الفيكونت دوشاتوبريان: الفرق بين النسختين

[نسخة منشورة][نسخة منشورة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
ط باستخدام أوب
ط إصلاحات عامة وإملائية في المقالات الموجودة تحت تصنيف لغويات على ثلاثة مستويات، الأخطاء المصححة: الاب ← الأب، يمكن ان ← باستخدام [[Project:أو...
سطر 28:
يشغل فرانسوا شاتوبريان مكانة غامضة في خريطة الأدب الفرنسي, فهو أقل شهرة من [[فكتور هوغو]]، وأقل عمقا وتعقيداً من [[لامارتين]] و[[ديموسيه]], لكنه مع ذلك يعد أحد أبرز رواد المدرسة الرومنطيقية في النصف الأول من القرن التاسع عشر, وقد كان رومانسيا على طريقته الخاصة, رومانسيا حمل جميع قسمات هذه الحقبة, من التعطش إلى جمال الشرق وسحره, إلى الحلم الجامح بالعودة إلى أحضان الطبيعة والمصالحة معها.
 
وقد دفعه ذلك مثل [[روسو]] للبحث عن (المتوحش النبيل) فسافر لمعاينة مجتمع الهنود الحمر الأمريكيين, لمشاهدة عفوية الحياة وفطريتها وسذاجتها الأخاذة, لكن حياته هو مع ذلك كانت سلسلة مغامرات واخفاقاتوإخفاقات, عاش نهاية حلم الأنوار, بقيام الثورة الفرنسية المغدورة, الثورة التي أكلت أبناءها بسادية عن بكرة أبيهم, التي خلطت كل خيرات وشرور, نجاحات وإخفاقات العصرين الكلاسيكي والعقلاني, الثورة التي فتحت النار على شاتوبريان من جميع الجهات, وسمحت له بصياغة كل تجاربه المريرة في الحياة, صياغة رسخت التقاليد الرومانسية في الأدب الفرنسي, على نحو ما نشير إلى ذلك في هذا التصنيف المبسط.
 
== سيرة حياته ==
سطر 41:
وفي يوم 8 أبريل 1791م أبحر من سان مالو بفرنسا ووصل بالتيمور في أمريكا 9 يوليو من ذات السنة وقد طاف بجميع أنحاء القارة الأمريكية الشمالية, من فيلادلفيا إلى بوسطن ونيويورك ومنطقة البحيرات, ثم اتجه لأوهايو, ولنتذكر ان مثل هذه الأسفار وقتها كانت مغامرة حقيقية, لصعوبة المواصلات, ما صوره مستكشفا وبطلا في نظر الكثيرين, وهذا ما جعل الرئيس جورج واشنطن يستقبله بحفاوة.
 
كما استقبل أيضا في بلاده بالقدر نفسه من التشجيع حين عاد يوم 2 يناير 1792م, إلا أن موقفه المناصر للملكية جعل رجال الثورة الفرنسية يطاردونه فهرب لبلجيكا وتطوع للمقاومة ضد الثورة وجرح, واضطر للهروب إلى إنجلترا 1793م التي عاش فيها سبع سنوات عجاف لفه الفقر والحزن والفاقة والمرض المرير, ووسط هذه المعاناة الأليمة شحذت نوائب الدهر عبقريته فكتب مخطوطات أثمن أعماله الأدبية, ويصف فاقته اللندنية بقوله (كنت أمضغ العشب والورق لفرط معاناتي ولضيق ذات اليد) ولكنه في هذه الظروف, أو لهذه الظروف بدأ في كتابة (مساهمة حول الثورات المقارنة), وما لبثت أخبار باريس ان حملت اليهإليه انتقام رعاع الثورة منه, إذ أعدموا أخاه 22 أبريل 1794م, وسجنوا أمه وزوجته وأختيه.
 
وهنا يمكننا ان نتوقع بيسر موقفه من الثورة الفرنسية وهو يكتب تحت كل هذه الضغوط, ولكنه مع ذلك قدم محاولة لا تعدم حسا تاريخيا أصيلا, مع مسحة دينية مسيحية لا تخلو من تعصب.
سطر 65:
لعل محاولة تصنيف مكانة شاتوبريان في الخريطة الرومانسية تقتضي أولا ـ لكي نبسّط الأمور ـ ابداء ملاحظة حول الرومانسية نفسها, فقد ظهرت نهاية القرن الثامن عشر وخلال النصف الأول من القرن التاسع عشر, وجاءت كرد فعل على الكلاسيكية والعقلانية اللتين بلغتا ذروتهما في عصر الأنوار, فقد قدم عصر العقل خاصة أدبا منمطا عقلانيا جافا رغم عمقه خاصة عند فولتير وروسو, لم يكن فيه للعاطفة والحياة النابضة مكان واضح, وهذا ما أدى لثورة الرومانسيين على العقلانية ومن ورائها الكلاسيكية.
 
وباختصار, فقد كانت الرومانسية من الناحية النسقية عودة للماضي, رجوعا للقرون الوسطى, وتمجيدا للعاطفة على حساب العقل, للخيال في مقابل العلم, أو لنقل (للظلامية) في وجه الأنوار, وقد ازدهرت في إنجلترا مع ولترسكوت وأيضا في ألمانيا وإسبانيا قبل فرنسا, ويمكن انأن نلحظ تباشيرها في أعمال جان جاك روسو الذي كان يعلي من شأن العاطفة ويتغنى بالعفوية, وكان أسلوبه غنائيا مشبوبا بأعقد العواطف وأكثرها عذرية وغجرية, كما أدخل الحب الجياش والإحساس بالجمال والتذاوب والفناء في روعة الطبيعة في الأدب الروائي الفرنسي لأول مرة, وعلى نحو مؤثر.
 
غير أن المؤسس الحقيقي للرومانسية الفرنسية كان بالفعل شاتوبريان, فقد أهلته تجربته مع الحياة, التي أفضنا في الحديث عنها ـ وفاء للتقليد الرومانسي ـ لان يكون رومانسيا من الصنف الأول, فقد كانت قصصه وكتاباته تعكس واقع حياته, تدور أحداثها في تضاعيف من مشاعر الملل والوحدة والحزن العميق, كما ابتكر شخصية محورية في الأدب الرومانسي (هي شخصية البطل العاطفي الذي لا يجد في العالم من يفهمه ولا يجد أنيسا في وحدته) فيتجه لاجترار آلامه, واختلاق عوالمه الخيالية, وابتداع عالم من السحر والأحلام بديل لكل ما هو قائم.
سطر 71:
وبالتالي كان تأثير شاتوبريان محوريا على جميع الرومانسيين الفرنسيين اللاحقين, سواء مدام دي ستايل مؤلفة الكتاب الشهير (عن الأدب) 1800م أو في الشعر الرومنطيقي مع ألفونس لامارتين صاحب (تأملات شعرية) وفكتور هوغو في (أوراق الخريف) وأيضا ألفرد دي فينيه مؤلف (قصائد قديمة وجديدة) وألفرد ديموسيه صاحب المراثى الشهيرة لحبيبته في (الأمسيات).
 
وسواء أيضا على المسرح الرومانسي مع هيجو (هرنان), وفينيه (شاترتون) التي رسخت شخصية ستلعب دورا كبيرا في خيال الرومانسيين هي شخصية الفنان الحالم الأثيرة عندهم, وأخيرا اثر قصص شاتوبريان أيضا على القصة والأدب الروائي خاصة عند ديماس الابالأب صاحب الرواية التاريخية الشهيرة (الفرسان الثلاثة) و[[فكتور هوغو]] في رواية (أحدب نوتردام) 1831م, التي تعكس بشكل خاص حنينا للعودة إلى القرون الوسطى, وأملا في الخلاص من قبضة عصر العقلانية.
 
وهذا يصدق أيضا على رومانسيين اخرين في الرواية الفرنسية, مثل ستاندال وبلزاك وجورج ساند الذين بدأت تظهر في اعمالهم الملامح الأولى للواقعية, لكنهم حملوا قسمات واضحة من رومانسية شاتوبريان, الذي يستدعى الآن, مثلما استدعي طيلة القرن التاسع عشر, ليثبت انه كان بحق رجل كل الأزمنة, مثلما كان برحلاته رجل كل الأمكنة