الجدل حول القصف الذري على هيروشيما وناغازاكي

الجدل القائم حول القصف الذري على هيروشيما وناغازاكي، هو الجدل المعني بالخلافات الأخلاقية والقانونية والعسكرية المرتبطة بالقصف الذري على هيروشيما وناغازاكي في 6 و9 أغسطس 1945 في نهاية الحرب العالمية الثانية (1939-1945).

صورة توضح القصف الذري على هيروشيما

أصدر رئيس الولايات المتحدة هاري ترومان، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، ورئيس الحكومة القومية الصينية شيانغ كاي شيك، إعلان بوتسدام في 26 يوليو 1945؛ والذي حدد شروط الاستسلام لإمبراطورية اليابان على النحو المتفق عليه في مؤتمر بوتسدام. نص هذا البلاغ على مواجهة اليابان «للدمار الفوري والمطلق» في حال عدم استسلامها.[1] وفي حين يركز بعض المشاركين في الجدل على عملية صنع القرار الرئاسي، يسلط آخرون الضوء على ما إذا كانت التفجيرات هي السبب المباشر لاستسلام اليابان أم لا.

وعلى مر تاريخ هذا الجدل، اكتسبت العديد من الحجج دعمًا إضافيًا، في حين فقدت أخرى دعمها؛ نتيجة توفر أدلة أحدث واكتمال الدراسات الجديدة المتعلقة بهذا الموضوع. كان التركيز الأساسي والمستمر في الجدل على دور القصف في استسلام اليابان وتبرير الولايات المتحدة لفعلتها بأنها عجلت منه؛ وهو موضوع ما يزال قيد النقاش الأكاديمي والشعبي حتى الآن. وفي عام 2005، كتب جاي صموئيل ووكر لمحةً عامةً عن التأريخ المتعلق بهذه المسألة، جاء فيها: «يبدو أن الجدل حول استخدام القنبلة الذرية سيستمر بكل تأكيد»، وأضاف أيضًا: «إن القضية الأساسية التي قسمت الباحثين على مدى أربعة عقود تقريبًا، هي ما إذا كان استخدام القنبلة ضروريًا آنذاك لتحقيق النصر في معركة المحيط الهادئ بشروط مرضية للولايات المتحدة الأمريكية».[2]

يؤكد مؤيدو القصف بشكل عام على أنه كان سببًا في استسلام اليابان، ومنع وقوع خسائر فادحة في صفوف الجانبين أثناء الغزو المخطط لليابان؛ حيث كان من المقرر غزو كيوشو (عملية السقوط) في نوفمبر 1945 وهونشو بعد أربعة أشهر من ذلك. كان يُعتقد أن اليابان لن تستسلم ما لم يكن هناك دليل مؤكد على امتلاك الحلفاء لقدرة تدميرية. أما أولئك الذين يعارضون القصف، فيجادلون بأنه كان غير ضروري عسكريًا،[3] وبكونه غير أخلاقي بطبيعته، بل وبأنه جريمة حرب أو شكل من أشكال إرهاب الدولة.[4] ويعتقد بعض النقاد أن الحصار البحري والقصف التقليدي كانا سيجبران اليابان على الاستسلام دون قيد أو شرط بنهاية المطاف،[5] في حين يعتقد البعض الآخر أن دافع اليابان للاستسلام كان أكبر في حال غزو الاتحاد السوفيتي لمنشوريا وغيرها من المناطق التي كانت تحت سيطرة اليابانيين.[6][7]

الدبلوماسية الذرية

عدل

ألف جار ألبيروفيتز حجةً أُخرى بعنوان «الدبلوماسية الذرية» وقدمها في كتاب له في عام 1965، ومفادها أن الهدف الرئيسي من القصف كان إخافة الاتحاد السوفيتي، وبأنه مثل الحدث الافتتاحي للحرب الباردة آنذاك.[8] ومن هذا المنطلق، يجادل البعض بأن الولايات المتحدة تسابقت مع الاتحاد السوفيتي لإخضاع اليابان وأملت بقصفها لإعلان استسلامها قبل دخول السوفييت في حرب المحيط الهادئ. ومع ذلك، توصل الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى اتفاق في مؤتمر يالطا حول موعد انضمام الاتحاد السوفيتي للحرب ضد اليابان وكيفية تقسيم الأراضي اليابانية في نهاية الحرب.[9]

يجادل آخرون بأن مثل هذه الاعتبارات لم يكن لها دور يُذكر في عملية القصف، أو لم تلعب أي دور من الأساس، متذرعين بحجة أن الاهتمام الوحيد للولايات المتحدة آنذاك كان استسلام اليابان وحسب، بل ويؤكدون رغبة الولايات المتحدة في ذلك الوقت بدخول السوفييت في حرب المحيط الهادئ وتقديرها لذلك، لأنهم عجلوا استسلام اليابان.[10] كتب الرئيس الأمريكي ترومان في مذكراته: «"كانت هناك أسباب عديدة لمشاركتي في مؤتمر بوتسدام، ولعل أكثرها إلحاحًا برأيي، هو الحصول إعادة تأكيد على دخول روسيا في الحرب ضد اليابان من ستالين شخصيًا، وهو أكثر الأمور التي كان قائد جيشنا يسعى لتحقيقها. وتمكنت من الحصول على هذا التأكيد من ستالين منذ الأيام الأولى للمؤتمر».[11]

رأي الشعب الأمريكي بالقصف الذري

عدل

أجرى مركز بيو للأبحاث استبيانًا عام 2015 أظهر أن 56٪ من الأمريكيين يؤيدون القصف الذري لهيروشيما وناغازاكي مقابل 34٪ ممن يعارضون ذلك. سلط الاستبيان الضوء على تأثير أعمار المشاركين فيه، إذ أظهر أن 70٪ من الأمريكيين المؤيدين للقصف كانوا يبلغون 65 عامًا وما فوق، مقابل 47٪ فقط لمن تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا. كما أثرت الميول السياسية على إجابات المشاركين؛ فوفقًا للاستبيان كان 74٪ من المؤيدين للقصف من الجمهوريين في حين لم تتجاوز نسبة الديمقراطيين منهم 52%.[12]

انخفضت نسبة المؤيدين الأمريكيين للقصف بشكل متزايد؛ فبعد أن أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب في عام 1945 دعم 85٪ من المشاركين للقصف مقابل رفض 10% منهم له،[13] أعادت المؤسسة استطلاع الرأي هذا بعد خمسة وأربعين عامًا، ووجدت في عام 1990 انخفاض نسبة المؤيدين الأمريكيين للقصف لتصل إلى 53٪ وارتفاع نسبة الرافضين له إلى 41٪. وتطابقت نتائج استطلاع رأي آخر أجرته مؤسسة غالوب عام 2005 مع نتائج دراسة مركز بيو للأبحاث في عام 2015 مع كون 57٪ من الأمريكيين مؤيدين للقصف مقابل 38٪ من المعارضين له.[13] وفي حين أظهرت بيانات دراسة مركز بيو للأبحاث واستطلاع الرأي من جالوب انخفاضًا حادًا في دعم القصف على مدار نصف القرن الماضي، أجرى علماء السياسة في جامعة ستانفورد بحثًا يدعم فرضيتهم القائلة بأن نسبة المؤيدين الأمريكيين لاستخدام القوة النووية اليوم تسكون مماثلة لنظيرتها في عام 1945 في حال حصول سيناريو مشابه في عصرنا هذا.[14]

أظهرت نتائج دراسة أجراها عالما السياسة سكوت ساجان وبنجامين إيه فالانتينو، في عام 2017، أن 67٪ من الأمريكيين يؤيدون استخدام القوة الذرية في الحالات المشابهة، في حين أظهر استطلاع أجراه مركز بيو عام 2010 أن 64 ٪ من الأمريكيين وافقوا على إعلان باراك أوباما امتناع الولايات المتحدة الأمريكية عن استخدام الأسلحة النووية ضد الدول التي لا تمتلكها، ما يدل على أن العديد من الأمريكيين قد يكون لديهم وجهات نظر متضاربة إلى حد ما حول استخدام الأسلحة الذرية.[15]

انظر أيضًا

عدل

مراجع

عدل
  1. ^ "Proclamation Defining Terms for Japanese Surrender issued at Potsdam Germany", 26 July 1945. Retrieved on 15 January 2012. نسخة محفوظة 1 أبريل 2021 على موقع واي باك مشين.
  2. ^ Walker 2005، صفحة 334.
  3. ^ The Collins Encyclopedia of Military History, Dupuy & Dupuy, BCA 1994, p. 1308
  4. ^ Stohl 1988، صفحة 279. "نسخة مؤرشفة". مؤرشف من الأصل في 2021-04-19. اطلع عليه بتاريخ 2021-04-19.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)
  5. ^ Kramer, Ronald C; Kauzlarich, David (2011), Rothe, Dawn; Mullins, Christopher W, eds., "Nuclear weapons, international law, and the normalization of state crime", State crime: Current perspectives, pp. 94–121, (ردمك 978-0-8135-4901-9).
  6. ^ Tanner، Harold Miles (2013). The Battle for Manchuria and the Fate of China: Siping, 1946. Bloomington, IN: Indiana University Press. ص. 30–31. ISBN:978-0-253-00734-6. مؤرشف من الأصل في 2021-04-02.
  7. ^ Hasegawa، Tsuyoshi (2007). The End of the Pacific War: Reappraisals. Stanford, CA: Stanford University Press. ص. 142. ISBN:978-0-8047-5427-9. مؤرشف من الأصل في 2021-04-02.
  8. ^ Alperovitz 2004. Alperovitz's thesis met with disagreement from across the spectrum, but subsequent research confirmed key parts of it. See Walker 1996، صفحات 13ff. "نسخة مؤرشفة". مؤرشف من الأصل في 2021-03-10. اطلع عليه بتاريخ 2021-04-02.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)
  9. ^ "The Avalon Project : Yalta (Crimea) Conference". مؤرشف من الأصل في 2021-03-22.
  10. ^ Kort 2006.
  11. ^ Memoirs by Harry S. Truman, Volume One: Year of Decisions, p. 411[وصلة مكسورة] نسخة محفوظة 24 فبراير 2021 على موقع واي باك مشين.
  12. ^ "70 years after Hiroshima, opinions have shifted on use of atomic bomb". Pew Research Center (بالإنجليزية الأمريكية). 4 Aug 2015. Archived from the original on 2021-02-25. Retrieved 2018-03-17.
  13. ^ ا ب Inc., Gallup. "Gallup Vault: Americans' Mindset After Hiroshima". Gallup.com (بالإنجليزية الأمريكية). Archived from the original on 2021-03-06. Retrieved 2018-03-17. {{استشهاد بخبر}}: |الأخير= باسم عام (help)
  14. ^ University, Stanford (8 Aug 2017). "Americans weigh in on nuclear war | Stanford News". Stanford News (بالإنجليزية الأمريكية). Archived from the original on 2021-01-16. Retrieved 2018-03-17.
  15. ^ Sagan, Scott D.; Valentino, Benjamin A. (10 Aug 2017). "Revisiting Hiroshima in Iran: What Americans Really Think about Using Nuclear Weapons and Killing Noncombatants". International Security (بالإنجليزية). 42 (1): 41–79. DOI:10.1162/ISEC_a_00284. ISSN:1531-4804. S2CID:57563501. Archived from the original on 2021-03-08.