نقاش:اللوح المحفوظ

مشروع ويكي الإسلام (مقيّمة بعالية الأهمية)
أيقونة مشروع الويكيالمقالة من ضمن مواضيع مشروع ويكي الإسلام، وهو مشروعٌ تعاونيٌّ يهدف لتطوير وتغطية المحتويات المُتعلّقة بالإسلام في ويكيبيديا. إذا أردت المساهمة، فضلًا زر صفحة المشروع، حيث يُمكنك المشاركة في النقاشات ومطالعة قائمة بالمهام التي يُمكن العمل عليها.
 ؟؟؟  المقالة لم تُقيّم بعد حسب مقياس الجودة الخاص بالمشروع.
 عالية  المقالة قد قُيّمت بأنها عالية الأهمية حسب مقياس الأهمية الخاص بالمشروع.
 

أشك في أن محتوى هذا المقال صحيح وبجولة مختصرة على الانترنت وجدت معلومات مختلفة تماما، وسأقوم بإجراء المزيد من البحث، ولكن إن تكرم أحد المستخدمين ممن لديهم معلومات أوفر في هذا المجال بالمساعدة فسأكون ممنونا...--عبدالله زيني جفري 20:27، 1 يناير 2008 (UTC)


اللوح المحفوظ

السلام عليكم

ورد "اللوح المحفوظ" مرة واحدة في القرآن الكريم في سورة البروج (85 م / 27 ن – آية 22): " بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ".

تفسير السلف

بالعودة إلي الثرات و مراجعة اجتهادات من صنفوا علي أنهم أعلام الأمة في مجال التفسير، نقف علي ما يلي:


1.0 أمهات التفاسير:


1.1 تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ)

ذهب الطبري إلي أن اللوح (مَحْفُوظٍ) بالكسر، هي قراءة أهل الحجاز و الكوفة و البصرة، علي معني أن "اللوح" هو المنعوت بالحفظ و علي هذا الأساس، يكون التأويل في لوح محفوظ من الزيادة فيه و النقصان منه، على ما أثبته الله فيه. و هي قضية أثارت الكثير من الجدل حد التعارض في موضوع الناسخ و المنسوخ، كما سيأتي تبيانه في مناسبته. أما القراءة الثانية (مَحْفُوظٌ) بالرفع، كما قرءها بعض المكيين كابن مُحَيْصِن و المدنيين كنافع، ردّاً على القرآن، على أنه من نعته وصفته. فمعنى ذلك أنه قرآن مجيد، محفوظ من التغيير والتبديل في لوح، و بالتالي فلا أصل و لا معني للحديث عن الناسخ و المنسوخ فيما هو مثبت في اللوح المحفوظ. و يذكر القرطبي في حديث عن مجاهد بأن اللوح المحفوظ يعني "أم الكتاب" عند الله. لكن لا شيء في القرآن يفيد هذا المعني. ف"اللوح" وفق التعبير القرآني، هو الأصل الذي استنسخ منه القرآن، و لم يرد في النص المقدس ما يفيد مثل هذه العلاقة بين النسخة و الأصل في حالة "القرآن" و "أم الكتاب" بالتحديد، و بالمعني الواضح الذي وردت به في الآية 22 من سورة البروج لبين علاقة النسخة بالأصل. كما لا يمكن تصنيف "أم الكتاب" كأصل يعني "اللوح المحفوظ" الذي هو بدوره أصل القرآن دون سند من نص مقدس صريح، مراعاة للدقة الشديدة التي تطبع اختيار الله لكلماته في القرآن المجيد. و كون القرطبي أو غيره، اعتمد نقل بعض المرويات عن السلف لدعم تفسيره لا يعني أن ما ذهب إليه هو عين الصواب، كما لا يمكن بحال من الأحوال، اعتبار المأثور من الروايات، بمثابة حقائق مقدسة غير قابلة للنقد و التدقيق، خاصة إذا تعارضت مع العقل و منطق الفهم الموضوعي للنص. و كمثال علي ما نقول نورد ما اعتمده القرطبي نفسه في تفسير كلمة "محفوظ"، حيث أشار إلي حديث مرفوع إلي الإمام أنس ابن مالك يقول: " إن اللوح المحفوظ الذي ذكر الله، { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مجيد فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ } يعني في جَبْهة إسرافيل". و علينا أن نتصور شكل و حجم جبهة الملك "إسرافيل" علي ضوء حديث آخر رواه ابن عباس، يزعم فيه أن الله: "خلق اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام، أي ( حوالي 1.440.000 كم ) فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق 'أكتب علمي في خلقي' فجري بما هو كائن ليوم القيامة". و ذلك قبل أن نتساءل عن مصدر هذه المعلومة الغريبة التي لا أصل لها في القرآن.


1.2 تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ)

الزمخشري من جهته، لم يجتهد برأي يذكر، بل اكتفي بالإشارة إلي قراءة يحيي بن يعمر التي تقول: "«في لوح»: واللوح: الهواء، يعني: اللوح فوق السماء السابعة الذي فيه اللوح { مَّحْفُوظٍ } من وصول الشياطين إليه. وقرئ «محفوظ» بالرفع كذلك، صفة القرآن." نحن هنا أمام قراءة جديدة و مغايرة لسابقتها، لا تذكر "أم الكتاب و لا جبهة "إسرافيل"، و لكن تفيد أن معني اللوح هو "الهواء" الذي في السماء السابعة. و الحقيقة، لا أحد يستطيع أن يفسر لنا نوع و طبيعة "الهواء" الذي كتب فيه أصل القرآن و حفظ في السماء السابعة. و طبيعي أن تنتفي الحاجة لأي تفصيل، لأن الجواب الجاهز عند أصحاب هذا النوع من التأويل ألعجائبي الذي يستغبي العباد، هي أن "الله علي كل شيء قدير". و نكران هذه الحقيقة يعد كفرا صريحا.


1.3 تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ)

أورد الرازي نفس قراءة يحيي بن يعمر التي اعتمدها الزمخشري في تفسيره "للوح" باعتباره "هواء" فوق السماء السابعة. و اعتبر قراءة (محفوظ) بالرفع صفة للقرآن. غير أن الرازي لم يقتصر في تفسيره علي نفس المرويات، بل ذهب إلي أن قوله تعالى: "فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ" مثل قوله في آية أخرى: "انه لقرآن كريم * في كتاب مكنون" الواقعة: (78 - 77). فيحتمل أن يكون الكتاب المكنون واللوح المحفوظ واحداً. ثم كونه محفوظاً يحتمل أن يكون المراد كونه محفوظاً عن أن يمسه إلا المطهرون، كما قال تعالى: " لا يمسه إلا المطهرون" (الواقعة: 79)، و يضيف الرازي: 'ويحتمل أن يكون المراد كونه محفوظاً من إطلاع الخلق عليه سوى الملائكة المقربين ويحتمل أن يكون المراد أن لا يجري عليه تغيير وتبديل'. كما ذهب الي ذلك أهل الناسخ و المنسوخ. ونحن لا نملك إلا أن نحترم مثل هذا النوع من المبادرة الجريئة في الاجتهاد الذي يستند إلي النص المقدس نفسه بدل المرويات التي تتعارض مع المنطق و الفهم الموضوعي للنص المقدس، خاصة و أن الرازي، يحتاط من الجزم بتحديد المعني النهائي مستعملا أكثر من مرة كلمة "احتمال". لكن الرازي، و للأسباب نرجح أن تكون ذات طبيعة اديولوجية، اختتم تفسيره لهذه الآية بالقول: "قال بعض المتكلمين إن اللوح شيء يلوح للملائكة فيقرؤونه ولما كانت الأخبار والآثار واردة بذلك وجب التصديق، والله سبحانه وتعالى أعلم". مما يعني أن مغامرته التأويلية استنادا إلي تفسير القرآن بالقرآن نفسه، كانت محدودة و جد حذرة، مفضلا العودة إلي منهج المرويات الذي كان سائدا في زمانه.


1.4 تفسير الجامع لأحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ)

ذهب القرطبي إلي أن " قرآن مجيد" تعني أنه غير مخلوق. و واضح أن هدا التأويل هو اديولوجي بامتياز و يشتم منه إنكار ما ذهب إليه المعتزلة من أن القرآن "مخلوق"، و هو ما عرف بمحنة خلق القرآن في التاريخ الإسلامي. و بالنسبة للآية: { فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } أي مكتوب في لوح، غير أنه لم يحدد طبيعة اللوح. و قال أنه محفوظ عند الله تعالى من وصول الشياطين إليه. و ذهب إلي أنه يعتبر "أمّ الكتاب" وفق ما قيل من مأثور، ومنه أنتسخ القرآن وغيره من الكتب. كما أورد حديث لابن عباس قال فيه: "اللوح من ياقوته حمراء، أعلاه معقود بالعرش وأسفله في حجر مَلَك يقال له ما طِرْيون، كتابه نور، وقلمه نور، ينظر الله عزّ وجلّ فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة؛ ليس منها نظرة إلا وهو يفعل ما يشاء؛ يرفع وضيعا، ويضع رفيعاً، ويغنى فقيراً، ويفقر غنياً؛ يحيى ويميت، ويفعل ما يشاء؛ لا إله إلا هو".

و في حديث آخر عن أنس بن مالك ومجاهد: "إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله تعالى في جبهة إسرافيل. وقال مقاتل: اللوح المحفوظ عن يمين العرش. وقيل: اللوح المحفوظ الذي فيه أصناف الخلق والخليقة، وبيان أمورهم، وذكر آجالهم وأرزاقهم وأعمالهم، والأقضية النافذة فيهم، ومآل عواقب أمورهم؛ وهو أم الكتاب". 

و ذكر عن ابن عباس أنه قال: " أوّل شيء كتبه الله تعالى في اللوح المحفوظ 'إني أنا الله لا إله إلا أنا، محمد رسولي، مِن استسلم لقضائي، وصبر على بلائي، وشكر نعمائي، كتبته صدِّيقاً وبعثته مع الصدّيقين، ومن لم يستسلم لقضائي ولم يصبِر على بلائي، ولم يشكر نعمائي، فليتخذ إلهاً سواي'."

و أشار إلي أن القرّاء متفقون على فتح اللام من «لوح» إلا ما روي عن يحيى بن يعمَر؛ فإنه قرآن «لُوحٍ» بضم اللام؛ أي إنه يلوح، وهو ذو نور وعلو وشرف. 

و ذكر عن الزمخشريّ قوله: واللُّوح الهواء؛ يعني اللوح فوق السماء السابعة الذي فيه اللوح. وفي شرح لغوي لكلمة "لوح" قال: "وفي الصحاح، لاح الشيء يلوح لَوْحاً أي لَمَحَ. ولاحهُ السفر: غيره. ولاح لوحاً ولواحاً: عطِش، والتاح مثله. واللَّوح: الكتِف، وكل عظم عريض. واللوح: الذي يكتب فيه. واللُّوح (بالضم): الهواء بين السماء والأرض. والحمد لله. إذن لا جديد فيما أورده القرطبي, بل يكاد يكون تكرارا لما سبقه إليه المفسرون الذين يعتمدون علي المرويات في تفسير القرآن، باستثناء الشرح اللغوي لكلمة "لوح" و هو للإشارة، يتضمن المعاني اللغوية التي كانت سائدة في القرن السابع الهجري و التي لا تمثل بالضرورة المفهوم القرآني لكلمة "لوح" كما وردت في الآية موضوع التفسير. كما أن مقارنة التفسير اللغوي بالتفسير عن طريق المرويات، يحيلنا إلي التضارب و التباعد القائم بين معاني الظاهر وفق الاصطلاح الغوي و معاني الباطن ألغرائبي وفق مضمون المرويات، من دون أن يكون لنا سند من النص المقدس يعتد به لقبول هذا النوع من التفسير.


1.5 تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير (ت 774 هـ)

أما ابن كثير، فقد اقتصر في تفسيره علي المرويات، منها حديث ابن جرير عن رواية مالك ابن أنس القائلة بأن المراد ب"اللوح المحفوظ": "جبهة إسرافيل". و منها حديث ابن أبي حاتم مرفوعا إلي أبا الأعبس، و هو عبد الرحمن بن سلمان، أنه قال: "ما من شيء قضى الله: القرآن، فما قبله وما بعده، إلا وهو في اللوح المحفوظ، واللوح المحفوظ بين عيني إسرافيل، لا يؤذن له بالنظر فيه". و عن الحسن البصري أنه قال: "إن هذا القرآن المجيد عند الله في لوح محفوظ، ينزل منه ما يشاء على من يشاء من خلقه". و في رواية عن البغوي من طريق إسحاق بن بشر عن عباس أنه قال: " إن في صدر اللوح: لا إله إلا الله وحده، دينه الإسلام، ومحمد عبده ورسوله، فمن آمن بالله، وصدق بوعده، واتبع رسله، أدخله الجنة، قال: واللوح لوح من درة بيضاء، طوله ما بين السماء والأرض، وعرضه ما بين المشرق والمغرب، وحافتاه من الدر والياقوت، ودفتاه ياقوتة حمراء، وقلمه نور، وكلامه معقود بالعرش، وأصله في حجر ملك". و في حديث أورده الطبراني مرفوعا إلي ابن عباس قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تعالى خلق لوحاً محفوظاً من درة بيضاء، صفحاتها من ياقوتة حمراء، قلمه نور، وكتابه نور، لله فيه في كل يوم ستون وثلاثمائة لحظة، يخلق ويرزق، ويميت ويحيي، ويعز ويذل، ويفعل ما يشاء". لكن المشكلة في ما روي عن ابن عباس، هو أننا أمام معضلة لا حل لها سوي بإلغاء العقل للتسليم بما ورد في أحاديثه من غرائب الأخبار وعجائب الأوصاف. ففي الوقت الذي يخبرنا الله تعالي في كتابه العزيز بما مفاده أن القرآن المجيد هو نسخة علية (مجيدة)، مستخرجة من نص أصلي منسوخ في "لوح" (بالمفرد)، محفوظ عنده تعالي بمعرفته. و لم يقل "ألواح" (بالجمع) و لا استعمل "الألواح" ليفيد الجنس في تحديده للأصل المستخرج منه القرآن. و إذا كانت مفردة "لوح" تفيد المعني الدقيق الذي أراد إيصاله الله، فيكون بالتالي كل ما ذكره ابن عباس عن اللوح و ما كتب فيه و نوعه و طبيعته و وظيفته ضربا من الهراء الذي لا يؤيده قول من قرآن. و كونه اعتمد في جزء من تأويله علي حديث منسوب إلي الرسول (ص)، فذلك لا يعنى أن ما ذهب إليه هو عين الحق لتعارضه مع منطوق الآية الكريمة.


1.6 تفسير أنوار التنزيل وإسرار التأويل/ البيضاوي (ت 791 هـ)

و قال البيضاوي، أن الحفظ هو من التحريف، و لم يفسر ما المقصود بالتحريف. فإذا كان الأمر يتعلق بلوح محفوظ في السماء، فالغالب أنه يقصد الشياطين كما ذهب إلي ذلك المحلي و السيوطي. إذ لا يعقل أن ينسلخ المعني ترجيحا علي البشر في تحريف نص مثبت في لوح محفوظ في السماء. كما أنه ذكر القراءة التي ترجح أن "لوح" يعني الهواء ما فوق السماء السابعة الذي فيه "اللوح" وفق قوله.

1.7 تفسير تفسير الجلالين/ المحلي و السيوطي (ت المحلي 864 هـ) المحلي و السيوطي من جهتهما، اعتمدا تفسير ابن عباس القائل بأن: " في لوح"، يعني أنه في الهواء فوق السماء السابعة { مَّحْفُوظٍ } بالجر، من الشياطين ومن تغيير شيء منه. طوله ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب، وهو من درة بيضاء حسب ما ذكر.


1.8 تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ)

الشوكاني بدوره لم يشد عن القاعدة، و اعتمد المرويات في ما ذهب إليه من تفسير فقال: أخرج ابن المنذر في قوله: { في لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } قال: أخبرت أنه لوح الذكر. أي لوح واحد فيه الذكر، وإن ذلك اللوح من نور، وإنه مسيرة ثلاثمائة سنة. وأخرج ابن جرير عن أنس قال: إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله في قوله: { بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ في لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } في جبهة إسرافيل. وأخرج أبو الشيخ، قال السيوطي بسند جيد عن ابن عباس قال: خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام، فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق: اكتب علمي في خلقي، فجرى ما هو كائن إلى يوم القيامة. و طبعا لا أحد يهتم بالفارق القائم هنا علي مستوي المسافة مثلا ان كانت ثلاثة مائة عام أم مائة عام، و لا فيما يخص أصل "اللوح المحفوظ" ان كان يشمل القرآن كما قال الله تعالي أم يشمل الذكر كذلك بالإضافة إلي علم الله في خلقه إلي يوم القيامة؟... و الحديث هنا عن "اللوح المحفوظ" - بالتعريف - وفق ما ورد عن ابن عباس، و ليس "لوح محفوظ" الذي ذكره الله تعالي في القرآن. وليستقيم المعني، يفترض بنا أن ألا نقيم وزنا بين معني كلمة "لوح" بالمفرد و "الألواح بإضافة "آل" التي تفيد جمع الجنس.

هذا ما ورد من معاني لمفردة "لوح" القرآنية في أمهات التفاسير المصنفة و المحققة و المعتمدة كمراجع في تفسير آيات كتاب الله المجيد. و بناء عليه، سنحاول فيما يلي، تلخيص المعاني التي دهب إليها المفسرون في هذا الصدد، للوقوف علي مختلف أوجه الشبه و الاختلاف بين مفسر و آخر عبر العصور. و لعل الملاحظات الأساسية الأولية التي يمكن استخراجها من خلاصة معاني التفاسير الواردة أعلاه، هي كالتالي:

• أننا أمام تراث عريض طويل في مجال التفسير، انطلق مع بداية القرن الرابع إلي القرن الثالث عشر، و عرف بإنتاج غزير، اصطلح علي تسميته بأمهات التفاسير التي تناولت ما قيل أنه شرح للقرآن الكريم.

• غير أنه من ملخص المعاني المكرورة الواردة في التفاسير المذكورة، يتبين أننا أمام معضلة فعلية تتمثل في علاقة المفسر بالنص المقدس. بمعني: أن من نعتبرهم علماء التفسير من السلف، ليسو في حقيقة الأمر سوي جامعين و ناقلين لما قيل أنه أحاديث مأثورة عن الصحابة في شرح و تأويل آي القرآن الكريم.

• ان اختلاف و تضارب المعاني حد التعارض مع العقل و المنطق في أحيان كثيرة، برر علي أنه تنوع في المصادر و غني في الاجتهادات. بل و ذهب بعض الباحثين المعاصرين، مثل د. عابد الجابري، حد تبرير التناقض الظاهر في التفسير عبر تشبيه المفسرين بلاعبي كرة القدم، حيث قال، أن كل لاعب يحكم علي اللعبة من موقعه، و بالتالي يكتسي حكمه نوعا من الموضوعية بحكم أن الحقيقة الكلية لا يمكن إدراكها من قبل كائن من كان (فهم القرآن الكريم). لكن د. الجابري الذي يفترض فيه الحياد و الموضوعية، يعلم قبل غيره، أن من واجبات العالم المفسر الذي يحترم نفسه و علمه و غيره، أن يعمل عقله فيما يخطه بيده من تفسير مستورد من عصر غير عصره، ليقرب معانيه بشكل لغوي مفهوم، و بمنهج موضوعي مقبول من طرف المؤمنين، دون اللجوء إلي المفاهيم العجائبية و المعاني الغرائبية البعيدة عن هموم الناس و عن الواقع، مع عدم السقوط في التناقض و الهروب من تدقيق المعني الواحد حتى لو سلمنا للمفسرين بمنهجية الترجيح. و هو ما لم يوفق فيه السلف بالتأكيد، و فشل في تجاوزه الكثير من المعاصرين كذلك.

• وإذا كانت المنهجية التاريخية المعتمدة في حينه، تقتضي من الناحية الموضوعية النظرية، تجاوز المفسر للواقع الزمني و هموم عصره، حيث يقتصر علي فهم النص في إطار معطيات اللغة التاريخية زمن نزوله، فلا شيء يبرر اقتصاره علي المأثور من الأحاديث و الأخبار في تفسيره للقرآن الكريم، باعتباره نصا سماويا مقدسا نزل بلسان عربي فصيح، و ليس بالشفرة. كما أن لا شيء يفسر عدم الجرأة علي النقد و التدقيق مع استعمال كافة آليات التفكيك و الربط لإنتاج المعني الدقيق، خاصة، و أن الأمر يتعلق بأناس يدعون العلم، و صنفوا في خانة علماء الأمة الأعلام. أما غير ذلك، فيعتبر جبنا لجهة القبول بإلغاء العقل و تغييب المنطق، و يفهم بالتالي، كإقرار ضمني من قبل من يدعون العلم، بأن "القرآن نص مغلق"، لا يصلح لكل زمان و مكان، حيث لا تفسير يعلو علي ما أقره السلف من تأويل غريب. انه لمن الخطأ الجسيم القول بضرورة تقيد المفسر بما جاء عن السلف من مأثور و خاصة الجيل الأول أو الثاني علي أبعد تقدير، مع الاكتفاء بالوقوف عند حدود فهم الجيل المذكور للنص، حتى لو كان وهما...

• و إذا كان الحل عندهم لمثل هذا التعارض كما أشار إلي ذلك د. نصر حامد أبو زيد في كتابه "مفهوم النص"، هو أن المعرفة الدينية لا تتطور و أن جيل الصحابة قد أتوا المعرفة الكاملة التامة فيما يتصل بالوحي و معناه. فان هذا الفهم الخاطئ بل والسيئ، قد نتج عنه تاريخيا، عزل المعرفة الدينية عن غيرها من أنواع المعارف الإنسانية، لنعود اليوم للتساؤل من جديد، حول معاني أبجديات النص المقدس، بعد أن حجبتها عنا مدرسة الإمام الغزالي التي انتصرت في ظروف التجهيل الممنهج و القمع السياسي لأصحاب مذهب النقل علي حساب منطق العقل. و من عجائب الصدف، أن يعرف هذا الاتجاه المتخلف، امتدادا واسعا ازدهر خاصة بفضل فكر ابن تيمية الرجعي، الذي أنتج فكرة الجماعة و قسم العالم إلي دار حرب و دار سلم و وزع الحقد و الكراهية في كل مكان، لنرث نحن اليوم، إسلاما متطرفا لا يحاور إلا بالعنف و الدم و الدموع.

• و بالعودة إلي ملخص المعاني أعلاه، و من مقارنة أقوال المفسرين الأعلام بعضها ببعض، نكتشف أمرا غريبا، يعتبر نقيضا لما قيل عن حرية العالم المبجل في الترجيح بين أحاديث المأثور في تفسيره لآي القرآن المجيد. فمثلا، نلاحظ أن المفسرين الثمانية الواردة أسمائهم بالجدول المذكور اعتمدوا حصريا علي الأثر في تفسير مقولة "لوح محفوظ"، دون إعمال لرأي. لكنهم إجمالا، لم يمارسوا ما يقولون أنها "حرية" في ترجيح القول المأثور لإنتاج المعني، بل نجد أغلبهم اعتمد علي أكثر من مصدر و فسر مدلول المقولة بأكثر من معني، دون مراعاة التجانس و لا التطابق، و دون اهتمام بالتناقض بل و التعارض أحيانا. و الملاحظ أن كل الأقوال المتعلقة بتفسير المقولة موضوع البحث، و بدون استثناء مستمدة من مصادر رئيسية ثلاثة: ( ابن عباس – أنس بن مالك – يحيي بن يعمر) و أخري تكاد تكون ثانوية مستمدة من أحاديث: (مجاهد و ابن المنذر). كما أنه و باستثناء الزمخشري و البيضاوي و السيوطي الذين اكتفوا بحديث يحيي بن يعمر القائل بأن "لوح محفوظ" يعني "هواء فوق السماء السابعة محفوظ من الشياطين"، ذهب الطبري و القرطبي إلي أنه "أم الكتاب" استنادا إلي حديث مجاهد. هذا بالإضافة لاعتباره مثبت في "جبهة إسرافيل" وفق حديث أنس ابن مالك و كتاب في جوهرة حمراء استنادا إلي حديث ابن عباس. و أضاف القرطبي معني رابع مفاده أنه "هواء فوق السماء السابعة" وفق ما روي عن يحيي بن يعمر، و كذلك معني خامس يدعي به أنه "شيء يلوح للملائكة فيقرؤونه و أنه فيه نور و شرف". وشاركه في هذا المعني الرازي الذي أضاف لتفسيره مفهوم "الهواء" كذلك، عن يحيي بن يعمر، إلا أنه انفرد بالإشارة إلي أنه "كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون" في تأويل لأحدي آيات القرآن الكريم و ربطها بآية "لوح محفوظ" اعتمادا علي الأثر. أما الشوكاني، فبالإضافة لحديث أنس بن مالك عن "جبهة إسرافيل" و ابن العباس عن "الياقوتة الحمراء"، فقد أورد قولا جديدا رواه المنذر، مفاده أن الأمر يتعلق ب: " لوح من نور فيه الذكر". و خلاصة القول، أنه لفهم معني " لوح محفوظ"، علي المسلمين الاختيار و الترجيح بين المعاني التالية: ( أم الكتاب – جبهة إسرافيل - ياقوتة حمراء – هواء فوق السماء السابعة – كتاب مكنون – شيء يلوح للملائكة فيقرؤونه – لوح من نور فيه الذكر). الترجيح إذن لا يكون إلا في حدود ما ورد من أثر، باعتبار أن تفسير القرآن بالعقل أو الرأي فعل محرم كما يزعمون، و أن من يقدم عليه فليتبوأ مقعده من النار، وفق المأثور من أحاديث السلف (غير الصالح). فبعض وزارات الأوقاف العربية مثلا، سبق و أن أفتت بتكفير أصحاب بعض البحوث النقدية، و منع نشرها، باعتبارها تهدم أركان هذا الدين باسم العقلانية، إذ دأب العقلانيون عبر التاريخ علي النيل من الدين الإسلامي – وفق تعبير أصحاب الفتاوى الرسمية - قضية نصر حامد أبو زيد مع الأزهر الذي ذهب بعد تكفيره إلي حد الإفتاء بتطليقه من زوجته. و د. عبد الرزاق عيد، مع وزارة الأوقاف السورية، بسبب بحث حول الشيخ البوطي و ابن عباس مثالا-.

• لن تأخذنا المفاجأة إذا من تعددت الروايات التي اعتمدها المفسرون في شرح مفهوم مقولة واحدة دون الوقوف عند معني معين يقبله الدين و العقل، و لن نهتم هنا للأسباب السياسية الكامنة وراء ذلك. فإذا كانت كتب السير ، وتراجم الرجال قد اختلفت حول تاريخ وفاة النبي (ص) ذاته، فكلما أوغلنا في الثرات الإسلامي، كلما اضطربت أمامنا الرؤية العلمية التي يدٌعيها ويزعمها منهج الفقهاء. يقول د. عبد الرزاق عيد في هذا الصدد: " فأنت لن تجد سوى روايات متعددة لوقائع واحدة، وتتكاثر كتب الثرات طردا في الزمان، لكنها مع تكاثرها اللاحق لا تقوم بأية عملية مراجعة وتحقيق وتجريح وتعديل لما سبقها، لأنها حسبها النقل، فالكتب اللاحقة لا تفعل سوى نقل الاختلاف والتعدد ذاته، وهكذا نقلا عن نقل تتضخم المكتبة الإسلامية، لكنه تضخم كمي يعيد تأليف بعضه بعضا، دون العثور في كتب الخلف عن أية إضاءة نوعية نقدية، سوى أنها في أحسن حالاتها إذا لم تنقل تعدد الروايات، فإنها تختار رواية واحدة لأسباب لا علاقة لها بالعلم، بل لأسباب ذاتية، سياسية، قبلية مذهبية، مللية، نحلية، والأمر نفسه ينطبق على تفاسير القرآن". و هذا بالضبط هو ما حاولنا إثباته بالملموس، من خلال مقاربة المعاني الواردة في أمهات التفاسير مع مدلول مقولة قرآنية واحدة في هذه الدراسة.

• غير أنه و لتعميق البحث عن المعني الخاص والدلالة العامة بالنسبة لبعض المفاهيم القرآنية التي سنتناولها في هذه الدراسة كمثال، و ذلك باعتماد منهج المقارنة بين ما ورد بشأنها من شروح في المأثور و ما تفصح عنه الآيات القرآنية نفسها من مدلول، يتبين لنا خطأ الادعاء القائل بتحريم تفسير القرآن بالرأي لحساب الاكتفاء حصريا بالنقل. (يتبع) ~ ~ ~ ~ Bota2003 (نقاش) 16:19، 1 فبراير 2009 (UTC)

عُد إلى صفحة "اللوح المحفوظ".