جعفر الصادق: الفرق بين النسختين

[نسخة منشورة][نسخة منشورة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
Mbazri (نقاش | مساهمات)
الرجوع عن تعديل معلق واحد من Hatem240 إلى نسخة 27448460 من Omaislam.
JarBot (نقاش | مساهمات)
ط بوت:الإبلاغ عن رابط معطوب أو مؤرشف V2.5
سطر 32:
'''أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق'''، (ولد يوم [[17 ربيع الأول]] [[80 هـ]] في [[المدينة المنورة]] وتوفي فيها في مساء 25 شوال من سنة [[148 هـ]])، إمام من أئمة المسلمين وعالم جليل وعابد فاضل من ذرية [[الحسين بن علي|الحسين بن]] [[علي بن أبي طالب]] وله مكانة جليلة عظيمة لدى جميع المسلمين.
 
لُقِبَ بالصادق لأنه لم يُعرف عنه الكذب، ويعتبر الإمام السادس لدى [[شيعة إثنا عشرية|الشيعة الإثنا عشرية]] و[[إسماعيلية|الإسماعيلية]]، وينسب إليه انتشار مدرستهم الفقهية والكلامية.<ref name="Britannica">"Ja'far ibn Muhammad." Encyclopædia Britannica. 2007. Encyclopædia Britannica Online.</ref> ولذلك تُسمّى الشيعة الإمامية ب[[الجعفريون|الجعفرية]] أيضاً، بينما يرى [[أهل السنة والجماعة]] أن علم الإمام جعفر ومدرسته أساسٌ لكل طوائف المسلمين دون القول بإمامته بنصبٍ من الله، وروى عنه كثير من كتَّاب الحديث السنة والشيعة على حدٍ سواء، وقد استطاع أن يؤسس في عصره مدرسة فقهية، فتتلمذ على يده العديد من العلماء. ومن الجدير بالذِكر أن جعفر الصادق يُعتبر واحداً من أكثر الشخصيات تبجيلاً عند أتباع [[الطريقة النقشبندية]]، وهي إحدى الطرق الصوفيَّة السنيَّة.<ref>[http://www.naksibendi.org/grandshaykhs.html السلسة الذهبيَّة عند النقشبنديَّة] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20170806192119/http://www.naksibendi.org:80/grandshaykhs.html |date=06 أغسطس 2017}}</ref>
 
يقال أنه من أوائل الرواد في [[الخيمياء والكيمياء في العهد الإسلامي|علم الكيمياء]] حيث تتلمذ على يديه أبو الكيمياء [[جابر بن حيان]].<ref>''روائع الحضارة الإسلامية''، للدكتور علي عبد الله الدفاع.</ref><ref>''موسوعة العلماء الكيميائيين''، للدكتور موريس شربل.</ref> كذلك فقد كان [[علم الفلك في العهد الإسلامي|عالم فلك]]، و[[علم الكلام|متكلماً]]، و[[أدب إسلامي|أديباً]]، [[فلسفة إسلامية|وفيلسوفاً]]، و[[الطب والصيدلة في عصر الحضارة الإسلامية|طبيباً]]، و[[العلم الإسلامي في العصور الوسطى|فيزيائياً]].<ref name=Glick2005>{{مرجع كتاب | الأخير1 = Glick | الأول1 = Thomas| الأخير2 = Eds | السنة = 2005 | العنوان = Medieval science, technology, and medicine : an encyclopedia| الصفحات = 279| المسار=http://books.google.com/?id=SaJlbWK_-FcC&pg=PA279&vq=geber | الرقم المعياري = 0-415-96930-1| الناشر=Routledge| المكان = New York | postscript = <!--None-->}}</ref><ref name="Haq 1994 14–20">{{مرجع كتاب |الأخير=Haq |الأول=Syed N. |المحرر= |العنوان=Names, Natures and Things |المسار= |الإصدار= |السنة=1994 |الناشر=Boston Studies in the Philosophy of Science, Volume 158/ Kluwar Academic Publishers |المكان=Dordrecht, The Netherlands |الرقم المعياري=0-7923-3254-7 |الصفحات=14–20 |quote=}}</ref>
سطر 98:
اعتبره البعض من أتباع التابعين، إلا أن الظاهر أنه قد رأى [[سهل بن سعد]] وغيره من [[الصحابة]]، وروى عن أبيه، وعن [[عروة بن الزبير]] وعطاءٍ ونافع والزهري وابن المنكدر، وله أيضاً عن عبيد بن أبي رافع.<ref name="قصة إسلام"/> وقد وُصف الصادق بأنه مربوع القامة، ليس بالطويل ولا بالقصير، أبيض الوجه، أزهر، له لمعان كأنه السراج، أسود الشعر، جعده أشم الأنف قد انحسر الشعر عن جبينه فبدا مزهراً، وعلى خده خال أسود.<ref name="نشأة الصادق"/>
 
والده [[محمد الباقر]] هو خامس الأئمة عند الشيعة، وقد اتخذ من ولده جعفر وزيراً، واعتمده في مهمّات أموره، في المدينة وفي سفره إلى الحج، وإلى [[بلاد الشام|الشام]] عندما استدعاه الخليفة [[هشام بن عبد الملك]]، وذلك لأنه كان أنبه إخوته ذكراً، وأعظمهم قدراً، وأجلّهم في العامة والخاصة.<ref name="العاملي"/> فكان أبوه الباقر مُعجباً به، ونُقل عنه أنه قال: {{اقتباس مضمن|إن من سعادة الرجل أن يكون له الولد يعرف فيه شبه خَلقه وخُلقه وشمائله، وإني لأعرف من ابني هذا شبه خَلقي وخُلقي وشمائلي}}.<ref name="العاملي"/> وعند [[أهل السنة والجماعة]] أن جعفر الصادق كان يُدافع عن [[الخلفاء الراشدين]] السابقين [[علي بن أبي طالب|لعلي بن أبي طالب]]، ويمقت الذين يتعرضون لأبي بكر ظاهراً وباطناً ويغضب منهم، ومن الأحاديث التي نقلها عنه أهل السنَّة في هذا المجال حديثُ عن زهير بن معاوية؛ قال فيه: {{اقتباس مضمن| قال أبي لجعفر بن محمد: إن لي جاراً يزعم أنك تبرأ من أبي بكر وعمر. فقال جعفرٌ: برئ الله من جارك، والله إني لأرجو أن ينفعني الله بقرابتي من أبي بكر، ولقد اشتكيت شكايةً، فأوصيت إلى خالي عبد الرحمن بن القاسم}}.<ref name="الصادق في ميزان السنَّة">[http://www.saaid.net/Doat/Zugail/323.htm جعفر الصادق في ميزان أهل السنة والجماعة] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20170831100527/http://saaid.net:80/Doat/Zugail/323.htm |date=31 أغسطس 2017}}</ref>
 
آلت الإمامة - بالمعنى الشيعي- إلى جعفر الصادق عندما بلغ ربيعه الرابع والثلاثين (34 سنة)، وذلك بعد أن توفي والده مسموماً (وفق بعض المصادر)، مثل كتاب الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي، وكان ذلك في ملك [[هشام بن عبد الملك]]، وتشير المصادر إلى أن الأخير كان وراء سمّ الباقر.<ref name="history117">{{مرجع كتاب |العنوان=A Brief History of The Fourteen Infallibles |السنة=2004 |الناشر=Ansariyan Publications |المكان=Qum |الصفحة=117}}</ref><ref name="EncycOfIslam">{{مرجع كتاب|المؤلف=Campo, Juan E.|السنة=2009|العنوان=Encyclopedia of Islam (Encyclopedia of World Religions)|المكان=USA|الناشر=Facts on File|الرقم المعياري=978-0-8160-5454-1|المسار=http://www.amazon.com/Encyclopedia-Islam-World-Religions/dp/0816054541/ref=sr_1_2?s=books&ie=UTF8&qid=1326068113&sr=1-2}}</ref> وتنصّ مصادر أخرى على أنَّ جعفر الصادق قال: {{اقتباس مضمن|قال لي أبي ذات يوم في مرضه: "يا بني أدخل أناساً من [[قريش]] من أهل المدينة حتى أشهدهم"، فأدخلت عليه أناساً منهم فقال: "يا جعفر إذا أنا متّ فغسلني وكفني، وارفع قبري أربع أصابع، ورشّه بالماء"، فلما خرجوا قلت له: "يا أبت لو أمرتني بهذا صنعته ولم ترد أن أُدخل عليك قوماً تشهدهم"، فقال: "يا بني أردت أن لا تُنازَع، وكرهت أن يُقال أنه لم يوصِ إليه، فأردت أن تكون لك الحُجة"}}.<ref name="مؤسسة الرسول الأعظم">[http://www.alrsool.org/display227.htm مؤسسة الرسول الأعظم: حياة الإمام محمد الباقر عليه السلام]. تاريخ التحرير: 29 ذي الحجة 1428 - 09/01/2008 {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20170417163427/http://alrsool.org:80/display227.htm |date=17 أبريل 2017}}</ref> ووفق المعتقد الشيعي فإن الإمام الباقر رغب من وراء هذا أن يُعلم الناس بإمامة الصادق من بعده. وفعلاً فقد قام الإمام الصادق بتغسيل والده وتكفينه على ما أوصاه، ودفنه في [[مقبرة البقيع|جنَّة البقيع]] إلى جانب الصحابة الذين توفوا قبله.<ref name="مؤسسة الرسول الأعظم"/>
 
=== زوجاته وأبناؤه ===
تزوَّج الصادق من نساءٍ عديدات، منهنّ: فاطمة بنت الحسين الأثرم بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وكان أبوها ابن عم زين العابدين، ومنهن حميدة البربريَّة والدة الإمام موسى الكاظم، واتخذ إماء أخرىات. وكان له عشرة أولاد، وقيل أحد عشر ولداً؛ سبعة من الذكور وأربع إناث، فأما الذكور فهم: [[إسماعيل بن جعفر الصادق|إسماعيل]] (وإليه ينسب [[إسماعيلية|المذهب الإسماعيلي]])، و[[عبد الله بن جعفر الصادق|عبد الله]]، و[[موسى الكاظم]]، وإسحاق، و[[محمد بن جعفر الصادق|محمد]]، و[[علي العريضي|علي (المعروف بالعريضي)]]، والعبَّاس. وأما الإناث فهن فاطمة وأسماء وفاطمة الصغرى وأم فروة.<ref>[http://www.alashraf-leb.org/docs/Ansab/nasab/Ja^far_Sadek.htm جمعيَّة الأشراف: فصل في ذكر ترجمة الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20160305004801/http://www.alashraf-leb.org/docs/Ansab/nasab/Ja%5Efar_Sadek.htm |date=05 مارس 2016}}</ref> كانت زوجة الصادق الأولى هي فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وهي أم إسماعيل وعبد الله وأم فروة، وبعد وفاتها ابتاع الإمام أمَةً أندلسية، يرجع أصلها إلى بربر المغرب تُدعى (حميدة بنت صاعد)، فأعتقها وعلَّمها أصول الشرع والدين ثم تزوَّجها، فولدت له موسى ومحمد، وقد أجلّها الشيعة وبالأخص نساؤهم؛ لورعها وتقواها وحكمتها، وعُرفت باسم " حميدة خاتون" و"حميدة المصفّاة" بسبب ما قاله زوجها عنها: {{اقتباس مضمن|حميدة مصفّاة من الأدناس كسبيكة الذهب}}.<ref>[http://www.aljawadain.org/Imam_alkadhim.html موقع العتبة الكاظمية المقدسة: في رحاب الإمام الكاظم: ولادته] {{وصلة مكسورة|date= يوليو 2017 |bot=JarBot}} {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20121010073908/http://www.aljawadain.org/Imam_alkadhim.html |date=10 أكتوبر 2012}}</ref><ref>Akhtar Rizvi, Sayyid Sa'eed, ''Slavery From Islamic and Christian Perspectives''. Vancouver Islamic Educational Foundation. ISBN 0-920675-07-7</ref>
{{صندوق معلومات أئمة
|صورة = [[ملف:Ghadir Logo Vector.svg|130بك]]
سطر 120:
|الأولاد= [[إسماعيل بن جعفر الصادق|إسماعيل]]، عبد الله، [[موسى الكاظم]]، إسحاق، محمد، العباس، [[علي العريضي|علي (المعروف بالعريضي)]]، أبو بكر، أسماء، فاطمة، عائشة.<ref name="كشف الغمة"/>
}}
وكان الإمام شديد الولوع بولده البِكْر إسماعيل وكثير الإشفاق عليه؛ ولذا كان قومٌ من الشيعة يظنون أنه الإمام بعد أبيه، وهؤلاء قد زعموا أن جعفر الصادق نصّ على إمامة إسماعيل، ثم وقع الخلاف بينهم: هل مات إسماعيل في حياة أبيه أم لا؟ والأشهر أنه مات في حياة أبيه سنة [[145 هـ]].<ref>[http://www.saaid.net/Doat/assuhaim/79.htm تعريف بفرقة الإسماعيلية] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20150425032854/http://www.saaid.net:80/Doat/assuhaim/79.htm |date=25 أبريل 2015}}</ref> ويفيد أتباع المذهب الإثني عشري أنَّ الصادق كشف عن وجه إسماعيل مرات عديدة بعد وفاته، وأشهد ثلاثين من صحابه على موته فشهدوا بذلك، كما أشهدهم على دفنه، لكن على الرغم من ذلك بقي فريق من الشيعة يعتقدون بإمامته وحياته حتى بعد وفاة والده الصادق. وكان إسماعيل رجلاً تقياً عالماً باراً مطيعاً لأبيه، أمَّا أخوه عبد الله فقد اتُهم بمخالفة أبيه في الاعتقاد، وبأنه كان يخالط [[حشوية|الحشوية]]، ويميل إلى مذهب [[مرجئة|المرجئة]]، كما عارض أخاه موسى في الإمامة، وادّعى الإمامة بعد أبيه لنفسه، احتجاجاً بأنه أكبر أخوته الباقين، واتّبعه حشدٌ من الناس قبل أن يرجعوا لإمامة موسى.<ref>[http://imamsadeq.com/ar/index/articleView?articleId=2451 مؤسسة الإمام الصادق: المقالات العربيَّة، العقائد. لماذا حُرم السيد عبد الله بن جعفر الإمامة بعد شقيقه إسماعيل الذي مات في حياة والده؟]</ref> وأقام نفر من الناس على القول بإمامة عبد الله؛ وهو النفر المعروف بالفطحية تيّمناً بعبد الله الذي كان يُكنى بالأفطح، لأنه أفطح الرأس أوالرجلين - أي كان عريض الرأس والرجلين - على أنَّ عبد الله لم يعش بعد أبيه الصادق إلا سبعين يوماً ومات.<ref>Gleave, Robert. Scripturalist Islam: The History and Doctrines of the Akhbari Shia School, Brill, 2007, pp 18 ISBN 978-90-04-15728-6</ref> وأما إسحاق فقد كان محدّثاً جليلاً وقال بإمامة أخيه موسى.<ref>[http://gadir.free.fr/Ar/Ehlibeyt/kutub2/Umdatut_Talib/umdatultalib/umdatultalib_039.htm عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب]. تأليف: جمال الدين أحمد بن علي الحسيني المعروف بابن عنبة المتوفى سنة 828 هجرية. الطبعة الثانية [[1380 هـ]] - [[1960]]م</ref> وأما محمد فكان سخياً شجاعاً وفارساً، وقد خرج على الخليفة العبَّاسي المأمون بمكة، لكنه خسر القتال، وصحبه العبَّاسيون إلى بغداد حيث عاش مُكرَّماً بقيَّة أيامه.<ref>[http://www.islamweb.net/newlibrary/showalam.php?ids=16937 إسلام ويب: المكتبة الإسلاميَّة، محمد بن جعفر الصادق بن محمد الباقر] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20120401021407/http://www.islamweb.net:80/newlibrary/showalam.php?ids=16937 |date=01 أبريل 2012}}</ref> وأما علي بن جعفر فقد كان راوياً للحديث وقد لزم الإمام موسى الكاظم وروى عنه، وكذلك كان العباس.
 
=== حياته خلال العهد الأموي ===
سطر 130:
{{أيضا|أبو مسلم الخراساني|أبو العباس السفاح|معركة الزاب}}
[[ملف:Al-mansur 2014-08-25 08-43.jpeg|تصغير|يمين|رسم تخيُّلي لثاني خُلفاء بني العبَّاس، أبو جعفر عبد الله بن محمد المنصور، الذي عاصر أواخر حياة الإمام جعفر الصَّادق.]]
خلال أواخر العهد الأموي نشأت حركة مُناهضة عُرفت بالحركة العبَّاسيَّة، نظراً لأن مؤسسيها محمد بن علي بن عبد الله وأخوه [[أبو العباس السفاح|أبو العبَّاس]] يرجعان بنسبهما إلى [[العباس بن عبد المطلب|العبَّاس بن عبد المطلب]] أصغر أعمام النبي [[محمد]]،<ref>[http://islamtoday.net/bohooth/artshow-86-6797.htm الدعوة العباسية ودورها في نهاية الدولة الأموية]، بحوث ودراسات، 22 شباط 2011. {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20170828033947/http://www.islamtoday.net:80/bohooth/artshow-86-6797.htm |date=28 أغسطس 2017}}</ref> تولّى أبو العبَّاس شؤون الحركة العباسية بناءً على دعوة [[أبو مسلم الخراساني]] بعد وفاة شقيقه؛ وقد نجحت الحركة العبَّاسية في خلع آخر خلفاء بني أميَّة عن العرش والقضاء على هذه الأسرة الحاكمة في دمشق، وبويع [[أبو العباس السفاح|أبو العباس]] بالخلافة ولقب بالسفّاح لكثرة سفكه الدماء،<ref>[http://islam.aljayyash.net/encyclopedia/book-6-22 خلافة أبو العباس السفاح]، موسوعة الأسرة المسلمة، 22 شباط 2011.</ref> خصوصاً لدى دخوله [[دمشق]] حاضرة الأمويين، إذ نهب بيوت الأسرة الأموية والمقرّبين منها وأحرق قصورهم ثم نبش قبور خلفائهم. وقد استمال العبَّاسيون [[الشيعة]] الناقمين على الحكم الأموي، فساعدهم هؤلاء في التغلّب على الأمويين، وتوقعوا أن تؤول الخلافة إليهم،<ref>المصور في التاريخ: الجزء السادس. تأليف: شفيق جحا، [[منير البعلبكي]]، [[بهيج عثمان]]. [[دار العلم للملايين]]. [[بيروت]]-[[لبنان]]. صفحة: 7</ref> لكن حصل عكس ذلك، فبعد وفاة أبو العبَّاس السفَّاح أخذت البيعة لأخيه [[أبي جعفر المنصور]] والذي كان [[أبو العباس السفاح|السفاح]] قد عيّنه [[ولي العهد|وليًا للعهد]].<ref name="أبو جعفر المنصور">[http://islamstory.com/ar/خلافة-أبي-جعفر-المنصور موقع قصة الإسلام: خلافة أبي جعفر المنصور]. إشراف الدكتور راغب السرجاني. تاريخ التحرير: 11/04/2010 - 2:10 مساءً</ref> ولمَّا تولّى المنصور الخلافة وضع نصب عينيه مخاطر ثلاث لا بُدَّ أن يقضي عليها: منافسة عمه عبد الله بن علي له في الأمر، وقد كان موكلاً بتدبير جيوش الدولة من أهل [[خراسان]] و[[الشام]] و[[الجزيرة الفراتية]] و[[الموصل]] ليغزو بهم [[الإمبراطورية البيزنطية|الروم]]، واتساع نفوذ أبي مسلم الخراساني حتى أصبح وكأنه شريك ذو سطوة وسلطان في حكم الدولة الإسلاميَّة، والقضاء على بني عمومته من آل علي بن أبي طالب الذين لا يزال لهم في قلوب الناس مكان، خاصة محمد بن عبد الله بن حسن بن زيد وجعفر الصادق، فخاف أبو جعفر أن يحاولا الخروج عليه،<ref name="أبو جعفر المنصور"/> لا سيَّما وأنهما يُمثلان التيَّار الذي ساعد بني العبَّاس في الوصول إلى الحكم رغبةً بتولّي الخلافة.
 
وفي واقع الأمر فإنَّ جعفر الصادق كان مُدركاً لعاقبة تعاطيه السياسة والتقرّب إلى الحكَّام منذ أن أخذت الدولة الأموية تلفظ أنفساها الأخيرة، حيث أنَّ أبا مسلم الخراساني حاول أن يزجّ الإمام في الثورة العبَّاسيَّة نظراً لكلمته المسموعة بين الشيعة خصوصاً الذين يرونه معصوماً، وبين سائر المسلمين الثائرين، لكنه رفض المشاركة في الثورة العبَّاسيَّة، وتملَّص من الدعوة، وتفرَّغ لعمله الأهم الذي يعتمد عليه قيام الدين الإسلامي في مواجهة الأفكار الدخيلة والمذاهب الفكريَّة المنحرفة عن الطريق الذي يدعو إليه الإسلام. وقد استغل الإمام جعفر انشغال أبي العبَّاس السفَّاح في بداية العهد العبَّاسي في القضاء على الفتن الصغيرة وتوطيد دعائم الدولة الجديدة، فعمل على نشر العلم والدين والمعرفة، وحضر مجالسه علماء كبار وتناقشوا في أمور الدين والدنيا، ومنهم الإمامين [[أبو حنيفة النعمان]] و[[مالك بن أنس]]، وقد أدَّت هكذا مناظرات إلى تشكيل [[مذاهب إسلامية|المذاهب الإسلاميَّة الكبرى]] الباقية حتى العصر الحالي. على الرغم من انصراف الإمام جعفر إلى شؤون العلم الديني والدنيوي وابتعاده عن السياسة، إلا أنه بقي محط أنظار الخليفة العبَّاسي، لا سيَّما وأن عدداً من أتباع زيد بن علي انضموا إلى مجالسه واستمعوا لكلامه ومواعظه وإرشاداته بعد أن لاحقهم العبَّاسيّون بلا هوادة،<ref name="Armstrong">{{مرجع كتاب|المؤلف=Armstrong, Karen|السنة=2000|العنوان=Islam: A Short History|المكان=USA|الناشر=Random House Digital, Inc.|الرقم المعياري=978-0-679-64040-0|المسار=http://www.amazon.com/Islam-Short-History-Karen-Armstrong/dp/0679640401}}</ref> فأقدم العبَّاسيّون على اعتقال الصادق غير مرَّة، وزُجَّ بالسجن لفترة من الزمن على أمل أن تنقطع الصلة بينه وبين تلاميذه الذين يُحتمل أن يهددوا استقرار الدولة وينفذوا انقلاباً على الخلافة.<ref name="EncycOfIslam">{{مرجع كتاب|المؤلف=Campo, Juan E.|السنة=2009|العنوان=Encyclopedia of Islam (Encyclopedia of World Religions)|الصفحة=386|المكان=USA|الناشر=Facts on File
سطر 168:
 
=== تلامذته ===
كان جعفر الصادق أحد أبرز [[علامة (لقب)|العلّامات]] في عصره، فإلى جانب علومه الدينيَّة، كان عالماً فذّاً في ميادين علوم دنيويَّة عديدة، مثل: [[رياضيات|الرياضيَّات]]، و[[فلسفة|الفلسفة]]، و[[علم الفلك]]، و[[الخيمياء والكيمياء في العهد الإسلامي|الخيمياء والكيمياء]]، وغيرها. وقد حضر مجالسه العديد من أبرز علماء عصره وتتلمذوا على يده، ومن هؤلاء أشهر كيميائي عند المسلمين [[جابر بن حيان|أبو موسى جابر بن حيَّان]] المُلقب بأبي الكيمياء.<ref>{{مرجع ويب|المسار=http://www.iranicaonline.org/articles/jafar-al-sadeq-iv-and-esoteric-sciences|العنوان=Encyclopædia Iranica | Articles|تاريخ الوصول=11 June 2011}}</ref> كما حضر مجالسه وتلقّى من علومه اثنان من كبار الأئمة الأربعة هما الإمامان [[أبو حنيفة النعمان]] و[[مالك بن أنس]]<ref>[http://maktoob.news.yahoo.com/حدث-في-رمضان--مولد-الإمام-جعفر-الصادق-150007729.html ياهو مكتوب\\حدث في رمضان: مولد الإمام جعفر الصادق بتاريخ الاثنين، 1 يوليو 2013]</ref>، وقد نقل الأخير 12 حديثاً عن جعفر الصادق في مؤلفه الشهير "[[موطأ الإمام مالك|الموطأ]]"،<ref name="lexicorient.com">[http://lexicorient.com/e.o/6thimam.htm جعفر الصادق من موسوعة لوكليكس] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20150703074555/http://lexicorient.com/e.o/6thimam.htm |date=03 يوليو 2015}}</ref> بالإضافة إلى [[واصل بن عطاء]] مؤسس مذهب [[المعتزلة]].
 
== وفاته ==
سطر 176:
وكان آخر ما أوصى به الإمام الصادق هو [[الصلاة في الإسلام|الصلاة]] كما يظهر من بعض الروايات منها هذه الرواية التي نقلها أبو بصير وقال: {{اقتباس مضمن|دخلت على أم حميدة أعزيها بأبي عبد الله [الصادق] فبكت وبكيت لبكائها، ثم قالت: "يا أبا محمد لو رأيت أبا عبد الله عند الموت لرأيت عجباً"، فتح عينيه ثم قال: "اجمعوا كل من بيني وبينه قرابة"، قالت: "فما تركنا أحداً إلا جمعناه"، فنظر إليهم ثم قال: "'''إن شفاعتنا لا تنال مستخفاً بالصلاة'''"}}<ref>الوسائل، الحر العاملي، ج4، ص 26 - 27. رقم الحديث: 4423.</ref>
 
دُفن جعفر الصادق في [[مقبرة البقيع|جنَّة البقيع]] بالمدينة المنورة إلى جانب والده وأجداده وباقي [[الصحابة]]. وتفيد الكثير من المصادر بأنَّ الصادق قضى نحبه مسموماً على يد الخليفة العبَّاسي [[أبو جعفر المنصور]] الذي كان يغتاظ من إقبال الناس على الإمام والالتفاف حوله، حتّى قال فيه: {{اقتباس مضمن|هذا الشّجن المُعتَرِضُ في حُلوقِ الخلفاءِ الّذي لا يجوزُ نفيُهُ، ولا يحلُّ قتلُهُ، ولولا ما تجمعني وإيّاه من شجرة طاب أصلُها وبَسَقَ فرعُها وعذُبَ ثمرُها وبورِكَت في الذرّية، وقُدِّست في الزُّبر، لكان منِّي ما لا يُحمدُ في العواقبِ، لِمَا بلغني من شدّة عيبِهِ لنا، وسوءِ القول فينا}}،<ref>[http://www.annabaa.org/nbanews/2012/09/127.htm شبكة النبأ المعلوماتيَّة: فاجعة استشهاد الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20161018142958/http://annabaa.org:80/nbanews/2012/09/127.htm |date=18 أكتوبر 2016}}</ref> وأنه حاول قتله أكثر من مرَّة، وأرسل إليه من يفعل ذلك، لكن كل من واجهه هابه وتراجع عن قتله، كما تفيد تلك المصادر أنَّ المنصور كان يخشى أن يتعرَّض للإمام؛ لأن ذلك سيؤدي لمشاكل جمَّة ومضاعفات كبيرة.<ref name="EncycOfIslam"/> ومما قيل عن الفتور الذي كان بين الصادق والمنصور، أنَّ الأخير كتب له يقول: "لِمَ لا تزورنا كما يزورنا الناس؟!"، فأجابه جعفر الصادق: {{اقتباس مضمن|ليس لنا في الدنيا ما نخافك عليه، ولا عندك من الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنّئك بها وفي نقمة فنعزيك بها}}. فكتب إليه مجدداً: "تصحبنا لتنصحنا". فكتب الصادق إليه: {{اقتباس مضمن|من يطلب الدنيا لا ينصحك، ومن يطلب الآخرة لا يصحبك}}.<ref>[http://www.saidagate.net/Show-16594 بوابة صيدا: إسلاميَّات...مع الصحابة والصالحين. الإمام جعفر الصادق والمنصور العباسي] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20170202041500/http://www.saidagate.net/Show-16594 |date=02 فبراير 2017}}</ref> بالمُقابل تنصّ مصادر أخرى على أنَّ المنصور لم يُقدِم على تسميم جعفر الصادق؛ على الرغم من تخوّفه من أيّ انقلاب مُحتمل بقيادته، فقد كان يجلّه ويحترمه، ويرعى فيه صلة الرحم وحقوق العمومة، وحزن عليه أشد الحزن لمّا توفي لأسباب طبيعيَّة، بعد أن تقدَّم به العمر وضعف جسمه. وفي رواية [[اليعقوبي]] المذكورة في [[:s:تاريخ اليعقوبي|تاريخه]] التي تقول: {{اقتباس مضمن|قال إسماعيل بن علي: "دخلت على أبي جعفر المنصور وقد اخضلّت لحيته بالدموع وكأنه متأثر من مصيبة وألمّه أمر جلل" وقال لي: "أما علمت بما نزل بأهلنا؟" فقلت: "وما ذاك يا أمير المؤمنين؟!" قال: "فأن سيّدنا وعالمنا وبقية الأخيار منا توفي!!" فقلت: "ومن هو يا أمير المؤمنين؟" قال: "ابن عمنا جعفر بن محمد" قلت: "أعظم الله أجر أمير المؤمنين! وأطال بقاءه" فقال: "إن جعفراً ممن قال الله فيهم: {{قرآن|ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}}، وكان هو من السابقين في الخيرات"}}،<ref>[http://www.ashraf-online.com/vb/showthread.php?p=306277 الرابطة العلميَّة العالميَّة للأنساب الهاشميَّة: الإمام جعفر الصادق] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20170202051547/http://www.ashraf-online.com/vb/showthread.php?p=306277 |date=02 فبراير 2017}}</ref><ref>{{مرجع كتاب |الأخير=اليعقوبي |الأول=احمد ابن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب ابن واضح الأخباري |وصلة المؤلف=اليعقوبي |المؤلفين المشاركين= |العنوان=تاريخ اليعقوبي، الجزء الثالث |السنة=1960 |الناشر=مؤسسه ونشر فرهنگ أهل بيت (ع) - دار صادر |المكان=[[قم]] - [[إيران]]، [[بيروت]] - [[لبنان]]||الصفحات=أنظر: [http://islamport.com/w/tkh/Web/364/1.htm هنا]}}</ref> كما لم يذكر [[أبو الفرج الأصفهاني]] في كتابه "مقاتل الطالبيين" أنه قتل مسموماً.
 
== الإمام الصادق كما عرفه العلماء ==
سطر 220:
{{اقتباس مضمن|قال سمعت الشافعي يقول إني لأتبرك بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره في كل يوم (يعني زائراً) فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت إلى قبره وسألت الحاجة عنده فما تبعد عني حتى تُقضى}}،<ref>تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، ج1، ص 135.</ref> وغير ذلك من الأدلة الكثيرة.
 
ورأى بعض الكتّاب بأن هذا العمل غير مبرر من ناحية الدولة السعودية أيضاً؛ حيث أنه بغض النظر عن المسألة الدينية؛ فإن هذه القبور التي هُدمت تعتبر '''بنايات أثرية''' للأمة السعودية وبالتالي لا يجوز هدمها، واستغرب هذا الكاتب من أن الدولة السعودية "''تصرف ملايين الدولارات على منطقة (الفاو) في غرب الحجاز والتي تعتبر من أقدم المناطق الأثرية تحت إشراف جامعة الملك سعود''"،<ref>[http://www.sibtayn.com/ar/index.php?option=com_content&view=article&id=6749&Itemid=4183 مؤسسة السبطين العالمية: هدم البقيع حلقة من حلقات مخطط تفريغ الأمة الإسلامية من هويتها!] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20150915133049/http://www.sibtayn.com/ar/index.php?option=com_content&view=article&id=6749&Itemid=4183 |date=15 سبتمبر 2015}}</ref> وهكذا تمّ هدم قبر الإمام الصادق، وقبور الكثير من الصحابة والشخصيات الإسلامية الأولى. وتعتبر الشيعة يوم الثامن من شوال من كل سنة مناسبة حزينة، ويعقدون بعض المجالس للتذكير بالأمر، ويعتلي المنبر رجال الدين الشيعة ويناقشون مسألة زيارة القبور وحياة الأئمة الذين هُدمت قبورهم ومنهم جعفر الصادق.
 
=== أول من تهجم على الإمام الصادق ===