English: منذ بداية الرحلة اردت مشاهدة الفيلة الافريقية وسط البراري والسافانا بعيدا عن حدائق الحيوانات الحبيسة داخل الاقفاص الكئيبة ... من جنوب غانا المحاذي للبحر قررت الصعود نحو شمال البلاد هناك أي توجد احدى أكبر المحميات الطبيعية غرب أفريقيا ... تكاليف النقل الباهظة عبر الطريق البرية اجبرني على اللجوء الى الميناء بحثا عن سفينة الشحن الوحيدة والتي يبلغ عمرها أكثر من خمسين سنة ... تقوم هذه السفينة برحلتين فقط كل شهر قاطعة كامل بحيرة الفولتا اكبر بحيرة اصطناعية في العالم ... مسافة 500 كلم لمدة 36 ساعة او هكذا قيل لنا قبل بداية الرحلة ... قبل الانطلاق جمعني لقاء مع بعض المسافرين و كان اغلبهم من الفلاحين الفقراء و بعض النسوة اللاتي امتهن بيع الخضر و الغلال و الأسماك ينتقل جميعهم رفقة سلعهم و بصفة دوريّة بين شمال البلاد الفقير و جنوبها الخصب الغني بالثروات ... بعد تأخير لم يتجاوز الساعة انطلقت الرحلة مساءا قبيل غروب الشمس ... بداية الرحلة كانت سلسة و ممتعة كما أضاف جمال الجبال المحيطة بالبحيرة و غروب الشمس الخافت جوا من الطمأنينة و السلام بدت واضحة على جميع المسافرين ... عند موعد العشاء يجتمع معظم الركاب في احدى العنابر السفليّة القريبة من غرفة المحرّك الصاخب لتناول العشاء حيث تقوم بعض النسوة بإعداد و بيع اطباق من الأرز و الحساء ... في هذا المركب لا توجد غرف او اسرّة للنوم فقط بعض العنابر الخاصة بالطاقم و يضطر البقيّة لافتراش الأرضية او النوم على طاولات الاكل ... اخترت قضاء تلك الليلة الطويلة و الباردة سطح السفينة رفقة أحد افراد الطاقم قرب مركز القيادة متأملا ظلال الجبال المحيطة بنا و انوار القمر الساطعة و المنعكسة على مياه البحيرة ... كان صباح اليوم التالي ضبابيا فلم يتجاوز مجال رؤيتنا بعض الأمتار القليلة كما تعددت اعطال المحرك مما اثار الريبة في نفوسنا ... اضطررنا أخيرا للاتصال بخفر السواحل الغاني الذي جرنا لمرفأ قريب لإصلاح بعض الاعطاب هناك اين قضينا ليلتنا الثانية... استمر الطقس الضبابي و استمرت معاناتنا مع الاعطاب مما اطال زمن الرحلة ... امضيت بعض الوقت في غسل ملابسي و بقية اليوم في مرافقة الميكانيكي الذي كان يعمل أساسا طباخا لمساعدته في إعادة تركيب الاسلاك و تنظيف غرفة المحرك... عند منتصف الطريق اقتربنا من منطقة السافانا و هنا توالت محطات الشحن و الانزال... في هذي المناطق من النادر جدا رؤية الجبال حيث تطغى السهول المليئة باشجارالباوباب و الاكاسيا على تضاريس المنطقة ينزل الركاب محملين بسلعهم يترقبهم الأهالي بلهفة لتلقي السلع النادرة ثم يصعد اخرون محملين بمحاصيلهم الفلاحيّة لإكمال الطريق معنا و من بعيد يرقبنا الصيادون بشباكهم المليئة بالأسماك او الخاوية أحيانا بنظرات منهكة و شاحبة ... بعض النسوة يقمن بملئ خزاناتهن من مياه البحيرة لأغراض الشرب و طهي الطعام و غير بعيد عنهم يقوم اخرون بالاستحمام باجساد عارية تماما ... توالت المحطات و تعددت المشاهد ... جزر صغيرة غمرتها مياه البحيرة تقريبا و لم يبقى منها سوى جذوع الأشجار فارعة الطول في محاولة مريرة للنجاة من الغرق و سفن بدائيّة متواضعة مزدحمة بالراكبين لعبور ضفتي البحيرة وبعض رعاة الماشية من الماعز و الابقار يحاولون ابعادها عن أماكن تواجد التماسيح ... استغرقت رحلتنا اكثرمن ثلاثة أيام لبلوغ المنطقة الشمالية من غانا ... توقفنا تحديدا عند مدينة "ييجي" فجر يوم الرابع و الاخير عند مرفأ متواضع اين قضيت بقية الصباح منتظرا مراكب الصيادين لبلوغ الضفة المقابلة اين يوجد اخر ملاذ للفيلة الافريقية غرب القارة ...