معركة موهاج
هذه المقالة تخضع حاليًّا لمرحلة مراجعة الزملاء لفحصها وتقييمها، تحضيرًا لترشيحها لتكون ضمن المحتوى المتميز في ويكيبيديا العربية. تاريخ بداية المراجعة 9 مايو 2025 |
معركة موهاج أو موهاكس أو موهاتش أو معركة سهل موهاكس (بالمجرية: Mohácsi csata) (بالتركية: Mohaç Meydan Muharebesi)، وتُسمى حملة "انكروس" الثانية (بالتركية: Engürüs seferi) أي حملة "المجر" الثانية.[10] هي إحدى أكثر المعارك أهمية في تاريخ أوروپا الوسطى وقد انتهت بهزيمة ساحقة للمجر ونتج عنها فتح العثمانيين لمعظم أراضي مملكة المجر وبذلك رُسمت نهاية العصور الوسطى في المجر. جرت المعركة عصر يوم الأربعاء 29 أغسطس/آب 1526م الموافق 20 شهر ذي القعدة من عام 932 هجرية،[11] بالقرب من موهاكس الواقعة بمملكة المجر، جنوب دولة المجر الحالية، بين القوات المجرية بقيادة الملك لويس الثاني وقوات الدولة العثمانية بقيادة السلطان سليمان القانوني، وانتهت بانتصار العثمانيين وسيطرتهم على جزء كبير من المجر. بدأت المعركة بين الساعة الواحدة والثانية ظهراً وانتهت بهزيمة ساحقة للمجريين. أدى الانتصار العثماني إلى تقسيم المجر لعدة قرون بين العثمانيين وملكية هابسبورغ وإمارة الأردل. علاوة على ذلك فإن وفاة لويس الثاني أثناء فراره من المعركة وغرقه في المستنقع تحت ثقل دروعه، كانت بمثابة نهاية لسلالة ياغيلون في المجر وبوهيميا، والتي انتقلت مطالباتها إلى أسرة هابسبورغ.
دخل الجيش العثماني الأراضي المجرية وعبروا نهر الطونة (الدانوب) ووصلوا بلغراد التي جُعلت قاعدة لأعمالهم الحربية وأسموها "دار الجهاد".[12] وبينما كان الملك لويس ينتظر في العاصمة المجرية "بدون" (الاسم العثماني لمدينة: بودا من بوداپست)، حاصر العثمانيون عدة مدن وقلاع وفتحوها أثناء تقدمهم، فحاصروا قلعة وارادين (بالتركية: Petervaradin) ودخلوها في 15 يوليو/تمُّوز 1526م،[13] وحاصروا وفتحوا قلعة ايلوق (بالتركية: Uyluk)، وفتحوا قلعة أوسييك (بالتركية: Eszek) دون مواجهة أي مقاومة تُذكر، وعبروا نهري ساڤا ودراڤا. وفي قلعة أوسييك أُعلن للجنود العثمانيين بأن هدف الحملة المسير إلى العاصمة المجرية "بدون" وفتحها. وبعد أن افتتح الجيش عدة قلاع أخرى ذات أهمية حربية على نهر الطونة،[12] عبر العثمانيون نهر دراڤا وتقدموا نحو «وادي موهاكس» دون مقاومة تُذكر بعد 128 يومًا من خروج الحملة، قاطعين 1,000 كيلومتراً، ويقع هذا الوادي الآن جنوبي بلاد المجر على مسافة 185 كم شمال غربي بلغراد و170 كم جنوبي بوداپست.[12]
في عصر يوم 29 أغسطس/آب 1526م، اصطفّ جنود الجيش المجري وحلفائهم على هيئة صفّين متوازيين وفقًا لخطة المعركة، حيث تشكل الصف الأول الأمامي من جنود الوسط والميمنة والميسرة، وتألف الخط الثاني الخلفي من أربعة طوابير، وكان الملك لويس الثاني ملك المجر في هذا الصفّ. كان للجيش المجري ميزة أن قواتهم كانت قد ارتاحت جيدًا على أرض موهاكس قبل وصول العثمانيين، بينما كان العثمانيون قد أنهوا لتوهم مسيرة شاقة في حر الصيف القائظ وأرادوا بدء القتال في اليوم التالي، ولكن قرر المجريون الهجوم فوراً على الجيش العثماني الذي اصطف على هيئة ثلاثة صفوف، وكان السلطان سليمان يرتدي درع الحرب ويركب حصاناً أبيضاً وأخذ موقعه في الصف الثالث ومعه الصدر الأعظم إبراهيم پاشا الفرنجي ومدافعهم الجبارة، والجنود الانكشارية. بدأ الهجوم المجري بجميع قواتهم على جنود الروملي العثمانيين تحت قيادة الصدر الأعظم إبراهيم پاشا. لم يكن المجريون على علم بالخطة العثمانية الأخيرة، لذا كانوا يأملون في خطف النصر بالهجوم على المركز الرئيسي للعثمانيين بقواتهم المدرعة المكونة من ستين ألفاً، بناءً على الخطة العثمانية القديمة التي كانوا يظنونها صحيحة. ولكن كان العثمانيون قد خططوا لجذب المجريين إلى مركز الجيش العثماني ومن ثّمَّ تدميرهم بالبنادق والمدافع وتطويقهم. فلما هجم فرسان المجر وكانوا مشهورين بالبسالة والإقدام، أمر إبراهيم پاشا صفوفه الأولى بالتقهقر حتى يندفع المجريون إلى الداخل، وبعد ذلك، ضغطت قوات الأناضول من الجوانب، فصارت قوات المجريين تُدفع أكثر إلى الداخل. وبعد أن شعر المجريون بالنجاح، دخلوا إلى العمق اكثر، حتى أن مجموعة فدائية بقيادة شخص يُدعى ماركزالي (بالتركية: Markzali) كانوا قد أقسموا على أسر السلطان سليمان أو قتله، وصلوا قرب خيمة السلطان وبدأوا بإطلاق الأسهم عليه وأصاب بعضها درعه، إلا أن السلطان سليمان لم يتحرك من مكانه. فلما وصلوا قريبًا من المدافع، أمر إبراهيم پاشا بإطلاق نيرانها عليهم فحصدتهم حصدًا. وبفضل مدفعيتها المحمولة المتقدمة، التي تضمنت 300 مدفع، واستخدامها الفعّال للبنادق، تمكنت القوات العثمانية المتفوقة عدداً وعُدَّة من تدمير القوة الأساسية للجيش المجري من الفرسان الثقيلة في زمن قياسي، مما أدى إلى هزيمة ساحقة للمجر.[11]
دارت الحرب لمدة لا تقل عن ساعة ونصف، وانتهت بانهيار الجيش المجري، حيث غرق معظم جنوده في مستنقعات وادي موهاكس، ومعهم الملك لويس الثاني، وسبعة أساقفة، وجميع القادة البارزين، فيما أُسر خمسة وعشرون ألفًا، في حين كانت خسائر العثمانيين ألف وخمسمائة قتيلا، وبضعة آلاف من الجرحى. تقول عدة مصادر موثوقة أن الملك المجري لويس الثاني غادر الميدان عند الغسق وهرب تحت جنح الظلام. وبما أن الشمس لم تغرب في 29 أغسطس/آب 1526 حتى الساعة 18:27م، فإن هذا يشير إلى أن المعركة استمرت لأكثر من ساعتين إلى ثلاث ساعات، أو ربما أربع أو خمس ساعات.
أسفرت معركة موهاكس عن تدمير الجيش الملكي المجري وسقوط سلالة ياغيلونيان الحاكمة في المجر وبوهيميا. وأدى ذلك إلى تقسيم المجر بين الدولة العثمانية، وملكية هابسبورغ، وإمارة الأردل (ترانسلڤانيا)، مما جعلها نقطة تحول كارثية في التاريخ المجري امتدت آثارها لقرون. وعلى الرغم من ضعف الجيش وتدهور الاقتصاد، إلا أن القائد العام المجري بولس توموري (بالمجرية: Pál Tomori) وضع خطة استراتيجية محكمة، لكنها لم تجد طريقها إلى التنفيذ.[14]
شكّلت المعركة بداية للصراع الطويل بين العثمانيين وهابسبورغ، وأدت إلى انهيار المجر كدولة مستقلة. ولا تزال موهاكس حاضرة في الذاكرة الجماعية للمجريين كمأساة وطنية، يُعبر عنها المثل المجري الشهير: "فقدنا أكثر في موهاكس".
الخلفية التاريخية
عدلبعد وفاة الملك المُطلق، ملك المجر وكرواتيا، ماتياس كورڤين (بالمجرية: Hunyadi Mátyás أو Corvin Mátyás) سنة 1490م لم يشأ أقطاب المجر والنبلاء أن يأتيهم ملك مطلق آخر، لذلك نصبوا ڤلاديسلاڤ الثاني (بالمجرية: II. Ulászló) ملك بوهيميا ضعيف الإرادة، ليكون ملكا على المجر من 1490م إلى 1516م. اشتهر ڤلاديسلاڤ باسم "الملك دوبجا" (بالمجرية: Dobzse) ومعناها «تمام، موافق» لعادته في قبول أي عريضة أو وثيقة توضع أمامه دون نقاش.[15] وبعد انتخابه ملكاً، أعطى ڤلاديسلاڤ الثاني معظم ممتلكات العرش وحقوقه والإتاوات إلى النبلاء في محاولة لتثبيت حكمه الجديد والحفاظ على شعبيته بين الأمراء. ولكن تلك السياسة المالية وتوزيع الأراضي الساذجة للديوان الملكي جعلت السلطة المركزية تعاني من صعوبات مالية شديدة. فتمكن النبلاء في البرلمان من تخفيض العبء الضريبي عليهم بنسبة 70-80 ٪ على حساب قدرة البلاد على الدفاع عن نفسها.[16] أصبح ڤلاديسلاڤ «الأسير» لدى النبلاء عاجزًا؛ ولم يستطع اتخاذ قرار دون موافقتهم،[17] فتمكنت الطبقة الأرستقراطية من حل جيش المرتزقة الدائم لماتياس كورڤين المُسمى بالجيش الأسود المجري. وفكك النبلاء أنظمة الإدارة الوطنية والبيروقراطية في جميع أنحاء البلاد. تراجعت دفاعات البلاد في الوقت الذي لم يتقاضَ فيه حراس الحدود وحاميات القلعة أجورهم، وأصبحت القلاع في حالة سيئة، وخُنقت مبادرات زيادة الضرائب الرامية لتعزيز الدفاعات.[18] وتراجع دور المجر دوليا وتزعزع استقرارها السياسي، وتوقف التقدم الاجتماعي. كذلك أدى ظهور البروتستانتية المبكر إلى زيادة تدهور العلاقات الداخلية في البلاد.
كان النبلاء الأقوياء مشغولين بقمع الفلاحين وبالشجار مع نظرائهم في البرلمان لدرجة أنهم فشلوا في الاستجابة لدعوات الملك لويس الثاني للحشد ضد العثمانيين.
واجه الملك ڤلاديسلاڤ الثاني الضعيف والطاعن بالسن تمردًا قويا من الفلاحين بقيادة جيورجي دوزا (بالمجرية: György Dózsa) عام 1514م، فسحق النبلاء بقيادة يوحنا زاپولياي (بالمجرية: János Szapolyai)(1490م-1540م) هذا التمرد وقمعوه بلا رحمة، وأُلقي القبض على جيورجي دوزا، وعُذّب، ثم أُعدم بطرق وحشية؛ حيث أُجلس على عرش متوهج، وتُوّج بتاج من الحديد المُحمّى، ثم أُجبر أتباعه على التهامه حيًا قبل أن يُقطّع إربًا. ولكن هذا القمع الوحشي لتمرد جيورجي دوزا أضعف وحدة المجر السياسية ولم يعد المجريون شعبًا مُتحدًا، وأدى التدهور الناتج في النظام إلى تمهيد الطريق أمام التدخل العثماني سنة 1526م.
في سنة 1515م، تزوج ملك المجر لويس الثاني وهو من سلالة آل ياغيلون الذين يحكمون العديد من البلدان في أوروپا الوسطى والشرقية، من ماري من النمسا وهي من سلالة آل هابسبورغ أحد أهم العائلات المالكة في أوروپا من أصل ألماني ومصدر الأباطرة المُنتَخَبين رسمياً لحُكم الإمبراطورية الرومانية المقدسة.[19] ارتابت الدولة العثمانية من هذا التحالف والتقارب بين الأسرتين الملكيتين آل ياغيلون وآل هابسبورغ ورأت فيه تهديدًا مستقبلياً لقوة العثمانيين في البلقان، فعملوا على كسره. قدَّمَ البابُ العالي عدة عروض للسلام إلى المجريين بعد تولي السلطان سليمان القانوني السلطة، ولكن الملك لويس الثاني رفضها. لم يكن من الواضح السبب وراء هذا الرفض، لكن يُحتمل أن لويس الثاني كان يدرك الوضع الصعب للمجر خصوصا بعد معركة چالديران 1514م ومعاهدة السلام الپولندي-العثماني 1525م الذي وقعه السلطان سليمان القانوني، وربما اعتقد لويس أن الحرب خيار أفضل من السلام، حتى في أوقات السلم.
كان فتح بلغراد في 2 شعبان 927 هـ / 1521م بيد الدولة العثمانية، رغم حصارها من قبل ثلاث مرات في 1440م، و1456م، و1492م، ضربة كبيرة لمملكة المجر، ولكنها لم تكسر قوتها. استمرت الحروب بين المجر والدولة العثمانية بعد فتح بلغراد واكتسبت هذه المدينة لقب "دار الجهاد" لأنها أصبحت قاعدة العثمانيين للزحف على قلب أوروپا.[20] اقترح بالي بك بن يحيى پاشا زاده مالقوچ أوغلى (بالتركية: Yahyapaşazade Malkoçoğlu Bali Bey)، أحد قادة السناجق الحدودية، على السلطان سليمان القانوني الاستيلاء على الأراضي المجرية بين نهري دراڤا وساڤا،[12] وبأنه لو اتجه في حملته نحو تلك المناطق فسيتمكن من فتح أراضي المجر الواقعة بين هاذين النهري بسهولة، ولكن وصلت هذه الأخبار إلى المجر أيضاً عن طريق جواسيس بولس توموري أحد قادة الحدود المجريين.[21]
بعد فشل المحاولات الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق يتضمن مطالب تُزيل مخاوف الدولة العثمانية، قرر العثمانيون استخدام القوة العسكرية ضد مملكة المجر، فداهموا الأراضي المجرية وضَمُّوا الأراضي الصغيرة والقلاع الحدودية كمقدمة للمعركة النهائية، ولتحقيق تلك الغاية، تقدمت حملة عسكرية عثمانية إلى نهر الطونة في يونيو/حزيران 1526م.
أسباب المعركة
عدلباستقراء التاريخ، الدولة الوحيدة في أوروپا التي يُشير تاريخها وتقاليدها إلى أنها الدولة الرائدة في الحرب ضد المسلمين، هي فرنسا، فقد كانت فرنسا قبل كل شيء أرض الحروب الصليبية. وكان الحماس الذي جعل هذه الحروب ممكنة قد نشأ في مجمع كليرمونت بمدينة كليرمونت بِدوقيَّة أقطانية الفرنسية، وكان مُستوحىً من قسٍ فرنسيٍ هو البابا أوربان الثاني. وكان أغلب الذين شاركوا في الحملة الصليبية الأولى (1095م-1099م) من الفرنسيين، وأول من جثا أمام أقدام أوربان الثاني بعد كرازته بالحملة الصليبية راجيًا أن يكون لهُ شرف المُساهمة في الحرب المُقدَّسة هو الأُسقف الفرنسي أدهمار لوپوي (بالفرنسية: Adhémar de Le Puy)، ليكون هذا الأُسقف الفرنسي أوَّل من افتتح قائمة المُتطوعين، فاختاره أوربان الثاني مندوبًا بابويًّا في الحملة الأولى. وقد وجه أوربان خطابه إلى الفرنسيين بالأخص: «أَيَّتُهَا الطَّائِفَةُ الْفَرَنْسَاوِيَّةُ الْعَزِيزَةُ لَدَى الله، إِنَّ كَنِيسَةَ الْمَسِيحِيِّينَ قَدْ وَضُعَتْ رَجَاهَا مُسْنَدًا عَلَى شَجَاعَتِكُمْ، فَأَنَا الَّذِي أعْرَفُ جَيِّدًا تَقْوَاِكُمْ وَكَفَاءَتِكُمْ بِالشَّجَاعَةِ وَالْغَيْرَةِ، وَقَدِ اِجْتَزْتُ الْجِبَالَ الأَلْبِيَّةَ وَحَضَرَتُ لِكَيْ أُنْذِرَ بِكَلَاَمِ اللهِ فِي وَسَطِ بِلَادِكُمْ».[22] وفي الحملة الصليبية الثانية (1145م-1149م) التي بدأها واعظ فرنسي هو القديس برنار من كليرفو نجد ملكاً فرنسياً هو لويس السابع، وفي الحملة الصليبية الثالثة (1189م-1192م) نجد فيليب الثاني أغسطس ملك فرنسا وريتشارد قلب الأسد ملك إنجلترا الذي كان نصف فرنسي. أما الحملة الصليبية الرابعة (1202م-1204م) التي انحرفت ضد القسطنطينية، فكانت فرنسية إلى حد كبير؛ وأخيراً، انتهت جهود الصليبيين بحملتين غير مثمرتين قام بهما لويس التاسع، هما الحملة الصليبية السابعة (1249م-1250م) والحملة الصليبية الثامنة (1270م-1277م) وهي آخر الحملات الصليبية على الإطلاق. كما كانت اثنتان من أشهر التنظيمات الصليبية، فرسان الهيكل وفرسان القديس يوحنا في القدس، فرنسيتين بالأساس؛ وقد استمرت الأخيرة بمحاربة المسلمين حتى تاريخ لاحق. وفي مواجهة الدولة العثمانية، أظهرت فرنسا أكثر من مرة آثار حماستها السابقة، فقد لعب الفرنسيون الدور القيادي في الحملة التي انتهت بشكل كارثي في نيقوپوليس 1396م. وحتى لويس الحادي عشر العنيد ادعى أنه يشعر بالفزع إزاء هذا الخطر الذي يهدد المسيحية. وكان شارل الثامن ينظر إلى غزوه لمملكة ناپولي 1495م على أنه مجرد مقدمة لغزو القسطنطينية العثمانية، وكان لويس الثاني عشر يشجع باستمرار التبشير بالحرب المقدسة. وكان ملك فرنسا، في الواقع، "الملك الأكثر مسيحية" (بالفرنسية: le Roi Très Chrétien ).[23]
لم يكن فرانسيس الأول ملك فرنسا غافلاً عن هذا التاريخ، فبعد انتصاره العظيم في معركة مارينيانو، 1515م أعرب مراراً وتكراراً عن رغبته في السلام بين الأمراء المسيحيين والتحالف ضد الدولة العثمانية عدوهم المشترك. ورغم أنه لم يكن جاداً كما كان يريد أن يُظهَر، وكان حريصاً بشكل خاص على أن يمنحه البابا حصة من العائدات الدينية لهذا الغرض، فإن فكرة الحملة الصليبية كانت من الأمور التي تروق لخياله. وحتى تأكيده المتكرر على أن السبب الوحيد وراء رغبته في انتخابه إمبراطوراً هو أنه قد يقود أوروپا الموحدة ضد المسلمين، ربما لم يكن غير صادق فيه تماماً.[23]
ولكن، في 24 فبراير 1525م تعرض الملك فرانسيس الأول ملك فرنسا للهزيمة في معركة باڤيا 1525م أمام قوات الإمبراطور الروماني المقدس شارلكان.[24] وبعد عدة أشهر في الأسر بالسجن أُرغم فرانسيس الأول على توقيع "معاهدة مدريد" 1526م المذلة مقابل إطلاق سراحه من السجن، وفي 14 يناير 1526م، وقّع فرانسيس الأول وشارلكان على المعاهدة واتفقا على تخلى الملك الفرنسي الأسير عن جميع مطالبه في إيطاليا وأرتوا (Artois) وفلاندرز، وأن يتنازل لصالح شارلكان عن بورغندي التي كانت جزءًا من فرنسا منذ وفاة شارل الجريء عام 1477م، وأن يُرسل اثنين من أبنائه رهائن إلى البلاط الإسباني، وأن يُعيد إلى دوق بوربون الأراضي التي صادرها منه، وأن يتعهّد بإقناع الملك هنري الثاني ملك نبرة (ناڤار) بالتخلي عن عرش مملكة نبرة لصالح شارلكان "من أجل اجتثاث أخطاء الطائفة اللوثرية وغيرها من الفرق المُدانة"، كما طُلب من فرانسيس الزواج من إليونور هابسبورغ شقيقة شارلكان.[13] ولكن بمجرد تحرره، ألغى التنازلات القسرية لأنها كانت تحت الإكراه كما أعلن بطلان الاتفاق لأن ابنيه أُخذا رهينتين، وقد مكّنه تجديد التحالف مع إنجلترا من التنصل من "معاهدة مدريد"، واستمر فرانسيس في منافسته ضد شارلكان ونيته السيطرة على إيطاليا.
وفي لحظة فاصلة في الدبلوماسية الأوروپية، شكل فرانسيس تحالفًا رسميًا فرنسيًا عثمانيًا مع السلطان سليمان القانوني ليكوّنا حِلفا ضد شارلكان. واستمر التحالف الاستراتيجي الفرنسي العثماني وأحيانًا التكتيكي لمدة ثلاثة قرون.[25] ولتخفيف ضغط هابسبورغ على فرنسا، طلب فرانسيس من السلطان سليمان شن الحرب على الإمبراطورية الرومانية المقدسة من الدولة العثمانية إلى وسط أوروپا مرورا بمملكة المجر، فتزامن طلب الملك الفرنسي مع طموحات السلطان سليمان في أوروپا وأعطاه حافزًا لمهاجمة المجر سنة 1526م.[25]
استنجاد فرنسا بالسلطان لإنقاذ الملك الفرنسي
عدلكان السبب في قرار السلطان سليمان القانوني القيام بحملة مجرية هو المنافسة بين إمبراطور الروم المقدس شارلكان وملك فرنسا فرانسيس الأول.[26] ففي عام 1519م برز شارلكان من آل هابسبورغ وفرانسيس الأول ملك فرنسا كمرشحين لتاج الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وقد وعد كل منهما بهذه المناسبة أن يستنفر القوى الأوروپية ضد العثمانيين.[26][27] ولكن الهيئة المنتخِبة رأت أن شارلكان هو الأفضل لهذا التاج،[26] وذلك أن شارلكان ملك النمسا كان في آن واحد ملكًا لإسبانيا والبلاد المنخفضة (هولندا) وإمبراطورًا لألمانيا وحاكمًا لجزء عظيم من إيطاليا الجنوبية، وكانت جمهوريتا جنوة وفلورنسا تابعتين له وجمهورية البندقية طوع أمره ومدينة وهران بإقليم جزائر الغرب تابعة له، وكذلك جزيرة مينورقة وجزيرة صقلية، فكانت أملاكه محيطة بمملكة فرنسا من جميع الجهات إلا من جهة البحر.[13] وهكذا تم انتخاب شارلكان إمبراطورا رومانيا مقدسا بعد أن اشترى أصوات الأمراء الألمان ضد فرانسيس الأول ملك فرنسا الذي نافس وصارع في هذا السبيل، واعتلى عرش ألمانيا في أكتوبر/تشرين الأول سنة 1520م بعد شهر من اعتلاء السلطان سليمان القانوني العرش العثماني. ولما أصبح شارلكان إمبراطورا وصار يتصرف كأنه الحاكم الوحيد للعالم المسيحي، عمل على توحيد العالم الكاثوليكي تحت حكمه.[24]
اشتعلت الحرب سريعاً بين شارلكان وفرانسيس الأول في مارس/آذار 1521م بعد الانتخاب بفترة قصيرة، وحصل الانقسام الأوروپي.[26]
بعناية الله العلي القدير، ذي القوة المجيد، وبمعجزات محمد (صلى الله عليه وسلم)، شمس السماء في النبوة، نجم كوكبة الرسل، رئيس زمرة الأنبياء، قائد جيوش المختارين؛ وبمساعدة الأرواح المقدسة لأصحابه الأربعة، أبو بكر، عمر، عثمان، وعلي (رضي الله عنهم أجمعين)، وجميع من اصطفاهم الله،
أنا، سلطان السلاطين، حاكم الحكام، موزع التيجان للملوك على وجه الأرض، ظل الله على الأرض، سلطان وسيد البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود، الروملي، الأناضول، القرمان، أرض الروم، ذو القدرية، ديار بكر، كردستان، أذربيجان، فارس، دمشق، حلب، القاهرة، مكة، المدينة، القدس، جميع أنحاء الجزيرة العربية، اليمن، والعديد من الأراضي الأخرى التي فتحها أسلافي الأجلاء وأجدادي الموقرون (نوّر الله قبورهم) بقوة سيوفهم، والتي جعلها جلالتي تحت سيفي المتألق وشطري المنتصر، أنا، السلطان سليمان خان، ابن السلطان سليم خان، ابن السلطان بايزيد خان، إلى فرنسيس، ملك أرض فرنسا، لقد بعثتَ إلى بابنا، ملاذ السلاطين، برسالة عبر وكيلك الأمين فرانجيباني، وكلفته أيضًا ببعض الرسائل الشفوية. أخبرتني أن العدو قد اجتاح بلادك وأنك الآن في السجن كأسير، وطلبت المساعدة والنجدة لتحريرك. تم تقديم كل ما ذكرته عند قدمي عرشي، ملاذ العالم، وقد فهمته بتفصيل كامل. لا عجب أن يتم هزيمة الأباطرة وأسرهم. فكن شجاعًا ولا تحزن. لم يتوقف أسلافنا المجيدون وأجدادنا الموقرون (نوَّر الله قبورهم) عن خوض الحروب لصد الأعداء وغزو أراضيهم. ونحن، سائرون على خطاهم، فتحنا في جميع الأوقات مقاطعات وحصونًا قوية يصعب الوصول إليها. ليلاً ونهارًا، خيولنا مسرجة، وسيوفنا مشحوذة. نسأل الله العلي القدير أن يعزز العدالة! وأن يتم ما يشاء! للمزيد من المعلومات، استفسر عن سفيرك وتعرف على المزيد. اعلم أن الأمر سيكون كما قيل. كتب في العقد الأول من شهر ربيع الآخر، سنة 932 هـ، من مقر عاصمة الإمبراطورية، القسطنطينية، المحصنة والمحمية.[28] (هذا التاريخ يوافق فبراير/شباط 1526م) |
—كتاب السلطان سليمان القانوني إلى ملك فرنسا السجين فرانسيس الأول، والتي هي واحدة من أروع نماذج الأسلوب الشرقي التي وصلت إلينا.[28] |
لكن هزيمة فرانسيس الأول وأسره بمدينة پاڤيا شمال إيطاليا خلال الأحداث الكارثية لمعركة باڤيا 25 فبراير/شباط 1525م،[13] جعلته يتخلى عن كل تحفظاته السابقة ووعده السابق بأن يستنفر القوى الأوروپية ضد العثمانيين، فقد وجد نفسه بعد انتهاء المعركة أسيراً في أيدي قادة منافسه شارلكان، ثم نُقل بعدها سجيناً حبيساً إلى إسپانيا ليقبع بالسجن حيث يقيم شارلكان نفسه،[24] وبدا له أن بلاده فرنسا محكومٌ عليها بأن تكون فريسة عاجزة للإسبان والألمان والهولنديين والإنجليز، وبخاصةً شارل الثالث كونستابل بوربون الخائن الذي خطط من قبل لتقسيم فرنسا. كانت خيانة شارل الثالث نتيجة لخلاف حاد نشأ بينه وبين الملك فرانسيس الأول بعد وفاة زوجته سوزان دوقة بوربون عام 1521م. فقد أوصت سوزان بترك جميع ممتلكاتها لزوجها شارل الثالث، إلا أن لويز من ساڤوا والدة الملك فرانسيس الأول طالبت بالميراث بهذه الممتلكات باعتبارها أقرب وريثة بالدم، بسبب التزاماتها السابقة. وباسم والدته، استولى الملك فرانسيس الأول على جزء من ممتلكات آل بوربون حتى قبل رفع الدعوى القضائية رسميًا. وإزاء فقدانه الأمل في استعادة إرث زوجته، أبرم شارل الثالث اتفاقًا سريًا مع الإمبراطور شارلكان، عارضًا عليه ولاءه. وبالتعاون مع هنري الثامن ملك إنجلترا، وُضعت خطة لتقسيم فرنسا، إلا أن المؤامرة كُشفت، فتمت مصادرة ممتلكات شارل الثالث وتجريده من مناصبه وإعلانه خائنًا للوطن. هرب شارل إلى إيطاليا عام 1523م، حيث التحق بخدمة الإمبراطور شارلكان.
ومن الواضح أن هذه كانت حالة تستدعي اتخاذ تدابير يائسة؛ فقد قرر فرانسيس الأول أن يتوسل إلى مساعدة الملك الوحيد القوي القادر على كبح جماح الإمبراطور شارلكان المنتصر، ألا وهو السلطان سليمان القانوني. ولذلك سعى فرانسيس الأول ملك فرنسا إلى التحالف مع الدولة العثمانية على محاربة شارلكان لكي تُحاربه الدولة العثمانية من جهة المجر والنمسا بالشرق وتشغله عن جيوش فرنسا الكائنة جهة الغرب.[12][30] ولكن هذه الخطوة كانت سرية للغاية ولم تُعرف إلا عن طريق المؤرخين العثمانيين وما ذكره الصدر الأعظم. وعليه، أرسلت لويز دي ساڤوا والدة فرانسيس الأول سفيراً إلى اسطنبول ومعه مجموعة من اثني عشر شخصًا يحملون هدايا ثمينة، بما في ذلك خاتم من الياقوت، لطلب مساعدة السلطان سليمان القانوني في إنقاذ ابنها.[31][13][32][24] ولكن لم تصل هذه البعثة إلى الباب العالي أبداً، بل تمت مهاجمتها وقتلها في البوسنة على يد سنجق بك البوسنة (حاكمها) أثناء مرورهم قاصدين اسطنبول، فقتل السفير وأتباعه.[30][33]
وفي أواخر سنة 1525م أُرسل سفير آخر هو يوحنا فرنجپاني (بالفرنسية: Jean Frangipani) الذي وصل اسطنبول في ديسمبر/كانون الأول من نفس العام برسائل سرية شفهية ورسالة من لويز من ساڤوا، كما أرسل فرانسيس الأول شخصيًا خطابًا إلى السلطان مع خطاب والدته قد كتبها سراً من سجنه في مدريد والتي كان المبعوث يحملها مخبأة بين باطن حذائه، مكتوبة إلى السلطان سليمان القانوني،[34][24] يطلب منه بكل تواضع المساعدة على إطلاق سراح الملك فرانسيس والهجوم على آل هابسبورغ.[29][12][13]
وجاء في خطاب لويز دي ساڤوا والدة فرانسيس الأول ما يلي: «أرجأت فك أسر ابني حتى الآن أملا في إنسانية شارلكان؛ بيد أنه لم يقُم بما تدعوه إليه إنسانيته التي بنينا عليها أملنا ورجاءنا بل أساء إلى ابننا وأهانه؛ وبناءً على هذا فإني ألتمس من جلالتكم وعظمتكم بصفة خاصة بأن تتفضلوا بإظهار فخامتكم بخلاص ابني وإنقاذه من قبضة ظلم عدونا وذلك بعظمتكم وجلالتكم المؤيدة والمصدق عليها من العالم».[24]
وجاء في خطاب فرانسيس الأول إلى السلطان سليمان: «إلى حضرة حاكم وسلطان البلاد والممالك من أنحاء العالم المعمورة، السلطان المعظم والخاقان المُفخم الذي هو ملاذ جميع المظلومين. أعرِض على حضرتكم ما في القلب وهو أنه: عندما هاجمتم فرديناند الأول ملك المَجَر نجونا من السجن بفضلكم؛ وعندما هاجمتم شارلكان ملك إسپانيا ثأرنا منه وانتقمنا. أنت ملك الملوك جليل الشأن: فأنا أسير فضلك من اليوم فصاعدا، أي منذ تكرمك بالانتقام منه وهزيمته».[24]
قابل السلطان سليمان السفير الفرنسي يوحنا فرنجپاني (بالتركية العثمانية: فرانقبان) في 6 ديسمبر سنة 1525م باحتفال زائد وأجزل له العطايا، وبعد أن عرض عليه السفير مطالب مَلِكِهِ وعده السلطان بمحاربة المجر، ولكن لم تُمْضَ بينهما معاهدة بل اكتفى السلطان بأن كتب له خطابا يُظهر له فيه استعداده لمساعدته،[13] جاء فيه «أنا السلطان سليمان خان بن السلطان سليم خان بن السلطان بايزيد خان، إلى فرنسيس ملك ولاية فرنسا: وصل إلى أعتاب ملجأ السلاطين المكتوب الذي أرسلتموه مع تابعكم فرانقبان النشيط مع بعض الأخبار التي أوصيتموه بها شفاهيٍّا، وأعلمنا أن عدوَّكم استولى على بلادكم، وأنكم الآن محبوسون وتستدعون من هذا الجانب مدد العناية بخصوص خلاصكم، وكل ما قلتموه عرض على أعتاب سرير سدَّتنا الملوكانية، وأحاط به علمي الشريف على وجه التفصيل، فصار بتمامه معلومًا، فلا عجب من حبس الملوك وضيقهم؛ فكن منشرح الصدر ولا تكن مشغول الخاطر؛ فإن آبائي الكرام وأجدادي العظام — نور لله مراقدهم — لم يكونوا خالين من الحرب لأجل فتح البلاد وردِّ العدو، ونحن أيضًا سالكون على طريقتهم وفي كل وقت نفتح البلاد الصعبة والقلاع الحصينة وخيولنا ليلًا ونهارًا مسروجة وسيوفنا مسلولة، فالحق — سبحانه وتعالى — ييسر الخير بإرادته ومشيئته. بمقام دار السلطنة العلية، القسطنطينية المحروسة المحمية». [30][31]
ورغم أن السفير يوحنا فرنجپاني لم يُحضر أية هدايا معه، إلا أن السلطان كافأه بسخاء وعامله بتكريم ملحوظ. وعندما تجرأ فرنجپاني على الشكوى من مقتل سلفه السفير الأسبق المقتول في البوسنة، تم استدعاء پاشا البوسنة على الفور إلى الباب العالي لتبرير فعلته.[35]
وفي طريق عودته إلى وطنه، كشف يوحنا فرنجپاني محتويات رسالة السلطان إلى الممثل الإمبراطوري في جنوة، "لوپ دي سوريا" (بالفرنسية: Lope de Soria ) الذي أرسل إلى سيده القصة كاملة في الخامس عشر من يوليو/تموز. وبطبيعة الحال، حرص شارلكان على الاستفادة قدر الإمكان من هذه الحقيقة بأن منافسه الابن الأكبر للكنيسة، ملك فرنسا، وخليفة المسلمين السلطان سليمان قد توحدا الآن ضده؛ واستمر في استثمار ذلك حتى نهاية أيامه، لكن أوروپا لم تكن في مزاج يسمح لها بالصدمة بسهولة.[35]
عاد يوحنا فرنجپاني سالماً إلى سيده فرانسيس الأول الذي تخلص من الأسر في تلك الأثناء بوعد السلطان،[24] فأرسله فرانسيس على الفور في يوليو 1526م مرة أخرى إلى السلطان، مع رسالة ودية للشكر على المساعدة التي عرضها.[35]
التحالف العثماني-الفرنسي
عدلقبِل السلطان القانوني طلب المساعدة من أجل كسر قوة شارلكان، وقرر شن الحرب على مملكة المجر التي كانت قد تحالفت مع إمارات الأفلاق والبغدان ضد الدولة العثمانية. وبدأت تلك الحرب بسبب رغبة لويس الثاني ملك المجر في السيطرة على المجر.[29][30][28]
بعد إطلاق سراح فرانسيس الأول، قال لسفير البندقية إنه أصبح يعتبِر الدولة العثمانية القوة الوحيدة القادرة على ضمان وجود الدول الأوروپية في وجه شارلكان.[26]
ورأى العثمانيون أيضاً أن التحالف مع الفرنسيين أفضل وسيلة لكي لا تسيطر قوة واحدة على أوروپا.[26]
ولمواجهة التقدم العثماني هذا، أرسل لويس الثاني دبلوماسييه إلى العواصم الأوروپية طلباً للنجدة،[36] ولكن نشاطه وقف عند هذا الحد. تحركت الدول الأورپية ضمن دائرة مصالحها، فحث البابا كليمنت السابع ملوك أوروپا لمساعدة المجر، إلا أن الراهب مارتن لوثر نصح الأمراء البروتستانت بأن يلزموا أوطانهم، وبقي شارلكان عاجزا عن تقديم المساعدة بفعل المشاكل في أوروپا، كما لم يُحرك ملك إنجلترا ساكنا.[13]
الاستعداد للمعركة
عدلواجه المجريون لسبعة عقود التوسع العثماني في جنوب شرق أوروپا، ولكن بدءاً من سنة 1521م تقدم العثمانيون على نهر الطونة وفتحوا ناندورفيهيرڤار (بالمجرية: Nandorfehervár) التي هي مدينة بلغراد الحالية في صربيا (فتح بلغراد 1521م)، أقوى حصن مجري في نهر الطونة، كما استولوا على شاباتس التي تقع في صربيا الحالية، مما ترك معظم جنوب المجر في وضع لا يمكن الدفاع عنه.[30]
أحدث فقدان بلغراد حالة من الذعر الكبير في المجر، لكن الجيش الملكي الضخم الذي قوامه 60,000 جندي بقيادة الملك، والذي جُنِّدَ متأخراً وببطء شديد، أهمل إحضار تموين الطعام الكافي. وبالتالي، تفكك الجيش بشكل عفوي تحت ضغط الجوع والمرض دون أدنى محاولة لاستعادة بلغراد من الحاميات العثمانية المُثبتة حديثاً. ثم عُيّن رئيس الأساقفة بولس توموري وهو كاهن محارب شجاع، قائدًا لجنوب المجر عام 1523م، فأجبرته حالة اللامبالاة العامة التي ميزت البلاد على الاعتماد على عائدات أسقفيته لإصلاح وتعزيز الخط الثاني من نظام الدفاع الحدودي للمجر. وهكذا سقطت بلغراد أمام العثمانيين بسبب النقص المزمن في حاميات القلاع، وعليه، لم تتواجد بين وارادين و"بدون" (بالتركية: Budin) أي بلدة أو قرية أو منطقة مجرية واحدة من أي نوع لمسافة 400 كم على طول نهر الطونة.
كتبت المؤرخة پاولا سوتر فيشتنر (بالإنجليزية: Paula Sutter Fichtner) المتخصصة في تاريخ إمبراطورية هابسبورغ، أنه قبل معركة موهاكس، كان هناك انقطاع في التواصل بين لويس الثاني وصهره الأرشيدوق فرديناند (1503م-1564م) العاهل النمساوي من آل هابسبورغ. لم يكن فرديناند على علم بمدى خطورة الوضع، كما أن لويس الثاني والمحكمة المجرية فشلوا في إبلاغه بأنهم قرروا خوض معركة حاسمة في سهل موهاكس، وقد اتخذوا هذا القرار في 26 أغسطس/آب، قبل يوم واحد من مغادرة فرديناند مؤتمراً عُقد في معسكر لويس في مدينة باتا (Báta) المجرية، حيث أن المستشار الأسقف أسطفان بروداريتش (بالمجرية: István Brodarics) نصح الملك بانتظار التعزيزات من النمسا وبوهيميا، ولكن مجموعة من النبلاء المندفعين تمكنت من إقناع الملك بالاشتباك في معركة مفتوحة وفورية على سهول موهاكس ضد العثمانيين الذين يفوقونهم عددًا. فرديناند، الذي كان يواجه توترات دينية وانتفاضات في أراضيه الخاصة بالإضافة إلى طلبات إخوانه للمزيد من القوات لجبهات أخرى، قرر الانشغال بما اعتقد أنه الأمر الأكثر إلحاحًا أولاً.[37] وفقًا للمؤرخ الروماني ستيفن فيشر-غالاتسي (بالرومانية: Stephen Fischer-Galați) (1924م-2014م)، أستاذ التاريخ بجامعة كولورادو والحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة هارفارد الأمريكية، فإن الأدبيات تُظهر أن لويس نفسه لم يكن قادرًا على فهم جدية أو إلحاحية التهديد العثماني بشكل كامل. من الممكن أن الملك لويس الثاني استند في ثقته إلى تطمينات يوحنا زاپولياي، ڤويڤود ترانسيلڤانيا، وأنصاره الذين وعدوا بالحضور للمساعدة. رغب النبلاء، الذين كانوا يخشون تدخل آل هابسبورغ، في بذل جهد مجريّ شامل إما لاحتواءٍ عسكريٍ أو دبلوماسيٍ أو الوصول إلى هدنة مع الباب العالي العثماني.[38]
وبحلول فصل شتاء 1525م، قرر السلطان سليمان القانوني البدء بالحملة على المجر، وأصدر فرمانات بأوامره إلى أمراء الروملي في شهري ديسمبر/كانون الأول 1525م ويناير/كانون الثاني 1526م ليبدأ الجيش العثماني بالإعداد للحملة، وأمر بتجميع القوات كلها إبان فصل الربيع في مروج صُوفيا، وبأن يستعد الجميع للأوامر التي ستصلهم بعد ذلك. كما أرسل السلطان إلى بهرام پاشا بكلربك الأناضول، وبكلربك سنجق البوسنة، وإلى "سَعَادت كيرايْ الأول" (بالتركية: I. Saadet Giray) خان القرم، وبقية رجال الدولة من المعنيين بهذا الشأن للتحضير للحملة. كما شارك في الحملة جنود حرس بوابة القصر القاپي قولو، وجنود ولايات سوريا ومصر.[21] وأسند السلطان سليمان قيادة الجيوش في هذه الحملة للصدر الأعظم إبراهيم پاشا الفرنجي الذي عاد من مصر، وأوصى والي إيالة مصر السابق كوزلجه قاسم پاشا كما أوصى شيخ الإسلام القاضي العالم المُفتي الجليل شمس الدين أحمد بن سليمان بن كمال پاشا بإدارة إسطنبول أثناء غيابه والمحافظة عليها.[39]
أصدر السلطان سليمان قبيل خروجه إلى معركة موهاكس التدابير الإدارية اللازمة للحفاظ على أمن البلاد واستقرارها في كل من ولايات مصر والأناضول والشام، ولم يأخذ معه في حملته على المجر سوى قوات إيالة الأناضول. بينما ترك قوات كل من إيالات قرمان والشام ومصر وحلب وديار بكر والروم في مواقعهم تحت قيادة ولاتهم. كما كلّف پيري بك رمضان أوغلى (بالتركية: Ramazanoğlu Piri Bey) والي أضنة بالحفاظ على أمن كل من قرمان وحلب وما حولهما. [40]
زار السلطان سليمان القانوني ضريح الصحابي أبي أيوب الأنصاري، وضريح الشيخ أبو الوفا مُصلح الدين مصطفى مُعلم السلطان محمد الفاتح، كما زار قبر والده السلطان سليم، وجدَّيه السلطان بايزيد الثاني والسلطان محمد الفاتح، ثم غادر إسطنبول في 11 رجب سنة 932ه الموافق 23 أبريل/نيسان 1526م مع جنود الحرس السلطاني قاپي قولو وقد رافق الجيش ثلاثمائة مدفع، ومنع السلطان الجيش العثماني الذي سار في نظام وانضباط شديدين من الدخول في الحقول المزروعة ومراعي الحيوانات أو الاستيلاء على الحيوانات التي في أيدي الرَّعَايا أو المساس بمحاصيلهم، وفرض عقوبة الإعدام على من خالف شيئًا من ذلك، وبذلك شكلت هذه الحملة قدوة للحملات العسكرية المقبلة بحيث لا يقطف الجنود ثمرة بدون استئذان.[39][21]
ثم بدأ الصدر الأعظم إبراهيم پاشا الفرنجي، بدعم من الأسطول النهري، حصار قلعة وارادين واستسلم المدافعون.
ثم بدأ حصار ايلوق (في كرواتيا حاليا)، وسقطت في غضون أسبوع.
ثم استولى الجيش العثماني على القلاع الصغيرة في سيرميا، مُكملين تحييد الجزء الجنوبي الشرقي من خط القلاع الحدودية المجرية.
في 14 أغسطس، وصل الأتراك إلى نهر دراڤا.الوضع العسكري في المجر
عدلرغم وصول أخبار مقلقة إلى المجر باستمرار منذ فبراير/شباط 1526م، إلا أن البلاط الملكي كان مشلولاً بسبب نقص الأموال. حاول القائد العام لحصون الحدود، بولس توموري رئيس أساقفة كالوتشا بالمجر (بالمجرية: Kalocsa) الحصول على أموال في "بدون" في مارس/آذار 1526م، ولكن دون جدوى. في نهاية الشهر، قدَّمَ هو وقادة الحصون الحدودية استقالاتهم ولكنه بقي في منصبه ولم يتلقَّ أي دعم. في نهاية أبريل/نيسان 1526م، انعقد المجلس في راكوش (Rákos)، ولم يُذكر الهجوم العثماني ولكن دعا المجلس إلى فرض ضريبة للدفاع عن المملكة، بدون أمل في جمعها. في يونيو/حزيران 1526م، أصدرت حكومة الملك أوامر بالتعبئة العامة. طلب الملك مدافع ومُشاة من المدن، ودعتِ المقاطعاتُ النبلاءَ إلى التجمُّع، وصدرت الأوامر بالفعل للفلاحين في المقاطعات الجنوبية بالحضور للخدمة العسكرية بعد الحصاد. وبسبب صعوبات التعبئة، بحلول الوقت الذي كانت فيه الجيش العثماني يعبر نهر ساڤا (بالتركية العثمانية: صوه) في نهاية يونيو/حزيران 1526م، لم يكن هناك سوى قوات حصون الحدود التابعة لتوموري، وميليشيات بعض البارونات والكرادلة الجنوبيين، ووحدة رئيس أساقفة ازترغوم التي تخدم في الجنوب، ولم يتجاوز عددهم بضع آلاف من الرجال، في حالة جاهزية قتالية.[14]
أما النبلاء المجريون الذين لم يُدركوا حجم الخطر الذي يقترب منهم فلم يستجيبوا مباشرة لدعوات الملك للتعبئة العامة. ولكن بالنهاية تجمعوا في ثلاث وحدات رئيسية:
- جيش الأردل (ترانسيلڤانيا) بقيادة الڤويڤود يوحنا زاپولياي المكلف بحراسة ممرات جبال الأردل الألپية ومعه ما بين 8,000 و 13,000 رجل.
- ثم الجيش الرئيسي بقيادة ملك المجر لويس الثاني نفسه إلى جانب العديد من المرتزقة الإسبان والألمان والتشيك والصرب.
- وقوة أصغر أخرى قادها الكونت الكرواتي كريستوف فرانكوپان (بالمجرية: Frangepán Kristóf) عددها حوالي 5,000 رجل.
- بالإضافة إلى المساعدة الخارجية الوحيدة وهي كتيبة صغيرة من الجنود الپولنديين في نحو 1,500 جندي وفارس بقيادة القائد الملكي لينارت غنوينسكي (بالمجرية: Lenart Gnoiński)، يتنظيم وتجهيز الدولة البابوية.
تقييم أعداد العسكر
عدلوفقاً لشاهد العيان، المؤرخ المجري المعاصر للمعركة والمتخصص في تأريخ معركة موهاكس، الأسقف والمستشار الملكي أسطفان بروداريتش، مستشار الملك لويس الثاني ملك المجر، فإنه قد تجمع نحو 25,000 رجل مجري في موهاكس. ورغم أن بعض المؤرخين يُقدّرون قوة الجيش المجري بنحو 50,000 إلى 60,000 رجل، إلا أنه في ضوء الصعوبات التي واجهتها عملية التعبئة، فلا يوجد سبب للشك في تقييم بروداريتش. وحتى لو أخذنا الرقم على أنه 50,000 رجل وأضفنا إليه جيوش يوحنا زاپولياي الترانسيلڤانية (إمارة الأردل) وجيش الكونت الكرواتي كريستوف فرانكوپان والقوات المُساعدة الألمانية والبوهيمية، فإن الحجم المحتمل للجيش المجري قد يصل إلى 80,000 رجل. ومع ذلك، فإن هذه القوة، مع الظروف المعاكسة للأرض إلى جانب التضاريس الصعبة والظروف الأخرى، لم تكن لتبرر خوض المعركة في موهاكس. فضلاً عن ذلك، نظراً لأن الوحدات النظامية للجيش العثماني لم يتجاوز عددها 60,000 رجل، فإن الجيش المجري المماثل في الحجم، حتى مع وجود الفرق الواضح في الجودة، لم يكن ليعاني من هزيمة كارثية كهذه. تألف الجيش المجري من حوالي 15,000 فارس معظمهم مدرعون، ونحو 10,000 من المشاة، أغلبهم من البوهيميين والموراڤيين والألمان. كانت التشكيلات ذات القيمة القتالية الأعلى والأكثر أهمية في القتال هي فرق الحصون الحدودية، وميليشيات البانديريا الذين هم القوات الخاصة للنبلاء والحكام المحليين والإقطاعيين التي خدمت لفترات طويلة في الجنوب، والمرتزقة الأجانب.[14]
أما عدد الجيش العثماني فيُعتقد أنه كان 60,000،[5][6] على الرغم من أن بعض المؤرخين المعاصرين والحديثين قدَّروا عدد القوات العثمانية بنحو 100,000.[41][42][43][44][45][46][47] وقيل أن معظم قوات البلقان العثمانية في هذه المعركة كانوا من البوسنويين والكروات.[48] نصب العثمانيون أكبر مدفعية ميدان في تلك الحقبة بحوالي 300 مدفع، في حين كان لدى المجريين 85 مدفعًا فقط،[49] وكان هذا العدد أكبر من جيوش أوروپا الغربية المُعاصرة الأخرى المنتشرة في ساحات القتال.
هناك تفاوت كبير في الأرقام المتعلقة بأعداد الجيشين العثماني والمجري في المصادر الشرقية والغربية. على سبيل المثال، تختلف الروايات حول عدد الجيش العثماني من 300,000 إلى 57,000، بينما تُظهر الروايات حول الجيش المجري أعدادًا تتراوح بين 300,000 و 28,000. وتُظهر بعض الدراسات العسكرية أن الجيش العثماني كان يتألف من 43,000 فارس و24,000 مشاة، بإجمالي 67,000 مقاتل، بينما كان الجيش المجري يتكون من 84,000 مشاة و14,000 فارس، بإجمالي 98,000 مقاتل. وتُظهر المصادر الغربية الحديثة عادةً أن الجيش العثماني بلغ 100,000 مقاتل وعدد المدافع 300، بينما يشير البعض إلى أن الجيش المجري كان يتراوح بين 20,000 إلى 30,000 مقاتل. [50]هذه الأرقام المتعلقة بالجيش المجري غير دقيقة تمامًا، لأنه بعد المعركة عثر الجيش العثماني على حوالي 24,000 جثة من الجنود المجريين، وهذه الأرقام لا تشمل القتلى والجرحى والفارين. تؤكد بعض المراجع أن الأعداد الصحيحة للجيشين العثماني والمجري كانت حوالي مئة ألف مقاتل لكل طرف، بل إن بعض الوثائق تُشير إلى أن الجيش المجري كان يضم أكثر من 150,000 مقاتل. كان الجيش المجري يتضمن أيضًا قوات مساعدة من پولندا وبوهيميا والأفلاق والبغدان (مولداڤيا) وحتى من الدولة البابوية. كما كان من المفترض أن يتوجه جيش ڤويڤود ترانسلڤانيا (حاكم الأردل)، يوحنا زاپولياي، الذي يتألف من 30,000 مقاتل، إلى المعركة، ولكن بسبب غيرة الملك من هذا الأمير، لم يشارك في المعركة، مما ساهم في هزيمة المجر.[50]
غياب الخبرة العسكرية في الجيش المجري
عدلكانت هناك صعوبة كبيرة في اختيار القائد الأعلى للجيوش المجرية في معركة موهاكس. فلم يكن هناك جندي مجري واحد لديه خبرة في قيادة جيش ضخم منذ معركة كوسوڤو الثانية عام 1448م، حيث لم يخُض الجيش المجري معركة نظامية ضد الجيش العثماني أو أي جيش كبير آخر. نتيجة لذلك، لم تكن هناك خبرة عسكرية كافية داخل المملكة لقيادة جيش يتألف من عشرات الآلاف من الرجال. كان هناك قادة مثل "البالاطين" أسطفان الثامن باتوري (بالمجرية: Báthory István)(بالإنجليزية: Stephen VIII Báthory) أحد نبلاء ترانسيلڤانيا (الأردل)، الذي كان يعاني من النقرس، وجرجس زاپولياي وبولس توموري الذين قادوا ودافعوا ضد العديد من الغارات على الحدود، وحاصروا حصونًا صغيرة. لكنهم أدركوا أن هذه القدرات لم تكن كافية لمواجهة جيوش عثمانية متمرسة في المعارك. رفض باتوري القيادة بسبب مرضه، ولم يُنظر في أمر رئيس القضاة يوحنا دراغفي (بالمجرية: János Drágffy) لأسباب غير معروفة، رغم أنه كان يتمتع بخبرة عسكرية كحاكم تيميش (بالرومانية: Timiș)(بالتركية: Temeş)(بالمجرية: Temes) بمملكة المجر (وهي تقع حاليا في جنوب غرب رومانيا وشمال شرق صربيا)، ولكنه شارك في معركة موهاكس حيث حمل علم البلاد لكنه فقد حياته وقُتل في المعركة وفقد العلم أيضًا.
في نهاية المطاف، تم إجراء تصويت وأُختير جرجس زاپولياي (بالمجرية: György Szapolyai)، الأخ الأصغر للحاكم، وبولس توموري المتردد كقادة. لم يكن لدى جرجس زاپولياي أي خبرة في القيادة على الإطلاق، وكانت مآثر بولس توموري العسكرية قد تحققت على رأس تشكيلات صغيرة من سلاح الفرسان لا يزيد عدد أفرادها عن بضع مئات. ومن الشخصيات المثيرة للاهتمام كان الضابط الپولندي لينارت جنوينسكي (بالبولندية: Lenart Gnoiński)، الذي عُين رئيسًا لهيئة الأركان العامة، فقد استشهد بالدروس المستفادة من الحروب العثمانية المجرية في أربعينيات القرن 15 ولكن لم يلتفت أحد إلى اقتراحه الرئيسي الذي يقضي بإنشاء حصن متاريس العربات المتحركة "الهوسية" كما فعل يوحنا هونياد في معركة كوسوڤو الثانية 1448م لتحميهم من سيل القوات العثمانية. ومع ذلك، ناقش لينارت جنوينسكي أهمية الدفاع الشخصي عن الملك فوجد اتفاقاً، إذ اتفق الجميع على أهمية الدفاع الشخصي عن الملك، وتم تكليف ثلاثة من قادة سلاح الفرسان ذوي الكفاءة العالية بحماية الملك لويس الثاني وهم:
- الشاعر المجري وموظف البلاط والقائد العسكري: راشكاي غاشبار (بالمجرية: Ráskai Gáspár)،
- ويوحنا ڤيتيز (بالمجرية: Vitéz Kállai János) من عائلة "كالا" النبيلة (بالمجرية: Kállay család)،
- وبان بلغراد: النبيل المجري بالينت توروك (بالمجرية: Bálint Török)، وهو الذي اعتقله السلطان سليمان القانوني بعد فتح "بدون" عام 1541م وسجنه في قلعة "يدي كوله" (بالتركية: Yedikule) باسطنبول، حيث قضى ما تبقى من حياته في الأسر حتى وفاته جزاء تمرده على الدولة العثمانية.
ورغم ذلك لم يتمكنوا من إنقاذ حياة الملك في المعركة مما أثار لاحقاً تساؤلات حول مسؤوليتهم الشخصية.[14] ولكن وفقًا لتقرير الأسقف والمستشار الملكي أسطفان بروداريتش عن معركة موهاكس المؤرَّخ بعام 1527م، فإن وفاة لويس الثاني كانت بسبب خطأ تكتيكي ارتكبه القائد الأعلى بولس توموري عندما ظهرت قوة عثمانية بشكل غير متوقع، فأمر الحرس بالابتعاد عن الملك لكي يشتبك معهم.
تمركز الجيش المجري في سهل موهاكس استعدادًا لمواجهة الجيش العثماني، وكان على رأس الجيش المجري الملك لويس الثاني، بينما تولى القيادة العامة القائد الأعلى بالاطين المجر: أسطفان الثامن باتوري، أحد أفراد عائلة باتوري النبيلة المجرية. ومنصب "بالاطين المجر" (بالإنجليزية: Palatine of Hungary) هو أعلى منصب في مملكة المجر، استُحدث في القرن 11 حتى إلغاءه في عام 1848م، وكان البالاطين نائبا للملك يُعينه الملك بنفسه.[51]
أبلغ الملك المجري لويس الثاني، ڤويڤود ترانسلڤانيا يوحنا زاپولياي، بضرورة الانضمام إليه في أسرع وقت. لكن يُقال إن يوحنا زاپولياي، الذي كان يقود جيشاً من 30,000 جندي، لم يشارك في المعركة بسبب غيرته من الملك.
مسير الحملة العثمانية من إسطنبول إلى موهاكس
عدلغادر السلطان سليمان إسطنبول متجها إلى بلغراد في رحلة استغرقت شهرين ونصف الشهر وقضى عيد الفطر هناك.[39]
انطلق السلطان سليمان القانوني من إسطنبول في 23 أبريل 1526م على رأس جيشه المؤلَّف من نحو 60,000 جندي و300 مدفع و800 سفينة في نهر الطونة،[30][39] وانضمت القوات الجديدة إلى الجيش أثناء مسيره.[39] عبر جيش الأناضول العثماني مضيق البوسفور في غاليبولي وانضم إلى قوات الروملي العثمانية، ووصل الجيش إلى مدينة فيلبه (Philippopolis) (اسمها الحالي: پلوڤديڤ) في بلغاريا بعد يومين.[14] نُظمَت عملية تزويد الجيش بالطعام بأقصى عناية ممكنة لتجنب التأثير على سكان المدن الواقعة على طريق الزحف إلى صوفيا.[14] وممن انضم إليه في صوفيا بكلربك الأناضول بَهْرَام پاشا وقواته.[39]
في صوفيا، أجرى السلطان سليمان القانوني استعراضاً لجيشه وأرسل الصدر الأعظم إبراهيم پاشا على رأس جيش الروملي مُدعماً بـ 2,000 جندي من الجنود الإنكشارية إلى ناندورفيهيرڤار (حاليا: بلغراد عاصمة صربيا) لتكون طليعة العملية العسكرية، ولجمع المعلومات حول الطريق والبيئة المحيطة وإخطار الجيش بها، ولتأمين عبور نهر ساڤا الذي يمر بالمدينة ويلتقي فيها مع نهر الطونة، إذ أن بلغراد تقع على ضفاف كلا النهرين وتستفيد من موقعها الاستراتيجي عند تقاطع هذين النهرين: ساڤا وطونة.
تحمَّل الجيش العثماني في طريق أدرنة-صوفيا-نيش نحو بلغراد مشاق كثيرة بسبب الطين والوحل.[39] وعندما وصل السلطان إلى بلغراد في الثلاثين من يونيو/حزيران، كان جسر نهر ساڤا جاهزاً؛ ولم تحاول القوات المجرية تعطيل أعمال البناء.[14]
راجع السلطان سليمان جيشه أثناء عبورهم جسر نهر ساڤا؛ حيث استغرق العبور أسبوعًا كاملاً.[14]
ومع وصول السلطان سليمان إلى مدينة بلغراد كان شهر رمضان يشرف على نهايته، وهناك تقبّل تهاني قادة الجيش وكبار رجالات الدولة العثمانية وأعيانها بمناسبة عيد الفطر في الأول من شوّال عام 932هـ الموافق 11 يوليو/تموز 1526م، ووزّع السلطان صُرر تحوي كل منها ثلاثين ألف آقچة لأصحاب المناصب الرفيعة ممن يزيد مرتبهم عن أربعمائة ألف آقچة بالإضافة لقفطان. ومن كان مرتبه أقل فقد وزعت عليهم صرر تحوي عشرين ألف آقچة بالإضافة للقفطان.[52]
وأثناء مكوثه في بلغراد، انضم إلى الجيش العثماني قوات من سنجق البوسنة وفرسان الآقنجية الخفيفة من البلاد الحدودية وأساطيل البحر الأسود. كان يتبع الجيش العثماني أيضا أسطول صغير يقلّ جنود الإنكشارية في نهر الطونة، مُكوَّن من 400 سفينة وزورق صغير، بقيادة ميهال أوغلى (بالتركية: Mihaloğlu)، و إسكندر أوغلى (بالتركية: İskenderoğlu) وياهشي بك (بالتركية: Yahşi Bey).[39][52]
فتح قلعة وارادين
عدلتقع هذه القلعة على نهر الطونة، شمال غرب بلغراد، وتُعرف في المصادر العثمانية باسم قلعة وارادين أو بيتروڤارادين وهي ذات أهمية عسكرية كبرى، لذلك تقرر فتحها فورًا، ورغم إرسال القوات الاستطلاع منذ 19 يونيو/حزيران، إلا أن الحصار الفعلي لم يبدأ إلا في 14يوليو/تمّوز بوصول الجيش العثماني. [50]
كلّف السلطان سليمان وزيره الأعظم إبراهيم پاشا الفرنجي بالإشراف على التدابير اللازمة لمحاصرة وفتح قلعة وارادين (بالتركية العثمانية: وارادين قلعه سي)(بالتركية: Petrovaradin Kalesi)، آخر حصن حدودي مجري رئيسي على نهر الطونة.
في 13 يوليو/تمُّوز، بدأ الصدر الأعظم إبراهيم پاشا الفرنجي حصار قلعة وارادين بجنود الروملي وبدعم من الأسطول النهري.[13] استسلم المدافعون بعد يوم واحد، ودخلها العثمانيون في 15 يوليو/تمُّوز 1526م بحسب بعض المراجع العثمانية،[52] أو بعد حصار دام سبعة أيام قام العثمانيون في النهاية بحفر الأنفاق لدخولها بحسب المؤرخ العثماني بچوي أفندي،[53] أو بعد أسبوعين بحسب مراجع أخرى.[54]
تم الاستيلاء على المدينة الواقعة على الضفة اليمنى لنهر الطونة ظهر يوم 15 يوليو/تمّوز بعد هجوم عام، لكن القلعة الداخلية واصلت المقاومة، لذا استمر الحصار. وبعد 13 يومًا من الحصار، في اليوم الرابع عشر، 27 يوليو/تمّوز تم تفجير الألغام وفتح ثغرة في أسوار القلعة، مما مهد الطريق لهجوم ناجح أسفر عن فتحها.[50]
ولم يتمكن بولس توموري الذي كان يقود جيشًا لا يتجاوز عدده بضعة آلاف ويعاني من صعوبات في الإمداد، من محاولة إنقاذ أو إغاثة هذه القلعة الرئيسية.[14]
وفى نفس الأثناء أرسل والى البوسنة إلى السلطان يبلغه بأنه تمكن من السيطرة على كافة القلاع الواقعة داخل منطقة سيرميا.[52]
كتب المؤرخ العثماني البوسنوي بچوي إبراهيم أفندي (1572م-1650م) في مؤرخه "تاريخ پچوى" (بالتركية: Peçevi Tarihi) تحت عنوان فتح قلعة وارادين (بالتركية العثمانية: فتح قلعۀ وارادين): « وكان الملك الضال المعروف باسم "طوموری بال" (بولس توموري) حاكما لممالك ما وراء نهر طونه (الدانوب) وقائدا لجندهم، ولما كانت القلعة المذكورة تحت سيطرته، فقد أحضر الكثير من السفن، وملأها بعدد غفير من المسلحين، وكان يريد عدم السماح لأسطول أهل الإسلام بالمرور من أمام القلعة المذكورة، ولكنه لم يقدر على هجوم "سلیمان رئيس" الذي كان قائدا لثمانمائة سفينة تم تعيينها من الأستانة السعيدة، وفرّ طوموری بال بنفسه مكرها إلى صحراء سكدين وفرت سفنه صوب ايلوق عن طريق نهر طونه، وما إن وصلوا إلى ايلوق حتى قام بوضع عدد من المسلحين حوالي مائة أو مائتين فارس في القلعة (قلعة ايلوق)؛ حيث لم يكن لديهم أي مجال للهرب».[55]
وبعد فتح قلعة وارادين بأيدي العثمانيين، تراجع توموري إلى مقره الأسقفي في باچ (Baç)، وعبر نهر الطونة، واتخذ موقعًا شمال نهر دراڤا.[14]
فتح قلعة ايلوق
عدلتقع قلعة ايلوق على نهر الطونة وتُعرف في المصادر العثمانية بـ إيلوق أو أويلوق وهي تقع في دولة كرواتيا الحالية.
أمر السلطان سليمان الصدر الأعظم إبراهيم پاشا الفرنجي بمحاصرة قلعة ايلوق وحذّر من حرق القرى في هذه النواحي ومن نهبها وتخريبها.[39][55]
غادر إبراهيم پاشا مدينة وارادين منتصراً في 27 يوليو، وتقدم الجيش العثماني بمحاذاة نهر الطونة ووصل أمام قلعة ايلوق (بالتركية العثمانية: ايلوق قلعه سي)(بالتركية: Uyluk Kalesi) (بالكرواتية: Iločka utvrda).
بدأ جيش إبراهيم پاشا حصار قلعة ايلوق في 1 أغسطس/آب الموافق 22 شوّال، وكانت أضعف من قلعة وارادين. وبعد سبعة أيام فُتحت في اليوم الثامن، [50] واستسلمت القلعة بمحض إرادتها للجيش العثماني،[54] ونتيجة لذلك خلع السلطان على اثني عشر شخصاً من أعيانها القفاطين ووزع عليهم العطايا.[52]
تشير التقديرات إلى أن عدد جنود الحامية في القلعة كان أقل من ثلاثة آلاف مقاتل. وعندما رفض المدافعون نداء الاستسلام، بدأ الجيش العثماني في قصف القلعة بالمدفعية، تزامنًا مع حفر الأنفاق للاقتراب من التحصينات. بعد أسبوع من المقاومة العنيفة، نجح الجيش العثماني في اقتحام القلعة والسيطرة عليها يوم الجمعة، 8 أغسطس 1526م.
كتب المؤرخ العثماني بچوي إبراهيم أفندي في مؤرخه تحت عنوان فتح قلعة ايلوق (بالتركية العثمانية: فتح قلعۀ ايلوق): «في 28 شوال سنة 932 (هـ) بعد فتح قلعة وارادين (حاليا: پيتيرڤارادين)، عزم الوزير الأعظم صاحب المقام العالي (يقصد: إبراهيم پاشا) مع عسكر الإسلام على فتح قلعة ايلوق، فتم الفتح بفضل الله وعنايته الربانية، ثم أُعطي الأمان للمتواجدين في الحصن من الكفار، فخرجوا وسلموا أنفسهم. كما تم فتح عدة قلاع أخرى، مثل: فتح "قوتيك"، فتح "دمترفجه"، فتح"ايريك"، فتح "غوغورفجه"، فتح "لوكاي"، فتح "صوتين"، فتح قلعة "دلقوار"، فتح قلعة "اردود"، فتح "چروينك"، فتح "راچه، فتح قلعة "اوسك". وفي "واروش"، شُيِّد جسر جديد في غضون ثلاثة أيام لخدمة الجيش الظافر. وفي اليوم الثاني عشر من شهر ذي القعدة، عبرت جميع الجيوش المنتصرة بانتظام، ومرت عبر ساحات القتال. ثم، بناءً على أمر السلطان الغازي، تم هدم الجسر، وقطعت الصلة بين البلاد الإسلامية والمناطق الأخرى».[55]
بعد فتح قلعة ايلوق، فتحت الجيوش العثمانية المظفرة خلال تقدمهم في سيرميا إحدى عشرة قلعة صغيرة، حتى بلغوا أسوار قلعة أوسييك (بالتركية العثمانية: اوسك قلعه سي) بكرواتيا، الواقعة على ضفاف نهر دراڤا، مُكملين بذلك تحييد الجزء الجنوبي الشرقي من خط الحصون الحدودية المجرية.[54][26]
وبسبب ذيوع نبأ نجاح العثمانيين بفتح قلعة ايلوق، استسلمت قلعة أوسييك دون قتال وأرسل حاكمها مفاتيحها طوعًا. هناك رواية تحدد تاريخ الاستسلام في 7 أغسطس/آب الموافق 28 شوّال.[50]
ولدواعي عسكرية قبل معركة موهاكس مباشرة، دمر الجيش العثماني مدينة أوسييك بالكامل تقريبًا، في 8 أغسطس 1526م.[56]
كتب المؤرخ العثماني بچوي إبراهيم أفندي في مؤرخه: «وتم تسوية قلعة أوسك بالأرض تماما، وفي داخل المنطقة التي تقع خارج القلعة تم تشييد جسر واسع خلال ثلاثة أيام فقط، وذلك لعبور العساكر المكللة بالنصر إلى الساحل الآخر، وفي يوم 12 من ذي القعدة 932هـ تم العبور والمرور إلى بلاد المجر عديمة الشرف، بكافة الأجناد الذين عادتهم النصر، وبعد العبور قُطع الجسر بأمر من السلطان الغيور، وقطعت العلاقة مع ديار الإسلام.».[55]
وكانت أوسييك مدينة مُهملة وفقيرة بسبب سياسات الملَّاك السابقين من غير العثمانيين، ولكن العثمانيون أحيوها وطوروها تحت حكمهم حتى تحولت خلال سنوات مع إعادة الإعمار إلى مدينة عثمانية مزدهرة وأصبح موقعها استراتيجيًا بعد بناء جسر خشبي ضخم بطول 8 كيلومترات وعرض 6 أمتار صممه المعماري العثماني "معمار سنان" على نهر دراڤا عام 1566م، مما جعلها مركزًا مهمًا للتجارة والتنقل العسكري بين البلقان وشمال نهر الطونة، ومركزًا لسنجق تابع لإيالة "بدون" خلال القرن 17. حافظت أوسييك على أهميتها الاستراتيجية وحركتها المرورية خلال الحكم العثماني وظلت معروفة عالمياً آنذاك بسبب جسر السلطان سليمان، أحد عجائب البناء العالمية كما كان يُطلق عليه، حتى أحرقه الجيش النمساوي عام 1686م.[57]
إعلان الزحف إلى قلب المجر
عدلومع استسلام قلعة أوسييك، أخذ المنادون يُعلنون بين صفوف المقاتلين بِأنّ السلطان قد عزم على بلوغ "بدون"، مُحددين بذلك هدفهم إلى قلب بلاد المجر.[52]
بناء الجسر على نهر دراڤا
عدلثم تقدم العثمانيون في اتجاه الشمال، وفي 14 أغسطس/آب وصلوا إلى نهر دراڤا حيث يتحد مع نهر الطونة عند مدينة أوسييك، بكرواتيا.[54] وفي اليوم التالي 15 أغسطس/آب الموافق 7 ذو القعدة، بدأ العثمانيون العمل على إنشاء جسر في أوسييك على نهر دراڤا، وأتموه يوم 19 أغسطس/آب بعد خمسة أيام. وخلال البناء، أقيمت خيمة قرب الشاطئ، حيث أشرف السلطان والوزير الأعظم شخصيًا على تسريع العمل.[50]
عبور نهر دراڤا دون مقاومة
عدلعبر الجيش العثماني نهر دراڤا من فوق الجسر في يومين ثم هدموه في 23 أغسطس/آب 1526م. وبذلك اقترب الجيش العثماني أكثر من ميدان المعركة في موهاكس.[39][55]
عُيّن بالي بك بن يحيى پاشا طليعة العسكر لأخذ أسرى يدلون بمعلومات عن العدو وكُلف أيضًا بإجراء عمليات الاستطلاع أمام الجيش، كما عُيّن غازي خسرو بك حاكم سنجق البوسنة ظهيرا للجيش في المؤخرة.[58]
كتب المؤرخ العثماني بچوي إبراهيم أفندي في "تاريخ پچوى": «بعد عبور نهر دراوه (دراڤا)، اتخذ عسكر الإسلام مواقع جديدة، حيث تمركزت القوات في المواقع المحددة. وفي هذه الأثناء، كانت بعض العناصر المتمرسة تشرف على التنظيم العسكري، بينما كانت القوات تتأهب لمواجهة أي مقاومة محتملة. وخلال تقدم القوات، تم اتخاذ قرارات استراتيجية لضمان السيطرة على الطرق الرئيسية، حيث أُجريت الترتيبات لضمان تحرك الجيش بسلاسة. وتم اتخاذ بعض التدابير لحماية خطوط الإمداد، وضُمنت مشاركة مختلف الوحدات العسكرية في العمليات القتالية بشكل متناسق. ومع استمرار التقدم، أُجريت مشاورات بين القادة العسكريين لتقييم الأوضاع الميدانية، حيث تم وضع الخطط اللازمة لتجنب أي مفاجآت غير متوقعة. كما أُعطيت الأوامر اللازمة للتحرك وفقًا للظروف العسكرية على الأرض. وفي هذه المرحلة، تم اتخاذ التدابير اللازمة لتأمين الخطوط الدفاعية، وصدرت الأوامر بتحصين بعض المواقع الاستراتيجية. وتم تنفيذ بعض المناورات العسكرية لتعزيز المواقع المتقدمة. وفي نهاية هذه المرحلة، أمر القادة العسكريون بمواصلة التقدم، واتُّخذت جميع الاحتياطات اللازمة لضمان سير العمليات العسكرية بنجاح».[59]
انطلق السلطان سليمان القانوني من إسطنبول في 23 أبريل 1526م على رأس جيشه، وعبر الجيش الأناضولي مضيق البوسفور في غاليبولي وانضمت إليه قوات قادة الروملي، ووصلوا إلى مدينة فيلبه في بلغاريا ثم إلى صوفيا حيث أجرى السلطان سليمان استعراضاً لجيشه وأرسل الصدر الأعظم إبراهيم پاشا إلى بلغراد عاصمة صربيا لتأمين عبور نهر ساڤا وعندما وصل السلطان إلى بلغراد كان جسر نهر ساڤا جاهزاً، ثم فتح العثمانيون قلاع وارادين وايلوق وأوسييك وسيرميا دون مواجهة أي مقاومة تُذكر، ثم عبر العثمانيون نهر دراڤا وتقدموا نحو «وادي موهاكس» دون مقاومة تُذكر بعد 128 يومًا من خروج الحملة.
مشاكل القوات المجرية
عدللم يكن لدى الملك لويس الثاني جنرالات قادرين على قيادة جيش ضد العثمانيين، فاستدعى الكونت كريستوف فرانكوپان، الذي ركب مع 450 فارسًا للانضمام إلى الملك بعد أن حصل على إذن من الأرشيدوق فرديناند. وبحلول 26 أغسطس، كان فرانكوپان في زغرب، يبحث عن المال ويقوم بالتحضيرات النهائية للانضمام إلى الملك. أرسل كريستوف فرانكوپان رسالة إلى الملك لويس الثاني، ينصحه فيها بعدم الدخول في معركة مع السلطان العثماني سليمان القانوني، والبقاء في "بدون" أو في أي مكان آمن آخر حتى وصول يوحنا زابولياي، والبوهيميين، وفرانكوپان نفسه مع قواته الكرواتية، ولكن الملك لويس لم يستمع لتحذيراته. [60][61][61]
تخاذل القادة المجريين
عدلأرسل الملك لويس من معسكره في تولنا كلا من بالاطين المجر أسطفان باتوري، ورئيس القضاة السابق أمبروس ساركاني (بالمجرية: Ambrus Sárkány)، على رأس مشاة البابا وحرس المقاطعة، للدفاع عن قلعة أوسييك ومنع عبور نهر دراڤا، لكنهم إما أنهم لم يذهبوا على الإطلاق، أو أنهم عادوا أدراجهم في الطريق، بحيث أن الجيش العثماني عبر نهر دراڤا دون عائق بين 21 و 23 أغسطس/آب، ثم أحرقوا الجسر خلفهم.[14]
كانت الطرق المؤدية إلى المستنقعات الواقعة إلى الشمال من نهر دراڤا بمثابة الفرصة الأخيرة لوقف تقدم العثمانيين في ظل ظروفٍ غير مواتيةٍ لهم. ولكن لم تبذُل القيادة العسكرية المجرية أي محاولة لتحقيق هذا الهدف، بل إن القائد العام للجيش المجري بولس توموري أمر قواته بالعودة إلى المعسكر الملكي.[14]
ورغم أن بولس توموري أدرك بحق أن الدفاع عن معبر أوسييك على نهر دراڤا كان فرصة مملكة المجر الوحيدة لصد الجيش العثماني عن التقدم، إلا أنه لم يتحرك في الوقت المناسب، ولا حتى "بالاطين المجر" أسطفان باتوري، الذي أُمر على وجه التحديد بالقيام بذلك.[14]
الخروج من بدون إلى تولنا ثم موهاكس
عدلفي 6 أغسطس/آب 1526م، عسكر لويس الثاني ملك المجر في "تولنا" شمال موهاكس لمدة أسبوعين بهدف تجميع القوات من المناطق المختلفة، ولكن الجيش لم يتزايد إلا ببطء.
لم يستمع الملك لويس الثاني لتحذيرات كريستوف فرانكوپان، فغادر "بدون" في العشرين من يوليو/تموز 1526م متجها جنوبا إلى تولنا الواقعة شمال موهاكس برفقة 4,000 فارس، عازماً على جمع القوات من أماكن مختلفة خلال مسيره وفقاً للإجراء المعتاد، فوصل تولنا في 6 أغسطس/آب وعسكر بها مدة أسبوعين، ولكن الجيش لم يزدد عدده إلا ببطء شديد.[14][62]
وهناك في تولنا كان ينتظره قائد الجيش: "البالاطين" أسطفان باتوري مع القوات الأساسية للجيش. أسفرت مناقشات الاجتماع المنعقد عن وجوب إرسال أسطفان باتوري إلى أوسييك للدفاع عنها، إلا أن أحداً لم يرغب في التقدم تحت قيادته ما لم يرافقهم الملك لويس الثاني بنفسه، فاضطر الجيش المجري برمته إلى التحرك نحو الجنوب من أجل مواجهة الجيش العثماني. وهنا قرر بولس توموري القائد المجري أن يعسكروا في سهل موهاكس ليواجهوا الجيش العثماني. وفي هذه الأثناء أرسل لويس الثاني إلى ڤويڤود الأردل: يوحنا زاپولياي ليشن هجوما مع حاكم الأفلاق من الخلف على الجيش العثماني بأسرع وقت ممكن، ومن ثم الانضمام إلى الجيش الأساسي.[62]
فشل وصول التعزيزات إلى موهاكس
عدلوفي نفس الوقت أُعلنت التعبئة العامة للحرب في جميع المقاطعات، وابتدأت عملية تعبئة الفلاحين مستأجري الأراض، وهدد توموري بأمر الملك المتقاعسين بالعقوبات، ولكن التعبئة تأخرت بسبب موسم الحصاد والمسافات الطويلة، والأهم من ذلك كله، الجمود الطويل والانقسامات الداخلية للحكومة.[14]
هذا يفسر لماذا لم تصل القوات الكرواتية وبعض المشاة البوهيميين والموراڤيين إلى معسكر موهاكس على الإطلاق، ولم يصل فيرينك باتياني (بالمجرية: Ferenc Batthyány)، بان كرواتيا-سلاڤونيا إلا في صباح يوم المعركة ومعه ثلث قواته الموعودة أي نحو أربعة آلاف رجل. أما القبائل السلاڤية التي تلقت أمر التعبئة في الثالث والعشرين من يونيو/حزيران، فلم تتجمع إلا في بداية أغسطس/آب وانطلقت في منتصف الشهر.[14]
أما ڤويڤود ترانسيلڤانيا، يوحنا زاپولياي، فقد تلقّى تعليمات متناقضة: إذ جاءه في البداية أمر بغزو الأراضي العثمانية مع حاكم الأفلاق مستغلين غياب السلطان سليمان عنها بجيشه، ولكن عندما اتضح حجم الخطر ومسير السلطان إلى الأراضي المجرية، أُمر يوحنا زاپولياي بالانضمام إلى جيش الملك لويس الثاني ملك المجر، فانطلق بجيشه ولكنه لم يصل إلا إلى سكدين (Szeged). من المحتمل أن زاپولياي لم يكن ليتسنى له الوصول إلى موهاكس قبل نهاية أغسطس/آب حتى لو تلقى أوامر واضحة منذ البداية.[14]
منع العثمانيون وصول تعزيزات كرواتيا
عدلكان الجيش العثماني يتقدم نحو الشمال، ومن خلال شبكة الجواسيس البارعة التي شكلها السلطان سليمان القانوني، اطلع على مراسلات الملك لويس لكل الجهات طالباً المساعدة التي كان ينتظر وصولها ولهذا السبب بالذات أمر اثنين من أمهر قادة جيشه؛ بالي بك بن يحيى پاشا وغازي خسرو بك بأن يصُدَّا ويمنعا برفقة قواتهما وصول التعزيزات وقوات المساعدة القادمة من كرواتيا إلى الجيش المجري.[62]
وصف ساحة موهاكس
عدللم تسمح جغرافية المنطقة للمجريين بتحديد هدف الحملة العثمانية ووجهتهم النهائية، إلى أن عبروا جبال البلقان، فلما عبروها كانت "بدون" أقرب إلى العثمانيين من القوات الأردلية والكرواتية. وعلى الرغم من قلة السجلات التاريخية، تشير الوثائق المتوفرة إلى أن لويس الثاني كان يُفضِّل خطةً للتراجع والتنازل عن البلاد أمام تقدم العثمانيين بدلاً من الاشتباك المباشر مع الجيش العثماني في معركةٍ مفتوحة. ارتكب مجلس الحرب المجري خطأً تكتيكيًا خطيرًا بعدم انتظار التعزيزات القادمة من كرواتيا والأردل لبضعة أيام فقط، واختاروا ساحة المعركة بالقرب من موهاكس، وهو سهل مفتوح غير مستوٍ يتخلله بعض البرك المائية والمستنقعات. لم يواجه الجيش العثماني أي صعوبة في تقدمه نحو موهاكس، حيث كان لويس الثاني بانتظارهم ليقطع الطريق عليهم إلى "بدون".
كان سهل موهاكس محاطًا بأراضٍ مستنقعية من جهة، وتلالٍ من الجهة الأخرى، وكانت هناك قرية عند سفح المصطبة المرتفعة، يُرجح المؤرخون أنها قرية فلدڤار (بالمجرية: Földvár).[14]
اصطف الجيش المجري في تشكيل معركة جنوب بلدة موهاكس في 29 أغسطس/آب 1526م. كانت الساحة محصورة من الشرق بسهل الفيضان الموحل لنهر الطونة، ومن الجنوب والغرب بمُصَطَبة أرضية مرتفِعة ما بين 25 و30 متراً، وكانت شدة انحدارها موضع جدل بين المؤرخين، ولكن من المؤكد أن هذه المصطبة (الشُّرفة) كانت حاسمة في مجرى المعركة. وكان تيار مياه بورزا (Borza) يمر عبر الساحة، فتمركز الملك لويس الثاني وجيشه إلى الجنوب من هذا التيار المائي. من المرجح أن المجريين كانوا يقفون على مسافة تتراوح بين 2 و2.5 كيلومتر من تلك المصطبة الأرضية المرتفعة. وصف شاهد العِيان المؤرخ المجري أسطفان بروداريتش هذه المنطقة بين الشُّرفة والجيش المجري بأنها سهل، ولكنها في الواقع كانت مليئة بتلال صغيرة ووديان تُعيق رؤية واضحة لساحة المعركة.[14]
تشكيلات الحرب للجيشين
عدللوحة لإبراهيم پاشا، للرسام الألماني المعاصر "سيبالد بيهام" (1500م-1550م).
اعتمد الجيش المجري تشكيلات عسكرية تقليدية قائمة بشكل كبير على الفرسان المدرعين والتكتيكات القديمة التي فشلت في معارك قريبة مماثلة، وفي المقابل، كان الجيش العثماني حديثًا ومتقدمًا تقنيًا، يعتمد على المدفعية وقوات النخبة من الإنكشارية، إلى جانب فرسان السباهية والقوات المُجنّدة. هذا التفوق التقني والتنظيم الحديث جعل وضع الجيش المجري ضعيفًا وغير مؤهل لمواجهة هذا الخصم القوي.
تشكيل الجيش المجري
عدلبَنَت المجر جيشًا باهظ التكاليف على طراز قديم عفا عليه الزمن، حيث كانت تشكيلاته مشابهة لتشكيلات جيش الملك فرانسيس الأول ملك فرنسا في معركة پاڤيا آخر معركة من حرب السنوات الأربع من الحروب الإيطالية التي جرت العام الأسبق في 24 فبراير 1525م، وانتهت بهزيمة الجيش وأسرِه، حيث اعتمد الجيش المجري على فرسان مزودين بدروع قديمة الطراز وعلى خيول مدرعة.
عند فجر يوم 29 أغسطس/آب، تألف تشكيل جبهة القتال المجرية من خطين متوازيين مع المصطبة الأرضية المرتفعة. كان الجيش المجري مُوزعاً على قسمين: الأول هو قلب الجيش والميمنة والميسرة، والثاني هو القسم الخلفي الذي يضم أربعة أجنحة متوالية وكان الملك المجري لويس الثاني متواجداً بينها. كانت الدروع الحديدية تغطي أجساد الجنود حتى أن الجيش ليبدو من بعيد وكأنه قلعة حديدية.[63] تمركزت المشاة ومدفعية المرتزقة في الخط الأول والفرسان على الجناحين الأيمن والأيسر، أما الخط الثاني فكان يتكون من مزيج من مشاة الضباط والفرسان.[64][14]
- الخط الأول الأمامي:
- تمركز معظم المشاة البالغ عددهم عشرة آلاف تقريبًا في وسط الخط الأمامي، مُشكِّلين جبهة طولها حوالي كيلومتر واحد.
- كان الجناح الأيمن بقيادة فيرينك باتياني، بان الكروات، الذي تمركز بسلاح الفرسان الثقيل.
- وعلى الجناح الأيسر كانت قوات تتكون أساساً من سلاح الفرسان الثقيل، تولى قيادتها "بطرس پيريني" (بالمجرية: Péter Perényi) ڤويڤود ترانسيلڤانيا وحارس تاج المجر المقدس المعروف أيضًا بتاج القديس أسطفان والمُستخدم لتتويج ملوك المجر منذ القرن 12.
- وزّع بولس توموري المدفعية المجرية على طول خط الصف الأول.
- كان القائدان، بولس توموري وجرجس زاپولياي أيضًا في الخط الأمامي، على استعداد للتدخل في أي مكان حسب الضرورة.
- قدَّرَ المؤرخ غيزا پيرجيس (بالمجرية: Géza Perjés) (1917م-2003م)، الخبير الموثوق في معركة موهاكس وأهم مؤرخ عسكري مجري في القرن العشرين،[65] بأن الخط الأول امتد على طول جبهة تصل إلى 4 كيلومترات.[14]
- الخط الثاني الخلفي:
- وقف الملك لويس الثاني في وسط الخط الثاني مع حوالي ثلاثة آلاف من سلاح الفرسان الثقيل. كانت وحدات سلاح الفرسان الخفيفة التي تحمي لويس الثاني أيضًا في الخط الثاني، وكذلك عدد صغير من المشاة.
- لم يكن الجيش المجري ككل منظمًا بعمق، ولم يكن الصف الثاني قويًا بما يكفي للمتابعة على هجوم ناجح، وهذا يعني أن أي شيء أقل من النجاح الكامل لهجوم الخط الأول سوف يحسم مصير الجيش المجري بالهزيمة الساحقة.[14]
تشكيل الجيش العثماني
عدلكان تشكيل الجيش العثماني أكثر حداثة حيث اعتمد على المدفعية والنخبة المسلحة من الإنكشارية، أما الباقي فكان مزيجاً من سلاح الفرسان السباهية الأشداء والقوات المجنّدة من الروملي والبلقان. اصطفت الجنود العثمانية على ثلاثة صفوف، وكان السلطان ومعه كافة المدافع وفرقة الانكشارية في الصف الثالث بالخلف.[30]
وبناءً على اقتراح بالي بك بن يحيى پاشا، اصطف الجيش العثماني على ثلاثة صفوف متعاقبة:
- في الصف الأول الأمامي اصطف جيش الروملي بقيادة الصدر الأعظم إبراهيم پاشا،
- وفي الصف الثاني اصطف جيش الأناضول بقيادة بِهرام پاشا (بالتركية: Behram Paşa)،
- وفي الصف الثالث اصطفت قوات النخبة الإنكشارية بقيادة السلطان سليمان القانوني.
خطط المعركة
عدلخطة الجيش المجري
عدليشير اختيار ساحة المعركة إلى أن القائد توموري كان يهدف إلى الاشتباك مع الجيش العثماني عند سفح المصطبة، ووضع خطة معركة هجومية نظراً للقوة العددية الأقل للجيش المجري. ومع ذلك، لا يوجد دليل قاطع على فرضية المؤرخين بأن الملك المجري لويس الثاني عقد مجلساً للحرب بالقرب من موهاكس. كان القادة المجريون يخططون لشن هجوم على العثمانيين أثناء نزولهم من منحدر المصطبة. ومن المثير للاهتمام، إن لم يكن من المدهش، أن توموري لم يخطط لخيار الانسحاب المنظم، وهو نفس الخطأ الذي ارتكبه قبله القائد المجري يوحنا هونياد في معركة كوسوڤو الثانية في عام 1448م. ومرة أخرى، استندت التكتيكات المجرية إلى هجمة مدمرة واحدة.[14]
كانت للجيش المجري ميزة استغلال التضاريس واختيار مناطق الاشتباك مع الجيش العثماني. وبدلاً من مهاجمة العدو المُتعَب على الفور، ترك المجريون العثمانيين يكافحون للمرور عبر التضاريس المستنقعية، إذ كان المجريون يأملون في الاشتباك مع الجيش العثماني بشكل تدريجي، كما كانوا في وضع أفضل لأن قواتهم كانت مستعدة قبل وصول العثمانيين لأرض المعركة وجنودهم مستريحين على عكس الجيش العثماني الذي أنهى للتو عند وصوله مسيرة شاقة في حرارة الصيف الحارقة.[66]
خطة الجيش العثماني
عدلاقترح القادة العثمانيون أن يتم انتظار هجوم العدو، ثم تنقسم القوات المتقدمة إلى قسمين على الجانبين ليتم توجيه القوات المجريّة نحو المدافع العثمانية، بينما يتم تطويق العدو من الجانبين بواسطة الخيّالة العثمانية. وقد تم تنفيذ هذه الخطة بنجاح.[50]
وبحسب الخطة الحربية، كان على الجميع انتظار الهجوم المجري المتوقع، حتى إذا تركز الهجوم على قلب الجيش العثماني، تتجه القوات العثمانية بحسب الخطة إلى الجوانب تاركة الفرسان المجريين يدخلون في العمق لكي يواجهوا المدفعية العثمانية لتحصدهم.[30][67]
التجهيزات الأخيرة للقتال
عدلبذل المؤرخون محاولات عديدة لإعادة بناء مُجريات المعركة، إلا أنهم لم ينجحوا في تحديد مسارها بشكل مرضٍ حتى الآن. أثبت المؤرخ المجري غيزا پيرجيس بشكل قاطع أن ترتيب الجيش المجري في المعركة كان «لا يصلح لشيء سوى لهجوم يائس». وقد رأى العثمانيون أيضًا الأمر نفسه؛ حيث نصح حاكم ناندورفيهيرڤار (بلغراد) الصدر الأعظم بعدم مواجهة الهجوم المجري مباشرة، بل بتفاديه.[14]
التحركات التكتيكية للجيش العثماني
عدلغادر الصدر الأعظم إبراهيم پاشا الفرنجي معسكره مع فيلق الروملي والإنكشارية والمدفعية وقطع مسافة لا تزيد عن 12 كيلومتراً استغرقت سبع ساعات تقريباً. وفي التاسع والعشرين من شهر آب/أغسطس 1526م التقى الجيش العثماني الذي وصل موهاكس بالقوات الإسبانية والألمانية والإيطالية والتشيكية بالإضافة إلى القوات المجرية المنضوية تحت قيادة الملك لويس الثاني والتي كانت تنتظر وصوله.[62]
ووفقاً للمصادر العثمانية في "روزنامة سليمان" فإن العثمانيين وصلوا إلى حقل موهاكس حوالي الساعة الثانية ظهراً، على أرض غارقة بالأمطار الغزيرة. وتستنتج المصادر بشكل قاطع أنه عندما وصل القادة العثمانيون، حصلوا على رؤية واضحة للجيش المجري وتوزيعه ونظامه القتالي، وبالتالي كان لديهم أساس جيد لاختيار تكتيكاتهم.[14]
قطع التعزيزات عن الجيش المجري
عدلأرسل السلطان سليمان القانوني فرق الاستطلاع الآقنجية الخفيفة ليمنعوا الجيش المجري من تلقي أي تعزيزات، قبل وصول الجيش العثماني إلى سهل موهاكس يوم 29 أغسطس/آب 1526م.
عقد السلطان مجلس حرب على حافة المصطبة الأرضية المرتفعة أعلى سهل موهاكس ضم جميع قادة الجيش بما فيهم الصدر الأعظم إبراهيم پاشا والجنود المخضرمين، وكانوا على دراية كاملة بترتيبات الجيش المجري وكان الجيش العثماني مستعدًا بالتأكيد للمعركة.[14] في هذا المجلس، أشار "بالي بك بن يحيى پاشا زاده مالقوچ أوغلى" إلى أن فرسان المجر المدرعين المربوطين بالسلاسل يُشكلون خطرًا كبيرًا على الجيش، وأن الهجوم الجماعي يمكن أن يكون كارثيًا، واقترح مهاجمة أجنحة الجيش المجري ومؤخرته لتحقيق أكبر فائدة. وافق السلطان والمجلس على اقتراح بالي بك.
نزول العثمانيين إلى سهل موهاكس
عدلبدأت قوات الروملي العثمانية في النزول على المنحدر إلى أسفل المصطبة. وفي الوقت نفسه، أرسل إبراهيم پاشا سلاح الفرسان الخفيف بقيادة بالي بك وغازي خسرو بك إلى جانبي الجيش المجري. من الواضح أن الغرض كان تشتيت انتباه المجريين بينما يقوم الجيش العثماني الرئيسي بالنزول من المصطبة المرتفعة إلى السهل. [14]
كان القائد العام بولس توموري في الصف الأمامي فركب جواده عائداً إلى الملك لإقناعه بأن إجراء الهجوم في هذا التوقيت هو الخيار الصحيح، ثم عاد إلى مكانه بعدما أقنع الملك وأمر قائد الجناح الأيمن فيرينك باتياني بان كرواتيا والمشاة المركزية بالهجوم. ولابد أن خطته كانت تتلخص في إلحاق الهزيمة بفيلق الروملي قبل أن يكتمل تشكيل قلب الجيش العثماني وينتظم.[14]
نصب المدافع والتحضير العثماني
عدلنزلت قوات الروملي إلى أسفل المصطبة حيث سهل موهاكس وبدأ يستعد للتخييم دون أي مقاومة، وكان لديهم الوقت الكافي لنصب مدافعهم في مواقعها المعتادة وحمايتها بالأسياج والأوتاد. وكانت الوحدات تحت قيادة السلطان تنزل من المصطبة الواحدة تلو الأخرى، وجيش الأناضول وراءها.
لا يُعرف مكان وجود السلطان وحرس الباب العالي أو قوات الأناضول في ذلك الوقت من المراجع، ولكن يُفترض عمومًا أنهم وصلوا إلى المصطبة المرتفعة. قدَّرَ المؤرخ غيزا پيرجيس، الذي أجرى حسابات شاملة، أن هناك تأخرًا قدره 5-6 كيلومترات بين قوات الروملي المتقدمة وقوات الأناضول المصاحبين للسلطان. لكنه أكد أيضًا أن قوات الأناضول كان عليها أن تسير 6-8 كيلومترات فقط في يوم المعركة، مما يعني أنهم لم يبدئوا التحرك من المعسكر إلا بعد الظهر، وهذا أمر لا يمكن تصوره، والأرجح هو أنه عندما بدأت قوات الروملي بالنزول، كان الجيش العثماني بأكمله واقفًا على حافة المصطبة، ولم يكونوا مُتعَبين للغاية لأن مسيرة 6-8 كيلومترات لا تستهلك الكثير من طاقة الجنود، حتى في وضع المعركة.[14]
قرار بدء المعركة
عدلعندما أتمت قوات الروملي النزول إلى أسفل المصطبة، أمرهم السلطان بشكل غير متوقع بإقامة معسكر، وكانت هناك استعدادات مماثلة تُجرى على الجانب المجري. يعتقد البعض أن المجريين أدركوا أن العثمانيين لا يريدون الانخراط في المعركة في ذلك اليوم، ووفقًا للمؤرخ أسطفان بروداريتش شاهد العِيان الذي حضر المعركة، قال إن "الشمس كانت تتجه نحو الغرب بالفعل"، أي أن وقت الظهيرة كان قد تقدم كثيرًا. ولكن المشكلة، وفقًا للمؤرخ، تكمن في أن العودة إلى المعسكر كانت باقتراح من البارونات المقربين من الملك الذين لم يتمكنوا من رؤية ما كانت تقوم به قوات الروملي في الجهة المقابلة أسفل المصطبة بسبب خط المعركة أمامهم والأرض المتعرجة، كما يقول بروداريتش نفسه. من المحتمل أن ما حدث هو أن كلا من مجلس السلطان وحاشية الملك لويس اعتبرا أن الوقت قد فات لبدء المعركة وقررا أنه من المتأخر جدًا بدء المناوشات، ورغِبا في تأجيلها إلى اليوم التالي. وكان الجيش المجري واقفًا في وضع الاستعداد وحالة التأهب للمعركة منذ الفجر، ولا بد أنهم كانوا متعبين مثل العثمانيين الذين كانوا مازالوا يتوافدون إلى سهل موهاكس بعد مسيرتهم ويتجمعون.[14]
أعلن السلطان أنّ «الوقت بات متأخراً، والجميع يشعر بالتعب رجالاً ودواباً، لذا سنباشر بالهجوم إن شاء الله في السَحَر».[62]
ملحمة القتال
عدلتختلف تفاصيل المعركة بين الروايات المعاصرة، لكن الصورة العامة تؤكد أن الخطة العثمانية نجحت نجاحا دقيقا للغاية.[68]
دعاء السلطان سليمان وسط جنوده
عدلارتدى السلطان سليمان القانوني درعه وارتدى على رأسه طاقية مزينة بثلاثة جوانب وأجرى تفتيشًا للجيش، ثم صعد إلى قمة تلة تُعرف باسم "تلة السلطان" أو "تلة التُّرك"،[50] ونُصبت خيمة السلطان على هذه التلة التي تُسمّى اليوم "موقع الخيمة" أو "ساتورهيلي" (بالمجرية: Sátorhely)، بمنتصف سهل موهاكس المتدرج، وبدأ القادة بدورهم في نصب الخيام. وفي نفس اليوم اعتلى السلطان ظهر حصانه وارتدى درعه وتقلّدَ سيفَهُ وجعبة السهام وانطلق حتى وصل إلى صفوف قوات الروملي، وشجع الجنود بكلمات مُحفزة، ثم رفع يديه نحو السماء مبتهلاً بالدعاء: «إلهي أنت القوي القدير، إلهي بيدك الأمر والنصر، ومن لدنك الرحمة والعون، ومن لدنك الكرم والمروءة والحماية، فلا تُحزِن فقراء أمة محمد صلى الله عليه وسلم الضعفاء، ولا تُفرح أعداءنا المتجبرين» وأخذت العبرات تنهمر من عينيه حيث ارتفعت أصوات الجنود تردد خلفه «آمين». وقد دفعت كلمات السلطان وتأثره البالغ آلاف الأبطال العثمانيين إلى ذرف الدموع، واستبد تأثر وهياج شديدان بالجيش. وبعد الانتهاء من الدعاء بدأت قوات الروملى بالتقدم ولحق بهم السلطان على رأس قواته الغفيرة حتى بلغوا تلة تُشرف على سهل موهاكس. وكانت مياه نهر الطونة المحيطة بالسهل تتدفق حيث كان الجيش المجري يعسكر على ضفافه ويبدو من بعيد كغيمة سوداء هائلة.[63]
بدء القتال بهجوم فرسان المجر
عدلكانت ميمنة الجيش العثماني تحت قيادة الصدر الأعظم وأمير أمراء الروملي إبراهيم پاشا، بينما الميسرة تحت قيادة أمير أمراء الأناضول بِهرام پاشا، أما في الوسط فقد كان السلطان وآغا الإنكشارية بالإضافة إلى جنود القاپى قولو. رُفعت البيارق ورُصّت الصفوف ودُقت الطبول وبدأت البيارق تطوف. ورغم أنّ السلطان كان قد أجّل البدء في القتال إلى اليوم التالي إلا أنّ القوات المجرية اتخذت وضعية الاستعداد للقتال في نفس يوم التاسع والعشرين من أغسطس/آب حيث تقدمت فرقة الفرسان المدرعة نحو الجيش العثماني في كتلة واحدة متراصة. ومع وصول خبر انتقال القوات المجرية لوضع الهجوم، رفع السلطان يديه بالدعاء قائلاً «لا حول ولا قوة إلا بالله، يا رب انصر جنود الأمة المحمدية»، وأمر إبراهيم پاشا أن يتصدى لهذا الهجوم على رأس قوات الروملي فوقع صدام شديد بين فرسان المجر والفرسان العثمانيين. كان هجوم فرسان المجر المدرعين بالغ العنف وكانت قوات الروملي في وضعية الدفاع مُحافظة على تنظيمها أثناء انسحابها بشكل جانبي، كما كانت قوات الأناضول أيضاً تتبع الخطة ذاتها في الانسحاب الجانبي.[69]
وصول فرسان المجر إلى السلطان
عدلأثبت غيزا پيرجيس بشكل قاطع أن ترتيب الجيش المجري في المعركة كان
«لا يصلح لشيء سوى لهجوم يائس» |
—المؤرخ المجري غيزا پيرجيس، أهم مؤرخ عسكري مجري في القرن العشرين وخبير معركة موهاكس |
بات الهجوم في تلك المرحلة بالغ العنف والدموية، حتى أنّ اثنين وثلاثين من الفرسان الذين أقسموا على قتل السلطان نجحوا في الوصول إلى حاميته والتوغل بين صفوفهم، وقد تمكن ثلاثة فرسان مجريين من الوصول إلى السلطان وسقطت سهامهم أرضاً بعد أن اصطدمت بدرع السلطان الذي تمكن من التصدي لرماحهم بسيفه. وهنا تدخل جنود الإنكشارية وانهالوا عليهم بسيوفهم الماضية قبل أن يسمحوا لهم بالاقتراب من السلطان أكثر.[70]
سحق القوات المجرية بالمدافع العثمانية
عدلكان جنود النخبة الإنكشارية المحيطون بالسلطان يتناوبون في إطلاق النار من بنادقهم، ففيما يطلق قسم منهم النار، كان القسم الآخر يملؤون بنادقهم بالبارود. وفي الوقت الذي وصلت فيه القوات المجرية الأساسية إلى قلب الجيش العثماني، بدء هزيم المدافع العثمانية يَصُمٌ الآذان، وبدأت مدافع المجريين بدورها ترد على النيران المُصوبة عليهم بشدة بالغة وقد وَجَّهَت كل المدافع العثمانية نيرانها صوب العدو في الآن ذاته. أما خنادق المجريين فقد تحولت ثغوراً تفيض بالقتلى وقد تبعثرت سيوفهم، وبعد أن ظنوا أنهم باتوا على مشارف النصر، أخذت أرتال قوات المجريين المدرعة تنهار الواحدة تلو الأخرى تحت أزيز المدافع العثمانية وبدأت ثغور هائلة تفصل صفوفهم المتراصة عن بعضها في حين أخذت قوات الأناضول والروملي تحيط بهم مثل الكماشة وتسحقهم بقوة دون أن يمهلوهم فرصة إدراك ما يجري.[70][20]
تطويق الجيش المجري وإبادته
عدلخرج كل من بالي بك والغازي خسرو بك من مكامنهم وهجموا مع قواتهم على أطراف الجيش المجري ومؤخرته وتحولت الصدامات في هذه المرحلة إلى مذبحة. فمن استطاع الانفصال عن الجيش والهرب كان يغدو إما هدفاً سائغاً لسيوف فرسان الأقنجية العثمانية أو غريقاً في المستنقعات تحت ثِقَلِ دروعِهِم. وحين رأى الملك لويس الثاني قادته وقد قُتل قِسم منهم فيما أُسر القِسم الآخر، أدرك مصيره المُظلم وأنه ما من مبرر للقتال أكثر لذا تخلى عن القتال وفرٌ صوب النهر طالبا النجاة.[70]
مقتل الملك لويس في المستنقعات
عدللم يكن قد مضى على بدء القتال سوى ساعتين حين غدا جنود المجر والقوات المتحالفة معهم إما طعماً للسيوف الباترة أو عُلَّت أعناقهم بسلاسل الأسر، فيما ابتلعت المستنقعات الآلاف ممن اختاروا طريق الهرب بعد أن تاهوا في المنطقة المسماة "جسر الملك"، ومن هناك تمّ استخراج جثة الملك لويس بعد عدة أسابيع من بين تلك الأجساد الغرقى،[71] مثقلا بوزن دروعه الثقيلة بحسب المصادر العثمانية والغربية، على خلافٍ مع بعض المراجع الأخرى بأنه لم يُعثر على جثته.[72][19]
احتفالات النصر العثمانية
عدلأقيمت احتفالات النصر في المعسكر العثماني حتى الصباح، وفي صبيحة اليوم التالي تجوَّل السلطان سليمان برفقة وزرائه وقادة جيشه في ساحة المعركة التي غدت إبادة حقيقية. فَقَدَ الجيش المجري 20,000 من جنوده،[71] إلى جانب 4,000 فارس، وأكثر من 1,000 نبيل من بينهم سبعة أساقفة وثمانية وعشرون بارونًا، وكان الملك لويس من بين الكثير من القادة البارزين الذين فقدوا حياتهم. [72][73] لاحظ المؤرخون العثمانيون حجم الخسارة، حيث أورد أحد المصادر أن السلطان سليمان كان مندهشًا من إرسال قوة صغيرة كهذه لمواجهته.[74]
وفي هذه الأثناء توجه سبعة رُسُل مع رسائل النصر نحو كل من إسطنبول وإدرنة وبورصة وقرمان والشام ومصر وديار بكر وحلب. وعلى إثر ذلك تقرر التحرك باتجاه "بدون"، وتقدم السلطان سليمان بجيشه إليها حتى وصلها في الثاني عشر من شهر أيلول فاستسلمت دون قتال.[74] ومع وصوله توجهت إليه هيئة من أعيان المدينة لتقدم إليه مفاتيحها،[71] فمكث فيها عشرة أيام مقيماً في قصر الملك وقد أقيمت الاحتفالات في "بدون" عاصمة المجر بمناسبة العيدين، حيث توافق هذا الانتصار المبارك مع عيد الأضحى المبارك. وتجول السلطان برفقة الصدر الأعظم في المدينة وعبر نهر الطونة لينتقل إلى پشته (بوداپست) فوق الجسر الجديد الذي بُني على نهر الطونة.[72]
تأمين السكان المحليين
عدلتدفق المجريون الطالبون للأمان من كلا الضفتين نحو "بدون"، فنُقل قسم من هؤلاء الذي أبدوا رغبتهم في أن يصبحوا من رعايا الدولة العثمانية إلى منطقة "يدي كولة" (بالتركية: Yedikule) في إسطنبول (حيّ الأبراج السبعة لأسوار القسطنطينية) فيما تمّ توطين قسم آخر منهم وهم اليهود في مدينة سالونيك. ومن جهة أخرى حملت السفن قسماً من خزينة الملك وذخيرة الجيش ومن ضمنها تماثيل برونزية لكل من هرقل وديانا وأپولو، أما الشمعدانان الكبيران البرونزيان اللذان تمّ إحضارهما فقد عُلِّقا على طرفي محراب جامع آيا صوفيا. وأثناء استقبال السلطان لبعض نبلاء المجر في پشته، وَعَدَهُم بتنصيب حاكم الأردل يوحنا زاپولياي ملكاً على المجر.[72][75]
العودة إلى بلغراد "دار الجهاد"
عدلفي 27 سپتمبر/أيلول 1526م غادر السلطان سليمان مدينة پشته عائداً بمحاذاة نهر الطونة وتمكن من السيطرة على قلاع سكدين وباچ (Baç) وتيلك (Tilek) في طريق عودته، ومن ثم وصل إلى بلغراد، "دار الجهاد".[72]
تفصيل مجريات المعركة
عدلهنا تفصيل المعركة بحسب المصادر المجرية.
ثم أسرعنا للأمام على هذا التضاريس التي كانت أحيانًا مستوية وأحيانًا غير متساوية... وقف أبطالنا في موقفهم وقاتلوا بشجاعة ضد العدو. وبينما تقدم تشكيل الملك بسرعة كبيرة قدر الإمكان في الدروع الكاملة، بدأ الجناح الأيمن في التراجع، وفرّ الكثيرون؛ أعتقد أن مدافع العدو قد أفزعتهم، حيث بدأوا في الفرار في هذا الوقت فقط. أثارت النيران السريعة وطلقات المدافع التي كانت تحلق فوق رؤوسنا نحن القريبين من الملك خوفًا كبيرًا في قلوب الجميع". |
—المؤرخ المجري أسطفان بروداريتش شاهد عيان المعركة |
بدء الهجوم المجري
عدلبدأت القوات المجرية بالهجوم في نفس اليوم، الأحد 29 أغسطس/آب 1526م في وقت ما بين الثالثة والرابعة بعد الظهر.
أرسل القائد العام للجيش المجري بولس توموري الفرسان المكلفين بحراسة الملك للهجوم على العثمانيين، وهي خطوة أثارت الكثير من الجدل منذ ذلك الحين ويبدو أن الرأي القائل بأن هذه الخطوة كانت خطأً فادحًا مأساوياً وغير قابل للإصلاح، لا يزال قائماً.[14]
بعد تلقي الأمر بالهجوم، بدأت المدفعية المجرية بإطلاق النار وشن الجناح الأيمن بقيادة توموري هجومًا بأقصى سرعة، كذلك شن المشاة هجومًا، لكنهم بطبيعة الحال تأخروا كثيرًا خلف الفرسان.[17]
تحركات المشاة والفرسان المجر
عدلكان الجناح الأيمن يستهدف مركز جيش الروملي، بينما كان المشاة يتجهون نحو الإنكشارية والمدفعية في الجناح الأيمن لجيش الروملي.
كان بإمكان سلاح الفرسان الثقيل المجري قطع المسافة البالغة كيلومتر ونصف إلى كيلومترين في بضع دقائق دون أن ينهار ترتيبهم القتالي. ولكن كان عليهم أن يأخذوا في الاعتبار المشاة الذين كان عليهم الوصول معهم في نفس التوقيت. كان المشاة بحاجة إلى ما لا يقل عن نصف ساعة لقطع المسافة والوصول إلى العثمانيين، وكان هذا الوقت كافياً تماماً للفرسان العثمانيين لإعادة ترتيب صفوفهم وتنفيذ الخطة التي اقترحها بالي بك بمهاجمة أجنحة الجيش المجري ومؤخرته لتحقيق أكبر فائدة.[14]
ليس لدينا أي معلومات على الإطلاق بشأن هجوم المشاة؛ ومع ذلك، يمكننا أن نفترض أنهم انطلقوا في نفس الوقت الذي انطلق فيه الجناح الأيمن، وبما أنهم كانوا بحاجة إلى السير لمدة نصف ساعة على الأقل، فقد يكونوا قد وصلوا إلى الإنكشارية والمدفعية تقريبًا في نفس وقت وصول الفيلق الثاني. أما الاحتياطي والجناح الأيسر تحت قيادة بطرس پيريني فبقيا في مكانهما، وكان ذلك متوقعًا، حيث أن جيش الأناضول أمامهم لم يكن مرئيًا بعد.
انخداع توموري وتحركات العثمانيين
عدلعندما بدأت المعركة بالهجوم المفاجئ من قوات الميمنة المجرية على قوات الروملي بالجناح الأيسر للجيش العثماني تحت قيادة إبراهيم پاشا، اشتبك معهم العثمانيون لبعض الوقت ثم أصدر إبراهيم پاشا أمراً لقواته بالتراجع للوراء على صورة انسحاب حتى تندفع فرسان المجر المدرعة نحو المدى الفعال للمدفعية العثمانية، فتقهقر مشاة العثمانيين ليقفوا خلف مدافعهم العثمانية.[14]
صَدَّقَ توموري هذه الخدعة، ولم تكن هذه هي المرة الأولى في الحروب العثمانية-المجرية التي يُفسِّرُ فيها القادة المجريون تقهقر فرسان السباهية المدرعة المُتقَن على أنه انتصار، ووقع توموري في نشوة الخدعة وأعطى الأمر للصف الثاني بالهجوم فوراً ظنا منه أن الصف الأول قد كسر العثمانيين، وحان دور اكتساحهم.[14]
أرسل أندراش باتوري الحاكم السابق لناندورفيهيرڤار (بلغراد) قبل الفتح العثماني لها 1521م، برسالة إلى الملك مفادها «بما أن النصر قد أصبح لنا» فإنه يجب عليه أن يبدأ بالهجوم مع الفيلق الثاني وملاحقة العدو.
وفي هذه الأثناء، دخلت مدفعية فيلق الروملي في المعركة، وتقدم الفرسان المجريون تحت طلقات المدافع العثمانية التي طاشت في البداية ومرت فوق رؤوس المجريين المُهاجمين. وعلى عكس ذلك، كانت طلقات الإنكشارية الذين كانوا يحرسون المدافع تصيب أهدافها بدقة بالغة كي تُبعد المجريين عن الاقتراب من المدافع وطواقمها؛ فلم يستطع سلاح الفرسان المجري الصمود أمام المشاة العثمانيين، واستمروا في التقدم متجنبين المدافع بعيدا رغم استمرار القصف، واضطُّروا إلى التحرك إلى الجانب، فتكبدوا خسائر فادحة أثناء ذلك.[14]
أطلق الإنكشارية النار بشكل منسق ودقيق لدرجة أن أشجع الكفار سقطوا في الهجوم الأول |
—المؤرخ العثماني البوسنوي بچوي إبراهيم أفندي (1572م-1650م) |
معركة فناء الجيش المجري
عدلوعندما وصلت المشاة وفرسان الصف الثاني المجريين بعد ذلك بفترة، كانت القوات المركزية العثمانية وفيلق الأناضول قد تمركزوا في تشكيل المعركة عند سفح المصطبة المرتفعة، مما منح العثمانيين تفوقًا هائلًا. تقدم الصف الثاني المجري وبدأ الجنود المجريون في نهب المعسكر العثماني، وبعد حوالي 15-20 دقيقة، بدأت قوات الإنكشارية بفتح نيران مكثفة على المجريين بسرعة غريبة أوقعت الرعب في قلوب المجر الذين أخذوا في التقهقر تتبعهم العساكر المظفرة العثمانية، مما أدى إلى خسائر فادحة في صفوفهم وقُتل أغلب الفرسان المجرية وقُتل ملكهم لويس الثاني ولم يُعثر على جثته.[12]
كتب المؤرخ المجري أسطفان بروداريتش الذي شهد المعركة:
«ثم أسرعنا للأمام على هذه التضاريس التي كانت أحيانًا مستوية وأحيانًا غير متساوية، وقف أبطالنا في موقفهم وقاتلوا بشجاعة ضد العدو. وبينما تقدم تشكيل الملك بسرعة كبيرة قدر الإمكان في الدروع الكاملة، بدأ الجناح الأيمن في التراجع، وفرّ الكثيرون؛ أعتقد أن مدافع العدو قد أفزعتهم، حيث بدأوا في الفرار في هذا الوقت فقط. أثارت النيران السريعة وطلقات المدافع التي كانت تحلق فوق رؤوسنا نحن القريبين من الملك خوفًا كبيرًا في قلوب الجميع».
وهكذا، فشل هجوم الجناح الأيمن في النهاية. اعتقد المؤرخ بروداريتش فقط أن الجناح الأيمن قد أصابه الرعب من نيران المدفعية، ولكنه أشار أيضًا إلى أن كرات المدفعية كانت تمر فوقهم، بمعنى آخر، لم تصبهم. في حين أن إطلاق 150 مدفع عثماني في نفس الوقت قد يكون له تأثير مرعب، إلا أنه من الصعب تصديق أن الجنود المجريين قد أصيبوا بالرعب لدرجة الفرار، خاصة إذا لم تصب المقذوفات صفوفهم.[14]
لم تكن المدفعية العثمانية تُطلق النار على الجناح الأيمن المجري لأن هذا الجناح كان يهاجم من يسارها، بل أطلقت على الخط الثاني الذي كان يصل أمامها، ويتضح هذا من رواية بروداريتش؛ حيث يذكر أن المدافع بدأت في إطلاق النار فقط بعد أن بدأ الخط الثاني هجومه، وهو ما يجب أن يكون قد حدث بعد 15-20 دقيقة من هجوم الجناح الأيمن.
السبب الحقيقي للفشل المجري كان أن الجزء الأكبر من الجيش العثماني المركزي، بما في ذلك الإنكشارية، كان قد وصل إلى أسفل المصطبة وأطلق وابلًا من النيران على الجنود المجريين الذين كانوا منشغلين بجمع الغنائم وعلى أولئك الذين كانوا لا يزالون يقاتلون. فبعد أن ناوشهم إبراهيم پاشا لبعض الوقت ثم أمر قواته بالتراجع حتى تندفع فرسان المجر نحو المدفعية العثمانية، ظنت الفرسان المجرية في الجناح الأيمن أنها انتصرت وبدأت بجمع الغنائم.
هذا الوابل النيراني الذي أطلقه جنود الإنكشارية العثمانيون، على عكس نيران مدفعيتهم، لم يكن فقط مجرد صوت وضوضاء، بل كان له تأثير فعلي، فقد تسبب في فوضى في صفوف المجريين. وفقًا ليوميات "سليمان نامه": «هاجم قسم الإنكشارية الكفار الأذلاء ثلاث أو أربع مرات بإطلاق النار من البنادق وحاولوا إجبارهم على التراجع».
ووفقًا لكمال پاشازاده: «وزع الإنكشارية الرصاص مثل العاصفة البَرَدية».
ووفقًا للمؤرخ العثماني بچوي إبراهيم أفندي: «أطلق الإنكشارية النار بشكل منسق ودقيق لدرجة أن أشجع الكفار سقطوا في الهجوم الأول».
في هذه المرحلة من المعركة، ظهر أثر فقدان التزامن بين القوات المجرية، وكان فشل هجوم الجناح الأيمن يعني أن المعركة قد خُسرت بلا أمل، ويبدو أيضًا أن توموري قد قُتل في هذه اللحظة.
دور القوة النارية
عدلاشتهرت المجر منذ القرن 15 باستخدام الأسلحة النارية اليدوية على نطاق واسع وغير معتاد، ثم تخلَّى المجريون عن استخدام القوس والنشاب تمامًا في العقد الأخير من القرن 15 وتحولوا كليًا إلى الأسلحة النارية. حصل العثمانيون على معظم البنادق لجنودهم الإنكشارية من تجار أسلحة مجريين وبندقيين، وكانت هذه الظاهرة واسعة الانتشار وخطيرة لدرجة أن البرلمان المجري اضطر عام 1525م إلى إقرار قانون يمنع تصدير البنادق المجرية الصنع إلى الدولة العثمانية.[76]
كان المشاة المجريون مُجهزين تجهيزًا جيدًا بالبنادق في معركة موهاكس خلافًا للاعتقاد السائد، مما جعلهم يتمتعون بقوة نيران عالية بشكل غير معتاد مقارنةً بالمعايير الأوروپية الغربية المعاصرة، ولم يكن للعثمانيين تفوقٌ عدديٌّ في استخدام الأسلحة النارية اليدوية خلال معركة موهاكس، فقد استخدم نصف جنود الإنكشارية بنادق المسكيت والقربينات فقط، بينما اعتمد النصف الآخر على الرماية التقليدية.[77]
واجه كلا الجيشين تحديًا تكتيكيًا، وهو عدم قدرتهما على تحريك قوتهما النارية بكفاءة. ونتيجةً لذلك، لم يتمكنا من استخدامها بفعالية إلا إذا أطلقت النيران من موقعٍ دفاعي، وكان السؤال المطروح في إدارة المعارك هو: من الذي يستطيع إجبار الآخر على بدء الهجوم في ساحة المعركة على مواقع دفاعية مُجهزة للدفاع عنها بالمدافع والبنادق؟[78]
استخدم العثمانيون خلال المعركة وضعية الركوع للتصويب بالأسلحة النارية، وهي الأولى من نوعها، حيث شكل 200 توفكجي (رماة البنادق) تسعة صفوف متتالية وأطلقوا أسلحتهم صفًا تلو الآخر من وضعية الركوع أو الوقوف دون الحاجة إلى مَسْنَدٍ للبندقية. وقد تبنى الصينيون هذه الطريقة لاحقًا، حيث اعتبر الكاتب تشاو شيزين أن البنادق العثمانية متفوقة على البنادق الأوروپية. كذلك استخدم الإنكشارية أيضاً تكتيك وابل إطلاق النار الجماعي من البنادق ذات الفتيل لأول مرة في معركة موهاكس. [79]
كان جنود الإنكشارية الذين أحاطوا بالسلطان يُنفذون تكتيكًا منظمًا أثناء القتال، حيث كانوا يعملون في مجموعات تتناوب على إطلاق النار من بنادقهم. فبينما كانت مجموعة منهم تطلق النار على العدو، كانت المجموعة الأخرى تستغل الوقت في إعادة تعبئة بنادقها بالبارود وإعدادها للجولة التالية من الإطلاق، مما ضَمَنَ استمرارية نيرانهم دون انقطاع. وقد ساهم هذا الأسلوب العسكري المدروس في تعزيز قوة الإنكشارية في المعركة، مانحًا إياهم تفوقًا تكتيكيًا أمام خصومهم المجر. [70]
مقتل الملك لويس الثاني
عدلحاول بولس توموري إيقاف سلاح الفرسان المنسحب عندما قُتِل الملك لويس الثاني.
ليس من المؤكد بحسب المراجع متى قُتل الملك؛ ولكن كل ما هو معروف أنه على عكس البارونات والأساقفة في الصف الثاني الذين قُتلوا في ساحة المعركة، لم يسقط لويس الثاني ملك المجر في ساحة القتال بل مات هارباً وغرق في المستنقع فارّاً تحت ثقل دروعه.[14]
عند كتابة تحركات الملك، يشير أسطفان بروداريتش إلى أن لويس الثاني لم يَعُد مع فرقته: «أنا متأكد من أنه اختفى من صفوفنا عندما بدأت مدافع العدو في إطلاق النار وبدأ الجناح الأيمن في الفرار».
تدمير المشاة وخسائر ثقيلة
عدلبعد فرار الفرسان المجريين المتبقين، تُرِكت المشاة وحدها لتقاتل من أجل حياتها. عندها ساد التفوق العددي العثماني بشكل كامل إلى أقصى حد، ولم يكن أمام المشاة خيار سوى القتال حتى آخر رمق، بينما وقفت فرسان الآقنجية الخفيفة العثمانية على أهبة الاستعداد لقطع أي محاولة للهروب. تمكن المرتزقة المتمرسون ذوو الخبرة ومعظمهم من غير المجريين من تنظيم أنفسهم وفرض نوعاً من النظام في الجيش المجري وصمدوا لفترة أطول، وفي القتال المتلاحم اليدوي، لم يكن للأسلحة النارية دور يذكر، وانتهت المعركة الدامية سريعاً بتدمير كامل للمشاة المسيحيين.[14]
ووفقًا لبعض التقديرات، فقد سقط عشرة آلاف من المشاة المجريين قتلى في الميدان.[14]
تأثير الهجوم على الجناح الأيسر
عدلترك هجوم توموري غير المتوقع الجناحَ الأيسرَ بقيادة بطرس پيريني، حارس تاج المجر المقدس، عاجزًا عن ممارسة أي تأثير فعال على المعركة. كما أنه ليس من الواضح ما إذا كان پيريني قد تلقى الأمر بالهجوم من توموري أو أنه قرر بنفسه مهاجمة فيلق الأناضول العثماني. والأمر المؤكد هو أنه عندما بدأ سلاح الفرسان الثقيل في الجناح الأيسر المجري هجومه، كانت جنود الإنكشارية من فيلق الأناضول قد اتخذوا مواقعهم بالفعل في تشكيل المعركة عند سفح المصطبة واستقبلوا المجريين بنيران كثيفة من بنادقهم. أدت سلسلة الطلقات إلى تقليص حجم فرقة بطرس پيريني وإضعافه بشكل كبير، والتي كان افتقارها إلى المشاة المُسانِدة سبباً في فشل هجومه. ووفقًا للمصادر العثمانية، فإن سلاح الفرسان المجري الذي تراجع بفعل الطلقات والنيران الكثيفة، إعادة تنظيم صفوفه عدة مرات، لكنه لم يتمكن من اختراق الجدار الصلب للإنكشارية. وفي النهاية، كما هو الحال مع بقايا الجناح الأيمن بقيادة فيرينك باتياني، اضطرت فرسان المجر إلى التخلي عن هذا النضال اليائس.[14]
فقد المؤرخ أسطفان بروداريتش صوابه تمامًا عندما بدأت المدافع تدوي واضطر لمصارعة حصانه الذي جُنّ عند سماع صوت إطلاق النار، فأَسقَطَ الرعب الذي استولى عليه، على الجيش المجري بأكمله، ومن هذه النقطة فصاعدًا، يمكن أخذ روايته بتحفظ كبير. على سبيل المثال، لم يذكر شيئًا عن مشاركة المشاة والجناح الأيسر، كما لا توجد معلومات محددة كافية من المؤرخين العثمانيين أيضًا.
تشير المصادر العثمانية إلى أنه بمجرد إحباط هجوم قوات الاحتياط المجري، استمر المجريون المهاجمون بالتوجه إما نحو اليمين أو اليسار مبتعدين عن قلب الجيش العثماني. وفقًا لكتاب «تواريخ آل عثمان» للمؤرخ العثماني الصدر الأعظم لطفي پاشا زوج شاه سلطان أخت السلطان سليمان القانوني، والمجلد الخامس من كتاب تاريخ "شاهنامة آل عثمان"، المُخصص باسم "سليمان نامه"، وهو كتاب مصوَّر كتبه فتح الله عارف چلبي (بالتركية: Ârifî Fethullah Çelebi) بالشعر الفارسي،[80] توجهت قوات الملك لويس الثاني نحو جيش الروملي، ولكن وفقًا للمؤرخ العثماني ورجل الدولة جلال زاده مصطفى چلبي (1490م-1567م) الذي كان من أهم مؤرخي الدولة في عهد السلطان سليمان القانوني، وكذلك المؤرخ كمال پاشا زاده (ت. 1535م)، فإن المجريون توجهوا نحو جيش الأناضول. كلتا الروايتين صحيحة على الأرجح، وهو أن قوات الاحتياط بعدما انقسمت، واصلت هجومها في كلا الاتجاهين.
توفر المصادر العثمانية سردًا مفصلًا إلى حد ما للهجوم الذي شنه الجناح الأيسر بقيادة بطرس پيريني الذي لم يتمكن من شن هجومه إلا بعد ظهور جيش الأناضول. تحمل جنود الإنكشارية وطأة القتال هنا، وأفنوا صفوف المجريين بوابل من الرصاص القاتل. قاتل الجناح الأيسر بشكل جيد: يكتب المؤرخ العثماني لطفي پاشا أنه «استمر في القتال لفترة طويلة»، ويضيف المؤرخ العثماني فردي (وُلد: 1515م) (بالتركية: Ferdi) الذي كتب "سليمان نامه"،[81][82][83] أن المعركة حُسمت فقط بعد «بضع هجمات وتراجعات». ومع ذلك، لم تكن هناك فرصة للنجاح ضد القوات العثمانية المتفوقة، والمعركة كانت محكوم عليها بخسارة المجر.
قاتل مشاة المجر المرتزقة الأقوياء ذوو الخبرة في مركز الجيش لأطول فترة في المعركة، فقد كانوا يعرفون جيدًا أنهم لن يجدوا مكانًا للاختباء من فرسان العثمانيين بالهرب، ويبدو أنهم قاتلوا في تشكيل يُشبه المربع أو المستطيل، ربما لأنهم كانوا محاصرين بالفعل من قِبل العثمانيين من جميع الجهات، وهلكت مشاة المرتزقة تقريبًا حتى آخر رجل.
نهاية المعركة
عدلكان من المعتاد في البروتوكول العثماني بعد كل انتصار أن يقوم كبار المسؤولين في الدولة والجيش بتقديم التهاني للسلطان في ساحة المعركة. بل إنه كانت تُجهَّز خيمة خاصة، وعرش، وما إلى ذلك لهذا الغرض. [50]
وكان من عادة الانتصارات العثمانية أن يتم منح مكافآت مالية ضخمة للقادة العسكريين بحسب منازلهم، وهذه المكافآت كانت تشمل الجنود العاديين أيضًا. سواء كانت من الغنائم أو مكافآت مالية، فقد كانت مصدرًا رئيسيًا للثروة للجنود بعد الانتصارات القديمة.[50]
توزيع الغنائم والمكافآت
عدلفي اليوم التالي، 31 أغسطس/آب الموافق 23 ذو القعدة، نُصبت خيمة مزينة رائعة باللون الأحمر كانت تعرف باسم "الخيمة السُلطانية" (بالتركية: Otağı Hümâyün)، حيث جلس السلطان سليمان على عرشه واستقبل تهاني الوزراء والقادة العسكريين، وأعطاهم مكافآت ثمينة وحِصصًا من غنائم النصر بحسب مراتبهم. [50]
إن ترتيب الجيش المجري في المعركة كان لا يصلُحُ لشيء سوى لهجوم يائس! |
—المؤرخ المجري غيزا پيرجيس |
بعد هذا الانتصار العظيم، عُقد مجلس الديوان في يوم 1 سپتمبر/أيلول الموافق 24 ذو القعدة وتقرر فيه السير نحو "بدون" عاصمة المجر.[50]
وفقًا لجلال زاده كاتب السلطان سليمان، كتب: «تقرر المسير نحو "بدون"». كان الأمر يتعلق بتنظيم التقدم وإصدار التعليمات ذات الصلة، حيث كان فتح "بدون" عاصمة المجر أحد أهداف الحملة منذ البداية.[13] في هذا الوقت قُطعت رؤوس الأسرى الذين بلغ عددهم حوالي 2,000 رجل، ورُفعت رؤوس بولس توموري وقادة آخرين على الرماح وحُملت في موكبٍ في معسكر العدو ليراها الجميع ويتأكدوا من مقتل قادة المجر وانتهاء المعركة؛ ويُقال أنه في وقت لاحقٍ غُرِست تلك الرماح في الأرض أمام خيمة السلطان.
أشاد العثمانيون ببراعة توموري العسكرية، وتُظهر سطور المؤرخ العثماني شيخ الإسلام كمال پاشا زاده عن هذا الاحترام: «كان الأذكى والأشجع بين الأشرار هو القائد الأعلى للملك المنهار والتعيس، بولس توموري، وهو قائد مشهور في تلك البلاد والقائد الثاني في ساحة المعركة. كان مثل الحديد المطروق، كلما تلقى المزيد من الضربات أصبح أقوى. لو ما تم قتله مثل كلب مسعور، لكان من الممكن أن يُبعث من جديد. عندما أطلق هجومًا، مثل فيضان النيل، كان يصيح مثل فيل غاضب، حتى أن النمور والأسود كانت ستتجنبه».
أُرسلت فِرق من فرسان الآقنجية العثمانية إلى جميع أنحاء البلاد للقضاء على أية مقاومة محتملة. [50]
دفن جثث قتلى المعركة
عدلفي 1 سپتمبر/أيلول، دفن العثمانيون 30,000-50,000 جثة تحت سهل موهاكس، بما في ذلك الخسائر العثمانية. عُثر حتى الآن على حوالي 600-800 جثة منهم فقط، معظمهم في محيط قرية ساتورهيلي (بالمجرية: Sátorhely)، على بعد حوالي 4-5 كيلومترات من ساحة المعركة الفعلية.
يُتوقع بطبيعة الأمر أن تكون جثث القتلى مدفونة تحت سفح مصطبة موهاكس حيث دارت المعركة، وأن تكون في حوالي أربعة مقابر جماعية بطول 700 متر تغطي منطقة كبيرة، ولكن لم يتم البحث عن تلك المقابر حتى الآن. كانت الاكتشافات المذكورة لبعض القبور نتيجة العثور على هياكل عظمية أثناء حرث الأرض للزراعة في محيط قرية ساتورهيلي. لكن الحال مختلف بالنسبة للمدفونين في ساحة المعركة نفسها لأنه، على الرغم من أن الحقول تُزرع هناك أيضًا، إلا أن التضاريس مغطاة بطبقة أرضية نتيجة تآكل المصطبة عبر السنين وتساقطها على السفح؛ وحتى الحرث العميق للأرض الزراعية لن يصل إلى القبور.
على النقيض من المعلومات الواردة من المصادر العثمانية، كتب أسطفان بروداريتش أن التي دفنت جثث قتلى المعركة هي النبيلة المجرية كانيجاي دوروتيا (بالمجرية: Kanizsai Dorottya) أرملة "بالاطين المجر" الأسبق بطرس جريب (بالمجرية: Péter Geréb) ثم أرملة زوجها الثاني "بالاطين المجر" إمري پيريني (بالمجرية: Perényi Imre) والد قائد المعركة بطرس پيريني حارس التاج المجري المقدس، وڤويْڤود ترانسيلڤانيا، ووالد فيرينك پيريني (بالمجرية: Perényi Ferenc) أسقف ڤاراد (Várad)(أوراديا حاليا)، الذي قُتل في معركة موهاكس، وهو شخصية تاريخية معروفة في المجر.
لا يوجد سبب للشك في صحة ما ورد في المصادر العثمانية، "سليمان نامه"، عن دفن العثمانيين لكل قتلى المعركة قبل النزوح من أرض موهاكس؛ لذلك يُفترض أن كانيجاي دوروتيا دفنت جثث الذين ماتوا لاحقاً بعيدًا عن ساحة المعركة، وخاصة لأن دوروتيا كان يمكنها الوصول إلى موهاكس بعد عدة أسابيع فقط من نهاية المعركة. وعلى الأغلب أن من دفنتهم دوروتيا كانوا من الجرحى المجر الذين جرّوا أنفسهم بعيدًا ثم توفوا لاحقا بعد أيام من انتهاء المعركة، وخاصة الغرقى في المستنقعات الذين عُثر على جثثهم بعد فترة طويلة من مغادرة الجيش العثماني عندما انحسرت المياه. إذ أنه من المؤكد أن الجثث التي اكتُشفت في القبور الجماعية، قد دفنها العثمانيون بالفعل بدليل أن الجثث المكدسة فوق بعضها تشير إلى عدم اتباع مراسم الدفن المجرية بسبب الأعداد الهائلة من القتلى ومجهود حفر وشق القبور خلال يوم أو اثنين.
ووفقًا لرأي عالم الأنثروبولوجيا أسطفان كيسلي (بالمجرية: Kiszely István) (1932م-2012م)، فقد وُضعت أعداد كبيرة من الجثث في القبور قبل أن تلين صلابة أجسامهم المتيبسة، وإن جثة المتوفى تظل متيبسة لمدة 24 إلى 48 ساعة من الوفاة قبل أن تبدأ في التلين، وهذا يدل على أن العثمانيين احترموا الأموات ودفنوا كل القتلى في أرض المعركة فور انتهاءها ولم يتركوهم في العراء ويذهبوا.
بعد انتهاء المعركة، دفن العثمانيون كل القتلى ثم غادروا ساحة المعركة في وادي موهاكس يوم 2 سپتمبر/أيلول 1526م.
في 6 سپتمبر/أيلول تجاوزوا مقاطعة تولنا وراءهم.
وصل السلطان سليمان القانوني إلى "بدون" في 11 سپتمبر/أيلول وتفقد المدينة في اليوم التالي، ثم بدأت أعمال بناء جسر فوق نهر الطونة (الدانوب) في 13 سپتمبر/أيلول.
في 14 سپتمبر/أيلول تم تدمير حصن پيليشماروت، شَمال "بدون" .
تم الانتهاء من بناء الجسر فوق نهر الطونة في 19 سپتمبر/أيلول وبدأ عبور الجيش العثماني نهر الطونة على الفور.
وسار كل طابور في مسار مختلف.
استراحت القوات العثمانية المنتصرة في ساحة المعركة لمدة ستة أيام بعد المعركة، حيث أتم العثمانيون الدفن الجماعي. وبعد مرور يومين على المعركة، في 31 من أغسطس/آب 1526م الموافق 23 من ذي القعدة 932 هـ، نظَّمَ الجيش العثماني استعراضًا أمام السلطان سليمان، حيث أدى له التحية وهنَّأه، وقام القادة، بدءًا من الصدر الأعظم، بتقبيل يد السلطان.
ثم، وبسبب دوافع عسكرية، قام الجيش العثماني بحرق بلدة موهاكس قبل أن يتوجه في اليوم السابع إلى العاصمة المجرية "بدون".[50]
يُرجَّحُ أن التواريخ المذكورة في يوميات "سليمان نامه" تشير فقط إلى مغادرة السلطان وحراسه في 2 سپتمبر/أيلول بعد قضاء الليلة في موهاكس، وأنهم تحركوا في اليوم التالي شَمالًا في أرض المجر. وفي 6 سپتمبر/أيلول، عبروا مقاطعة تولنا وتركوها وراءهم، وفي غضون ذلك أمر السلطان بإعدام الأسرى الذكور الذين تم أسرهم منذ المعركة، وإطلاق سراح النساء.
ثم واصل الجيش تقدمه شمالًا على امتداد الضفة الغربية لنهر الطونة، حتى وصل إلى مدينة "بدون" عاصمة المملكة المجرية، فدخلها في 10 سپتمبر/أيلول 1526م الموافق 3 ذو الحجة سنة 932هـ. وقد دخلوا المدينة وقصر الملك المجري في أيام عيد الأضحى، بينما كان الجيش قد احتفل بعيد الفطر سابقًا أثناء حملته في بلغراد.
عندما وصلت أخبار كارثة موهاكس إلى "بدون" في 30 أغسطس/آب، غادرت الملكة ماري هابسبورغ ملكة المجر، زوجة الملك المقتول في المعركة لويس الثاني، وحاشيتها المدينة على الفور، وتبعهم البورغيون الألمان والمجريون (البورغيون: مواطنون متميزون برتبة أو لقب في المدن الأوروپية في العصور الوسطى وحتى أوائل العصر الحديث).[14] ومع فرار الملكة ماري والنبلاء ورجال الدولة والشعب المجري، بقي اليهود فقط في المدينة. وتوجه وفد برئاسة "سالامون" رئيس اليهود إلى بلدة فولدڤار (بالمجرية: Földvár) وسلموا مفاتيح قلعة "بدون" إلى السلطان سليمان القانوني. [14][84][85]
المصدر الرئيسي للأيام التالية هو المؤرخ جرجس سيريمي (بالمجرية: Szerémi György)،[86] الذي كان كاهنًا في "بدون" في بلاط الملك لويس الثاني حتى مقتله في موهاكس، ثم أصبح كاهن بلاط الملك يوحنا زاپولياي الذي تولى حكم المجر بعده، كتب:
«وقعت المعركة على سهل موهاكس يوم الأربعاء. في اليوم التالي، الخميس، وصل أحد الخدم الألمان للملكة على عجل من الحرب؛ كان مرعوبًا للغاية لدرجة أنه لم يتمكن من اجتياز البوابة... ركبت الملكة ماري (يقصد: ماري هابسبورغ) بعيدًا عن قلعة "بدون" مع خمسين فارسًا، عبر بوابة لوغود (Logod)، مع سيدات البلاط. كل واحدة منهن كانت تحمل مشعلاً مضاءً في يدها. توقفت الملكة عند لوغود لانتظار خازنها القادم من المدينة... ذهب جميع الألمان في "بدون" معهم، كما لاحظنا من نافذتنا. لم يتحرك المجريون، لأنهم أمة تحب البقاء في المنزل ولا يفهمون سوى اللغة المجرية، علاوة على ذلك، وثق سكان "بدون" وپشته في الڤويڤود يوحنا (يقصد: يوحنا زاپولياي). ولكنه كان مترددًا، متقاعسًا، عند نهر تيسا... كانت جماهير "بدون" وپشته تنتظر الڤويڤود يوحنا كمخلِّصِهَا، لأنه كان سيؤمن لهم الحماية؛ لكن الڤويڤود لم يُمنح لهم، سواء أكان ذلك من الله أو الشيطان، لا أدري. عندما علم سكان "بدون" وپشته بذلك، بدأ الجميع في الاستعداد للسفر لإنقاذ حياتهم. الذين كانت لديهم أقدام فروا أينما استطاعوا... نصب إمبراطور الأتراك (يقصد: السلطان العثماني سليمان القانوني) معسكرًا في كيلينفولد (بالمجرية: Kelenföld) (حيّ يقع في الجزء الجنوبي من "بدون"). لم يبق في "بدون" سوى الفقراء، العرجان، المكفوفين، والمرضى. الذين لم يتمكنوا من وضع أيديهم على حصان أو عربة اضطروا للبقاء في "بدون". كان هناك تاجر من "بدون" يعمل كوسيط بين المجريين والأتراك (العثمانيين) ونجح في الحصول على رحمة للمسيحيين من الإمبراطور (يقصد: السلطان سليمان القانوني)؛ علاوة على ذلك، أعطاه الإمبراطور عشر قطع ذهبية كهدية. دخل الإمبراطور (السلطان سليمان) إلى "بدون" وحكم منها، وانتظر بها لمدة ستة عشر يومًا. ثم عقد اجتماعًا مع مستشاريه، لمناقشة ما إذا كان ينبغي حرق القلعة أم لا. أخبره مستشاروه بعدم إشعال النار في القلعة، ولكن يجب حرق مدينة "بدون" حتى تتذكر جميع الأمم أن إمبراطور الأتراك كان هنا. ترك (السلطان سليمان) القلعة لتبقى كعاصمة له».[87]
أرسل أهالي مدينة "بدون" عاصمة المجر مفاتيح المدينة إلى السلطان، فاستلمها وسار يحفُّ به النصر ويحدوه الجلال حتى وصل إلى مدينة "بدون"، ودخلها في 3 ذي الحجة سنة 931 هجرية الموافق 10 سپتمبر/أيلول سنة 1526م، مشدِّدًا الأوامر على الجنود بعدم التعرُّض للأهالي والمحافظة على النظام، لكن لم تُجدِ تنبيهاته شيئًا، بل انتشرت الجنود في جميع أنحاء المدينة وفي جميع أرجاء بلاد المجر ناهبين قاتلين مرتكبين كلَّ الفظائع التي ترتكبها الجيوش غير المنتظمة عقب الانتصار.[12]
وصل السلطان سليمان إلى "بدون" في 11 سپتمبر/أيلول وتفقَّد المدينة في اليوم التالي، ثم بدأت أعمال بناء جسر فوق نهر الطونة في 13 سپتمبر/أيلول.
في 14 سپتمبر/أيلول، كتب أمين سر السلطان سليمان في تدوينة هذا اليوم: «كان هناك حصن عظيم قريب، لذا تم إرسال 500 إلى 600 من الإنكشارية إلى هناك في وقت مبكر من الصباح مع بعض المدافع و5 إلى 10 آلاف من الفرسان».
ثم كَتَبَ في تدوينة اليوم التالي: «بعد تدمير الحصن العظيم، جمعوا غنائم المعدات والبضائع الموجودة فيه، وأخذوا الرجال أسرى». لابد أن يكون الحصن المشار إليه هو المعسكر الذي بناه سكان العاصمة الهاربون في پيليشماروت (بالمجرية: Pilismarót)، وهي قرية تقع شمال بوداپست على الضفة اليُمنى لنهر الطونة.
يصف بروداريتش هذا الحصار المعنيّ: «لم يلتق العدو، الذي كان في حالة هياج في المجر، بمقاومة جادة في أي مكان، باستثناء ماروت (بالمجرية: Marot) (يقصد: پيليشماروت)، التي ليست بعيدة عن ازترغوم (بالمجرية: Esztergom)... تراجع العديد من الآلاف منا إلى هذا المكان مع الزوجات والأطفال، معتمدين على الحماية التي وفرتها الطبيعة... أخيرًا، نظرًا لأن العدو (يقصد العثمانيين) كان غير قادر تمامًا على الاستيلاء على معسكرنا المحمي بالعربات، اضطر إلى إحضار المدافع، وبالتالي تمكن من تفجيرها وتقطيع الموجودين بداخلها تقريبًا حتى الرجل الأخير... مع إضافة جميع الذين قُتلوا وأُسروا، أجرؤ على القول إن حوالي 12,000 شخصًا ممن أعرفهم لقوا حتفهم في هذه الكارثة».
استقر السلطان سليمان القانوني في القصر الملكي المجري في "بدون"، وزار أيضًا القصر المخصص للصيد، نظرًا لاهتمامه الشديد بهذه الهواية. وبعد أن قضى عيد الفطر السعيد في بلغراد، أمضى عيد الأضحى المبارك في "بدون".[50]
نُقلت الأشياء الثمينة من القصر الملكي وحُملت على السفن لنقلها إلى القسطنطينية.[13] وصف كمال پاشا زاده جمع الغنائم من القصر:
«جَمَعَ (أي السلطان سليمان القانوني) الغنائم الثمينة جدًا ونتاج انتصاره من القصر الجميل للملك الفاسد، الذي كان أشبه بحديقة مزينة بالأزهار والفاكهة. وفي الخزانة والترسانة المملوءة عن آخرها بالأسلحة والعتاد والمخازن، جمع كل ما وجده من الغنائم الثمينة وغير الثمينة، وحملها على السفن بأكبر قدر من العناية وأرسلها إلى مدينة بلغراد، ومن هناك حملها إلى عاصمة دولة المؤمنين الصادقين على ظهر النهر الضخم».
السلطان يعين زاپولياي ملكًا على المجر
عدلأثناء وجود السلطان في مدينة "بدون"، جمع أعيان القوم وأمراءهم ووعدهم بأن يُعيِّنَ يوحنا زاپولياي أمير ترانسيلڤانيا ملكًا عليهم.[12]
مكث السلطان في المدينة ينظم شئونها، وتُوِّجَ يوحنا زاپولياي ڤويڤود ترانسيلڤانيا (إمارة الأردل) ليكون ملِكًا على المجر التي أصبحت تابعة للدولة العثمانية.[12]
وخلال الأيام العشرة التي قضاها السلطان في "بدون"، نُقل كنز المملكة المجرية، إضافة إلى شمعدانين ضخمين من النحاس وثلاثة تماثيل ومكتبة الملك ماتياس كورڤين، فضلاً عن مدافع القلعة والقصر، بالسفن عبر نهر الطونة إلى إسطنبول. [50]
أما مفاتيح مدينة "پشته" (بالتركية: Peşte) المقابلة "لبدون" على الضفة المقابلة من نهر الطونة، فقد سُلّمت في اليوم نفسه أو في اليوم التالي إلى السلطان أثناء وجوده في "بدون"، لكن هناك روايات متباينة حول ذلك. فبحسب المؤرخ العثماني "محمد همدمي صولاق زاده" (1592م–1658م) صاحب العمل التاريخي المعروف باسم "تاريخ صولاق زاده" (بالتركية: Solak-Zade Tarihi)،[88] فإن مدينة پشته لم تستسلم إلا بعد عشرة أيام، عندما عبر الجيش العثماني إلى الضفة الأخرى من نهر الدانوب. ولكن من المرجح أن هذه الرواية تشير إلى عبور الجيش إلى پشته كإشارة رمزية على السيطرة الكاملة على المدينة.[50]
كتب صولاق زاده عن فتح پشته: «لأن بودين (مدينة "بدون") مثل حصن راسخ، أصبحت ملحقًا ساميًا بممالك السلطان. وبعد ذلك، بأمر السلطان، أُرسل الپاشا القوي إلى (نهر) [دانوب|الطونة]] وفي غضون أسبوع واحد بنى جسرًا عظيمًا ومستقيمًا بطول تسعمائة وثمانين ذراعًا. وأُغلق طريق الناس بالسلاسل (لمنع المرور أو التنظيم). ومن كنائس بودين ("بدون")، أحضروا ناقوسًا كبيرًا ذي صوت مرتفع وعلّقوه بجانب الجسر. وعبر الجيش بأكمله عليه دون أن يتعثر أحد إطلاقًا. وبعد أن اكتمل بناء الجسر تمامًا، عبر الوزير المشار إليه، مقدَّم بلاد الروم، بكلربكيها (بكلربك الروملي)، مع جيشه وآلاف الإنكشارية وسائر الجنود الملتحقين، إلى الضفة المقابلة. وفي اليوم الثالث من شهر ذي الحجة، عبر السلطان وجيشه أيضًا من الجسر المذكور، إلى الجهة الشمالية من الطونة، إلى مدينة كانت مشهورة بين الناس باسم پُشته. ولما شرّف الجانب الآخر بأقدامه المباركة أيضًا (يقصد السلطان سليمان)، اضطر العدو المُحاصر داخل القلعة إلى الاستسلام باختيارهم، إذ لم يعد أمامهم خيار آخر بسبب نفاد التدابير والإمدادات. فاستسلموا الحصن بإرادتهم، وبقي بعضهم في القلعة للاستيطان، بينما انسحب البعض الآخر وغادر.».[88]
تم تسليم پشته بشرط عدم المساس بأرواح وممتلكات السكان، ولذلك مُنع الجيش العثماني من القيام بأي عمليات نهب أو تخريب. ومع ذلك، اندلعت الحرائق في الكاتدرائية الكبرى وحَيَّيْن من أحياء المدينة نتيجة بعض التصرفات الطائشة مما أثار استياء السلطان سليمان. فأمر الصدر الأعظم "إبراهيم باشا" بإخماد الحريق وإنقاذ باقي أنحاء المدينة، كما عاقب بعض المتسببين في الحريق.[50]
بدأ بناء جسر عائم على نهر الطونة يوم الخميس 13 سپتمبر/أيلول الموافق 6 ذي الحجة لنقل الجيش من "بدون" إلى پشته على الضفة الأخرى عبر هذا الجسر، واستغرق بناء هذا الجسر العظيم سبعة أيام، وبلغ طوله حوالي 980 ذراعًا.[50]
بمجرد الانتهاء من بناء الجسر فوق نهر الطونة في 19 سپتمبر/أيلول، بدأ الجيش العثماني بعبور النهر على الفور إلى پشته؛ واستمر العبور ليلًا ونهارًا، وكان من الممكن أن ينتهي العبور بحلول 23 سپتمبر/أيلول لولا انهيار الجسر، ولحسن حظ العثمانيين، فقد بقي فقط الجزء الأصغر من الجيش على ضفة "بدون"، ولم يكن من الصعب نقلهم عبر النهر.
بقي السلطان سليمان في "بدون" مدة عشرة أيام كاملة، ثم رجع إلى الضفة المقابلة من نهر الطونة عبر الجسر المذكور ونزل في خيمته التي نُصبت أمام پشته ثم قرر السلطان العودة إلى إسطنبول مع جيشه.[50]
فتح القلاع في طريق الرجوع
عدلبعد أن حُسمت المعركة الكبرى وانتصر الجيش العثماني في موقعة موهاكس، بدأ السلطان سليمان القانوني يُرتب لعودة جيشه إلى ديار الدولة العثمانية. غير أن هذه العودة لم تكن مجرد انسحاب تقليدي، بل تحولت إلى مرحلة جديدة من الحملة العسكرية، اتخذ فيها الجيش مسارًا منظّمًا نحو الجنوب، مارًّا بمناطق استراتيجية وقلاع حصينة كانت لا تزال خارج السيطرة العثمانية.
وفي هذا السياق، قام الجيش العثماني بعدد من الحصارات الناجحة، تمكّن خلالها من فتح قلاع ومراكز مهمة، مما أرسى مزيدًا من النفوذ العثماني في أراضي المجر. وقد أظهرت هذه المرحلة ما تميزت به القيادة العثمانية من حزم ودهاء عسكري، حيث جُعلت طريق العودة نفسها امتدادًا للعملية العسكرية، توسيعًا للمكاسب وتثبيتًا للنصر.
هذا الفصل يعرض أبرز المحطات العسكرية التي مر بها الجيش أثناء رجوعه، مع تسليط الضوء على القلاع المفتوحة، وسير العمليات، والمغزى الاستراتيجي لهذه التحركات في إطار الحملة كلها.
لقاء السلطان مع النبلاء المجريين
عدلبعد أن مكث السلطان عشرة أيام في "بدون"، قضى ثلاثة أيام أخرى في پشته، وفي اليوم الرابع غادرها. تشير بعض الروايات إلى أن الرحيل بدأ يوم الثلاثاء 25 سپتمبر/أيلول الموافق 18 ذي الحجة.
وعلى الرغم من أنه أقام في خيمته خارج مدينة پشته، إلا أنه دخل إليها وقابل عددًا من النبلاء المجريين، وأبلغهم بأن المجر لن تُضم إلى الدولة العثمانية كمقاطعة عادية، بل ستُدار كمملكة تابعة تحت حكم "يوحنا زاپولياي"، حاكم الأردل (ترانسيلفانيا).[50]
كانت هذه البلدة الواقعة على نهر تيسا قد هجرها سكانها، فدخل العثمانيون قلعتها على الفور يوم الجمعة 28 سپتمبر/أيلول الموافق 21 ذو الحجة.
ولهذه البلدة رمزية تاريخية في خيانة الدولة البابوبة ومملكة المجر، إذ أن معاهدة "صُلح سكدين" القاسية عام 1444م بين الدولة العثمانية ومملكة المجر قد وُقِّعت هنا في مدينة سكدين بعد بعض الهزائم التي تعرض لها السلطان مراد الثاني في أواخر فترة حكمه الأول، ولكن حدث أن نقض ملك المجر المعاهدة سراً وغدراً خلال أيام بدون إعلام العثمانيين وخرج بجيشه وحلفاءه رغم قَسَمِهِ على الإنجيل باحترام المعاهدة مدة عشر سنوات، مما تطور إلى الأحداث التاريخية لمعركة ڤارنا عام 1444م وانتصار العثمانيين نصرا حاسماً على تحالف قوات صليبية أوروپية والقضاء عليهم، وقَتْل الإنكشارية للملك الشاب الخائن ڤلاديسلاڤ الثالث بعد تهوره في المعركة، وقَطْع رأسه.[50]
يُشار إلى قلعة باچ في المصادر العثمانية بأسماء "Bac" و"Bacs" و"Bacska".
تحصن المدافعون عنها مع النساء والأطفال داخل كنيسة وحاولوا المقاومة، لكنهم هُزموا في غضون يوم واحد وتم أسرهم وفتح القلعة يوم السبت 29 سپتمبر/أيلول الموافق 22 ذو الحجة.[50]
يبدو أن الجسم الرئيسي للجيش قد واجه مقاومة جادة في منطقة باچ (Baç) واضطر إلى السيطرة على المدينة بالقوة. ووفقًا لمذكرات "سليمان نامه"، استولى العثمانيون على 70,000 خروف كغنيمة.
فتح قلعة مجالينه
عدلتقع منطقة مجالينه، التي يُشار إليها في المصادر العثمانية باسم "Becne" و"Beçne" و"Bacna"، بين قلعتي "باچ" و"واراداين"، وهي منطقة منخفضة مُحاطة بالمستنقعات، لجأ إليها آلاف من النبلاء والجنود المجريين مع عائلاتهم وممتلكاتهم الثمينة، وحوّلوها إلى معسكر مُحصَّن، مستفيدين من طبيعتها الجغرافية.[50]
أبدى المجريون مقاومة شديدة، ودافعوا عن أنفسهم ببسالة، مما تسبب في خسائر كبيرة للجيش العثماني. بل إن بعض القادة العثمانيين البارزين، مثل أغا الإنكشارية "شجاع آغا" ورئيس مدربي كلاب الحرب ورئيس الجاويشية والكثير من رؤساء المشاة وغُزاة الحرب وقادة آخرين، استشهدوا في هذه المعركة العنيفة. تشير بعض المصادر الغربية إلى أن خسائر الجيش العثماني في هذا اليوم كانت مساوية لخسائره في معركة موهاكس، كما أن الخسائر المجرية كانت مرتفعة للغاية.[50][89]
وبالنهاية، انهزم المجريون وأُسر عدد كبير منهم، كما حصل الجنود العثمانيين على غنائم كثيرة، وكان ذلك في 5 أكتوبر/تشرين الأول الموافق 28 ذو الحجة.[50]
ونتيجة لهذه الانتصارات، تمكن الجيش العثماني الذي أنهى فعلياً مملكة المجر، من التقدم على طول نهر الطونة نحو إسطنبول.
دخول بلغراد ورمزية انتهاء حملة ڤارنا
عدلبعد أن بنى العثمانيون جسرًا فوق نهر الطونة، وعبر جيشهم بالكامل لمغادرة المجر في صفين عبر الأرض الواقعة بين نهر الطونة ونهر تيسا، دخل السلطان ناندورفيهيرڤار (بلغراد حالياً) البوابة السابقة للمجر في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول. وكان هذا رمزياً أيضاً: فقد انتهت كل من "الحملة الطويلة" 1443م-1444م التي قادها يوحنا هونياد ضد الدولة العثمانية والتي أعطت زخماً جديداً للقتال ضد العثمانيين، و"حملة المجر" عام 1526م التي مثلت انهيار مملكة المجر، بدخول ناندورفيهيرڤار أو بلغراد حاليا.[14]
استعراض مسار العودة إلى دار السلطنة العليَّة
عدلبدأ الجيش طريق العودة من پشته جنوباً في طابورين اتخذا مسارين مختلفين. قاد السلطان سليمان القانوني الطابور الرئيسي، وقاد الطابور الثاني الصدر الأعظم إبراهيم پاشا الفرنجي الذي تحرك نحو سكدين عبر كتشكمت. وصل يوحنا زاپولياي، ڤويڤود ترانسيلڤانيا إلى سكدين وتحرك بالتوازي مع الجيش العثماني على طول الضفة اليسرى لنهر تيسا ووصل إلى فغيڤرنك حوالي 25 سپتمبر/أيلول، ليقطع الطريق إذا ما هدد الجيش العثماني ترانسيلڤانيا. من المحتمل أن تكون مهمة إبراهيم پاشا هي العمل كجناح للجيش الرئيسي ضد يوحنا زاپولياي على الجانب الآخر من نهر تيسا. في 29 سپتمبر/أيلول وصل إبراهيم پاشا إلى سكدين، وحصل الجيش على الطعام بوفرة.
ثم واصل جيش إبراهيم پاشا تقدمه نحو مقاطعة تیتل عبر مقاطعة زينتا، وهناك واجه مقاومة الفرسان الصرب بقيادة راديتش بوجيتش. ثم وصل إبراهيم پاشا إلى وارادين في 3 أكتوبر، حيث بدأ المهندسون على الفور في بناء جسر عبر نهر الطونة (الدانوب).
وبهذا، أصبحت هذه المنطقة تحت الحكم العثماني كدولة تابعة (المجر العثمانية)، مما أدى إلى تماسٍ مباشرٍ بين الدولة العثمانية والإمبراطورية الألمانية الواقعة تحت حكم أسرة هابسبورغ. ومع ذلك، بقيت بعض القلاع المجرية غير خاضعة للسيطرة العثمانية، حيث تم فتح بعضها أثناء عودة الجيش من پشته. وتُشير بعض الروايات إلى أن الحامية التي تركها السلطان في "بدون" غادرت مع الجيش، وأن حراسة "بدون" أُوكلت إلى أنصار يوحنا زاپولياي.[50]
تحرك الجيش من پشته جنوبًا في طابورين. لا يُعرف المسار الدقيق للطابور الرئيسي الذي قاده السلطان سليمان، ولكن من المحتمل أنه سار بالتوازي مع نهر الطونة، أو بالأحرى مع ضفافه الموحِلة.
أما الطابور الآخر بقيادة إبراهيم پاشا، الصدر الأعظم، فقد سار نحو سكدين عبر كتشكمت (بالمجرية: Kecskemét) وهي مقاطعة في الجزء الأوسط من المجر جنوب بوداپست. من المحتمل، رغم أن المصادر العثمانية لم تذكر ذلك، أن تكون مهمة إبراهيم پاشا كانت العمل كجناح للجيش الرئيسي ضد يوحنا زاپولياي ڤويڤود ترانسيلڤانيا على الجانب الآخر من نهر تيسا.
من المُعتقد أن زاپولياي قد وصل إلى سكدين حوالي 3 أو 4 سپتمبر/أيلول وليس في يوم المعركة كما يزعم البعض، فقد تحرك بقواته بالتوازي مع الجيش العثماني، وتقدم شمالًا على طول الضفة اليسرى من نهر تيسا ووصل إلى فغيڤرنك (بالمجرية: Fegyvernek) بوسط المجر حوالي 25 سپتمبر/أيلول، ولا بد أن هدفه كان قطع الطريق إذا ما قرر الجيش العثماني تهديد إمارة الأردل (ترانسيلڤانيا) التي يحكمها.
وصل إبراهيم پاشا إلى سكدين في 29 سپتمبر/أيلول، وكان المسير صعبًا للغاية حيث اضطر الجيش لمواجهة نقص في المياه والطعام، وسقطت الحيوانات الحاملة للأثقال على جوانب الطرق. تغير الوضع في منطقة سكدين المزدهرة، حيث كُتب في مذكرات "سليمان نامه" أن «الجيش حصل على الدقيق والقمح والشوفان والعلف وغيره من الطعام بوفرة».
مقاومة الفرسان الصرب
عدلمن سكدين، واصل جيش إبراهيم پاشا تقدمه نحو مقاطعة تيتل (بالمجرية: Titel) عبر مقاطعة زينتا (بالمجرية: Zenta)، وفي هذه المنطقة، واجه مقاومة الفرسان الصرب بقيادة راديتش بوجيتش (بالمجرية: Radič Božić). كان راديتش بوجيتش نبيلاً صربياً وقائداً عسكرياً لعب دوراً هاماً في المقاومة ضد الفتوحات العثمانية في منطقة البلقان، وخاصة خلال المعارك التي حاولت فيها القوات الصربية الدفاع عن أراضيها ضد التوغلات العثمانية. يُرتبط اسمه غالباً بالنضالات التي خاضها الصرب خلال هذه الفترة المضطربة من تاريخهم. أصبح راديتش بوجيتش ديسپوت الصرب في العام التالي 1527م.
تُشير تدوينات "سليمان نامه" بتاريخ 2 أكتوبر/تشرين الأول إلى: «لقد تم الإبلاغ أن شخصًا ملعونًا يُدعى "راديش المجنون" أسر ما بين 300 إلى 400 شخص من سكان المنطقة، وذبح حوالي 500 آخرين؛ وبشكل عام يقطع الطرق ويقتل أو يأسر القادمين من أي اتجاه كان».
مناوشات المجريين
عدلظهر أيضًا بطرس پيريني حارس التاج المجري المقدس وڤويْڤود ترانسيلڤانيا الذي فر من المعركة؛ ويبدو أنه تتبع آثار الجيش العثماني، حيث كان يناوش مؤخرة الجيش، ويأسر كشافته والمتأخرين.
أرسل إبراهيم پاشا له الغازي خسرو بك الذي استدرج قوات پيريني إلى كمين وأسر منه ستة جنود وقتل بعض الجنود الآخرين.
وصل إبراهيم پاشا من تيتل إلى وارادين في 3 أكتوبر/تشرين الأول، حيث شرع المهندسون على الفور ببناء جسر عبر نهر الطونة.
وصل السلطان سليمان إلى وارادين في 7 أكتوبر/تشرين الأول، ثم اكتمل الجسر وصار جاهزًا في اليوم التالي 8 أكتوبر/تشرين الأول، وبدأ الجيش العبور في نفس اليوم.
وصل السلطان إلى سلانكامين (بالمجرية: Slankamen) في 9 أكتوبر/تشرين الأول ثم إلى بلغراد "دار الجهاد" في 10 أكتوبر/تشرين الأول.[89]
العودة إلى اسطنبول
عدلوعاد السلطان إلى عاصمة بلاده بعد أن ضم المجر إلى الدولة العثمانية وتقلص نفوذ الملك الإسپاني شارلكان. وفي أثناء عودته أقام أسبوعًا في مدينة إدرنة، ووصل إلى مدينة اسطنبول المحمية في 17 صفر سنة 933 هجرية الموافق 23 نوفمبر سنة 1526م.[12][89]
بذلك، أدت معركة موهاكس إلى إنهاء استقلال المملكة المجرية، وإخضاعها للنفوذ العثماني، مما أدى إلى تغييرات جيوسياسية كبيرة في وسط أوروپا، وجعل العثمانيين في مواجهة مباشرة مع آل هابسبورغ.[50]
وهكذا اختُتمت حملة المجر.
النتائج العسكرية والسياسية
عدلنهاية استقلال المجر
عدلكانت معركة موهاكس من المعارك النادرة في التاريخ، حيث هُزم أحد طرفيها على هذا النحو من مصادمَة واحدة وفي وقت قليل لا يتجاوز ساعتين، وترتب عليها ضياع استقلال المجر بعد ضياع جيشها على هذه الصورة في هزيمة مروعة.
مثّلت المعركة نقطة فاصلة في تاريخ المملكة المجرية، إذ لم تقتصر نتائجها على الهزيمة العسكرية الساحقة فحسب، بل مهّدت الطريق لنهاية استقلال المجر ككيان سياسي مستقل، ودفعتها إلى مرحلة جديدة من التبعية والنزاع بين القوى الكبرى في المنطقة، وعلى رأسها الدولة العثمانية والنمساوية. ففي أعقاب المعركة، دخلت المجر مرحلة انقسام وصراع داخلي، سرعان ما تطورت إلى نظام حكم تابع وتحالفات فرضتها موازين القوى الجديدة في وسط أوروپا.
تقسيم المجر
عدلبسبب رعونة أسطفان باتوري إلى حد كبير، خاض الجيش المجري معركة موهاكس بطريقة خرقاء لدرجة أنها انتهت بكارثة.[90] تمكن أسطفان باتوري من الفرار وأصبح بعد المعركة في المجر أحد قادة "الحزب النمساوي" الذي دعا إلى التحالف بين آل ياغيلون وآل هابسبورغ.
وفقًا لتقرير أسطفان بروداريتش الذي أعده عام 1527م، فإن مقتل الملك لويس الثاني حدث بسبب خطأ تكتيكي من القائد الأعلى بولس توموري، عندما ظهرت وحدة عثمانية بشكل مفاجئ فأمر توموري بنقل الحرس الملكي بعيداً عن الملك لمواجهة هذه الوحدة، ولم يُنفَّذ الأمر إلا بعد إلحاح وتكرار توموري لطلبه .
وبمقتل "لويس الثاني" ملك المجر، لم يعُد للمجر حاكم بعد المعركة، لأن الملك المقتول لم يكن له أي أطفال أو ورثة، ولا لعائلته المالكة "ياغيلون".[11]
كان المجريين بحاجة إلى ملكٍ ليقودهم، فرأى بعض النبلاء أن اختيار يوحنا زاپولياي لحُكم المجر سيكون مناسبًا لأنه أرستقراطي بارز من عائلة نبيلة وڤويڤود ترانسيلڤانيا (الحاكم لها) وقائد الجيش. وكان يوحنا زاپولياي على خلاف مع الملك المجري الشاب لويس الثاني الذي كان يميل إلى الفسق؛ بل حتى أنه عارضه علنًا. ولكن لم يقبل جميع النبلاء المجريين بيوحنا زاپولياي ملكاً، بل دعمه فقط نبلاء ترانسيلڤانيا أو النبلاء المجريون الأصغر في شرق المجر غير ذوي الألقاب. فاختاروا يوحنا زاپولياي ملكًا عليهم في برلمان سيكشفهيرفار في 10 نوفمبر 1526م.[11]
بعد أن جلس الملك الجديد يوحنا زاپولياي على عرش المجر، عادت الجيوش العثمانية إلى ديارها.[11]
ترشّح على الجانب الآخر لعرش المجر أرشيدوق النمسا فرديناند من العائلة المالكة "هابسبورغ"، صهر الملك الراحل وشقيق الإمبراطور الروماني المقدس شارلكان. أصبح عرش المجر موضوع نزاع سلالات حاكمة بين فرديناند ويوحنا زاپولياي، ودَعَمَ الاثنان فئات مختلفة من طبقة النبلاء في المملكة المجرية، وحصل الأرشيدوق فرديناند على دعم شقيقه الإمبراطور شارلكان.
انتُخب الأرشيدوق فرديناند أيضًا ملِكًا على المجر ودالماسية وكرواتيا وسلاڤونيا وما إلى ذلك من قِبَل الطبقة الأرستقراطية العليا (الأباطرة والبارونات) ورجال الدين الكاثوليك المجريين في برلمان پوجوني (Pozsony)(حاليا: براتيسلافا في سلوفاكيا) في 17 ديسمبر عام 1526م.[91][13] وبناءً على ذلك، تُوّج فرديناند ملكًا للمجر في كنيسة سيكشفهيرفار في 3 نوفمبر عام 1527م.[92] وافق النبلاء الكروات بالإجماع على نتيجة انتخاب برلمان پوجوني لفرديناند، وأكدوا خلافته وخلافة ورثته.[93]
لعب أسطفان باتوري المجري الذي عيّنه يوحنا زاپولياي حاكماً على ترانسيلڤانيا عام 1529م، دورًا مهمًا في مساعدة فرديناند هابسبورغ في الاستيلاء على عرش المجر بعد معركة موهاكس. توفي أسطفان في 8 مايو 1530م في قلعة ديڤين (Devín) ودُفن في كنيسة القديس مارتن في براتيسلاڤا، بسلوڤاكيا.[94]
هزم فرديناند الأول يوحنا زاپولياي في معركة تاركال (بالمجرية: Tarcali csata) في سپتمبر 1527م ومرة أخرى في معركة سزينا (بالمجرية: Szinai csata) في مارس 1528م. فرَّ يوحنا زاپولياي من البلاد، وبحلول نهاية عام 1528م تم طرده بالكامل من البلاد ودخل الجيش الألماني مدينة "بدون" مما أثار حفيظة السلطان سليمان.[13]
تقدم يوحنا زاپولياي بطلب إلى السلطان سليمان القانوني للحصول على دعم الدولة العثمانية، مما جعل المجر دولة تابعة للعثمانيين.[13] دعم السلطان سليمان يوحنا زاپولياي، فوصل بالجيش العثماني إلى العاصمة المجرية "بدون" وعسكر في 3 سپتمبر/أيلول 1529م، ثم أعاد يوحنا زاپولياي رسمياً إلى العرش المجري وسلمه التاج المجري المقدس في "بدون" في 9 سپتمبر/أيلول 1529م كحاكم تابع للعثمانيين،[13] ووافق زاپولياي آنذاك على دفع جزية سنوية وقبول تواجد فرقة من الإنكشارية في قلعة المدينة.[26] ثم شنَّ السلطان سليمان هجوم ضخم وحاصر فيينا عاصمة فرديناند مما دفع فرديناند إلى اللجوء إلى بوهيميا. تقدم السلطان سليمان وحاصر غونس عام 1532م، وفي ذلك العام، عقد الأرشيدوق فرديناند السلام مع العثمانيين وصرح السلطان بأنه سيعامل فرديناند كإبن له،[13] وتم بموجب هذه المعاهدة التي وُقعت في اسطنبول في 29 ذي القعدة 939هـ/ 22 يونيو/حزيران 1533م تثبيت الحدود العثمانية-الألمانية، وعُدَّت أسپانيا خارج معاهدة الصلح، وأطلق فرديناند على نفسه "ابن السلطان".[13] وقُسِّمَتِ المجر إلى قِطاع هابسبورغ في الغرب (المجر الملكية)، وقِطاع يوحنا زاپولياي في الشرق واسمه المملكة المجرية الشرقية، وهذه الأخيرة كانت فعليًا دولة تابعة للدولة العثمانية.[95][96][97]
على الرغم من وجود محاولات لإحلال السلام بين الملِكين، إلا أنها لم تسفر في البداية إلا عن اتفاقيات هدنة. وحاول معظم النبلاء المجريين إيجاد حل للوضع الفوضوي في ما يسمى بالبرلمانات غير الملكية، ولكن دون جدوى.
من ڤارنا إلى موهاكس
عدلانتهت معركة موهاكس "بتدمير كامل للجيش المجري" |
—المؤرخ المجري غيزا پيرجيس |
وبالمقارنة مع هزيمة المجر في معركة ڤارنا عام 1444م، كان الجيش المجري يومها يُقاتل بعيدًا عن حدود المملكة ولم يكن السلطان العثماني مراد الثاني قويًا بما يكفي لغزو البلاد.
أما في موهاكس 1526م فقد كانت الكارثة كبيرة جدا، إذ أن المعركة كانت في داخل حدود مملكة المجر كما كان لدى السلطان سليمان القانوني طريقا مفتوحا إلى العاصمة المجرية بعد انتصاره الحاسم.[14]
إحصائيات القتلي وتدمير الجيش المجري
عدلتؤكد المصادر العثمانية، مثل "روزنامة سليمان" (بالتركية: Süleyman Ruznamesi) والقاضى المؤرخ ومفتي الدولة العثمانية "ابن كمال پاشا زاده" (بالتركية: Kemalpaşazade)(1469م-1534م) والمؤرخ العثماني البوسنوي إبراهيم أفندي البچوي (بالتركية: İbrahim Peçevi) (1572م-1650م)، أن المجريين تكبدوا خسائر فادحة ولقوا حتفهم نتيجة النيران الكثيفة للإنكشارية.
من الناحية العملية، انتهت المعركة بالإبادة الافتراضية للجيش المجري. وعلى حد تعبير المؤرخ غيزا پيرجيس، انتهت معركة موهاكس "بالتدمير الكامل للجيش المجري"، وكما اتفق معه المؤرخ أسطفان بروداريتش، فقد بلغ عدد الضحايا بحسب تقدير المؤرخين المجريين:[14]
- 10,000 من المشاة،
- 4,000 من الفرسان (ثلث العدد الإجمالي)،
- 7 من رجال الدين الأساقفة رفيعي المستوى (بالإنجليزية: Prelate)،
- 28 من أقطاب المجر (بالإنجليزية: Magnate)،
- 500 من زهرة النبلاء المجريين،
- وكانت الكارثة الحقيقية، كما حدث في معركة ڤارنا، هو وفاة الملك المجري في المعركتين وما تلا ذلك من عواقب على مملكة المجر.[14]
تقييم مدة زمن المعركة
عدلبحسب المؤرخ المجري أسطفان بروداريتش الذي حضر المعركة، استمرت المعركة كلها لمدة ساعة ونصف فقط، وفي مصادر أخرى حوالي ساعتين.[13] ولعله توصَّل إلى هذا الاستنتاج لأنه اعتبر أن المعركة انتهت بمجرد أن فرَّ هو شخصياً ومن حوله من ساحة المعركة.
في الواقع، يجب أن تكون المعركة قد استمرت لفترة أطول من ذلك، فقد وصل الجيش المركزي بقيادة السلطان سليمان إلى المصطبة حوالي الساعة 13:00-14:00 ظهراً؛ وكان هذا هو الوقت الذي بدأت فيه المعركة. ثم وصل جيش الأناضول بعده بساعة فقط؛ لذا يمكن أن يكون الجناح الأيسر تحت قيادة بطرس پيريني قد بدأ هجومه في ذلك الوقت. وبما أن المؤرخين العثمانيين أشاروا إلى أن المجريين قاتلوا بشجاعة، وأن المعركة تمايلت لبعض الوقت، فمن غير المحتمل أن تكون قد انتهت في أقل من ساعة. وهذا يجعل الأمر بالفعل ساعتين؛ وإذا أضفنا الوقت الذي استغرقته المقاومة الشديدة للمشاة، فيجب أن نُقَدِّر مدة المعركة بثلاث ساعات على الأقل.
امتداد المعركة حتى المساء
عدلفي 29 أغسطس، غابت الشمس حوالي الساعة 18:30، وحلّ الظلام بحلول الساعة 20:00 تقريبًا. تشير المصادر العثمانية بوضوح إلى أن القتال استمر حتى المساء:
- جاء في "فتح نامه" إعلان السلطان النصر: «باختصار، استمر القتال والمواجهات الحية كما لم يشهدها العالم من قبل حتى المساء».
- تشير نفس الوثيقة إلى هروب الملك لويس الثاني من ساحة المعركة بأنه «فرَّ تحت جنح الظلام المتقدم».
- ووفقًا لكتاب "سليمان نامه": «ظل السلطان المنتصر على ظهر جواده تقريبًا حتى منتصف الليل مع جميع خدمه، ثم ذهب إلى الخيمة للراحة؛ تفرق الجنود المنتصرون وترجلوا، لكنهم ظلوا متمسكين بالعنان حتى الصباح. لم يُسمح للشخصيات الهامة ولا الجنود العاديين بالاقتراب من الأمتعة».
- وكذلك، فإن حقيقة أن الجيش العثماني لم يتمكن من نصب خيامه بعد المعركة تشير أيضًا إلى أن القتال استمر حتى الظلام، فقد كتب المؤرخ العثماني "فردي" (بالتركية: Ferdî): «في هذه الليلة أصبحت ساحة المعركة موقعاً التخييم، ولكن نظرًا لأن معظم الجنود المنتصرين لم يتمكنوا من العثور على أمتعتهم، فإنهم لم يترجلوا عن خيولهم حتى الصباح».
- وعلى الرغم من تركيز المؤرخ كمال پاشا زاده على التخييم، فمن الممكن تحديد الوقت الذي انتهت فيه المعركة تقريبًا من خلال ما كتبه: «بينما اعتُبر أن البعض قد استشهدوا، وشبع أبطال الإيمان من القتال، عاد الجيش إلى المعسكر بعد غروب الشمس، قبل وقت صلاة العشاء الأخير». أذَّن العثمانيون لصلاة العشاء الأخير التي تسبق النوم عندما بدأ الأفق يُظلم. تتفق هذه الشهادة تمامًا مع الوقت المحسوب من النص المَجَرِي المُقتبس أعلاه، أي ثلاث ساعات.
- وقضى الجيش الليلة في ساحة المعركة، دون مأوى أو طعام أو ماء؛ علاوة على ذلك، كانت الأمطار قد بدأت في الهطول بعد المعركة. وفي الصباح، تفقد السلطان سليمان ساحة المعركة وأمر بإحضار الأسرى "أمام الديوان" في اليوم التالي. هذه الملاحظة تشير أيضًا إلى أن القتال استمر حتى حلول الظلام بسبب عدم وجود وقت لإعداد الطعام أو نقل ماء أو إقامة خيام.
تراث المعركة
عدل"لقد فُقد أكثر في موهاكس" (بالمجرية: Több is veszett Mohácsnál) |
—يقول المجريون على سبيل العزاء المرير وللدلالة على حجم سوء الحظ الذي واجهوه: لا تقلق، لقد تعرضت لخسارة، وهناك خسارة أكبر من هذا في موهاكس |
ينظر العديد من المجريين إلى معركة موهاكس كنقطة تحول حاسمة في تاريخ البلاد، وكصدمة وطنية لا تزال راسخة في ذاكرة الأمة المجرية.
وللدلالة على حجم سوء الحظ والكارثة التي واجهوها، يقول المجريون حتى الآن: «لقد فُقد أكثر في موهاكس» (بالمجرية: Több is veszett Mohácsnál). ويرى المجريون أن موهاكس كانت نهاية المجر كدولة أوروپية مستقلة وقوية.[98]
بينما كانت معركة موهاكس هزيمة حاسمة وخسارة فادحة، فإن العواقب التي تلتها هي التي أنهت فعلياً استقلال المجر بالكامل. فقد حولت الحروب المستمرة على مدى مائتي عام بين إمبراطورية هابسبورغ والدولة العثمانية، المجر إلى ساحة حرب دائمة وانقسمت أراضيها إلى ثلاثة أجزاء، وكانت الأرياف تتعرض بانتظام للدمار بسبب الجيوش المتحركة، مما أدى إلى تدمير السكان.[99]
لم تستَعِدْ المجر حدودها السابقة إلا في القرن التاسع عشر، ولم تحصل على استقلالها الكامل من حكم آل هابسبورغ إلا بعد الحرب العالمية الأولى.
أصبحت ساحة معركة موهاكس، الواقعة بجانب قرية ساتورهيلي الحالية بالمجر، موقعًا تذكاريًا تاريخيًا وطنيًا رسميًا في عام 1976م بمناسبة الذكرى الـ450 للمعركة. صمم المهندس المعماري جيورجي ڤاداس (بالمجرية: György Vadász) نصباً تذكارياً،[100] وبُنيت قاعة استقبال جديدة ومبنىً للمعارض، أيضًا من تصميم جيورجي ڤاداس وبتمويل جزئي من الاتحاد الأوروپي، في عام 2011م.[101]
انظر أيضا
عدلشاهد
عدلمراجع
عدل- ^ Embajada de Hungría - Historia de Hungría نسخة محفوظة 1 يونيو 2020 على موقع واي باك مشين.
- ^ ا ب ج د Historia de la Humanidad. La edad de los descubrimientos. Editorial Larousse, 2005, Santiago de Chile, pp. 69, ISBN 956-8402-36-5
- ^ ا ب ج د Turner & Corvisier & Childs, A Dictionary of Military History and the Art of War, pp. 365–366 "In 1526, at the battle of Mohács, the Hungarian army was destroyed by the Turks. King Louis II died, along with 7 bishops, 28 barons and most of his army (4,000 cavalry and 10,000 infantry)."
- ^ ا ب ج د Minahan, One Europe, many nations: a historical dictionary of European national groups, p. 311 "A peasant uprising, crushed in 1514, was followed by defeat by the Ottoman Turks at the battle of Mohacs in 1526. King Louis II and more than 20,000 of his men perished in battle, which marked the end of Hungarian power in Central Europe."
- ^ ا ب ج د Stavrianos, L.S. Balkans Since 1453, C. Hurst & Co. Publishers, 2000, pp. 26 «"The latter group prevailed, and on August 29, 1526, the fateful battle of Mohacs was fought: 25,000 to 30,000 Hungarians and assorted allies on the one side, and on the other 45,000 Turkish regulars supported by 10,000 lightly armed irregulars."»
- ^ ا ب ج Nicolle, David, Hungary and the fall of Eastern Europe, 1000–1568, p. 13 "Hungary mustered some 25,000 men and 85 bore cannons (only 53 being used in actual battle), while for various reasons the troops from Transylvania and Croatia failed to arrive.
- ^ "David Nicolle,Angus McBride: Hungary and the fall of Eastern Europe 1000-1568". مؤرشف من الأصل في 25 أبريل/نيسـان 2016. اطلع عليه بتاريخ 23 آذار 2012.
{{استشهاد ويب}}
: تحقق من التاريخ في:|تاريخ أرشيف=
(مساعدة) - ^ وصل النبيل متأخر في ذاك اليوم ثم تراجع لكي يطالب بالعرش,
- ^ Stephen، Turnbull (2003). The Ottoman Empire 1326 - 1699. New York: Osprey. ص. 49. مؤرشف من الأصل في 2022-07-14.
- ^ الدولة العثمانية المجهولة، 303 سؤال وجواب توضح حقائق غائبة عن الدولة العثمانية أحمد آق كوندوز و سعيد أوزتورك. ص. 237.
- ^ ا ب ج د ه أ.د. إسماعيل حقي أوزون تشارشيلي (1972). تاريخ عثماني Osmanlı Tarihi (بالتركية). Türk Tarihi Kurumu Basımevi - Ankara. Vol. 2. p. 309. ISBN:978-975-16-0014-1. Archived from the original on 2024-08-30.
{{استشهاد بكتاب}}
: تحقق من التاريخ في:|سنة=
/|تاريخ=
mismatch (help) - ^ ا ب ج د ه و ز ح ط ي يا يب محمد فريد بك المحامي (1981م - 1401هـ). تاريخ الدولة العلية العثمانية (ط. الطبعة الأولى). دار النفائس.
{{استشهاد بكتاب}}
: تحقق من التاريخ في:|سنة=
(مساعدة) - ^ ا ب ج د ه و ز ح ط ي يا يب يج يد يه يو يز يح محمد سهيل طقوش kitabweb-2013.forumaroc.net. تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة - أ.د محمد سهيل طقوش. ص. 185–188.
{{استشهاد بكتاب}}
: صيانة الاستشهاد: أسماء عددية: قائمة المؤلفين (link) - ^ ا ب ج د ه و ز ح ط ي يا يب يج يد يه يو يز يح يط ك كا كب كج كد كه كو كز كح كط ل لا لب لج لد له لو لز لح لط م ما مب مج مد مه مو "The Battle of Mohács – August 29, 1526 - Honvédelem". honvedelem.hu (بالمجرية). 29 Aug 2011. Archived from the original on 2024-07-31. Retrieved 2024-07-31.
- ^ "Hungary". Britannica Online Encyclopedia. مؤرشف من الأصل في 2008-12-27. اطلع عليه بتاريخ 2008-11-21.
- ^ Francis Fukuyama: Origins of Political Order: From Pre-Human Times to the French Revolution
- ^ ا ب http://www.history.com/topics/hungary/page4[وصلة مكسورة]
- ^ "A Country Study: Hungary". Geography.about.com. مؤرشف من الأصل في 2012-07-08. اطلع عليه بتاريخ 2010-08-29.
- ^ ا ب Hugh LeCaine Agnew (2004). The Czechs and the lands of the Bohemian crown. Internet Archive. Hoover Institution Press. ص. 59. ISBN:978-0-8179-4492-6.
- ^ ا ب د. أحمد فؤاد متولي، كلية الآداب جامعة عين شمس، متولي (2002). تاريخ الدولة العثمانية منذ نشأتها حتي نهاية العصر الذهبي. إيتراك للطباعة والنشر والتوزيع. ص. 238–238. ISBN:977-5723-71-8.
{{استشهاد بكتاب}}
: تحقق من التاريخ في:|سنة=
لا يطابق|تاريخ=
(مساعدة) وتأكد من صحة|isbn=
القيمة: checksum (مساعدة) - ^ ا ب ج أحمد شيمشيرغيل، شيمشيرغيل (2017). سلسلة تاريخ بني عثمان، (ج 4) سلالة أرطغرل أحمد شيمشيرغيل [Kayı Ufukların Pâdişâhı Kânûnî 04]. ترجمة: محمد، مهتاب. ثقافة للنشر والتوزيع. ص. 54.
- ^ 0739 الحروب الصليبية كتاب الأخبار السنية في الحروب الصليبية P.d.f كتاب 683. ص. 6.
- ^ ا ب Roger Bigelow Merriman (1944). Suleiman The Magnificent 1520 1566. ص. 126 و127.
- ^ ا ب ج د ه و ز ح فريدون أمجان؛ جمال فاروق؛ أحمد كمال (2015). سليمان القانوني. دار النيل. ص. 87 و88 و89 و90 و91. ISBN:978-975-315-648-6.
- ^ ا ب Merriman, p.132
- ^ ا ب ج د ه و ز ح تاريخ الدولة العثمانية من النشوء إلى الإنحدار لخليل اينالجيك. ص. 57–58.
- ^ T. C. GENELKURMAY ASKERİ TARİH VE STRATEJİK, ETÜT BAŞKANLIĞI, ETÜT BAŞKANLIĞI (1522م). Türk Silahlı Kuvvetleri Tarihi - Osmanlı Dönemi, RODOS'UN FETHİ تاريخ القوات المسلحة التركية - الفترة العثمانية، فتح رودس (PDF) (بالتركية). Genelkurmay Basımevi - Ankara. Vol. 3. p. 12. Archived from the original (PDF) on 29 أغسطس 2021. Retrieved 3 سبتمبر 2024.
{{استشهاد بكتاب}}
: تحقق من التاريخ في:|سنة=
and|سنة=
/|تاريخ=
mismatch (help) - ^ ا ب ج Roger Bigelow Merriman (1944). Suleiman The Magnificent 1520 1566. ص. 29 و30 و31.
- ^ ا ب ج Merriman, Roger Bigelow (2007-03). Suleiman the Magnificent 1520-1566 (بالإنجليزية). Read Books. p. 128. ISBN:978-1-4067-7272-2. Archived from the original on 2024-07-31.
{{استشهاد بكتاب}}
: تحقق من التاريخ في:|تاريخ=
(help) - ^ ا ب ج د ه و ز ح تاريخ الدولة العلية العثمانية. ص. 116-118.
- ^ ا ب عثمان نوري طوباش - كتب بالعربية .العثمانيون رجالهم العظام ومؤسساتهم الشامخة. ص. 202-203.
- ^ موسوعة الامبراطورية العثمانية السياسي والعسكري والحضاري يلماز اوزتونا 01 P.d.f كتاب 5422. ص. 268–271.
- ^ Roger Bigelow Merriman (1944). Suleiman The Magnificent 1520 1566. ص. 128.
- ^ Roger Bigelow Merriman (1944). Suleiman The Magnificent 1520 1566. ص. 129.
- ^ ا ب ج Roger Bigelow Merriman (1944). Suleiman The Magnificent 1520 1566. ص. 133 و 134.
- ^ أندريه كلو 1991، صفحة 107.
- ^ Fichtner, Paula Sutter (1966-01). "An Absence Explained: Archduke Ferdinand of Austria and the Battle of Mohács". Austrian History Yearbook (بالإنجليزية). 2: 11–17. DOI:10.1017/S0067237800003386. ISSN:1558-5255. Archived from the original on 2024-06-11.
{{استشهاد بدورية محكمة}}
: تحقق من التاريخ في:|تاريخ=
(help) - ^ Fischer-Galati, Stephen (1966-01). "Comments". Austrian History Yearbook (بالإنجليزية). 2: 17–18. DOI:10.1017/S0067237800003398. ISSN:1558-5255. Archived from the original on 2023-11-14.
{{استشهاد بدورية محكمة}}
: تحقق من التاريخ في:|تاريخ=
(help) - ^ ا ب ج د ه و ز ح ط ي فريدون أمجان؛ جمال فاروق؛ أحمد كمال (2015). سليمان القانوني. دار النيل. ص. 93 و94. ISBN:978-975-315-648-6.
- ^ أحمد شيمشيرغيل، شيمشيرغيل (2017). سلسلة تاريخ بني عثمان، (ج 4) سلالة أرطغرل أحمد شيمشيرغيل [القانوني سلطان العالم]. تاريخ بني عثمان. ترجمة: محمد، مهتاب. ثقافة للنشر والتوزيع. ج. 4.
- ^ Spencer Tucker Battles That Changed History: An Encyclopedia of World Conflict, page: 166 (published 2010)
- ^ Gábor Ágoston,Bruce Alan Masters: Encyclopedia of the Ottoman Empire, page: 583 (published: 2009
- ^ Christian P. Potholm: Winning at war: seven keys to military victory throughout history, page 117 (published in 2009)
- ^ William J. Duiker, Jackson J. Spielvogel: World History, Volume: I page: 419, (published: 2006)
- ^ Stanley Lane-Poole: Turkey, page:179 (published 2004)
- ^ Stephen Turnbull: The Ottoman Empire, 1326–1699, page:46
- ^ Battle of Mohács articleEncyclopædia Britannica نسخة محفوظة 3 أيار 2015 على موقع واي باك مشين.
- ^ Fine، John V. A. (5 فبراير 2010). When Ethnicity Did Not Matter in the Balkans: A Study of Identity in Pre-Nationalist Croatia, Dalmatia, and Slavonia in the Medieval and Early-Modern Periods. University of Michigan Press. ص. 215. ISBN:0-472-02560-0. مؤرشف من الأصل في 2016-12-22.
- ^ جيريمي بلاك (2013). War and Technology. Indiana University Press. ص. 85. ISBN:9780253009890. مؤرشف من الأصل في 2019-12-20.
- ^ ا ب ج د ه و ز ح ط ي يا يب يج يد يه يو يز يح يط ك كا كب كج كد كه كو كز كح كط İSMAİL HÂMİ DANİŞMEND, İSMAİL (1945). İzahlı Osmanlı Tarihi Kronolojisi (بالتركية). İstanbul: Türkiye Yayınevi. Vol. 2. pp. 114–119.
{{استشهاد بكتاب}}
: تحقق من التاريخ في:|سنة=
/|تاريخ=
mismatch (help) - ^ "Báthory von Ecsed, István". www.biolex.ios-regensburg.de. مؤرشف من الأصل في 2017-03-05. اطلع عليه بتاريخ 2024-08-16.
- ^ ا ب ج د ه و أحمد شيمشيرغيل، شيمشيرغيل (2017). سلسلة تاريخ بني عثمان، (ج 4) سلالة أرطغرل أحمد شيمشيرغيل [KAYI IV UFUKLARIN PADİŞAHI KANUNİ]. ترجمة: محمد، مهتاب. ثقافة للنشر والتوزيع. ص. 56.
- ^ Peçevî، brahim (1866). Tarih-i Peçevi. Robarts - University of Toronto. stnbl Maba'a-i 'mire. ص. 85.
- ^ ا ب ج د الدولة العثمانية المجهولة، 303 سؤال وجواب توضح حقائق غائبة عن الدولة العثمانية أحمد آق كوندوز و سعيد أوزتورك. ص. 237.
- ^ ا ب ج د ه Peçevî, brahim (1866م). Tarih-i Peçevi (بالعثمانية). Robarts - University of Toronto. stnbl Maba'a-i 'mire. p. 86.
{{استشهاد بكتاب}}
: صيانة الاستشهاد: لغة غير مدعومة (link) - ^ Stallaerts، Robert (28 فبراير 2010). Historical dictionary of Croatia. Scarecrow Press. ص. 239. ISBN:978-0-8108-6750-5. مؤرشف من الأصل في 2023-10-04. اطلع عليه بتاريخ 2011-10-15.
- ^ "Historical-Town Planning Ensemble Tvrda (Fort) in Osijek". whc.unesco.org. اطلع عليه بتاريخ 2025-03-30.
- ^ Peçevî, brahim (1866). Tarih-i Peçevi (بالعثمانية). Robarts - University of Toronto. stnbl Maba'a-i 'mire. p. 88.
{{استشهاد بكتاب}}
: صيانة الاستشهاد: لغة غير مدعومة (link) - ^ Peçevî, brahim (1866م). Tarih-i Peçevi (بالعثمانية). Robarts - University of Toronto. stnbl Maba'a-i 'mire. p. 88.
{{استشهاد بكتاب}}
: صيانة الاستشهاد: لغة غير مدعومة (link) - ^ Klaić, Vjekoslav (1904). Povijest Hrvata od najstarijih vremena do svršetka XIX stoljeća (بالكرواتية). Zagreb. pp. 356–358.
{{استشهاد بكتاب}}
: صيانة الاستشهاد: مكان بدون ناشر (link) - ^ ا ب Botlik, Richárd (2017). Az 1526 évi mohácsi csata árnyékseregei (Shadow Militaries of the Battle of Mohács - 1526) (بالمجرية). Budapest. ISBN:978-963-88734-1-5.
{{استشهاد بكتاب}}
: صيانة الاستشهاد: مكان بدون ناشر (link) - ^ ا ب ج د ه أحمد شيمشيرغيل، شيمشيرغيل (2017). سلسلة تاريخ بني عثمان، (ج 4) سلالة أرطغرل أحمد شيمشيرغيل [Kayı Ufukların Pâdişâhı Kânûnî 04]. ترجمة: محمد، مهتاب. ثقافة للنشر والتوزيع. ص. 58.
- ^ ا ب أحمد شيمشيرغيل، شيمشيرغيل (2017). سلسلة تاريخ بني عثمان، (ج 4) سلالة أرطغرل أحمد شيمشيرغيل [Kayı Ufukların Pâdişâhı Kânûnî 04]. ترجمة: محمد، مهتاب. ثقافة للنشر والتوزيع. ص. 60.
- ^ "The Battle of Mohacs: The Fall of the Hungarian Empire", by Richard H. Berg, published in Against the Odds, Volume 3, Number 1, page 100-105, September 2004
- ^ Mihály, Nagy Miklós. "Perjés Géza és a bizonytalanság birodalma". Orszagut.com (بالمجرية). Archived from the original on 2024-05-21. Retrieved 2024-08-20.
- ^ Zoltán Bodolai (1978). "9. Darkness After Noon". The Timeless Nation – The History, Literature, Music, Art and Folklore of the Hungarian Nation. Hungaria Publishing Company. اطلع عليه بتاريخ 2015-11-19.
- ^ "JOURNAL OF SOCIAL, HUMANITIES AND ADMINISTRATIVE SCIENCES (JOSHAS)". journalofsocial.com. مؤرشف من الأصل في 2024-09-01. اطلع عليه بتاريخ 2024-08-31.
- ^ Overy، R. J. (2014). A history of war in 100 battles. Internet Archive. London : William Collins. ص. 55. ISBN:978-0-00-745250-7.
- ^ أحمد شيمشيرغيل، شيمشيرغيل (2017). سلسلة تاريخ بني عثمان، (ج 4) سلالة أرطغرل أحمد شيمشيرغيل [Kayı Ufukların Pâdişâhı Kânûnî 04]. ترجمة: محمد، مهتاب. ثقافة للنشر والتوزيع. ص. 61.
- ^ ا ب ج د أحمد شيمشيرغيل، شيمشيرغيل (2017). سلسلة تاريخ بني عثمان، (ج 4) سلالة أرطغرل أحمد شيمشيرغيل [Kayı Ufukların Pâdişâhı Kânûnî 04]. ترجمة: محمد، مهتاب. ثقافة للنشر والتوزيع. ص. 62.
- ^ ا ب ج د Overy، R. J. (2014). A history of war in 100 battles. Internet Archive. London : William Collins. ص. 56. ISBN:978-0-00-745250-7.
- ^ ا ب ج د ه أحمد شيمشيرغيل، شيمشيرغيل (2017). سلسلة تاريخ بني عثمان، (ج 4) سلالة أرطغرل أحمد شيمشيرغيل [Kayı Ufukların Pâdişâhı Kânûnî 04]. ترجمة: محمد، مهتاب. ثقافة للنشر والتوزيع. ص. 63–64.
- ^ Turner, Corvisier & Childs, A Dictionary of Military History and the Art of War, pp. 365–366.
- ^ ا ب Overy، R. J. (2014). A history of war in 100 battles. Internet Archive. London : William Collins. ص. 53–56. ISBN:978-0-00-745250-7.
- ^ فريدون أمجان، أمجان. سليمان القانوني سلطان البرين والبحرين (ط. 2014). دار النيل. ص. 101. ISBN:978-975-315-648-6.
- ^ "A mohácsi csatában mindkét hadsereg nagyon hasonló tűzfegyvereket használt - vasarnap.hu". web.archive.org. 8 نوفمبر 2022. اطلع عليه بتاريخ 2025-03-26.
- ^ Nic Fields (2021). Lepanto 1571 The Madonna's Victory. Pen & Sword Books. ص. 148. ISBN:9781526716538.
- ^ "A mohácsi csatavesztés után a hit is elveszett - vasarnap.hu". web.archive.org. 27 أكتوبر 2021. اطلع عليه بتاريخ 2025-03-26.
- ^ Andrade، Tonio (2016). The Gunpowder Age: China, Military Innovation, and the Rise of the West in World History. برينستون (نيو جيرسي): دار نشر جامعة برنستون. ص. 149. ISBN:978-0-691-13597-7. مؤرشف من الأصل في 2023-12-05.
- ^ "ÂRİFÎ FETHULLAH ÇELEBİ". TDV İslâm Ansiklopedisi (بالتركية). Retrieved 2025-04-10.
- ^ "FERDÎ". TDV İslâm Ansiklopedisi (بالتركية). Retrieved 2025-04-10.
- ^ "FERDİ (Arayıcızâde Hüseyin)". istanbulansiklopedisi.org. 27 مايو 2024. اطلع عليه بتاريخ 2025-04-10.
- ^ Sözlüğü، Türk Edebiyatı İsimler. "FERDÎ, Hüseyin Arayıcı-zâde Hüseyin Ferdî Efendi". teis.yesevi.edu.tr. اطلع عليه بتاريخ 2025-04-10.
- ^ "To Buda And Ottoman Hungary Of A Past Era". The Friday Times (بالإنجليزية). 6 Jun 2024. Archived from the original on 2024-07-31. Retrieved 2024-07-31.
- ^ Sanz (11 Nov 2022). "Battle of Mohács". WikiSummaries (بالإنجليزية الأمريكية). Archived from the original on 2024-07-31. Retrieved 2024-07-31.
- ^ Szerémi, György (1944). Epistola de perdicione regni Hungarorum (بالمجرية). Budapest-Szeged: Erdélyi László, Juhász László. Archived from the original on 2023-10-04.
- ^ György Szerémi, Gusztáv Wenzel (1857). Emlékirata Magyarország romlásáról, 1484-1543 (باللاتينية). Harvard University. F. Eggenberger. p. 123.
- ^ ا ب Solakzade، Mehmet Hemdemi Çelebi (1880). Solâkzade tarihi. Robarts - University of Toronto. stnbl Mamd Beg Maba'asi. ص. 460.
- ^ ا ب ج Peçevî, brahim (1866). Tarih-i Peçevi (بالعثمانية). Robarts - University of Toronto. stnbl Maba'a-i 'mire. p. 101.
{{استشهاد بكتاب}}
: صيانة الاستشهاد: لغة غير مدعومة (link) - ^ "• Akik részt vettek a mohácsi csatában (1) Báthory István". HuPont.hu - Ingyenes weblapszerkesztő (بالمجرية). Archived from the original on 2024-05-22. Retrieved 2024-08-16.
- ^ Robert A. Kann (1980). A History of the Habsburg Empire, 1526–1918. دار نشر جامعة كاليفورنيا. ص. 611. ISBN:978-0520042063.
- ^ Robert A. Kann (1980). A History of the Habsburg Empire, 1526–1918. دار نشر جامعة كاليفورنيا. ص. 611. ISBN:978-0520042063. مؤرشف من الأصل في 2023-04-15.
- ^ R. W. Seton-Watson (1911). The southern Slav question and the Habsburg Monarchy. ص. 18.
- ^ "Palatine Báthory István (c 1480-1530)". Hungarian-Ottoman Wars (بالإنجليزية الأمريكية). Archived from the original on 2024-02-25. Retrieved 2024-08-16.
- ^ Keul, István (2009). Early Modern Religious Communities in East-Central Europe: Ethnic Diversity, Denominational Plurality, and Corporative Politics in the Principality of Transylvania (1526-1691) (بالإنجليزية). BRILL. ISBN:978-90-04-17652-2. Archived from the original on 2024-08-31.
- ^ "Treaty of Nagyvárad | Hungarian history | Britannica". www.britannica.com (بالإنجليزية). Archived from the original on 2024-01-19. Retrieved 2024-08-31.
- ^ "Hungary - Partition, Habsburgs, Revolution | Britannica". www.britannica.com (بالإنجليزية). 28 Aug 2024. Archived from the original on 2023-07-27. Retrieved 2024-08-31.
- ^ Stanislava Kuzmová, "The Memory of the Jagiellonians in the Kingdom of Hungary, and in Hungarian and Slovak National Narratives." in Remembering the Jagiellonians (Routledge, 2018) pp. 71–100.
- ^ Peter F. Sugar et al., A History of Hungary (1990) pp. 83–85.
- ^ "Historical Memorial at Mohács". Hungarystartshere.com. مؤرشف من الأصل في 2009-01-24. اطلع عليه بتاريخ 2010-08-29.
- ^ "Visitors' center at Mohács battlefield memorial site inaugurated – Caboodle.hu". مؤرشف من الأصل في 2014-09-03. اطلع عليه بتاريخ 2012-02-23.
مراجع في الإنترنت
عدل- "1548-49". The Encyclopedia of World History. 2001. مؤرشف من الأصل في 2009-01-30. اطلع عليه بتاريخ 2007-04-18.
- "1553-55". The Encyclopedia of World History. 2001. مؤرشف من الأصل في 2009-01-30. اطلع عليه بتاريخ 2007-04-18.
- "A 400 Year Old Love Poem". Women in World History Curriculum Showcase. مؤرشف من الأصل في 2019-10-25. اطلع عليه بتاريخ 2007-04-18.
- Embree، Mark (2004). "Suleiman The Magnificent". مؤرشف من الأصل في 2008-11-02. اطلع عليه بتاريخ 2007-04-18.
- Halman، Talat (1988). "Suleyman the Magnificent Poet". مؤرشف من الأصل في 2006-03-09. اطلع عليه بتاريخ 2007-04-18.
- "The History of Malta". 2007. مؤرشف من الأصل في 2009-02-05. اطلع عليه بتاريخ 2007-04-27.
- "Muhibbî (Kanunî Sultan Süleyman)". Türkçe Bilgi—Kim kimdir? (بالتركية). Archived from the original on 2011-07-24. Retrieved 2008-01-13.
- Russell، John (26 يناير 2007). "The Age of Sultan Suleyman". New York Times. مؤرشف من الأصل في 2011-03-08. اطلع عليه بتاريخ 2007-08-09.
- Edward Yapp، Malcolm (2007). "Suleiman I". Microsoft Encarta. مؤرشف من الأصل في 2008-10-03. اطلع عليه بتاريخ 2008-04-17.
قراءات أخرى
عدل- تاريخ الدولة العلية العثمانية، محمد فريد بك، تحقيـق إحسان حقي، دار النفـائس، بيـروت، 1403هـ/1983م.
- تاريخ الدولة العثمانية، يلماز أوزتونا، ترجمة محمود الأنصاري، مؤسسة فيصل للتمويل، إسطنبول، 1988م.
- أوروپا العثمانية 1354هـ/1804م، بيتر شوجر، ترجمة عاصمة الدسوقي، دار الثقافة الجديدة، القاهرة 1988م.
- تاريخ الدولة العثمانيـة، علي حسون، المكـتب الإسلامي، بيـروت، 1415هـ/1994م.
- Bridge، Anthony (1983). Suleiman the Magnificent, Scourge of Heaven. New York: F. Watts. OCLC:9853956. مؤرشف من الأصل في 2022-07-14.
- Downey، Fairfax Davis. The Grand Turke, Suleyman the Magnificent, sultan of the Ottomans. New York: Minton, Balch & Company. OCLC:25776191.
- Hooker، Richard. "The Ottomans: Suleyman". مؤرشف من الأصل في 2011-05-14. اطلع عليه بتاريخ 2007-09-02.
- البرت ليبير، Albert Howe (1913). The government of the Ottoman empire in the time of Suleiman the Magnificent. Cambridge, Massachusetts: Harvard University Press. OCLC:1562148. مؤرشف من الأصل في 2022-11-12.
- György Dalos, Ungarn. Mythen – Lehren – Lehrbücher, in: Monika Flacke (Hrsg.): Mythen der Nationen. Ein europäisches Panorama. Eine Ausstellung des Deutschen Historischen Museums unter der Schirmherrschaft von Bundeskanzler Dr. Helmut Kohl. Begleitband zur Ausstellung vom 20. März 1998 bis 9. Juni 1998, Köhler & Amelang, München und Berlin 1998, S. 544–548
- Nicolae Jorga: Geschichte des Osmanischen Reiches, Salzwasser, Paderborn 2011, ISBN 978-3-86382-408-2.
- Josef Matuz: Das Osmanische Reich. Grundlinien seiner Geschichte, 7. Auflage, Wissenschaftliche Buchgesellschaft, Darmstadt 2012, ISBN 978-3-86312-326-0.
- Klaus-Peter Matschke: Das Kreuz und der Halbmond. Die Geschichte der Türkenkriege, Artemis & Winkler, Düsseldorf und Zürich 2004, ISBN 978-3-538-07178-0.
- Stavrianos, L.S. Balkans Since 1453, C. Hurst & Co. Publishers, 2000.
- Nicolle, David, Hungary and the fall of Eastern Europe, 1000–1568, Osprey Publishing, 1988.
- Stephen Turnbull, The Ottoman Empire 1326–1699, Osprey Publishing, 2003.
- Molnár, Miklós, A Concise History of Hungary, Cambridge University Press, 2001.
- Minahan, James B. One Europe, many nations: a historical dictionary of European national groups, Greenwood Press, 2000.
- The Kingdom of Hungary and the Habsburg Monarchy in the Sixteenth Century (East European Monographs, distributed by Columbia University Press, 2010) 406 pages; Covers the period after the battle of Mohacs in 1526 when the Kingdom of Hungary was partitioned in three, with one segment going to the Habsburgs.
- History Foundation, Improvement of Balkan History Textbooks Project Reports (2001) (ردمك 975-7306-91-6)
وصلات خارجية
عدل- موهاكس.. أبادت جيشا وحققت حلما - من إسلام أون لاين.نت