الجحاف بن حكيم

فاتك ثائر شاعر

الجَحَّاف بن حُكَيم[أ] السُّلَمي (توفي نحو 90 هـ / 709 م) فاتكٌ ثائر شاعر، وُلد في مدينة البصرة، ضُرب به المَثَل في الفتك[ب] فقيل: أفتَكُ منَ الجَحَّاف.[1][2]

الجحاف بن حكيم
معلومات شخصية
الميلاد البصرة  تعديل قيمة خاصية (P19) في ويكي بيانات
تاريخ الوفاة سنة 709   تعديل قيمة خاصية (P570) في ويكي بيانات
الحياة العملية
المهنة شاعر،  ومحارب  تعديل قيمة خاصية (P106) في ويكي بيانات
اللغات العربية  تعديل قيمة خاصية (P1412) في ويكي بيانات
بوابة الأدب

غزا تغلِبَ فأوقع فيهم مَقتلةً عظيمة، فاستجاروا بالخليفة عبد الملك بن مروان، فأهدر دمَه، فهرَب الجَحَّاف إلى بلاد الروم، وأقام فيهم سنين، ثم عفا عنه عبد الملك وأمَّنه، فرجع، وقيل: رجع بعد موت عبد الملك وتولي الوليد بن عبد الملك الخلافة.

ثم تاب توبة نصوحًا، وتنسَّك نُسُكًا تامًّا.[3]

وهو القائلُ يصِفُ خيلَ بني سُلَيم في يوم حُنَين:

شَـهِـدنَ معَ النَّبيِّ مُسَـوَّماتٍ
حُنَينًا وَهْيَ دامِيةُ الكِلامِ

[مُسَوَّمات: الخيل المُطهَّمة المُعلَّمة. الكِلام: الجُروح]

وهو الذي أوقعَ ببني تَغْلِب،[ج] فأكثرَ فيهم القتل، في حروب قيس وتغلب، فقال الأخطل:

لقَد أوقَعَ الجَحَّافُ بالبِشْر وَقعةً
إلى الله مِنها المُشْتَكَى والمُعَوَّلُ

[البِشْر: منازل تغلِب. المُعَوَّل: المُستَغاث][4]

نسبه عدل

الجَحَّاف بن حُكَيم بن عاصِم بن قيس بن سِباع بن خُزاعيّ بن مُحارِب (مُحاربيّ) بن هِلال بن فالِج بن ذَكْوان بن ثعلَبة بن بُهْثة بن سُلَيم بن منصور بن عِكرِمة بن خَصَفة بن قَيس عَيْلان، السُّلَمي.[5][6]

أخباره عدل

  • قال الجَحَّافُ بن حُكَيم: دخَلتُ على عبد الملك بن مروان وهو خليفة، فقال لي: ما قلتَ في حرب قيس وتغلِب؟ قال: فقلت:
صَبَرَتْ سُلَيمٌ للطِّعانِ وعامِرٌ
وإذا جَزِعْنا لم نَجِد مَن يَصْبِرُ

قال: كذبتَ، من يصبِرُ كثير.

قال: ثم قلت:

نحنُ الذينَ إِذا عُلُوا لم يَضجَرُوا
يومَ الطِّعانِ وإِن عَلَوا لم يَفخَرُوا

قال: صدقتَ. كذلك حدثني أبي [مروان بن الحَكَم] عن أبي سفيان بن حرب قال: لمَّا انهزمَ الناسُ ورجَعُوا، أشرَفَ رسولُ الله على وادي حُنَين، فبَصُرَ ببني سُلَيم في أيديهم الحَجَفُ [التُّروسُ من الجلود] والرِّماح والسُّيوف ولم ينهَزِموا، فلمَّا نظرَ إِليهم على تلك الحال قال: «أنا ابنُ العَواتِكِ من سُلَيم ولا فخر».

قال الجَحَّافُ: وقد قال شاعرُنا [أشْجَعُ السُّلَمي] لبني هاشم:

اذكُرُوا حُرمةَ العَواتِكِ مِنَّا
يا بَنِي هاشمِ بنِ عَبدِ مَنافِ
قد وَلَدناكُمُ ثَلاثَ وِلادا
تٍ خَلَطْنَ الأشرافَ بالأشرافِ
  • قال الحسَنُ بن عَلَّان: الجَحَّافُ بن حُكَيم السُّلمي الذي وقعَ ببني تغلب الوَقعةَ المشهورة بالبِشْر، فبَقَرَ بطون النساء، ثم خرج هاربًا لعِظَم ما أتى إليهم، فحمَل الحجاج بن يوسف الثقفي تلك الحَمَالة لبني تغلِب عنه، ويقال: إنه لم تكن حَمَالةٌ قطُّ أعظمَ منها.

[الحَمَالة: الغُرْم تَحْمِلُه عن القوم]

ألا سائلِ الجَحَّافَ هل هُوَ ثائرٌ
بقَتْلى أُصِيبَتْ مِنْ سُلَيْمٍ وعامرِ

قال: فقبض وجهَه في وجه الأخطل، ثم قال:

بَلى سوفَ نَبْكِيهِمْ بكُلِّ مُهَنَّدٍ
ونَبْكِي عُمَيرًا بالرِّماحِ الخَواطِرِ

يعني عُمَيرَ بنَ الحُباب السُّلمي أحدَ سادة قيس عَيْلان وفرسانها.

ثم قال: لقد ظنَنتُ يا بنَ النصرانية أنك لم تكُن تجترئ عليَّ، ولو رأيتَني لكَ مأسُورًا! وأوعَدَه.

فما زالَ الأخطلُ من موضِعه حتى حُمَّ، فقال له عبدُ الملك: أنا جارُك منه، قال الأخطل: هذا أجرتَنِي منه يَقظانَ، فمَن يُجيرني منه نائمًا؟ فضَحِكَ عبدُ الملك.[7][8]

وفي رواية أُخرى:[9] أن الجَحَّاف كان عندَ عبد الملك بن مروان، فدخلَ عليه الأخطل، فأنشده:

ألا أبْلِغِ الجَحَّافَ هل هُوَ ثائِرٌ
بقَتْلى أُصِيبَتْ مِن سُلَيمٍ وعامرِ

قال: وهم يأكلون تمرًا، قال: فجعل الجَحَّافُ يأخذ التمرةَ ويجعلها في عينه من الغضب، ثم نهضَ وقد سقطَ رِداؤه من جانبٍ وهو يجرُّه. فقال عبد الملك للأخطل: ويحَكَ إني أخشَى أن تكونَ قد سُقتَ إلى قومك شرًّا، فخرج الجَحَّافُ حتى أتى قومَه، وقد أوسَقَ بِغالًا فيها حصًا في الأحمال يوهِمُ أنه مال، ثم نادى في قومه، فاجتمعوا إليه على أخذ الجائزة، فلمَّا اجتمعوا كشفَ عمَّا فيها، فإذا هو الحَصا، وقال: إنما أردتُّ أن أجمعَكم لهذا، ثم أنشدهم قولَ الأخطل، قال: فمَن أرادَ أن يتبعَني فليتبَعْني، فاتَّبَعه منهم عدَّةُ آلاف. فسار، فلمَّا أمسى قال: مَن كان منكم مُضْعِفًا فليَرجع [أي: دابَّته ضعيفة]، فرجعَ قوم. ثم مضى، فقال: مَن كان يكرَهُ الموتَ فليَرجع، فرجعَ عنه قوم.

فسار مسيرةَ أربعٍ في يوم وليلة حتى صبَّحَ حيَّ الأخطل، فأغارَ عليهم؛ فقتل النساءَ والصِّبيان والماشيةَ، وذبحَ الدَّجاج والكِلاب، وأفلَتَ الأخطلُ هاربًا.

فقال الأخطل:

لقد أوقَعَ الجَحَّافُ بالبِشْرِ وَقعةً
إلى اللَّهِ منها المُشتَكى والمُعَوَّلُ
وإلا تُغَيِّرْها قُرَيشٌ بمُلْكِها
يَكُنْ عَن قُرَيشٍ مُسْتَمازٌ ومَزْحَلُ

[مُسْتَماز: مكان يتَنَحَّونَ فيه ويُبعِدون. ومَزْحَل: مكان يُزحَلُ إليه، أي يُتنحَّى إليه]

قال: فقيل له: إلى أين؟ قال: إلى النار، فقال له عبد الملك بن مروان: يا بنَ اللَّخْناء، أيكونُ عن قريشٍ مُسْتَمازٌ ومَزْحَلُ؟!

قال: ثم إن الجَحَّافَ خافَ من عبد الملك، فخرجَ إلى بلاد الروم، فقَبِلَه صاحبُ الروم، ثم إن عبد الملك وجَّهَ الصائِفة، فلقِيَهم الرومُ، ولقِيَهُم الجَحَّافُ مع الروم، فهُزِمَت الصَّائفة، فلمَّا رجَعُوا سأل عبدُ الملك عن الخبر، فقالوا: أُتِينا منَ الجَحَّاف، فبَعَث إليه عبدُ الملك يؤمِّنه، فرجَعَ. وعرَضَ عليه صاحبُ الروم النصرانية والمُقامَ عنده، ويُعطيه ما شاء، فأبى، وقال: لم أخرُج رغبةً عن الإِسلام، إنما خرجتُ حَمِيَّةً.

فلمَّا رجعَ تفكَّر فيما صَنَع وندِم، فدَعا مولًى له، فركب معه، وقد لبِسَ أكفانًا حتى أتى إلى البِشْر إلي حيِّ الأخطل، فلم يَرُعهم حتى جاءهم، فقالوا: قد أتى الجَحَّاف، فقالوا: ما جاء بك؟ قال: أُعطِي القَوَد من نفسي، فإن شئتُم فاقتلوا، فتسرَّع بعضُهم، وقال مشايخُهم: تجبِذونَ عُنقَه في الحبل وتقتلونه أسيرًا؟! لا كان هذا أبدًا، فتركوه وعَفَوا عنه.

قالوا: وقِيلَ إن الجَحَّاف لما سار في جماعة من قومه إلى بني جُشَم بن بكر رَهْط الأخطل، وأوقَعَ بهم، وقتل مَقْتَلةً عظيمة فيهم أَبو الأخطل [غَوْث بن الصَّلْت]، وقعَ الأخطلُ في أيديهم، وعليه عَباءة دَنِسة، فسألوه، فذكر أنه عبد، فأطلقوه، فقال:

لقد أوقَعَ الجَحَّافُ بالبِشْر وَقعةً

... البيت.

وقال الجَحَّافُ بن حُكَيم بعد وقعة البِشْر يخاطب الأخطل:

أبا مالكٍ هل لُمتَنِي إذ حَضَضْتَني
على القَتلِ أم هل لامَنِي كلُّ لائمِ
ألم أُفنِكُم قتلًا وأجدَعْ أنُوفَكُم
بفِتيانِ قَيسٍ والسُّيوفِ الصَّوارِمِ
بكُلِّ فتًى يَنْعَى عُمَيرًا بسَيفِهِ
إذا اعتَصَمَتْ أيمانُهُم بالقَوائِمِ
فإن تَطرُدُوني تَطرُدوني وقد جَرَى
بيَ الوَرْدُ يومًا في دِماءِ الأَراقِمِ
نكَحتُ بسَيفي في زُهَيرٍ ومالكٍ
نِكاحَ اغتِصابٍ لا نِكاحَ دَراهِمِ

[الوَردُ: فرَسُ الجَحَّاف. زهير ومالك: قَبيلَتان من قبائل بني تغلِب].

  • قال أبان الأعرج: قد أدرك الجَحَّافُ بن حُكَيم الجاهلية، فقيل لأبان بن الأعرج: لمَ تقولُ ذلك؟ قال لقوله:
شَهِدْنَ معَ النَّبيِّ مُسَوَّماتٍ
حُنَينًا وَهْيَ دامِيةُ الكِلامِ
نُعَرِّضُ للطِّعانِ إذا التَقَينا
وُجوهًا لا تُعَرَّضُ للِّطَامِ

فقيل له: إنما عَنى خيلَ قومه بني سُلَيم.

فقال له: يا عبد الله، لو كنتَ الجَحَّافَ ما زِدتَّ على ما تقول!

قال: فأنا الجَحَّاف.

وسمِعَه محمد ابن الحنفية (ابن علي بن أبي طالب) رضي الله عنهما، وهو يقول ذلك، فقال له: يا عبدَ الله، قُنُوطُكَ من عَفْو الله أعظَمُ من ذَنْبِك![10]

وفاته عدل

توفي نحو سنة 90 هـ / 709 م.

انظر أيضًا عدل

الملاحظات عدل

  1. ^ حُكَيم: بضم الحاء وفتح الكاف، نصَّ على ذلك ابنُ ماكولا في (الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكُنى والأنساب) بتحقيق العلامة عبد الرحمن بن يحيى المُعلِّمي اليَماني، 2/ 491، وابن ناصر الدين الدمشقي في (توضيح المشتبه) بتحقيق الشيخ محمد نعيم العرقسوسي، 3/ 282. وكثيرًا ما يُضبَط اسمُ أبي الجحَّاف (حُكَيم) في المطبوعات بفتح أوله وكسر ثانيه، وهو خطأ على ما تقدَّم.
  2. ^ ضَرَبَت العربُ المَثَل في الفتك بأربعة رجال، فقالوا: أفتَكُ من البَرَّاض، وأفتَكُ من الجَحَّاف، وأفتَكُ من الحارِث بن ظالِم، وأفتَكُ من عَمرو بن كُلثُوم. انظر (معجم الأمثال العربية) تأليف رياض عبد الحميد مراد، 3/ 322. و(معجم الأمثال العربية) تأليف خير الدين شمسي باشا، 1/ 443- 444.
  3. ^ وقع تصحيف في كلٍّ من كتاب ابن ماكولا (الإكمال) بتحقيق العلامة المُعلِّمي اليَماني، 2/ 491، وكتاب ابن ناصر الدين الدمشقي (توضيح المشتبه) بتحقيق الشيخ محمد نعيم العرقسوسي، 3/ 282. فقد وردت العبارة فيهما: الجَحَّاف بن حُكَيم السُّلَمي... الذي أوقعَ ببني (ثَعْلَب) كذا بالثاء المثلَّثة أوله، والعين المهملة! والصواب: الذي أوقعَ ببني (تَغْلِب) بالتاء المثناة الفوقية أوله، والغين المعجَمة.
  4. ^ كذا بصيغة التضعيف (رُوي)، ويبعُد جدًّا أن يصحَّ خبرُ اجتماع ابن عمر بالجَحَّاف بعد توبته! فإن المصادر ذكرت أن وقعة البِشْر كانت بعد مقتل عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما (ت 73هـ)، وبعد استتباب الصُّلح بين القيسيين والتغلبيين برعاية الخليفة عبد الملك بن مروان. وابنُ عمر توفي سنة (73هـ) أيضًا، ولم تكن حجَّة الجَحَّاف وتنسُّكه إلا بعد عودته من بلاد الروم التي قضى فيها سنين (في بعض المصادر 7 سنين)، أي بعد وفاة ابن عمر بأعوام! والله تعالى أعلم.

المراجع عدل

  1. ^ أبو الفضل الميداني (1995)، مجمع الأمثال، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد (ط. 1)، بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر، ج. 2، ص. 88، OCLC:864746608، QID:Q114870650 – عبر المكتبة الشاملة
  2. ^ رياض عبد الحميد مراد (1986). مجمع الأمثال العربية (ط. 1). جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. ج. 3. ص. 322.
  3. ^ خير الدين الزِّرِكْلي (2002). الأعلام (ط. 15). دار العلم للملايين. ج. 2. ص. 113.
  4. ^ محمد بن سَلَّام الجُمَحِي. طبقات فحول الشعراء. تحقيق: محمود محمد شاكر. دار المدني. ج. 2. ص. 479 و 482.
  5. ^ ابن حزم الأندلسي (2010). جمهرة أنساب العرب. تحقيق: عبد السلام هارون (ط. 7). دار المعارف. ص. 264.
  6. ^ ابن ماكولا (1961)، الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب، تحقيق: عبد الرحمن المعلمي، حيدر آباد: دائرة المعارف العثمانية، ج. 2، ص. 491، QID:Q118382737
  7. ^ محمد بن يزيد المبرِّد (2004). الكامل. تحقيق: محمد أحمد الدالي (ط. 4). مؤسسة الرسالة. ج. 2. ص. 623- 624.
  8. ^ الوَطْواط محمد بن إبراهيم (ت 718 هـ) (2018 م). غُرَر الخصائص الواضحة وعُرَر النقائص الفاضحة. تحقيق: الدكتور محمد عبد الله قاسم (ط. 1). دار القلم دمشق. ج. 2. ص. 856. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من التاريخ في: |سنة= (مساعدة)صيانة الاستشهاد: أسماء عددية: قائمة المؤلفين (link)
  9. ^ ابن عساكر (1995)، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق: عمر بن غرامة العمروي، بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ج. 72، ص. 52، OCLC:4770667638، QID:Q116753093 – عبر المكتبة الشاملة
  10. ^ صلاح الدين الصفدي (2000)، الْوافِي بالْوَفَيَات، تحقيق: أحمد الأرناؤوط، تركي فرحان المصطفى (ط. 1)، دار إحياء التراث العربي، ج. 11، ص. 47، OCLC:713922056، QID:Q113528574 – عبر المكتبة الشاملة

المصادر عدل

الوصلات الخارجية عدل