أنغوليمالا

قاتل متسلسل هندي

أنغوليمالا (باللغة البالية "عقدة الإصبع")[1][2] شخصية بارزة في الديانة البوذية، ولا سيما ضمن تقليد ثيرافادا. بتصويره كقاطع طريق عديم الرحمة يمر بتغير كلي بعد اعتناقه البوذية، يعتبر أنغوليمالا مثالًا ممتازًا عن القوة التخليصية لتعاليم بوذا ومهاراته كمعلم. وينظر البوذيون إلى أنغوليمالا على أنه «القديس الراعي» للولادة ويربط بالخصوبة في جنوب وجنوب شرق آسيا.

أنغوليمالا

يمكن إيجاد قصة أنغوليمالا في العديد من المصادر المكتوبة باللغة بالبالية والسنسكريتية والتيبتية والصينية. ولد أنغوليمالا باسم أهيمساكا. وكبر كشاب ذكي في سافاتثي، وأصبح خلال سنوات دراسته الطالب المفضل لدى أستاذه. إلى أن زملاءه في الدراسة وضعوه، بدافع من الغيرة، في مواجهة مع أستاذه. وفي محاولة للتخلص من أنغوليمالا، أرسله الأستاذ في مهمة خطيرة لإيجاد أصابع ألف شخص. خلال محاولته إنجاز مهمته، أصبح أنغوليمالا قاطع طريق عديم الرحمة وقتل العديد من الأشخاص وتسبب بهجرة قرى بأكملها. في النهاية، تسبب ذلك بإرسال الملك جيشًا لإلقاء القبض على القاتل. في غضون ذلك، حاولت والدة أنغوليمالا أن تتدخل، الأمر الذي عرضها لخطر أن تُقتل هي أيضًا على يد ابنها. إلا أن بوذا تمكن من منع ذلك واستخدم قواه النفسية وتعاليمه ليعيد أنغوليمالا إلى الطريق القويم. أصبح أنغوليمالا أحد أتباع بوذا، وفي مفاجأة للملك ولآخرين، أصبح راهبًا تحت توجيهه. كان سكان القرى ما يزالون غاضبين على أنغوليمالا، إلا أن هذا الوضع تحسن قليلًا حين ساعد أنغوليمالا أمًا على الولادة عن طريق إعلان للحقيقة.

نظّر العلماء إلى أنه من المحتمل أن أنغوليمالا كان جزءًا من طائفة عنيفة قبل اعتناقه البوذية. وأشار المختص في التاريخ الهندي ريتشارد غومبريتش إلى أنه كان أحد معتنقي صيغة باكرة من تانترا، إلا أن هذا الادعاء كان محط معارضة العديد من العلماء.[3][4] يعتبر البوذيون أنغوليمالا رمزًا للتحول الروحي ويعتبرون قصته درسًا بأنه يمكن لأي أحد أن يغير حياته نحو الأفضل، حتى لو كان أبعد الأشخاص عن ذلك. ألهم هذا قس السجن البوذي الرسمي في المملكة المتحدة إلى تسمية منظمتهم على اسمه. علاوة على ذلك، يشار إلى قصة أنغوليمالا في المناقشات الدينية حول العدالة وإعادة التأهيل وينظر إليها من قبل اللاهوتي جون ثومبسون كمثال جيد على التعامل مع إصابة معنوية وأخلاقيات الرعاية. كان أنغوليمالا موضوع السينما والأدب، إذ صوره فيلم تايلندي يحمل اسمه نفسه بأنه أحد أتباع المصادر الأولى، وتبنى كتاب بوذا والإرهابي الذي ألفه ساتيش كومار القصة كرد لا عنفي على الحرب على الإرهاب.

مصادر نصية ومكتشفات علم النقائش عدل

تتمتع قصة أنغوليمالا بشهرة ضمن تقليد ثيرافادا.[5] ويشير نصان من شريعة بالي مكتوبين باللغة البالية إلى لقاء أنغوليمالا الأول مع بوذا واعتناقه البوذية، ويعتقد أن النصين يقدمان النسخة الأقدم عن القصة.[6][7] النص الأول هو الثيراغاثا، وهو غالبًا الأقدم بين النصين،[5] والنص الثاني هو أنغوليمالا سوتا ضمن مجموعة نصوص ماجهيما نيكايا.[8] يقدم النصان وصفًا مختصرًا للقاء أنغوليمالا مع بوذا ولا يذكران الكثير من المعلومات حول خلفية اللقاء التي أدرجت في وقت لاحق ضمن القصة (مثل أن أنغوليمالا كان تحت القسم من قبل معلم).[9][5] بعيدًا عن النصوص المكتوبة باللغة البالية، وصفت حياة أنغوليمالا أيضًا في النصوص الصينية والتيبتية التي كانت تنحدر من السنسكريتية.[9][7] ترجمت المجموعة التي كان تدعى ساميوكتاجاما من مدرسة مولاسارفاستيفادا والمكتوبة باللغة السنسكريتية إلى نصين صينيين (في القرنين الرابع والخامس الميلاديين) على يدي مدرستي سارفاستيفادا وكاسيابيا اللتين كانتا من أوائل المدارس، ويحتوي النصان أيضًا على نسخ من القصة.[10][7][11] ويعرف أيضًا نص مترجم إلى الصينية من النص السنسكريتي إيكوتارا أغاما على يدي مدرسة ماهاسامجيكا. علاوة على ذلك، عثر على ثلاثة نصوص صينية أخرى تتطرق إلى أنغوليمالا دون أن يعرف أصلها، إلا أنها كانت تختلف عن النصوص الصينية الثلاث الأولى.[12]

بعيدًا عن النصوص الأولى، هناك أيضًا ترجمات تظهر في التعليق على ماجهيما نيكايا الذي ينسب إلى بوذاغوسا (القرن الخامس الميلادي) وتعليق ثيراغاثا الذي ينسب إلى دهامابالا (القرن السادس الميلادي).[9] ولا يبدو أن التعليقان منفصلان عن بعضهما بعضًا: يظهر أن دهامابالا نسخ أو أعاد صياغة قريبة من صياغة بوذاغوسا، ولو أنه أضاف شروحات لبعض التناقضات.[6][7] تشدد أقدم الروايات حول حياة أنغوليمالا على العنف الجسور لأنغوليمالا، وخلافًا لذلك، على الطبيعة المسالمة لبوذا. تحاول روايات لاحقة أن تضم المزيد من التفاصيل وتوضيح أي شيء لا يتماشى مع المذهب البوذي.[13] مثلًا، من بين المشكلات التي من المرجح أنها أثارت أسئلة هو التحول المفاجئ من قاتل إلى تلميذ متنور، وهو أمر حاولت روايات لاحقة أن تفسره.[14] تشير روايات لاحقة أيضًا إلى عدد أكبر من المعجزات، إلا أن هذا، إضافة إلى العديد من التفاصيل السردية، كان يميل إلى أن يطغى على النقاط الرئيسية للقصة.[15] لا تقدم النصوص الأولى المكتوبة باللغة البالية (سوتا باللغة البالية) أي دافع لأفعال أنغوليمالا سوى القسوة المجردة.[16] ومن المحتمل أن النصوص اللاحقة تمثل محاولات من قبل معلقين لاحقين ل «إعادة تأهيل» شخصية أنغوليمالا وتجعله يبدو بشكل رئيسي إنسانًا صالحًا حاصرته الظروف، لا قاتلًا خبيثًا.[17][18] وبالإضافة إلى النصوص والأبيات، هناك أيضًا حكايات جاتاكا وميليندا بانها وأجزاء من فينايا بيتاكا التي تتطرق إلى ذكر أنغوليمالا، إضافة إلى مدونة ماهافامسا.[19]

تضم نصوص لاحقة مكتوبة بلغات أخرى تروي حياة أنغوليمالا نص أفادانا المسمى ساتاكا،[20] وأيضًا مجموعة لاحقة من الحكايا المسماة نصوص عن الحكمة والحماقة المتوافرة باللغتين التيبتية والصينية.[21] وهناك أيضًا روايات أسفار الحجاج الصينيين التي تذكر أنغوليمالا بشكل مختصر.[22] إضافة إلى أوصاف لحياة أنغوليمالا، هناك نص ماهايانا سمي أنغوليمالا سوترا الذي يوجهه غاوتاما بوذا إلى أنغوليمالا. وهو أحد نصوص تاثاغاتاغاربها سوتراس الذي كان مجموعة نصوص تتطرق إلى طبيعة بوذا.[1][23] وهناك أيضًا سوترا أخرى تحمل الاسم نفسه أشير إليها في النصوص الصينية استخدمت للدفاع عن الموقف البوذي الذي يحرم المشروبات الكحولية. إلا أن النص لم يعثر عليه.[24] بعيدًا عن الدليل النصي، عثر على دليل قديم من علم النقائش. يعود تاريخ أحد أقدم النقوش التي تصور أنغوليمالا إلى القرن الميلادي الثالث تقريبًا.[25]

القصة عدل

تجسدات سابقة عدل

تصف النصوص تجسدًا سابقًا قبل لقاء أنغوليمالا بغوتاما بوذا. في هذه الحياة، ولد كملك يأكل البشر يتحول إلى ياكشاس (باللغة البالية: ياكخا، أحد تجليات الشيطان، باللغة السنسكريتية: ياكسا)[26][27]، ويسمى في بعض النصوص ساوداسا.[28] يتطور لدى ساوداسا اهتمام بتناول اللحم البشري حين يقدم له لحم طفل ميت. وحين يطلب المزيد، تبدأ رعيته بالخوف على أمان أولادها ويطرد من مملكته.[29] مع تحوله إلى وحش، يلتقي ساوداسا بإله يعده بأن يستعيد مكانته كملك إن ضحى ب 100 ملك آخر. وبعد أن يقتل 99 ملكًا،[27] يغير ملك يدعى سوتاسوما رأي ساوداسا ويجعله إنسانًا متدينًا ويتخلى عن كل أشكال العنف. تحدد النصوص هوية سوتاسوما بتجسد سابق لبوذا،[27][28] وتحدد هوية ساوداسا بتجسد سابق لأنغوليمالا. [30]

إلا أنه وفقًا لإيكوتارا أغاما، يكون أنغوليمالا في تجسد سابق ولي عهد تثير فضيلته واستقامته غضب أعدائه. وحين يقتله أعداؤه، يقسم قبل وفاته بأنه سينتقم لموته ويبلغ النيرفانا في حياة مستقبلية تحت توجيهات سيد. في هذه النسخة، تبرر بذلك أعمال القتل التي ارتبكها أنغوليمالا على أنها رد على الشر المرتكب ضده في حياة سابقة، ويتلقى ضحاياه المعاملة ذاتها التي عاملوا بها أنغوليمالا.[31]

الشباب عدل

في معظم النصوص، يولد أنغوليمالا في سافاتثي لطبقة البراهمة (قس) لعشيرة غاغا،[28] وكان والده بهاغافا قس ملك كوسالا، وكانت والدته تدعى مانتاني.[20] وفقًا لنصوص أتثاكاثا، فإن الفأل الذي شوهد عند ولادة الطفل (وميض الأسلحة وظهور «مجموعة اللصوص النجمية» في السماء)[20] يشير إلى أن قدر الطفل أن يصبح قاطع طريق.[26][32] وفيما كان الأب يفسر الفأل للملك، يسأل الملك إذا ما سيكون الطفل قاطع طريق لوحده أو قائد مجموعة قطاع طرق. حين يرد بهاغافا بأنه سيكون لوحده، يقرر الملك بأن يدعه يعيش. [32]

يروي بوذاغوسا أن الوالد يسمي الطفل أهيمساكا، ومعناه «غير المؤذي». وهو مشتق من كلمة اهيمسا (اللا عنف)،[20] لأن أحدًا لا يتعرض لأذى عند ولادته على الرغم من الفأل السيئ.[1] ينص تعليق دهامابالا أنه سمي في البداية هيمساكا (المؤذي) من قبل الملك القلق، إلا أن الاسم غير في وقت لاحق.[20]

مع نضجه، يصبح أهيمساكا وسيمًا وذكيًا وحسن السلوك.[26][10] ويرسله والده إلى تاكسيلا للدراسة تحت إشراف مدرس ذائع الصيت. تفوق أهيمساكا هناك في دراسته وأصبح التلميذ المفضل لدى أستاذه وتمتع بامتيازات خاصة في منزل الأستاذ. إلا أن التلاميذ الآخرين شعروا بالغيرة من التطور السريع الذي حققه أهيمساكا وسعوا إلى تأليب أستاذه ضده.[20][26]

المراجع عدل

  1. ^ أ ب ت Buswell، Robert E. Jr.؛ Lopez، Donald S. Jr. (2013). "Aṅgulimāla" (PDF). Princeton Dictionary of Buddhism. دار نشر جامعة برنستون. ISBN:978-0-691-15786-3.
  2. ^ Gombrich 2006، صفحة 135 n.1.
  3. ^ Mudagamuwa & Von Rospatt 1998، صفحات 170 – 3.
  4. ^ Cousins، L. S. (24 ديسمبر 2009). "Review of Richard F. Gombrich: How Buddhism began: the conditioned genesis of the early teachings, 1996". Bulletin of the School of Oriental and African Studies. ج. 62 ع. 2: 373. DOI:10.1017/S0041977X00017109. S2CID:161453683.
  5. ^ أ ب ت Thompson 2015، صفحة 161.
  6. ^ أ ب Gombrich 2006، صفحة 137.
  7. ^ أ ب ت ث Thompson 2015، صفحة 162.
  8. ^ Wilson 2016، صفحة 285.
  9. ^ أ ب ت Wilson 2016، صفحة 288.
  10. ^ أ ب Zin 2005، صفحة 707.
  11. ^ Analayo 2008، صفحة 135.
  12. ^ Bareau 1986، صفحة 655.
  13. ^ Thompson 2017، صفحة 176.
  14. ^ Bareau 1986، صفحة 654.
  15. ^ Analayo 2008، صفحة 147.
  16. ^ Gombrich 2006، صفحة 136.
  17. ^ Gombrich 2006، صفحة 141.
  18. ^ Kosuta 2017، صفحة 36.
  19. ^ Thompson 2015، صفحات 161–2.
  20. ^ أ ب ت ث ج ح Malalasekera 1960.
  21. ^ Analayo 2008، صفحة 140.
  22. ^ Brancaccio 1999، صفحة 105.
  23. ^ Thompson 2015، صفحة 164.
  24. ^ Wang-Toutain, Françoise (1999). "Pas de boissons alcoolisées, pas de viande : une particularité du bouddhisme chinois vue à travers les manuscrits de Dunhuang" [No alcoholic beverages, no meat: one particular characteristic of Chinese Buddhism, seen through the manuscripts of Dunhuang] (PDF). Cahiers d'Extrême-Asie (بالفرنسية). 11 (1): 101–102, 105, 112–115. DOI:10.3406/asie.1999.1151. Archived from the original (PDF) on 2023-02-01.
  25. ^ Zin 2005، صفحة 709.
  26. ^ أ ب ت ث Wilson 2016، صفحة 286.
  27. ^ أ ب ت Barrett 2004، صفحة 180.
  28. ^ أ ب ت Zin 2005، صفحة 706.
  29. ^ Barrett 2004، صفحة 181.
  30. ^ Wilkens, Jens (2004). "Studien Zur Alttürkischen Daśakarmapathāvadānamālā (2): Die Legende Vom Menschenfresser Kalmāṣapāda" [Studies of the Old Turkish Daśakarmapathāvadānamālā (2): The Legend of the Man-eater Kalmāṣapāda]. Acta Orientalia Academiae Scientiarum Hungaricae (بالألمانية). 57 (2): 169. DOI:10.1556/AOrient.57.2004.2.1. JSTOR:23658630.
  31. ^ Bareau 1986، صفحات 656 – 7.
  32. ^ أ ب Gombrich 2006، صفحة 138.