الحرب وقانون البيئة

يمكن أن تلحق الحرب أضرارًا جسيمة بالبيئة، وكثيرًا ما تولي الدول المتحاربة الاهتمام للمتطلبات التشغيلية على حساب المخاوف البيئية طوال فترة الحرب. صُممت بعض القوانين الدولية للحد من هذا الضرر البيئي.

تتسبب الأنشطة العسكرية والحروب بتأثيرات ضارة واضحة على البيئة. تشكل الأسلحة، وتحركات القوات، والألغام الأرضية، وإنشاء المباني وتدميرها، وتدمير الغابات عن طريق إزالة الأوراق أو الاستخدام العسكري العام، وتسميم مصادر المياه، واستهداف الحيوانات بالرصاص للتدريب، واستهلاك الأنواع المهددة بالانقراض بسبب اليأس، أمثلة قليلة على كيفية إلحاق الأذى بالبيئة سواء في زمن الحرب أو زمن السلم (مثل التدريب، وبناء القواعد العسكرية، ونقل الأسلحة). تعد كل من «الأرض المحروقة» و«تسميم البئر» من الأمثلة الكلاسيكية على هذا التأثير، بينما تشمل الأمثلة الحديثة على ذلك إلقاء العراق للنفط وإشعاله في الكويت عام 1990/1991، واستخدام اليورانيوم المنضب في كوسوفو عام 1999، واستخدام متفجرات الوقود الهوائي في أفغانستان منذ عام 2001.

يعالج القانون البيئي الدولي جزئيًا مسألة حماية البيئة أثناء الحروب والأنشطة العسكرية. تتوافر مصادر أخرى في مجالات القانون مثل القانون الدولي العام، وقوانين الحرب، وقانون حقوق الإنسان، والقوانين المحلية لكل دولة متضررة. يركز هذا المقال بشكل رئيسي على البيئة، وبمجرد نشوب نزاع مسلح بين دولتين، تصبح القضية ذات اهتمام دولي، لذا ينصب التركيز هنا على القانون البيئي الدولي الذي يفرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تطبيقه.

يجدر الإشارة إلى أن قانون النزاعات المسلحة لم يتطور بالقدر الكافي مقارنة بمجالات أخرى من القانون الدولي، ووحده مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يملك السلطة والاختصاص لتنظيم تطويره وتنفيذه، أو لرصد الالتزام به.

مصادر القوانين

عدل

القانون الدولي العرفي والقانون غير الملزم

عدل

يقضي القانون الدولي العرفي ووثائق القانون غير الملزم بحماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة والأنشطة العسكرية. صاغت لجنة القانون الدولي مسودة جريمة الاعتداء على السلام والأمن للبشرية (1954).

ينص المبدأ 26 من إعلان ستوكهولم عام 1972 (الفصل 11 من تقرير بروندتلاند: السلام والأمن والتنمية والبيئة):

«يجب حماية الإنسان وبيئته من آثار الأسلحة النووية وجميع وسائل الدمار الشامل الأخرى. ويجب على الدول أن تسعى جاهدة للتوصل إلى اتفاق سريع، في المنظمات الدولية ذات الصلة، بشأن القضاء على هذه الأسلحة وتدميرها تدميرا كاملًا». ينص ميثاق الطبيعة العالمي لعام 1982: «يجب حماية الطبيعة من التدهور الناجم عن الحروب أو الأنشطة العدائية الأخرى».

ينص المبدأ 24، إعلان ريو لعام 1992، الفقرة 39.6 من أجندة 21: «الحرب بطبيعتها مدمرة للتنمية المستدامة. لذا، يتعين على الدول احترام القانون الدولي الذي يوفر حماية للبيئة في أوقات النزاعات المسلحة والتعاون في مواصلة تطويره حسب الضرورة». ورد أيضًا في أجندة 21، الفقرة 39.6: «يجب النظر في اتخاذ تدابير وفقًا للقانون الدولي لمعالجة الدمار البيئي واسع النطاق الذي لا يمكن تبريره بموجب القانون الدولي في أوقات النزاعات المسلحة».

نص قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 47/37 (لعام 1992) على: «أن تدمير البيئة، دون أن يبرره ضرورة عسكرية والمنفذ عمدًا، يتعارض بشكل واضح مع القانون الدولي القائم».

قانون المعاهدات

عدل

تتضمن عدة معاهدات للأمم المتحدة، بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة واتفاقية التراث العالمي لعام 1972 واتفاقية تعديل البيئة لعام 1977، أحكامًا للحد من الآثار البيئية للحروب أو الأنشطة العسكرية.

تحمل العراق المسؤولية بموجب القانون الدولي عن «الأضرار البيئية واستنزاف الموارد الطبيعية» الناجمة عن الغزو والاحتلال غير القانونيين للكويت، وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 687 (1991).

«يتعارض تدمير البيئة، الذي لا يبرره ضرورة عسكرية والمنفذ على نحو متعمد، بوضوح مع القانون الدولي القائم» (قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 47/37 (1992).

اتفاقية حظر استخدام تقنيات التغيير في البيئة 1977 (اتفاقية تعديل البيئة)

عدل

اتفاقية تعديل البيئة معاهدة دولية تحظر الاستخدام العسكري أو أي استخدام عدائي آخر لتقنيات تعديل البيئة التي لها آثار واسعة النطاق وطويلة الأمد أو شديدة. تحظر الاتفاقية حرب المناخ (الاستخدام العسكري لتعديل الطقس)، وهي استخدام تقنيات تعديل الطقس لإحداث الضرر أو الدمار. تعد المعاهدة سارية المفعول وقد وقعت عليها (اعترفت بها كملزمة) قوى عسكرية رائدة. تجدر الإشارة إلى أن التوقيع على هذه المعاهدة محدود. تمنع الاتفاقية الأطراف من الانخراط في «الاستخدام العسكري أو أي استخدام عدائي آخر لتقنيات تعديل البيئة التي لها آثار واسعة النطاق وطويلة الأمد أو شديدة كوسيلة للتدمير أو الإضرار أو الإصابة» لأي طرف آخر (يُشار هنا على سبيل المثال إلى استخدام العامل البرتقالي في فيتنام).

تطبيق القانون

عدل

القانون الدولي للحرب والنزاعات المسلحة والقواعد العامة لحماية البيئة

عدل

ينظر القانون الدولي الإنساني إلى البيئة الطبيعية كهدف مدني، وبموجب بند مارتنز (مقدمة اتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907 بشأن احترام قوانين وعادات الحرب البرية)، فإنه يتعين على السكان والمتحاربين، ما لم ينص على خلاف ذلك، أن يكونوا «تحت حماية وسيادة مبادئ قانون الأمم، لأنها ناشئة عن الأعراف المتبعة بين الشعوب المتحضرة، وقوانين الإنسانية، وإملاءات الضمير العام». تقيّد المادة 22 من حق المتحاربين في اللجوء إلى وسائل لإلحاق الأذى بالعدو.

يوفر بروتوكول جنيف الإضافي الأول لعام 1977، المادة 35 (3) (حظر الأساليب) والمادة 55 (العناية الواجبة)، المتفق عليه على نطاق واسع ولكن ليس عالميًا، حماية إضافية للبيئة. جاء في الفقرة 31 من الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن الأسلحة النووية لعام 1996: «تجسد مجمل هذه الأحكام التزامًا عامًا بحماية البيئة الطبيعية من الأضرار البيئية الشديدة واسعة النطاق وطويلة الأمد، وحظر الطرق والوسائل الحربية التي يقصد بها أو يمكن أن تسبب مثل هذا الضرر، وحظر الهجمات على البيئة الطبيعية عن طريق أعمال انتقامية». انظر أيضًا إلى قضايا محكمة العدل الدولية يوغوسلافيا ضد المملكة المتحدة 1999، جمهورية الكونغو الديمقراطية ضد رواندا 2002.

نص حكم محكمة العدل الدولية في قضية جمهورية الكونغو الديمقراطية ضد أوغندا (الأنشطة المسلحة على أراضي الكونغو) لعام 2005، أن «جمهورية أوغندا، من خلال أعمال النهب والسلب واستغلال الموارد الطبيعية الكونغولية التي ارتكبها أفراد القوات المسلحة الأوغندية في إقليم جمهورية الكونغو الديمقراطية، وكذلك من خلال تقصيرها في الوفاء بالتزاماتها كقوة احتلال في منطقة إيتوري لمنع أعمال النهب والسلب واستغلال الموارد الطبيعية الكونغولية، قد انتهكت التزاماتها تجاه جمهورية الكونغو الديمقراطية بموجب القانون الدولي».

«لا يجوز شن هجوم على المنشآت أو الأعمال التي تحوي قوى خطرة، وهي على وجه الخصوص السدود والحواجز ومحطات توليد الكهرباء النووية، حتى ولو كانت هذه المنشآت أهدافًا عسكرية، إذا كان من المحتمل أن يتسبب هذا الهجوم في إطلاق قوى خطرة وخسائر بشرية جسيمة بين السكان المدنيين». المادة 15 من البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 (النزاعات المسلحة غير الدولية، وُقع عليها على نطاق أقل من الملحق الأول)، وبالمثل المادة 56 (1) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 للنزاعات المسلحة الدولية.

«يعد شن هجوم متعمد مع علم بأن هذا الهجوم سيؤدي إلى خسائر بشرية عرضية أو إصابات بين المدنيين أو أضرار تلحق بالمرافق المدنية أو أضرار واسعة النطاق وطويلة الأمد وشديدة بالبيئة الطبيعية والتي ستكون مفرطة بشكل واضح فيما يتعلق بالمزايا العسكرية الملموسة والمباشرة المتوقعة جريمة حرب» وفقًا للمادة 8 (2) (ب) (رابعًا) من نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية والتي تعدها «انتهاكات جسيمة لقواعد القانون والعادات المطبقة في النزاعات المسلحة الدولية، ضمن الإطار الراسخ للقانون الدولي».

كتلخيص، «تُطبق المبادئ العامة بشأن إدارة الأعمال العدائية على البيئة الطبيعية على النحو التالي: أ. لا يجوز مهاجمة أي جزء من البيئة الطبيعية إلا إذا كان هدفًا عسكريًا. ب. يُحظر تدمير أي جزء من البيئة الطبيعية، إلا إذا اقتضت الضرورة العسكرية الملحة ذلك. ج. يُحظر شن هجوم على هدف عسكري يُتوقع أن يُسبب ضررًا عرضيًا بالبيئة يكون مفرطًا بالنسبة للميزة العسكرية الملموسة والمباشرة المتوقعة: القاعدة 43 من القانون الدولي الإنساني العرفي للجنة الدولية للصليب الأحمر (تطبيق المبادئ العامة لإدارة الأعمال العدائية على البيئة الطبيعية).

تجدر الإشارة إلى أن بعض الدول تصر على أن مثل هذه القواعد (بما في ذلك البروتوكول الإضافي الأول) تنطبق فقط على الأسلحة التقليدية ولا تنطبق على الأسلحة النووية. انظر أيضًا إلى القاعدتين 44 (العناية الواجبة) و45 (الأضرار الجسيمة).

وضعت المقررة الخاصة للجنة الدولية للقانون الدولي، ماري جي جاكوبسون، في الفترة بين عامي 2013 و2015، فيما يخص مبادئ اللجنة بشأن حماية البيئة في النـزاعات المسلحة، التزامات قبل النزاعات المسلحة وخلالها وبعدها واقترحت خمسة مشاريع لمبادئ القانون الدولي للحرب (التناسب، والتمييز، والاحتياط، وعدم الانتقام، والمناطق المحمية) وغيرها.

تابعت المقررة الخاصة مارجا ليتو العمل في عام 2018 باقتراح 21 من مشاريع المبادئ التي تغطي جميع المراحل الثلاث بالإضافة إلى الاحتلال. اعتمدت لجنة الصياغة بحلول منتصف عام 2019، مؤقتًا حوالي 28 مبدأ (بما في ذلك الجهات الفاعلة غير الحكومية) مع الأجزاء التالية: المقدمة، والمبادئ العامة التطبيق، والمبادئ المطبقة أثناء النزاعات المسلحة، والمبادئ المطبقة في حالات الاحتلال، والمبادئ المطبقة بعد النزاعات المسلحة.

المراجع

عدل