سؤالٌ تثيره نظرية "الثقب الأسود"!

جواد البشيتي

يُعَرَّف "الثقب الأسود" Black Hole على أنَّه جسم "مُظْلِم (غير مضيء)"؛ لأنَّ الضوء لا يستطيع أبداً الإفلات من قبضة جاذبيته (التي لا مثيل لها لجهة شدَّتها). إنَّ "سرعة الإفلات (أو الهروب)" من "سطح" هذا الجسم تفوق سرعة الضوء (300 ألف كم/ث تقريباً). وليس من شيء في الكون يمكنه السَّيْر بسرعة تفوق هذه السرعة؛ وليس من شيء، من ثمَّ، ولا حتى الضوء نفسه، يمكنه الإفلات من جاذبية "الثقب الأسود".

و"الثقب الأسود"، بمعنى من معانيه، هو "المادة" في "كثافتها المُطْلَقَة"؛ ذلك لأنَّه اجتماع "الكتلة (أكانت صغيرة أم كبيرة)" و"انعدام الحجم (أو الحجم الصِّفْري".

هذا الجسم (والذي ليس بجسمٍ) يمكنكَ تصوُّره على هيئة "كرة"، لها "مركز" و"سطح"؛ وهذا "المركز (Singularity)" هو "نقطة عديمة الحجم، لا نهائية الكثافة"؛ فكل كتلة "الثقب الأسود" تتموضع فيها. و"السطح (الذي ليس بسطحٍ)" هو ما يسمَّى "أُفْق الحدث" Event Horizon. أمَّا "نصف قطر" هذا الجسم ("الثقب الأسود") فهو المسافة من "مركزه" إلى "سطحه".

إنَّه، أيْ "الثقب الأسود"، يشبه "كرة"؛ لكنَّها كرة فارغة تماماً؛ فـ "النقطة"، التي تتموضع فيها كل كتلة هذا الجسم، "عديمة الحجم"؛ وليس من وجود لـ "المادة"، ومهما كان نوعها أو شكلها، في "الفراغ (أو الفضاء)" بين "النقطة" و"السطح".

ومع أنَّ "النقطة" عديمة الحجم فثمَّة "حجم" لـ "الثقب الأسود"؛ ذلك لأنَّ "نصف قطره" عُرْضة (أو قابل) للزيادة والنقصان؛ فإذا طال قُلْنا إنَّ حجم "الثقب الأسود" قد كَبُر، وإذا قصر قُلْنا إنَّ حجم هذا الجسم قد صَغُر.

كيف يطول نصف قطره، ويَكْبُر حجمه، من ثمَّ؟

من طريق التهامه مزيداً من المادة؛ فكلَّما التهم مادة طال نصف قطره (أيْ كَبُر حجمه).

ولـ "الثقب الأسود" خاصية عجيبة غريبة هي أنَّه يظل "ثقباً أسود" مهما التهم من مادة؛ فالتهامه المادة، ولو عَدَلَت كتلتها كُتلة ملايين الشموس، لا يتسبَّب بأيِّ تغيير في طبيعته، أو ماهيته؛ إنَّه يظل "ثقباً أسود"؛ لكن حجمه، أو نصف قطره، يصبح أكبر.

إنَّ كل مادة، أو كتلة، "الثقب الأسود" تتموضع فحسب في تلك "النقطة عديمة الحجم، مُطْلَقَة الكثافة"؛ فمِمَّ تتكوَّن هذه "النقطة"؟ وما هي طبيعة وخواص "المادة" التي تشتمل عليها؟

بحسب "تعريف" هذه "النقطة"، لا يُوْجَد (ولا يمكن أنْ يُوْجَد) فيها أي نوع من أنواع المادة التي نعرف؛ حتى ما يسمَّى "الجسيمات الأوَّلية" لا وجود لها في هذه "النقطة".

"النقطة"، وبصفة كونها "عديمة الحجم"، لا تشتمل، ولا يُمْكنها أنْ تشتمل، حتى على الجسيم (الأوَّلي) المسمَّى "فوتون"؛ وهذا إنَّما يعني أنَّ "مادة عجيبة"، أو "مادة ليست بمادة"، هي التي تتموضع في هذه "النقطة".

إذا سلَّمنا باستحالة أنْ تشمل هذه "المادة العجيبة" على "الضوء نفسه"، فهل من المنطق في شيء أنْ نقول إنَّ الضوء (الذي لا وجود له في تلك "النقطة") لا يستطيع الإفلات من قبضة جاذبية "الثقب الأسود"؟!

"الثقب الأسود"، ومن الوجهة النظرية الصَّرف، يمكن أن يكون بكتلةٍ تعدل كتلة الذرَّة، أو تعدل كتلة نجم ضخم؛ إذا ما ضُغِطَت هذه الكتلة، وقُلِّص نصف قطرها، بما يفي بالغرض (والذي هو تكوين "ثقب أسود").

وحقل جاذبية "الثقب الأسود" يَعْظُم (يتَّسِع) بتعاظُم كتلته (المتموضعة في "نقطته المركزية"). أمَّا الجاذبية التي في داخله فهي التي لا يمكن الإفلات منها إلاَّ بسرعة تفوق سرعة الضوء؛ فهي جاذبية تُدْخِل مادة إلى جوف "الثقب الأسود"؛ لكنَّها لا تسمح لأيِّ "مادة" بمغادرته والخروج منه.

ولولا تبخُّره في "طريقة مخصوصة"، شُرِحت في "إشعاع هوكينج"، لتعيَّن علينا فَهْم "الثقب الأسود" على أنَّه جسم خالد، يمكن أنْ تزداد كتلته، ويَكْبُر حجمه، ويطول نصف قطره؛ لكن من غير أنْ يصبح عُرْضةً للزوال.

إنَّه، أيْ "الثقب الأسود"، "المُهَرِّب الكوني"؛ فهو "يُهَرِّب" المادة منه "تَهْريباً" إلى الخارج؛ هو لا ينقلها (منه) إلى الخارج في "طريقة شرعية قانونية"؛ ذلك لأنَّ "الناموس الفيزيائي" يمنعه من ذلك!

لماذا لا يضيء "الثقب الأسود"؟

هل هو "مظْلِم (لا يضيء)"؛ لأنَّ الضوء لا يستطيع الإفلات من قبضة جاذبيته التي لا مثيل لها لجهة شدَّتها، أمْ لأنَّ "الضوء نفسه" غير موجود في داخل "الثقب الأسود"، أيْ في داخل كرته كلها، وفي داخل "نقطته المركزية" على وجه الخصوص؟

إنَّ "نقطة عديمة الحجم" لا يمكنها أنْ تَضُمَّ مادة لها حجم!