سوريا العثمانية: الفرق بين النسختين

[مراجعة غير مفحوصة][نسخة منشورة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
وسوم: تعديلات طويلة تعديلات المحتوى المختار تحرير من المحمول تعديل في تطبيق الأجهزة المحمولة تعديل بتطبيق أندرويد
الرجوع عن 4 تعديلات معلقة من Omar Hammad 85 إلى نسخة 30182270 من JarBot.
سطر 1:
[[ملف:Ottoman Asia (partial, 1893).jpg|يسار|350بك|تصغير|خريطة لولايات [[بلاد الشام]] و[[العراق]] العثمانية أواخر [[القرن التاسع عشر]].]]
[[ملف:Ottoman Syria.png|تصغير|350بك|خريطة رقمية للأراضي التي كانت تُشكل سوريا العثمانية والتي ضُمت فيما بعد لتُشكل المملكة العربية السورية.]]
'''سوريا العثمانية''' أو '''سوريا في العهد العثماني''' تشير إلى [[سوريا]] ([[بلاد الشام]]) تحت حكم [[الدولة العثمانية]]، وقد دامت هذه الفترة قرابةسحابة أربعة قرون منذ أن سحق السلطان [[سليم الأول]] جيش [[المماليك]] في [[معركة مرج دابق]] شمال [[حلب]] يوم [[24 أغسطس]] [[1516]]، ومنها ملك مدن البلاد سلماًسلمًا وعلى رأسها [[دمشق]] في [[26 سبتمبر]] [[1516]]، وحتى انسحاب العثمانيين منها في أعقاب [[الثورة العربية الكبرى]] و[[الحرب العالمية الأولى]] في [[أكتوبر]] [[1918]]. في بداية عهدهم، أبقى العثمانيون [[بلاد الشام]] ضمن تقسيم إداري واحد، وحتى مع تتالي تعقيد التقسيم الإداري ظلّت الإيالات والولايات تشمل مناطق جغرافيّة هي اليوم بمعظمها تتبع مختلف أقطار بلاد الشام، أي [[سوريا]] و[[لبنان]] و[[فلسطين]] و[[الأردن]]، باستثناء قسم ضمته تركيا على دفعتين. لذلك فإن الحديث عن سوريا العثمانية يشمل في عديد من المفاصل جميع دول الشام حسب التقسيم الحالي.
 
عرفت البلاد خلال [[القرن السادس عشر|القرنين السادس عشر]] و[[القرن السابع عشر|السابع عشر]] ازدهاراًازدهارًا اقتصادياًاقتصاديًا وسكانياً،وسكانيًا، وساهم في ذلك كون قوافل [[الحج في الإسلام|الحج]] تجتمع في [[دمشق]] لتنطلق إلى الحجاز، وأغلب قوافل التجارة البرية نحو [[الخليج العربي]] و[[العراق]] تمر من [[حلب]]. استمر الوضع الإقتصاديالاقتصادي خلال عهد ولاة [[آل العظم]] في [[القرن الثامن عشر]] جيداً،جيدًا، لكن عهد الفوضى والحروب الأهلية بين الولاة ساد في ذلك الحين، فضلاً عن النزعات الاستقلالية أمثال [[ظاهر العمر]] و[[أحمد باشا الجزار]] و[[فخر الدين المعني الثاني]]، إلى جانب إرهاق الشعب بالضرائب وهجمات [[البدو]] وانعدام الأمن وجور بعض الإقطاع المحليّ. في عام [[1831]] دخلت البلاد في حكم [[محمد علي باشا]]. كان حكمه فيها حكماًحكمًا إصلاحياًإصلاحيًا من نواحي الإدارة والاقتصاد و[[التعليم]]، إلا أن سياسة [[تجنيد إجباري|التجنيد الإجباري]] التي انتهجها أدت إلى تململ السوريين من حكمه، وقيام ثورات شعبية متتالية ضده بين عامي [[1833]] و[[1837]]، وقد استطاع السلطان [[عبد المجيد الأول]] بدعم عسكري من [[الإمبراطورية الروسية|روسيا القيصرية]] و[[بريطانيا]] و[[النمسا]] استعادة [[بلاد الشام]] في عام [[1840]].
 
خلال المرحلة الأخيرة من الحكم العثماني منذ [[1840]] وحتى [[1918]] ازدهرت البلاد ونمت طاقاتها الاقتصادية بسرعة وعرفت ازدهاراًازدهارًا ثقافياًثقافيًا وسياسياًوسياسيًا كبيراًكبيرًا شكل جناح [[النهضة العربية]] الأول في حين شكلت [[مصر]] الجناح الثاني. في المقابل، مع سياسة [[تتريك|التتريك]] التي انتهجتها حكومة [[جمعية الاتحاد والترقي|الاتحاد والترقي]] وبروز [[قومية عربية|القومية العربية]] أخذت المطالبة بالإصلاح تتنامى، وعندما فشل إصلاح الدولة أعلن [[العرب]] الثورة في [[حزيران]]/[[يونيو]] [[1916]] بدعم من [[قوات الحلفاء (الحرب العالمية الأولى)|الحلفاء]] وتمكن الجيش الذي يقوده [[فيصل الأول|فيصل بن الحسين]] من دخول دمشق أواخر [[سبتمبر]] [[1918]]. بعد انسحاب العثمانيين، قامت في سوريا العثمانية [[المملكة السورية العربية]] تحت حكم الأمير فيصل بن الحسين، ولكنها لم تعمر طويلاً وانتهت في [[معركة ميسلون]] لتقسم بلاد الشام بعدها وتوضع تحت [[الانتداب الفرنسي على سوريا|الانتداب الفرنسي]] و[[الانتداب البريطاني على فلسطين|الانتداب البريطاني]]. ورغم زوال الحكم العثماني، لا تزال آثاره المعمارية قائمة في المدن الكبرى خاصة ممثلة بالقصور والحمامات والمساجد والخانات والأسواق، كما أن عدداًعددًا من العادات والمفردات اللغوية والمأكولات التركية أصبحت جزءاًجزءًا من تراث وثقافة شعب بلاد الشام.
 
[[ملف:Darton, William. Turkey in Asia. 1811 (D).jpg|يسار|تصغير|350 بك|خريطة مجتزأة للجزء الآسيوي للإمبراطورية العثمانية من عام 1811 تظهر سورية العثمانية باللون الزهري و[[الجزيرة الفراتية]] باللون الرمادي]]
سطر 18:
في [[24 آب]]/أغسطس 1516 نشبت [[معركة مرج دابق]] بين [[الجيش العثماني]] بقيادة السلطان [[سليم الأول]] والجيش المملوكي بقيادة [[قانصوه الغوري]]، وخلال المعركة انسحب عدد من الأمراء المحليين والولاة المماليك من الجيش والتحقوا بالعثمانيين وكان منهم [[جان بردي الغزالي]] نائب [[دمشق]] وجمال الدين اليمن شيخ تنوخ والأمير منصور الشهابي أمير [[شهابيون|الشهابيين]] في [[حوران]] و[[حاصبيا]] و[[فخر الدين المعني الأول|فخر الدين]] أمير [[الشوف]] وعساف التركماني أمير [[كسروان]]، وقد بدأت عملية الانسحاب عندما مالت الكفة لصالح العثمانيين.
 
بعد النصر العثماني، اتجه السلطان وجيشه والأمراء الذين والوه إلى حلب حيث استقبله أهلها سلماًسلمًا في [[28 آب]]/أغسطس 1516، وتجمعوا في الميدان الأزرق حيث قام محافظو [[قلعة حلب|القلعة]] بتسليم مفاتيحها إليه،<ref>هاممه ر. دولت عثمانيه تاريخي، استانبول 1330. ج4. ص:195-196، وهناك رواية تذكر أن ما جرى كان في الخطبة ومشهد اللقب لم يكن في حلب بل في القاهرة بعد فتح مصر.</ref> واستولى فيها على خزائن [[قانصوه الغوري]] وكانت تضم مبالغ كبيرة من المال وسائر نفيس القطع،<ref>تاج التواريخ. ج 4 ص:290-291</ref> كما خرج [[المتوكل على الله الثالث|الخليفة المتوكل]] وقاضي القضاة الثلاثة واستقبلهم السلطان سليم فأجلس الخليفة إلى جانبه ولكنه اتخذ إجراءاتاجراءات احترازية لمنعه من الهرب.<ref name="فاضل"/>.<br/> كما عيّن أحد قادته وهو جه أحمد باشا واليًا عليها، وبهذا أصبحت حلب أول ولاية سورية عثمانية، كما عيّن كمال جلبي قاضيا فيها.<ref name="فاضل"/><ref>تاج التواريخ. 4 : 291. هاممه ر. 4 : 195</ref>
 
بعد أن أقام السلطان سليم في حلب عدة أيام، انطلق نحو دمشق عبر [[تدمر|طريق تدمر]]، فوصل [[حماة]] حيث قام واليها بتسليم مفاتيح [[قلعة حماة|القلعة]] إلى رجاله، وعهد سليم إدارتها إلى [[كوزلجه قاسم باشا]]، ثم تقدم الجيش نحو [[حمص]] حيث دخلها دون مقاومة، واتخذ من المدينة مركز [[سنجق حمص|سنجق]] وعهد إدارتها إلى هتمان أوغلي، كما وضع سليم قوات كافية في كل من حماة وحمص لحمايتهما،<ref name="فاضل"/> وصل السلطان [[غوطة دمشق]] في [[27 أيلول]]/سبتمبر وأقام مضاربه في الموقع المسمى "مصطبة السلطان" وأقام فيها اثني عشر يوماً،يومًا، ثم دخل دمشق حيث نزل القصر الأبلق. وكان المماليك قد عينوا الأمير العربي ناصر الدين والياًواليًا على المدينة، إلا أن خاير بك أقنعه بالاستسلام للعثمانيين ففعل،<ref name="فاضل"/> وقام الأهالي مع الأمراء باستقبال السلطان سليم، فثبت الأمراء على إقطاعاتهم الموروثة؛ وقد نقل أن السلطان أعجب ببلاغة فخر الدين وعينه متقدماًمتقدمًا على جميع أمراء سوريا المحليين وكلفه بحل الخلافات الناشئة بين أمرائها.<ref>سوريا صنع دولة، وديع بشور، دار اليازجي، دمشق 1994، ص.192</ref> وباستثناء معركة مرج دابق، فُتحت جميع مدن الشام سلماًسلمًا ودون أي مقاومة إلا في [[الرملة]] و[[غزة]]،<ref name="فاضل">[[فاضل بيات]]. [[دراسات في تاريخ العرب في العهد العثماني]].ط:1 2003. [[دار المدار الإسلامي]] ISBN 9959-29-164-2</ref> وتوافد أعيان العرب وشيوخها وأمراؤها من [[حمص]] و[[حماة]] و[[طرابلس]] و[[صفد]] و[[نابلس]] و[[القدس]] و[[حوران]] حاملين موادا تموينية وتسابقوا في خطب ود السلطان.<ref>خوجة سعد الدين أفندي. تاج التواريخ. ج 4 ص:295</ref>
 
وفي [[الجامع الأموي]] خوطب السلطان سليم للمرة الأولى بلقب "[[خادم الحرمين الشريفين]]" حسب بضع روايات، وهو لقب كان حكراًحكرًا لل[[خليفة]] [[الدولة العباسية#الخلافة العباسية في القاهرة (1261 - 1517)|العباسي]] الذي يملك ولا يحكم في [[القاهرة]]،<ref>تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، فيليب حتي، المطبعة الحديثة، بيروت 1983، ص.306</ref>
 
لاحق السلطان سليم فلول المماليك في [[مصر]] وكسرهم في [[معركة الريدانية]] سنة 1517 مستولياًمستوليًا بذلك على مصر ثم عاد إلى دمشق وأقام فيها نحو ثلاثة أشهر قضاها في الترتيبات الإدارية، فجعل من حلب عاصمة [[ولاية عثمانية|ولاية]] تشمل [[بلاد الشام]]، وثبّت وعيّن حكاماًحكامًا جدداًجددًا واحتفظ لنفسه بغلال وعوائد [[نهر العاصي|وادي العاصي]] و[[البقاع|سهل البقاع]] نظراًنظرًا لكونها من أخصب أراضي البلاد، وقام بإعادة تنظيم الضرائب وأعلن [[حنفية|المذهب الحنفي]] مذهباًمذهبًا رسمياًرسميًا للبلاد، <ref>تاريخ وسورية ولبنان وفلسطين، مرجع سابق، ص.307</ref> كما أمر بترميم الجامع الأموي و[[الصالحية (دمشق)|حي الصالحية]].
 
==== ما بعد سليم الأول ====
في سنة 1520 وإثر وفاة السلطان سليم الأول، أعلن جان بردي الغزالي نائب دمشق الثورة على العثمانيين باسم "الملك الأشرف" من الجامع الأموي في دمشق منتهزاًمنتهزًا شغور الحكم في [[إسطنبول]]، وأمر بضرب النقود باسمه وتحالف مع خاير بك والي مصر، وربّما يعود سبب تعاطف الدمشقيين مع الغزالي إلى نقل مركز البلاد إلى حلب. تعاطفت عدة مدن سوريّة مع ثورة دمشق ودخلت في طاعة الغزالي كل من حمص وحماة وطرابلس ولكن حلب لم تؤيد الغزالي، وأرسل السلطان الجديد [[سليمان القانوني]] جيشاًجيشًا بقيادة واليها فرهاد باشا - أو فرحات باشا - لقمع الغزالي ومحاربته، وهو ما تمّ لجيش الباشا إثر [[معركة القابون]] في [[27 كانون الثاني]]/يناير 1521 والتي قتل فيها الغزالي. يقول المؤرخ والمدرس في [[جامعة هارفرد]] [[فيليب حتي]] أن ما حلّ بدمشق بعد تمرد الغزالي على يد جيش سليمان أقسى مما فعله [[تيمورلنك]]، فقد أبيد ثلث المدينة و[[غوطة دمشق|غوطتها]] إبادة كاملة، وسرح كبار موظفي الدولة من أبناء البلد وعيّن أتراك بدلاً منهم.<ref>تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، مرجع سابق، ص.311</ref>
 
رغم هذا التمرد، لم يتوقف اهتمام العثمانيين بدمشق، فقد أمر السلطان سليمان القانوني سنة 1554 ببناء [[تكية سليمانية|التكية السليمانية]]، ويعتبر تشييدها من الشواهد المبكرة على أعمال العثمانيين العمرانية في البلاد، وكانت وظيفتها الأساسية إعالة فقراء القوم ومحتاجيهم فضلاً عن كونها مسجداًمسجدًا ومدفناًومدفنًا ومدرسة، وازدهر بقربها سوق شهير. كذلك فقد نالت سوريا خلال ولاية [[لالا مصطفى باشا]] مزيداًمزيدًا من النمو مع بناء [[سوق السنانية]]، وفي سنة 1526 قام العثمانيون بأول مسح للأراضي والسكان ولضرائب ولايتي سوريا حالياًحاليًا في دمشق وحلب، كما أن الوثائق العثمانية تبرز بوضوح الاستقرار في الريف والازدهار في المدن خلال السنوات الخمسين الأولى للحكم العثماني، إذ نمَت القرى وتوسعت المدن بعد أن كادت تندثر إثر سقوط الحكم المملوكي. وهكذا أخذت تظهر الآن قرى جديدة وأخذت القرى القديمة تنتعش وتتطور، مما أدى إلى زيادة كبيرة لعدد السكان في العقود الأولى، ففي [[سنجق دمشق]] على سبيل المثال، استناداًاستنادًا للسجلات العثمانية زاد عدد القرى من 844 قرية سنة 1521 إلى 1129 قرية في سنة 1569.<ref name="ثاني">[http://www.dahsha.com/old/viewarticle.php?id=33324 دمشق في العهد العثماني]، موسوعة دهشة، 6 ديسمبر 2011.</ref> وفي سنة 1571 شُرع ببناء مسجد درويش باشا في [[الشارع المستقيم]] ثم مسجد سنان باشا سنة 1588 ويذكر أن [[الميدان (دمشق)|حي الميدان]] كان قلب المدينة آنذاك. مع نهاية [[القرن السادس عشر]] كان عدد سكان المدينة حوالي 57,000 نسمة وبلغ العدد خلال [[القرن السابع عشر]] حوالي 80,000 نسمة.<ref>[http://books.google.com/books?id=1_bQTrpf62cC&pg=PA195&dq=damascus&source=gbs_toc_r&cad=4#v=onepage&q&f=false دمشق: تاريخ (بالإنكليزية)]، روس برونز، ص.229 {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20150413231832/http://books.google.com/books?id=1_bQTrpf62cC&pg=PA195&dq=damascus&source=gbs_toc_r&cad=4 |date=13 أبريل 2015}}</ref> في الوقت ذاته كان عدد سكان حلب قرابة 50,000 نسمة ومع ذلك فإن موقع المدينة الرابط لطرق التجارة البرية مع [[الخليج العربي]] و[[الهند]] من ناحية، وكونها حلقة الوصل بين [[الأناضول]] و[[الآستانة]] من جهة و[[مصر]] و[[الحجاز]] و[[بلاد الشام]] من جهة ثانية أكسبها أهمية تفوقت خلالها على دمشق. أما سائر المدن السوريّة كحمص و[[اللاذقية]] و[[القدس]] فلم تكن أكثر من بلدات كبيرة لا أهمية سياسية لها. كانت تجارة سوريا عموماًعمومًا تتم عن طريق مينائي طرابلس وبيروت، وباستثناء مرافئ الصيادين فقد خلت بقية مدن الساحل السوري مثل اللاذقية و[[طرطوس]] و[[غزة]] و[[صيدا]] و[[يافا]] و[[جبلة]] و[[بانياس]] من أية مرافئ للسفن. شهد القرن السادس عشر تطورات إدارية فاستحدثت [[إيالة دمشق]] وعاصمتها [[دمشق]] و[[إيالة طرابلس الشام]]، وأسقطت عن كلا الإيالتين الضرائب السنويّة لقاء قيام إيالة سوريا ومقرها دمشق بخدمة قوافل الحجيج السنويّة وقيام إيالة طرابلس بتأمين الطعام والشراب للحجيج، وألزمت الإيالتان بضرائب الولاة والإقطاعيين فقط دون ضرائب [[الباب العالي]].<ref>سوريا صنع دولة وولادة أمة، مرجع سابق، ص.193</ref>
 
=== القرن السابع عشر ===
[[ملف:إمارة فخر الدين الثاني.JPG|تصغير|200بك|يمين|المناطق والمدن [[بلاد الشام|الشاميّة]] التي خضعت لفخر الدين الثاني.]]
[[ملف:PalmyraCitadel.jpg|يسار|220بك|thumb|قلعة [[فخر الدين المعني الثاني|فخر الدين]]، المعروفة ب[[قلعة ابن معن]]، في [[تدمر]] التي دخلها سنة 1630، موسعًا إمارته إلى أقصى ما وصلت إليه.]]
شهدت هذه الفترة تصاعد نفوذ الأمراء والعمال المحليين. كان فخر الدين المعني الثاني قد غدا أمير [[قضاء الشوف|الشوف]] سنة 1590 واستطاع توسيع حدود إمارته باسطاًباسطًا سيطرته على الأراضي الممتدة من [[قضاء المتن|المتن الشمالي]] التابع لولاية دمشق، وحتى [[عكا]] و[[جبل الكرمل]] بما فيها بيروت وصيدا أما شرقاًشرقًا فوصل حتى تدمر بما فيها مدن كحمص؛ أسس فخر الدين جيشاًجيشًا نظامياًنظاميًا قوياًقويًا وبنى الحصون وشيّد القلاع واعتنى بالتجارة والزراعة وتربية [[دودة القز|دود القز]] وصناعة [[حرير|الحرير]] وأبرز معاهدة تعاون وصداقة مع أمير [[توسكانا]] في [[إيطاليا]] سنة [[1608]]؛<ref name="محالفة فخر الدين مع توسكانة">المصور في التاريخ، الجزء السابع، [[دار العلم للملايين]]، [[بيروت]] - [[لبنان]]، تأليف: شفيق جحا، [[منير البعلبكي]]، [[بهيج عثمان]]. ''محالفة فخر الدين مع توسكانة''، صفحة: 34 - 36</ref> اقتصرت تبعية فخر الدين الفعلية للدولة على دفع الأتاوة السنوية وهي أتاوة قليلة نسبياًنسبيًا إذا ما قورنت بمدخوله، وقد أثار نفوذ فخر الدين المتنامي محاوف السلطان العثماني وتم تكليف [[حافظ باشا]] والي دمشق بالقضاء على فخر الدين بمعاونة من أربعة عشر باشا،<ref name="أول">الدولة العثمانية: قراءة جديدة لعوامل الانحطاط، قيس جواد العزاوي، الدار العربية للعلوم، طبعة ثانية، بيروت 2003، ص.90</ref> حصل ذلك سنة 1613 وبنتيجة هذه الحملة غادر فخر الدين لبنان إلى منفاه الاختياري في إيطاليا، وفي العام نفسه وقعت في [[حوران]] جنوب سوريا حالياًحاليًا فتنة دامية بين [[يمنية|اليمنية]] و[[قيسية|القيسية]] استمرّت عاماًعامًا كاملاً على شكل مناوشات بين الجانبين، وتقاتل [[معنيون|المعنيون]] و[[بنو سيفا]] في لبنان ودمرت [[حاصبيا]] و[[دير القمر]]، ولم يفلح حافظ باشا في تهدئة الأوضاع فعُزل، غير أن خلفاؤهخلفاءه مصطفى باشا وأحمد باشا الكجك وسواهما فشلوا في إعادة الأمان للبلاد وأدى ذلك إلى تضرر كبير للتجارة.<ref name="أول"/> في سنة 1618 عاد فخر الدين إلى [[جبل لبنان]] وتسلّم شؤون الإمارة المعنيّة من جديد.
 
خلال [[القرن السابع عشر]] أيضاًأيضًا نجح العثمانيون بالقضاء على الإقطاعيات والإمارات الوراثية العربية شمال حلب، وأقطعت الأراضي بدلاً من العائلات المحليّة [[إنكشارية|للإنكشارية]] وكبار الفرسان العثمانيين المعروفين باسم سباهية، أما بقية أنحاء البلاد فقد ظلت الإقطاعيات المتخاصمة التي تستنزف مقدرات البلاد واستقرار الولايات على حالها، رغم أن بعض المؤرخين أشاروا إلى أنّ إلغاء الإقطاعيات وإخضاعها للجيش "فيه تغليب للعنصر التركي على العنصر العربي"،<ref name="أول"/> وبالتالي تعتبر هذه الفترة بداية نشوء قضية [[الأقاليم السورية الشمالية]]. إذن فإنه مع القلاقل الأمنية في إيالة دمشق، وفقر إيالة طرابلس التي كان قسم كبير من سكانها في جبال وسهول اللاذقية وطرطوس من [[علوية|العلويين]] الفقراء والذين لم ينالوا رعاية واهتمام الدولة في ظل الاختلافات المذهبية، فإن ولاية حلب فضلاً عن أهميتها المكتسبة منذ الفتح العثماني، كانت تنعم بأفضل الأوضاع الاقتصادية والأمنية، ويقول [[قسطنطين بازيلي]] أن مشكلة التصحّر نتيجة التقلبات السياسية وإهمال الريف أخذ بالظهور والتسارع خلال تلك المرحلة "آكلاً بالتدريج التربة الخصبة في الجانب الشرقي لسورية".<ref>تاريخ سورية وفلسطين في العهد العثماني، قسطنطين بازيلي، دار التقدم، موسكو 1989، ص.34</ref>
[[ملف:فخر الدين المعني الثاني.JPG|تصغير|220بك|الأمير فخر الدين المعني الثاني الكبير، المُلقب بأمير عربستان، حكم القسم الأعظم من بلاد الشام حتى غدا أعظم ولاة الشرق العربي العثماني خلال [[القرن السابع عشر]].]]
كانت قوة فخر الدين منذ عودته وبسط نفوذه على لبنان ومناطق واسعة من سوريا فضلاً عن [[الجليل]] تثير مخاوف [[الباب العالي]] حول نوايا الأمير الاستقلاليّة، رغم الأمن الذي أعاده فخر الدين وإيقافه الفتن بين اليمنية والقيسية وسواها من مكونات [[سوريون|المجتمع السوري]]. في سنة 1635 أرسل السلطان والي دمشق أحمد باشا الكجك، على رأس جيش ضخم نحو جبل لبنان، وأرسل أيضًا الأسطول بقيادة القبودان [[جعفر باشا]].<ref name="تاريخ الدولة العليّة العثمانية">تاريخ الدولة العليّة العثمانية، الأستاذ [[محمد فريد بك]] المحامي، دار المناهل، الطبعة العاشرة: 1427 هـ - 2006 م، صفحة: 283 ISBN 9953-18-084-9</ref> هُزم الأمير فخر الدين وسيق مع ثلاثة من أولاده إلى [[الآستانة]]، ولتهدئة خاطر السكان أقرّ السلطان ابن أخ فخر الدين الصغير ملحم أميرًا للجبل، لكن الشعب لم يُسر لهذا التعيين، ووقعت على إثر هذه القلاقل اضطرابات أمنية أعدم في إثرها فخر الدين وأولاده في العاصمة يوم 13 نيسان / أبريل 1635 بتهمة "[[زندقة|الزندقة]]" رغم أن السلطان كان قد أكرم وفادة الأمير أول وصوله إلى القسطنطينية.<ref>الدولة العثمانية: قراءة جديدة لعوامل السقوط، مرجع سابق، ص.91</ref> بعد خلع فخر الدين، عادت الاضطرابات الأمنية من جديد وانهارت زراعة الجبل وتجارته وتكرر القتال بين القيسية واليمنية، وأنشئت إيالة صيدا - وقد نقل مركزها لاحقًا إلى [[عكا]] ومن ثم دمجت مع [[إيالة طرابلس الشام]] في [[ولاية بيروت]] - سنة 1660 لمراقبة جبل لبنان ومدنه الساحلية بعد أن كان مصدر الفتن القبلية بين مختلف الإقطاعيات الوراثية الصغيرة. تكررت المعارك المسلحة في ولايتي طرابلس ودمشق بين الطرفين عامي 1664 و1667، واضطهد [[الشيعة]] و[[علويون|العلويون]] بأمر من والي طرابلس في [[1680]] وطبقت إجراءات تمييزية بحق المسيحيين سنة [[1681]] بأمر السلطان [[مصطفى الثاني]].<ref>تاريخ سورية وفلسطين في العهد العثماني، مرجع سابق، ص.37</ref> في عام [[1697]] انقرضت سلالة المعنيين بوفاة الأمير أحمد المعني دون أن يترك وريثًا، وفي عام [[1700]] برز [[ظاهر العمر]] كحاكم على [[صفد]] و[[الجليل]] وتحول إليه مركز ثقل الساحة السورية في [[القرن الثامن عشر]]، تماما كما كان فخر الدين في القرن السابع عشر.<ref>سوريا صنع دولة وولادة أمة، مرجع سابق، 196</ref>
 
وبالنظر لوضع [[بادية الشام]] والمدن الفراتية في [[القرن السابع عشر]]، يُلاحظ أن أغلب المدن الحالية [[البوكمال|كالبوكمال]] و[[دير الزور]] و[[الميادين]] و[[الرحبة]] لم تكن قائمة، وأن أغلبية السكان المطلقة كانت من [[بدو|البدو]] وليس من سكان الحضر ريفًا أو مدنًا. وكانت هذه القبائل كما يرى المؤرخ [[عياش الحاج#عبد القادر العياش|عبد القادر عيّاش]]، وهي من العرب والأكراد، مصدر إقلاق الأمن على حدود المدن العثمانية وعلى الجيوش والقوافل التجارية السالكة بين العراق والشام. لذلك سعى السلطان سليمان عام [[1566]] إلى توطيد الأمن باستحداث ولاية خاصة أسماها "إيالة الرقة". لم يكن هناك مدينة الرقة التي تعود [[سلوقيون|للعصر السلوقي]] بل كانت خرابًا،<ref name="خامس">حضارة وادي الفرات- القسم السوري، عبد القادر عياش، دار الأهالي، دمشق 1996، ص.321</ref> لكن موقعها المتوسط وأراضيها الخصبة نبّها العثمانيين لأهمية إعادة إعمارها سيّما بعد فتح العراق، بحيث تكون مركزًا يشرفون عن طريقها على القبائل ويؤمنون مواصلاتهم إلى العراق فضلاً عن كونها قاعدة على طريق الجيش العثماني في حال اندلعت الحرب مع [[صفويون|الصفويين]] في [[إيران]].<ref name="خامس"/> لسوء الحظ، رغم هذه الإجراءات التي اتخذها السلاطين منذ بداية العهد العثماني بهدف فرض السيطرة على المنطقة، بقيت الحالة الأمنية مضطربة والسلطة الحقيقية في يد العشائر، وكثيرًا ما كان يتعذر على الوالي الإقامة في [[الرقة]] فكان يقيم في حلب وكثيرًا ما كانت تجمع ولاية الرقة [[ولاية ديار بكر|لولاية ديار بكر]] أو ولاية حلب بحيث يتولاهما وال واحد. في سنة 1607 ثارت الرقة على السلطان [[محمد الثالث]] على يد عبد الحليم قره يزيد جي، وعُين على إثر الثورة شرف باشا واليًا عليها وظلّ في منصبه حتى 1623 حين تسلّم بوستان باشا. وفي 1664 ثارت الرقة مجدداًمجددًا وقتل الثوار واليها ابن الصدر الأعظم [[محمد باشا الطيار]]. وفي سنة 1670 أصبح [[سعد الدين باشا العظم]] والياًواليًا عليها، وتمكن آل العظم لاحقًا من مد سيطرتهم إلى ثلاث ولايات شاميّة أخرى هي سوريا وطرابلس وصيدا، وكان سعد الدين باشا قد استطاع استعادة المنطقة من [[مماليك العراق]] والقضاء على نفوذهم في الولاية.<ref name="سادس">حضارة وادي الفرات، مرجع سابق، ص.323</ref>
 
=== القرن الثامن عشر ===