تصغير|[[فيليب الثاني المقدوني|فيليپ الثاني المقدوني]]، والد الإسكندر.]]
وُلد الإسكندر في اليوم السادس من شهر «هيكاتومبايون» ([[لغة يونانية|باليونانية]]: Ἑκατομϐαιών) بحسب التقويم الإغريقي القديم، الموافق ليوم [[20 يوليو]] من سنة 356 ق.م على الأرجح،<ref>{{مرجع ويب | المسار= http://www.livius.org/aj-al/alexander/alexander_t32.html#7 |العنوان=The birth of Alexander the Great | العمل = livius.org | اقتباس = Alexander was born the sixth of [[تقويم اليونان القديم]]. | تاريخ الوصول = 16 December 2011}}</ref>
في مدينة [[بيلا (اليونان)|پيلا]] عاصمة [[مقدونيا القديمة|مملكة مقدونيا]].<ref>{{citation |العنوان= Alexander of Macedon, 356-323 B.C.: a historical biography |series= Hellenistic culture and society |المؤلف= Peter Green |الإصدار= reprinted, illustrated, revised |الناشر= University of California Press |السنة= 1970 |isbn= 9780520071650 |الصفحة= xxxiii |المسار= http://books.google.es/books?id=g6Wl4AKGQkIC&pg=PA559&dq=alexander+the+great+356+OR+355&hl=es&sa=X&ei=h78uT-uaFYSzhAe436jsCg&ved=0CF8Q6AEwCDgK#v=onepage&q=356&f=false |اقتباس= 356 - Alexander born in Pella. The exact date is not known, but probably either 20 or 26 July.}}</ref> والده هو الملك [[فيليب الثاني المقدوني|فيليپ الثاني]] المُلقب بالأعور، ووالدته هي [[أوليمبياس|أوليمپياس]] ابنة [[نيوبطليموس (قائد)|نيوبطليموس الأول]] ملك إقليم إيپيروس،[[إبيروس (منطقة)|إيپيروس]]، وهي الزوجة الرابعة لفيليپ.<ref name="N10-M">{{harvard citation no brackets| McCarty|2004|p=10}}</ref><ref name="Renault, p. 28">{{harvard citation no brackets| Renault|2001|p=28}}</ref><ref name=durant538/> وعلى الرغم من أن الأخير كان متزوجًا بسبع أو ثمانية نساء، إلا أن [[أوليمبياس|أوليمپياس]] كانت المفضلة لديه وأقربهنّ إليه لفترة من الزمن على الأقل، ويُرجح أن سبب ذلك هو إنجابها لوريث ذكر له، هو الإسكندر.<ref>{{harvard citation no brackets|Roisman|Worthington|2010|p=171}}</ref>
[[ملف:Jupiter-and-olympia-1178.jpg|تصغير|يمين|زيوس يُغري أوليمپياس، لوحة [[جوليو رومانو|لجوليو رومانو]]، تُظهر أسطورة حمل أوليمپياس بالإسكندر من كبير آلهة الإغريق.]]
تحيط عدّة أساطير بولادة الإسكندر وبنشأته.<ref name="Roisman 2010 188"/> فوفقًا للكاتب الإغريقي القديم [[بلوتارخ|پلوتارخ]]، رأت [[أوليمبياس|أوليمپياس]] في نومها في ليلة زواجها من فيليپ أن [[صاعقة|صاعقةً]] أصابت [[رحم]]ها، فتولّدت عنها نارًا انتشرت «في كل مكان» قبل أن تنطفئ. وبعد مرور فترة على الزواج، قيل أن فيليپ رأى نفسه في المنام وهو [[ختم|يختم]] [[رحم]] زوجته بخاتم عليه صورة [[أسد]].<ref name=PA2/> قدّم پلوتارخ في كتاباته عدّة تفسيرات لتلك المنامات، منها: أن [[أوليمبياس|أوليمپياس]] كانت حاملاً من قبل الزواج، وما يدل على ذلك هو رحمها المختوم؛ أو أن والد الإسكندر الحقيقي هو [[زيوس]] كبير آلهة الإغريق. انقسم الإخباريون القدماء حول ما إذا كانت [[أوليمبياس|أوليمپياس]] قد نشرت قصة أصول الإسكندر الإلهية، وأكدتها للإسكندر نفسه، أو أنها رفضت هذا التفسير أساسًا واعتبرته كفرًا.<ref name="PA2">{{harvard citation no brackets|Plutarch|1919|p=III, 2}} [http://www.perseus.tufts.edu/hopper/text?doc=Perseus:text:1999.01.0243:chapter=3:section=2 أنظر الصفحة]</ref>
 
كان فيليپ الثاني يُحضر [[حصار|لحصار]] مستعمرة «پوتيدايا» الواقعة على [[خالكيذيكي|شبه جزيرة خالكيذيكي]]، في يوم ولادة ابنه. وفي ذات اليوم تلقى خبرًا مفاده أن أحد أبرز قادة جيشه، وهو پارمنيون، انتصر على جيش مكون من حلف من [[علالية|الأليريين]] والپايونيانيين وردّهم على أعقابهم، وأن [[حصان|خيوله]] فازت في السباق المنظم كجزء من [[الألعاب الأولمبية القديمة|الألعاب الأولمبية]]. يُقال أيضًا، أنه في هذا اليوم احترق [[هيكل آرتميس|هيكل أرتميس]]، أحد [[عجائب الدنيا السبعة]]، في [[أفسس]]، وقد جعلت هذه الواقعة المؤرخ «إيگيسياس المگنيزي» يقول أن الهيكل احترق لأن أرتميس كانت غائبة عنه لتشهد ولادة الإسكندر وتعين والدته على تحمّل آلام [[مخاض|المخاض]].<ref name="Renault, p. 28"/><ref name="P21-B">{{harvard citation no brackets| Bose|2003|p=21}}</ref> يُحتمل أن تكون هذه الأساطير قد برزت إلى حيّز الوجود عندما اعتلى الإسكندر عرش المملكة ونمت مع كل فتح جديد، بل قد يكون هو من أشاعها عمدًا، ليؤكد أنه فوق مستوى البشر العاديين، وأنه قد قُدّر له أن يكون عظيمًا منذ أن حملت به أمه.<ref name="Roisman 2010 188"/>
[[ملف:Alexander taming Bucephalus by F. Schommer, German, late 19th century.jpg|تصغير|الإسكندر الفتى يروّض [[بوسيفالوس]] الحصان الجامح.]]
تربّى الإسكندر خلال السنوات الأولى من حياته على يد مرضعة وخادمة تُدعى «لانيك»، وهي شقيقة [[كليتوس الأسود]]، أحد القادة المستقبليين في جيش الإسكندر. وفي وقت لاحق، تتلمذ الإسكندر على يديّ ليونيدس الإيپروسي، وهو أحد أقارب أمه، و[[ليسيماخوس]]، أحد قادة الجيش العاملين في خدمة والده.<ref name="M33-34-R">{{harvard citation no brackets|Renault|2001|p=33–34}}</ref> نشأ الإسكندر نشأة الشباب المقدونيين النبلاء، فتعلّم [[قراءة|القراءة]] و[[كتابة|الكتابة]]، و[[قيثارة|عزف القيثارة]]، و[[فروسية|ركوب الخيل]]، و[[مصارعة رومانية|المصارعة]]، و[[صيد|الصيد]].<ref name="Roisman 2010 186">{{harvard citation no brackets|Roisman|Worthington|2010|p=186}}</ref>
سطر 81:
أنهى الإسكندر تعليمه في سن السادسة عشرة، وفي ذلك الحين غادر والده فيليپ ليشن حربًا على [[بيزنطة]]، فترك شؤون الحكم في بلاده إلى ابنه الشاب، فحكم الإسكندر بالنيابة عن والده بصفته وليًا للعهد.<ref name="Roisman 2010 188"/> بعد مغادرة فيليپ، ثارت [[ميديون|القبائل الميدية]] [[تراقيا|التراقية]] على الحكم المقدوني مستغلة حداثة سن الإسكندر وعدم درايته بالشؤون السياسية والحربية، لكن الأخير فاجأهم، ورد عليهم ردًا قاسيًا، فأجلاهم عن مناطقهم ووطن فيها أغريقًا، وأسس مدينة أسماها «ألكساندروپولس» أي «مدينة الإسكندر».<ref name="R68-F/">{{harvard citation no brackets|Fox |1980|p=68}}</ref><ref>{{harvard citation no brackets|Renault|2001|p=47}}</ref><ref>{{harvard citation no brackets|Bose|2003|p=43}}</ref>
 
بعد عودة فيليپ، أُرسل الإسكندر على رأس قوة عسكرية صغيرة إلى جنوب [[تراقيا]] لإخضاع الثورات القائمة فيها. بدأت هذه الحملة بالهجوم على مدينة «پيرينثوس»، حيث يُقال أن الإسكندر أنقذ حياة والده عند تعرضه لهجوم، وفي ذلك الحين كانت مدينة [[أمفيسا]] قد شرعت بالتوسع في أراض وقف بالقرب من [[دلفي]]، تعتبر أراض مقدسة ومكرسة لخدمة الإله [[أبولو (إله إغريقي)|أپولو]]، فاستغل فيليپ هذه القضية للتدخل في الشؤون اليونانية، معتبرًا أنه يُدافع عن الدين ويحمي المقدسات من التدنيس. ولمّا كان فيليپ لا يزال مشغولاً بالصراع في تراقيا، أمر الإسكندر بأن يحشد جيشًا ويتحضر لحملة على [[اليونان]]. لجأ الإسكندر إلى الخديعة وتظاهر بأنه يعزم مهاجمة [[أليريا]] عوض أمفيسا، خوفًا من أن تثور مدن يونانية أخرى وتهب لمجابهته ومساعدة شقيقتها. وفي خضم هذه الفوضى، هاجم الأليريون مقدونيا فعلاً، فأسرع الإسكندر وردهم على أعقابهم.<ref name="Renault47-49">{{harvard citation no brackets|Renault |2001|p=47–49}}</ref>
 
انضم فيليپ وجيشه إلى الإسكندر في سنة 338 ق.م، وسارا جنوبًا عبر ممر «البوابات الحارقة»، بعد مقاومة شرسة وعنيدة من الحامية الطيبية المعسكرة في المنطقة، وتابعا طريقهما ليفتحا مدينة [[إلاتيا]]، التي تبعد مسافة بضعة أيام فقط عن كل من [[طيبة (اليونان)|طيبة]] و[[أثينا]]. صوّت الأثينيون، بزعامة الخطيب [[ديموستيني]]، على التحالف مع طيبة لدرء الخطر المقدوني، فأرسلوا سفراء إلى المدينة المذكورة يخبروهم بالمقترح، وكان فيليپ في الوقت نفسه قد أرسل سفراءً بدوره لجذب الطيبيين إلى صفه، لكن أبناء المدينة رفضوا عرض مقدونيا، وفضلوا التحالف مع إخوانهم الأثينيين.<ref name="M50-51-R1/">{{harvard citation no brackets|Renault |2001|pp=50–51}}</ref><ref>{{harvard citation no brackets|Bose|2003|pp=44–45}}</ref><ref>{{harvard citation no brackets|McCarty|2004|p=23}}</ref> سار فيليپ وجنوده حتى وصلوا [[أمفيسا]]، واعتقلوا كافة [[مرتزقة|المرتزقة]] الذين أرسلهم ديموستيني إلى هناك ليناوشوا الجيش المقدوني، وأمام هذا الأمر استسلمت المدينة للمقدونيين، ثم عاد هؤلاء إلى [[إلاتيا]] حيث أرسل فيليپ عرض السلام الأخير إلى كل من أثينا وطيبة، لكنهم رفضوه مجددًا.<ref name="M50-51-R/">{{harvard citation no brackets|Renault |2001|pp= 51}}</ref><ref>{{harvard citation no brackets|Bose|2003|p=47}}</ref><ref>{{harvard citation no brackets|McCarty|2004|p=24}}</ref>
[[ملف:Battle of Chaeronea, 338 BC ar.png|تصغير|مخطط [[معركة خايرونيا|لمعركة خايرونيا]] بين الإسكندر ووالده والحلف الأثيني الطيبي.]]
تعرّض الأثينيون والطيبيون للجيش المقدوني أثناء توجهه جنوبًا، وقطعوا عليه الطريق بالقرب من بلدة [[خايرونيا]] في منطقة [[بيوتيا]]، ليحتكوا معه في معركة هائلة عرفت باسم [[معركة خايرونيا]]. خلال هذه المعركة، تولّى فيليپ قيادة الجناح الأيمن من الجيش، فيما تولّى الإسكندر قيادة الجناح الأيسر، برفقة جماعة من القادة الموثوقين. تنص المصادر القديمة أن تلك المعركة كانت مريرة، وأنها طالت كثيرًا حتى فكّر فيليپ بخداع خصومه حتى يتمكن من هزيمتهم وحسم الأمر لصالحه، فأمر جنوده بالتراجع آملاً أن تتبعه العساكر الأثينية غير الخبيرة بشؤون الحرب، فيتمكن من خرق صفوف الجيش. كان الإسكندر أوّل من تمكن من خرق صفوف الطيبيين، تلاه قادة فيليپ، ولمّا رأى الأخير أن تماسك الجيش قد اختل بعد أن تبعه الأثينيين، أمر جنوده بالتقدم وتطويقهم. استسلم الطيبيون سريعًا بعد أن رأوا هزيمة حلفائهم الأثينيين ومحاصرة المقدونيين لهم، فكان النصر حليف الإسكندر ووالده.<ref name="DiodXVI">{{harvard citation no brackets|Diodorus Siculus |1988|pp= XVI,86}} [http://www.perseus.tufts.edu/hopper/text?doc=Diod.+16.86&redirect=true أنظر الصفحة]</ref>
 
بعد هذا النصر الكبير، سار الإسكندر وفيليپ إلى [[بيلوبونيز|شبه جزيرة المورة]] دون أن يتعرض لهما أحد، بل رحبت بهما كل المدن اليونانية وفتحت أبوابها للجيش المقدوني. إلا أن الوضع تغيّر حينما وصلا إلى [[إسبرطة|إسپرطة]]، إذ رفضت المدينة فتح أبوابها ولكنها في الوقت نفسه لم تتبن خيار الحرب.<ref>{{مرجع ويب|المسار=http://www.sikyon.com/sparta/history_eg.html |العنوان=History of Ancient Sparta |العمل=sikyon.com |تاريخ الوصول=14 November 2009}}</ref> أنشأ فيليپ في مدينة [[كورينث القديمة|كورنث]] «الرابطة الهيلينية»، وقد استمد فكرته من «الحلف المقاوم للفرس» الذي قام أبّان [[حروب ميدية|الحروب الميدية]] قديمًا، وضم هذا الحلف الجديد جميع المدن الإغريقية عدا إسپرطة. نودي بفليپ بعد ذلك قائدًا أعلى للرابطة الهيلينية،{{cref|iv}}وسرعان ما أعلن عن رغبته في غزو [[أخمينيون|الإمبراطورية الفارسية]]، بعد أن وحّد صفوف [[اليونان القديمة|بلاد اليونان]].<ref name="M54-R/">{{harvard citation no brackets|Renault |2001|pp= 54}}</ref><ref>{{harvard citation no brackets|McCarty|2004|p=26}}</ref>
 
=== في المنفى والعودة ===
سطر 95:
بعد هذه الحادثة، غادر الإسكندر مقدونيا بصحبة والدته، وتركها مع أخيها، خاله إسكندر الإيپروسي في مدينة دودونا، عاصمة قبيلة المولوسيين.<ref name="Roisman 2010 180">{{harvard citation no brackets|Roisman|Worthington|2010|p=180}}</ref> ثم تابع طريقه متجهًا إلى [[أليريا]]،<ref name="Roisman 2010 180"/> حيث احتمى بملك الأليريين، الذي استقبله بكل حفاوة وأكرمه، على الرغم من أنه كان قد هزم جيشه قبل بضع سنين. أمضى الإسكندر زهاء 6 شهور في أليريا، كان خلالها أحد أصدقاء العائلة، وهو «ديمراتوس الكورنثي»، قد توسّط لدى فيليپ أن يعفو عن ابنه ويسامحه عمّا بدر منه،<ref name="P75-B/">{{harvard citation no brackets|Bose|2003|p=75}}</ref><ref>{{harvard citation no brackets|Renault|2001|p=56}}</ref> والظاهر أن فيليپ لم يكن ينوي معاقبة ولده أصلاً أو أن يتبرأ منه خصوصًا وأنه كان محنّكًا سياسيًا وخبيرًا عسكريًا، لكنه تركه في المنفى لفترة كي يحفظ ماء الوجه.<ref name="Roisman 2010 180"/>
 
عاد الإسكندر إلى [[مقدونيا القديمة|مقدونيا]] بعد أن بلغه عفو والده عنه، وفي السنة التالية عرض الحاكم الفارسي [[كاريا (إقليم)|لإقليم كاريا]] أن يزوج ابنته بالأخ غير الشقيق للإسكندر، المدعو [[فيليبوس الثالث المقدوني|فيليپ آرهيدايوس]]،<ref name="Roisman 2010 180"/> فقالت أوليمپياس وعدد من أصحاب الإسكندر، أن مشروع الزواج هذا يؤكد عزم فيليپ جعل آرهيدايوس وريثًا له.<ref name="Roisman 2010 180"/> فقام الإسكندر بإرسال مبعوث يُدعى ثيساليوس الكورنثي إلى الحاكم الفارسي يُخبره فيها أنه من غير اللائق لمنصبه أن يعرض تزويج ابنته بولد غير شرعي، وأنه ينبغي أن يزوجها للإسكندر عوض ذلك. ولمّا علم فيليپ بالقصة، أوقف مفاوضاته مع الحاكم الفارسي فورًا، ووبخ الإسكندر توبيخًا شديدًا، قائلاً له أن ما لا يليق هو اتخاذه لزوجة فارسية كاريّة، وإنه كان يعتزم تزويجه بامرأة أفضل.<ref name="Roisman 2010 180"/> أقدم فيليپ على نفي أربعة من أصدقاء الإسكندر الذين دفعوه إلى هذا العمل، وهم: هارپالوس، ونيارخوس،و<nowiki/>[[نيارخوس]]، و[[بطليموس]]، وإريگايوس، وجعل أبناء مدينة [[كورنث]] يُحضرون مواطنهم ثيساليوس أمامه مكبلاً بالأغلال.<ref name=McCarty27/><ref>{{harvard citation no brackets|Renault|2001|p=59}}</ref><ref>{{harvard citation no brackets|Fox|1980|p=71}}</ref>
 
== ملك مقدونيا ==
سطر 101:
[[ملف:Map Macedonia 336 BC-ar.svg|تصغير|يمين|مملكة مقدونيا سنة 336 ق.م]]
[[ملف:Pausanius assassinates Philip during the procession into the theatre by Andre Castaigne (1898-1899).jpg|تصغير|پوسانياس يطعن فيليپ المقدوني حتى الموت.]]
عام 336 ق.م، كان فيليپ قد توجه إلى [[فيرغينا|إيجة]] لحضور حفل زفاف ابنته [[كليوباترا المقدونية|كليوپترا]] على إسكندر الأول ملك إيپروس، أخ زوجته أوليمپياس، فاغتاله قائد [[حارس شخصي|حرسه الشخصي]]، المدعو «پوسانياس الأورستيادي»،{{cref|vi}}ثم جرى ناحية بوابة المدينة محاولاً الفرار، لكنه تعثّر بحبل [[عنب|كرمة]]، فأمسك به ملاحقوه وقتلوه فورًا، وكان من بينهم اثنان من أصحاب الإسكندر، وهما: [[بيرديكاس|پيرديكاس]] وليونّاتوس. بعد مقتل فيليپ بايع النبلاء الإسكندر ملكًا على عرش [[مقدونيا القديمة|مقدونيا]] وقائدًا عامًا لجيشها، وهو لم يتخط العشرين من عمره.<ref name="N30-31-M/">{{harvard citation no brackets|McCarty|2004|p=30–31}}</ref><ref>{{harvard citation no brackets|Renault|2001|pp=61–62}}</ref><ref name="Fox 1980 72">{{harvard citation no brackets|Fox|1980|p=72}}</ref>
 
=== توطيد سلطته ===
سطر 114:
رغب الإسكندر أن يؤمن حدود مملكته الشمالية، قبل أن يعبر [[مضيق الدردنيل]] متجهًا إلى [[آسيا]]، فأقدم في ربيع سنة 335 ق.م على الشروع بحملة لتطهير بلاده من الثورات والانتفاضات القائمة. انطلق الإسكندر من مدينة «آمفيپوليس» متجهًا شرقًا إلى بلاد «التراقيين المستقلين»، وعلى سفوح [[جبال البلقان]] هزم قواتهم هزيمة منكرة،<ref name="I, 1">{{harvard citation no brackets|Arrian|1976|p=I, 1}} [http://websfor.org/alexander/arrian/book1a.asp أنظر الصفحة]</ref> ثم تابع طريقه إلى مناطق قبائل التريباليين، وتغلب عليهم بالقرب من نهر لايگينوس،<ref>{{harvard citation no brackets|Arrian|1976|loc=I, 2}}</ref> وهو أحد فروع [[الدانوب]]. اتجه الجيش بعد ذلك إلى الفرع الرئيسي للنهر حيث لقي قبيلة [[غيتيون|الغيتيون]] على الضفة المقابلة، فأمر الإسكندر رجاله بالعبور ليلاً تحت جنح الظلام، فأُخذ الغيتيون على حين غرّة وأجبرهم على التراجع بعد أوّل مناوشة بين الفرسان.<ref>{{harvard citation no brackets|Arrian|1976|loc=I, 3–4}}</ref><ref>{{harvard citation no brackets|Renault|2001|pp=73–74}}</ref> بعد ذلك وصله أن كليتوس ملك [[أليريا]]، وگلوكياس ملك التولنتيين قد أشهرا العصيان عليه، فحوّل الإسكندر سير جيشه غربًا ناحية أليريا، حيث هزم الملكان تباعًا وفرق جيوشهما، وبتمام هذا النصر كان الإسكندر قد أمّن الحدود الشمالية لمملكته.<ref>{{harvard citation no brackets|Arrian|1976|loc=I, 5–6}}</ref><ref>{{harvard citation no brackets|Renault|2001|p=77}}</ref>
 
ثار الطيبيون والأثينيون على الحكم المقدوني مجددًا، أثناء حملة الإسكندر الشمالية، ولمّا علم الأخير بذلك، اتجه جنوبًا بأقصى سرعة لإخماد نار الثورة قبل امتدادها.<ref name="Roisman 2010 192">{{harvard citation no brackets|Roisman|Worthington|2010|p=192}}</ref> كما في الثورات السابقة، ترددت جميع المدن اليونانية في مقارعة الإسكندر لمّا علمت بقدومه، إلا طيبة، التي قررت المواجهة. كانت مقاومة الطيبيين غير مجدية على الإطلاق، فقد اكتسحهم الإسكندر وجيشه كالعاصفة الهوجاء، وسوّى مدينتهم بالأرض، وقسّم أراضيها بين باقي [[بيوتيا|المدن البيوتيّة]]. كان لنهاية طيبة أثر مروّع في نفوس الأثينيين، فخضعوا لمقدونيا خوفًا من أن يصيبهم ذات المصير، الأمر الذي كان من شأنه إحلال السلام في جميع [[اليونان القديمة|بلاد الإغريق]] ولو مؤقتًا.<ref name="Roisman 2010 192"/> بهذا تفرّغ الإسكندر تمامًا لحملته الآسيوية، فجمع الجند والعتاد وانطلق شرقًا، تاركًا أحد القادة العسكريين، وهو [[أنتيباتر|أنتيپاتر]]، وصيًا على العرش.<ref name="Roisman 2010 199">{{harvard citation no brackets|Roisman|Worthington|2010|p=199}}</ref>
 
== فتح الإمبراطورية الفارسية ==
=== آسيا الصغرى ===
[[ملف:Charles Le Brun, Le Passage du Granique, 1665.png|تصغير|يمين|معركة نهر گرانیکوس بين الإسكندر والفرس.]]
عبر الإسكندر [[مضيق الدردنيل]] سنة 334 ق.م بجيش قوامه 48,100 جندي من [[مشاة|المشاة]]، و6,100 من الفرسان ، وأسطول سفن مكوّن من 120 [[سفينة]] بلغ عدد أفراد طاقمها 38,000 نفر،<ref name="Roisman 2010 192"/> أحضروا من [[مقدونيا القديمة|مقدونيا]] ومختلف المدن اليونانية. كما ضمّ الجيش عدد من [[المرتزقة]] والمحاربين الإقطاعيين من [[تراقيا]]، وپايونيا، و[[أليريا]].<ref>{{harvard citation no brackets|Arrian|1976|loc=I, 11}}</ref> أظهر الإسكندر نيته في غزو كافة أراضي [[الإمبراطورية الفارسية]] عندما غرز رمحًا في [[الأناضول|البر الآسيوي]] أوّل ما وطأه قائلاً أنه قبل [[آسيا]] هدية لشخصه من الإلهة.<ref name="Roisman 2010 192"/> أظهرت هذه الحادثة أيضًا أمرًا مهمًا آخر، وهو توق الإسكندر لقتال الفرس ، وميله نحو الحلول العسكرية، على العكس من والده، الذي كان يُفضل الحلول الدبلوماسية على الدوام.<ref name="Roisman 2010 192"/> اشتبك المقدونيون مع الفرس في أوّل معركة على ضفاف [[معركة الغرانیکوسالغرانيکوس|نهر گرانیکوس]]، المعروف حاليًا باسم «نهر بیگا»، شمال غرب [[آسيا الصغرى]] بالقرب من موقع مدينة [[طروادة]]، حيث انهزم الفرس وسلّموا مفاتيح مدينة «<nowiki/>[[سارد]]» عاصمة ذلك الإقليم، إلى الإسكندر، الذي دخلها ظافرًا، واستولى على خزائنها، ثم تابع تقدمه على طول ساحل [[البحربحر إيجة|بحر الأيونيإيجه]].<ref>{{harvard citation no brackets|Arrian|1976|loc=I, 13–19}}</ref> ضرب الإسكندر الحصار على مدينة [[هاليكارناسوس]] الواقعة في [[كاريا (إقليم)|إقليم كاريا]]، لتكون بذلك أوّل مدينة يحاصرها، وقد كان الحصار ناجحًا لدرجة أن قائد المرتزقة في المدينة، المدعو «ممنون الرودسي» وحاكم الإقليم الفارسي «أُراندباد» المقيم بالمدينة، اضطرا إلى الانسحاب منها عن طريق البحر.<ref>{{harvard citation no brackets|Arrian|1976|loc=I, 20–23}}</ref> سلّم الإسكندر حكم كاريا إلى «أدا الكاريّة»، وهي حاكمة سابقة للإقليم،<ref>{{مرجع كتاب | العنوان=A History of Ancient Coinage, 700-300 B.C.| المسار=http://books.google.com/books?id=_s6ZUeMRJEMC&pgis=1| الأخير=Gardner| الأول=Percy| السنة=1918| الناشر=Oxford University| المكان=Clarendon Press| الصفحة=303}}</ref> أعلنت ولائها لمقدونيا وتبنّت الإسكندر تبنيًا رسميًا حتى يؤول إليه حكم الإقليم شرعًا بعد وفاتها.<ref name="Arrian 1976 loc=I, 23">{{harvard citation no brackets|Arrian|1976|loc=I, 23}}</ref>
[[ملف:Alexander cuts the Gordian Knot.jpg|تصغير|الإسكندر يقطع [[عقدة غوردية|العقدة الگوردية]]، بريشة جان سيمون بيرتليمي.]]
تقدم الإسكندر وجيشه من هاليكارناسوس إلى منطقة [[ليكيا]] الجبلية في جنوب [[الأناضول]] فسهل [[بامفيليا|پامفيليا]]، فاتحًا كل المدن الساحلية الواحدة تلو الأخرى حارمًا الفرس من الكثير من الموانئ البحرية الهامّة. سار الإسكندر إلى داخل الأناضول بعد فتح پامفيليا، بما أن باقي الخط الساحلي لم يحو أية موانئ أو قواعد بحرية بارزة، ولمّا وصل مدينة ترمسوس [[بيسيديا|الپيسيديّة]]، عدل عن اقتحامها بعد أن شبهها بعش [[عقاب]]، الطائر المجسد لكبير الآلهة [[زيوس]]، حيث خاف أن يؤدي عمله ذلك إلى غضب زيوس عليه وعدم توفيقه في حملته.<ref>{{harvard citation no brackets|Arrian|1976|loc=I, 27–28}}</ref> بعد ترمسوس كانت [[غورديوم|گورديوم]] المحطة التالية للإسكندر وجيشه، وفيها قام بحل [[عقدة غوردية|العقدة الگوردية]] غير المحلولة قبلاً، التي قيل بأن أحدًا لن يقدر على حلّها سوى ملك آسيا الحق.<ref>{{harvard citation no brackets|Arrian|1976|loc=I, 3}}</ref> يفيد المؤرخون بأن الإسكندر قطع العقدة [[سيف|بسيفه]] قائلاً أنه من غير الضروري معرفة الطريقة الصحيحة لحلها.<ref>{{harvard citation no brackets|Green|2007|p=351}}</ref>
سطر 129:
[[ملف:Tyre besieged and captured by Alexander (1696).jpg|تصغير|صور المشتعلة خلال حصار الإسكندر لها.]]
خلّد الإسكندر نصره هذا، الذي فتح له أبواب [[بلاد الشام|الشام]] على مصراعيها، بأن أنشأ مدينة في شمال البلاد على حدود [[الأناضول]]، هي «[[الإسكندرونة]]». وكان أمام الإسكندر، الآن، أن يختار إحدى خطتين: إما أن يتعقب [[فرس (مجموعة إثنية)|الفرس]] إلى [[بلاد فارس|بلادهم]] نفسها، وإما أن يزحف جنوبًا لفتح [[فينيقيا|المدن الفينيقية]] و[[مصر]] قبل أن ينقض على فارس. وقد وقع اختيار الإسكندر على الخطة الثانية لكي يصون خطوط مواصلاته، ولكي يُحبط كل محاولة قد يقوم بها الأسطول الفارسي لتحريك [[اليونان]] إلى الثورة عليه.<ref name="المصور">المصور في التاريخ، الجزء التاسع: [[حضارة|حضارات العالم]] في العصور القديمة و[[عصور وسطى|الوسطى]]. تأليف: شفيق جحا، [[بهيج عثمان]]، [[منير البعلبكي]]. [[دار العلم للملايين]]. [[بيروت]] - [[لبنان]] ([[1999]]). صفحة: 282</ref> وكانت المدن الفينيقية رازحة تحت نير الاستعمار الفارسي الثقيل، ففتحت أبوابها للإسكندر واستقبلته كمنقذ مخلّص.<ref name="المصور"/><ref name="Arrian 1976 loc=I, 23"/>
[[ملف:Siege tryre-ar.png|تصغير|يمين|حصار الإسكندر [[صور (لبنان)|لصور]] وجسر الردم الذي وصل به القسم القديم البري بالقسم الجديد البحري من المدينة.]]
ورغب الإسكندر في أن يُقدّم الذبائح لإله [[صور (لبنان)|صور]] «<nowiki/>[[ملقرت|ملقارت]]»، فأبى الصوريّون عليه ذلك، إذ كانوا يعتبرون هذا العمل حقًا من حقوق ملكهم دون غيره. فعدّ الإسكندر رفضهم هذا إهانة شخصية له، وعزم على تأديب المدينة العنيدة.<ref name="المصور"/> وكانت صور تنقسم آنذاك إلى قسمين: صور البرية وصور الجزيرة. فارتأى الإسكندر أن يفتح المدينة البرية أولاً، ثم يبني سدًا يربطها بالجزيرة فيعبر البحر عليه، ويحاصر الجزيرة فتسقط في يديه. وهكذا استولى في سهولة فائقة على صور البرية، ثم أمر رجاله بهدم مبانيها وإلقاء أنقاضها في البحر، وبقطع [[شجرة|الأشجار]] من [[غابة|الغابات]] المجاورة لاستخدامها في أعمال الطمر الجبّارة.<ref name="المصور"/> ولكن الصوريّون قاوموا الفاتح ببسالة عجيبة، حتى كاد اليأس يتسرب إلى فؤاده. وأخيرًا استطاع الإسكندر أن يجمع قوة بحرية هائلة حاصر بها الجزيرة فسقطت في يده، في شهر يوليو سنة 332 ق.م، بعد حصار دام سبعة أشهر.<ref>{{harvard citation no brackets|Arrian|1976|loc=II, 16–24}}</ref><ref>{{harvard citation no brackets|Gunther|2007|p=84}}</ref> وانتقم الإسكندر من صور، [[قتل|فقتل]] ستة آلاف من أهلها، و[[صلب]] ألفين، و[[عبودية|سبى]] ثلاثين ألفًا.<ref>{{harvard citation no brackets|Sabin|van Wees|Whitby|2007|p=396}}</ref> ثم دخل هيكل ملقارت وقدّم الذبائح إلى إله صور، وأقام حفلة ألعاب ابتهاجًا بنصره.<ref name="المصور"/>
 
بعد تدمير صور، خضعت معظم المدن والبلدات الشامية للإسكندر دون قتال، أثناء مروره بها متجهًا إلى مصر، إلا [[غزة]]، فقد رفض حاكم المدينة الفارسي فتح أبوابها للقائد المقدوني، وأعلن عزمه مقاومته. وكانت غزة من أكثر مدن الشام تحصينًا، وكان موقعها على تلة يفرض على أي جيش ضرب الحصار عليها كي يتمكن من فتحها.<ref>{{harvard citation no brackets|Arrian|1976|loc=II, 26}}</ref> حاول المقدونيون اقتحام المدينة ثلاث مرات متتالية، فلم ينجحوا،<ref>{{مرجع ويب|المسار=http://www.lbdb.com/TMDisplayBattle.cfm?BID=211&WID=46|العنوان= Leaders and Battles: Gaza, Siege of|الناشر = Leaders and Battles Database|المؤلف= |تاريخ الوصول=2007-01-18 |مسار الأرشيف = http://web.archive.org/web/20061022040333/http://www.lbdb.com/TMDisplayBattle.cfm?BID=211&WID=46 <!-- Bot retrieved archive --> |تاريخ الأرشيف = 2006-10-22}}</ref> وفي المرة الرابعة وفقوا بعد أن استخدموا أدوات حصار أحضروها خصيصًا من صور، غير أن الإسكندر دفع ثمن الحصار غاليًا، فقد أصيب بجرح خطير في كتفه. وكما فعل في صور، انتقم الإسكندر من أهل المدينة شر انتقام، فطال [[سيف]]ه رقاب كل الرجال القادرين على حمل السلاح، وبيعت النساء والأولاد عبيدًا،[[عبودية|عبيدًا]]، كما جعل الحاكم عبرة لمن لا يعتبر، فربط قائمتيه [[عربة|بعربة]] ثم جرّه تحت أسوار المدينة، واستمر يجرّه حتى مات متأثرًا بجراحه.<ref>{{harvard citation no brackets|Arrian|1976|loc=II, 26–27}}</ref>
[[ملف:Alexander the Great in the Temple of Jerusalem.jpg|تصغير|الإسكندر يزور [[الهيكل الثاني|هيكل حيرود]] في القدس.]]
كانت مدينة [[القدس]] قد فتحت أبوابها سلمًا للإسكندر، فدخلها دون مقاومة، ويذكر المؤرخ اليهودي الروماني، المدعو [[يوسيفوس فلافيوس|يوسف بن ماتيتياهو، والشهير باسم يوسيفوس فلاڤيوس]]، أن [[حاخام|الأحبار]] عرضوا على الإسكندر الإصحاح الثامن من [[سفر دانيال]]، الذي يتحدث عن ما أخبره النبي [[دانيال]] من أن ملكًا إغريقيًا عظيمًا سوف يغزو أراضي [[أخمينيون|الامبراطورية الفارسية]] وأن شاه فارس صاحب القرنين عظيم الشأن لن يقوى على الوقوف في دربه: {{خط عربي دولي|وَبَيْنَمَا كُنْتُ مُتَأَمِّلاً إِذَا بتَيْسٍ مِنَ الْمَعْزِ جَاءَ مِنَ الْمَغْرِبِ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ وَلَمْ يَمَسَّ الأَرْضَ، وَلِلتَّيْسِ قَرْنٌ مُعْتَبَرٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ. وَجَاءَ إِلَى الْكَبْشِ صَاحِبِ الْقَرْنَيْنِ الَّذِي رَأَيْتُهُ وَاقِفًا عِنْدَ النَّهْرِ وَرَكَضَ إِلَيْهِ بِشِدَّةِ قُوَّتِهِ. وَرَأَيْتُهُ قَدْ وَصَلَ إِلَى جَانِبِ الْكَبْشِ، فَاسْتَشَاطَ عَلَيْهِ وَضَرَبَ الْكَبْشَ وَكَسَرَ قَرْنَيْهِ، فَلَمْ تَكُنْ لِلْكَبْشِ قُوَّةٌ عَلَى الْوُقُوفِ أَمَامَهُ، وَطَرَحَهُ عَلَى الأَرْضِ وَدَاسَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْكَبْشِ مُنْقِذٌ مِنْ يَدِهِ}}.{{شواهد الكتاب المقدس|دانيال|8}} ويظهر بأن الإسكندر طرب عند سماعه نبوءة تتعلق به، فأكرم المقدسيين، ومكث فترة في المدينة زار خلالها [[الهيكل الثاني|هيكل حيرود،حيرود]]، ثم غادر وتابع طريقه جنوبًا.<ref>يوسيفوس، آثار اليهود العتيقة، XI، 337 [viii، 5]</ref>
 
=== مصر ===
[[ملف:Alexander laying out the city of Alexandria by Andre Castaigne (1898-1899).jpg|تصغير|يمين|الإسكندر يُشرف على رسم حدود ووضع أساسات مدينة [[الإسكندرية]].]]
وصل الإسكندر إلى [[الفرما]]، بوابة [[مصر]] الشرقية، في خريف عام 332 ق.م، ولم يجد أي مقاومة من المصريين ولا من الحامية الفارسية عند الحدود ففتحها بسهولة، ثم عبر [[النيل]] ووصل إلى العاصمة [[منف]]، فاستقبله أهلها كمحرر منتصر،<ref>{{harvard citation no brackets|Ring|Salkin|Berney|Schellinger|1994|pp=49, 320}}</ref> ثم أقام مهرجانًا ثقافيًا ترفيهيًا على النمط الإغريقي احتفالاً بهذا الفوز العظيم. بعد ذلك سار بقواته بحذاء الفرع الكانوبي للنيل، متجهًا إلى ساحل [[البحر المتوسط]]، وحط رحاله بالقرب من [[بحيرة مريوط]]، وراعه أهمية المكان المحصور بين البحيرة والبحر المتوسط، خاصة إن المكان قريب من نهر النيل الذي يمده [[مياه عذبة|بالمياه العذبة]]. لقد وجد في المكان جزيرة صغيرة قريبة من الشاطيء تُسمى «فاروس»، ومن ثم كلف أحد معاونيه ويدعى «دينوقراطيس» لكي يشرف على بناء مدينة في هذا ووصل الشاطيء بالجزيرة بطريق من الحجارة والرمل ، على أن تحمل المدينة الجديدة اسم القائد المقدوني، ألا وهي [[الإسكندرية]]؛ التي قُدّر لها أن تصبح عاصمة مصر لاحقًا خلال عهد [[بطالمة|البطالمة]] خلفاء الإسكندر.<ref>{{harvard citation no brackets|Arrian|1976|loc=III, 1}}</ref>
[[ملف:Ammun temple IMG 2020.jpg|تصغير|بقايا معبد آمون في واحة سيوة، حيث تُوج الإسكندر فرعونًا على مصر وسُمي ابنًا لكبير آلهتها، [[آمون]].]]
ويروي المؤرخون أن الإسكندر الأكبر عند اختياره للإسكندرية كي تكون عاصمة لإمبراطوريته، استهدى في ذلك بتوجيه معلمه الروحي [[هوميروس]] صاحب ملحمتي الإلياذة والأوديسة، والذي ظهر للإسكندر في الحلم، وأنشده أبياته المشهورة من ملحمة الأوديسة عندما التجأ بطل الملحمة ورفاقه إلى جزيرة فاروس، واستجابة لهذا الحلم غادر الإسكندر مخدعه في الحال، وذهب إلى فاروس التي كانت آنذاك لا تزال جزيرة صغيرة تقع إلى الجنوب الغربي بالنسب للمصب الكانوبي <ref>{{استشهاد بخبر| مسار = https://al-ain.com/article/great-alexander-history-alexandria| عنوان = الإسكندرية القديمة .. ثلاثية خالدة لأجمل رفات التاريخ| ناشر = [[بوابة العين الإخبارية]]}}</ref>.
 
بينما شرع المهندسون في التصميم، قرر الإسكندر القيام [[حج|برحلة روحية]] لمعبد [[آمون|الإله آمون،آمون]]، المقابل لزيوس عند الإغريق، في [[واحة سيوة]] ب[[الصحراء الغربية (مصر)|الصحراء الغربية لمصر]].<ref name="grimal">{{harvard citation no brackets|Grimal|1992|p=382}}</ref> وكان معبد أمون بواحة سيوة مشهورًا كأحد معابد [[أوراكل (تعريف)|التنبؤ والوساطة الروحية]] الهامة في منطقة [[البحر الأبيض المتوسط]] في ذلك الحين. ولمّا وصل الاسكندر الأكبر المعبد ودخله، قوبل بالترحاب من قبل كهنة آمون المنتظرين، الذين نصبوه [[فرعون|فرعونًا]] على مصر وأعلنوه ابنًا ل[[آمون]] كبير الآلهة المصرية، وألبسوه تاجه وشكله كرأس كبش ذو قرنين، فلقب بذلك «الإسكندر ذو القرنين».<ref name="siwa">[http://www.elaph.com/Web/Reports/2009/5/444822.htm جريدة إيلاف الإلكترونية - واحة سيوة المصرية عزلتها حافظت على خصوصيتها] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20150103090235/http://www.elaph.com/Web/Reports/2009/5/444822.htm |date=03 يناير 2015}}</ref> ومنذ ذلك الحين، أخذ الإسكندر يزعم بأن [[زيوس|زيوس-آمون]] هو والده الحقيقي، وظهر نقش رأسه لاحقًا على العملات المسكوكة مزينًا بقرون كبش، وهي علامة [[خلود|الخلود]].<ref>{{harvard citation no brackets|Dahmen|2007|pp=10–11}}</ref> بعد ذلك رجع الإسكندر إلى منف، وقبل مغادرته مصر حرص على أن ينظم البلاد تنظيمًا دقيقًا. فقد حرص على الإبقاء على النظم المصرية القديمة، وتنويع الحكم بين المصريين والإغريق الذين وضع بين أيديهم السلطة العسكرية والمالية، وأبقى للمصريين السلطة الإدارية، ووزع السلطات بالتساوي، ولم يعين حاكمًا عامًا مقدونيًا، وبذلك ضمن رضى المصريين وعدم قيام الثورات الوطنية.<ref name="مصر الخالدة">[http://www.eternalegypt.org/EternalEgyptWebsiteWeb/HomeServlet?ee_website_action_key=action.display.module&story_id=&module_id=330&language_id=3&text=text مصر الخالدة: الإسكندر الأكبر في مصر] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20170615001853/http://www.eternalegypt.org:80/EternalEgyptWebsiteWeb/HomeServlet?ee_website_action_key=action.display.module&story_id=&language_id=3&module_id=330&text=text |date=15 يونيو 2017}}</ref> أصبحت مصر بهذا ولاية إغريقية، وأبقى الإسكندر على منف عاصمةً لها، كما حرص على فتح أبواب مصر للمهاجرين الإغريق خاصة المقدونيين، لأن مصر كما تخيلها القائد المقدوني كانت ولاية مقدونية إغريقية حكمًا وفكرًا وثقافة، وكان ذلك نقطة تحول في [[تاريخ مصر]]، إذ دخلت طورًا جديدًا من أطوار حضارتها المتنوعة.<ref name="مصر الخالدة"/> قبل أن يغادر الإسكندر مصر، استعرض قواته للوداع وأقام للشعب المصري والإغريقي مهرجانًا رياضيًا وثقافيًا كرمز للتعاون بين الحضارتين العريقتين، كما أوصى موظفيه بالقيام ببعض الإصلاحات للمعابد وتجديد [[معبد الكرنك]]،<ref name="مصر الخالدة"/> ثم شدّ الرحال واتجه بجيشه شرقًا مجددًا.
 
=== بلاد الرافدين ===