مستخدم:Sifstar/ملعب

لا عتبة للانسانية فلماذا انعدمت ؟

أن تدمع عيناك دون استشارة الجوارح , أو يبتسم ثغرك تلقائيا , أو تتسارع أنفاسك وترتفع عدد دقات قلبك , أن تدافع عن ظالمك بالأمس , و تعيد الحق لمن سلبه منك دون أن يهتز له رمش , و تتخلى عن صراع الأديان حين يتعلق الأمر بالرأفة , أن تفعل كل هذا ويبقى داخلك يتأكل لأنه كان يطمح الى المزيد, حينها فقط تدرك أن الانسانية ليست حكرا على طائفة وليست نصا في كتاب سماوي دون أخر , وتتأكد أنها صفة وراثية تدمج في صبغياتنا وتمتزج مع الدماء .

لكن الغريب في الأمر ما وصلت اليه الانسانية اليوم , كيف يقتل الأخ أخاه من أجل حفنة تراب , بأي برودة دم تغتصب البراءة , أحقا انعدمت الانسانية ؟ ومن المتسبب في ذلك؟ أم أن الكرة الأرضية قررت الدوران بالعكس , والصبغيات الوراثية أصبحت خمسة وأربعين , أحقا فرضية أن الانسانية ليس لها حدود مجرد كذبة متداولة في عالم المثل ,وتلك الصور التي تعرض على محطات التلفزيون للاعانات التي يقدمها الأثرياء للمحتاجين على وجه هذه الأرض , ما هي الا أداة لتلميع الصورة ,ومواصلة مشوارهم في عالم الامتيازات ذاك , بينما يتواصل تساقط كرمهم من أعلى الهرم على شكل فتات . - يا ترى كيف سيعيش أخر كائن بشري على وجه هذه الكرة الأرضية وكيف سيتعامل مع باقي الكائنات التي تعد اليوم أكثر انسانية منا ؟

- هل سيتواصل تساقط جثث الأبرياء من أجل تحقيق العدالة أو بصغة أخرى من أجل صراع الغابة الذي نعيش فيه البقاء للأقوى ؟

- كم من بريء سيجد نفسه متراميا يلملم أشلاءه وسط الطرقات ويتوسد حوافها بعد قصف غايته المزعومة القضاء على المنظمات الارهابية ؟

- ما هو عدد الكلى البشرية التي ستنزع غصبا من أصحابها وتوزع كرما في المستشفيات الخاصة ؟ - متى سينتهي نواح الأمهات اللوائي يفقدن أفلاذ اكبدهن في عمر الزهور ؟

- ألم يعلن البحر ملله من جثث الشباب الباحث عن نوع أخر من الحياة ؟

تأكدوا سيستمر التفجير الداخلي , ولا أحد منا يستطيع الاجابة عن الأسئلة السالفة الذكر . وسيروي كل قصة وجع عاشها وكان فيها أكثرنا انسانية .

سلسبيل فراشة لم تتجاوز الثماني سنوات , تخطف وتقطع الى أجزاء , تساءلنا عن السبب فوجدنه تعاطي قرص مهلوس , بورما تحترق ووقودها الآلاف من البشر , أمر عادي خلاف ديني كان السبب في ذلك ...لو نواصل سرد الأحداث سنكون أكثر انسانية .

من أعطى الحق لذلك الوحش البشري أن يغير البسمة التي كانت على شفاه سلسبيل الى فزع يجتاح كينونة ذالك الملاك الذي ارتفعت روحه الى السماء , سأستعرض في هذا المقام قول فولتير : "الابتسامة تذيب الجليد وتنشر الارتياح وتبلسم الجراح انها مفتاح العلاقات الانسانية الصافية "

أأصبح ذلك القرص المهلوس هو بلسم الشفاء , تبا لصانعه وتبا للانسانية التي سمحت بدخوله

من منح الحق للجماعات المتطرفة في بورما أن تحاسب البشر على معتقداتهم وكل الاديان تحفظ حق المعتقد , ولماذا خيم الصمت على منظمة العفو الدولية , أم أن الانسانية أصبحت درجات , في هذا الصدد يقول جبران خليل جبران : "منبر الإنسانية قلبها الصامت لاعقلها الثرثار".

سأتواصل أنا بالتساؤل ولا أحد منكم يستطيع الاجابة ؟ ان الجمال والقبح والضباب والصفاء ليس حقيقة كل شيء في هذا الوجود , بل الحقيقة تكمن في النظرة البشرية التي تبعث على الامل والارتياح , فالجمال ليس مظهرا خارجي يميز الغني عن الفقير , بل هو نقاء الروح من الداخل , هو تلك المشاعر الانسانية الجياشة , التي ندرك بها مدى ضعفنا حين نلج مستشفى , ومدى حاجتنا حين يمد محتاج يده , ومدى قسوتنا حين تجتاح الدمعة العين , ومدى حاجتنا لبعضنا حين نغطي وجه أقرب الناس الينا بحفنة تراب ..

لم تمت الانسانية بعد هي تدب داخل كل واحد منا , لكنه يعتبر اظهارها شيئا من الضعف , فهناك من يستحي من مد يده الى أخيه , وهناك من يظن أن انسانيته تنزل من مكانته لدى الاخرين , الانسانية كالكلمات اذا بقيت محتجزة لن تكون لها أي أهمية .هنا تحضرني مقولة غاندي : " يجب أن لا تفقدوا الأمل في الإنسانية. ان الإنسانية محيط، وإذا ما كانت بضع قطرات من المحيط قذرة فلا يصبح المحيط بأكمله قذرا"

لن يستمر تواجدنا كثيرا , سنفتقد ذات يوم كما فقدنا العديد ممن حولنا اليوم , و ستتواصل الحياة بشكل عادي , القوي مستبد , والضعيف يركن نفسه في زاوية خشية أن يهوى عليه الجدار , ويستمر الحديث عن الانسانية التي مازالت تتجرد من ثيابها أكثر . اغتنم ما تبقى من حياتك , كن انسانا حسب مفهوم الكلمة , لا تتخلى عن صبغيك السادس والأربعين . عش لنفسك وعش لغيرك , أنصر المظلوم , وأعفو عن الظالم , اجعل قلبك مسكنا يأوي كل من استجار بك , أيقظ ضميرك من سباته , قبل أن يتهاوى جفنك ولا أحد بامكانه رفعه . الانسانية هي الدمعة والبسمة حين يمتزجان , الانسانية هي الاعتذار في الحالتين حين تخطئ وحين تصيب " كلمة آسف واعتذر لك ليست كلمة مذلة للنفس؛ بل هي كلمات تقال لكي يعرف الشخص الآخر أنك لا تريد خسارته. – واين داير الانسانية هي الحياة دون حواجز دينية أو لغات قومية هي البساطة في التعامل يقول سقراط : " الانسانيّة ليست دين ، انما رتبة يصل لها بعض البشر" .

حقا كثيرون من هم على قيد الحياة قليلون من هم على قيد الانسانية !

عبود سيف الدين