احدث التمويل العسكري للعلوم تحولا قويا في ممارسات ونتاجات البحث العلمي بداية من أوائل القرن العشرين؛ فمنذ الحرب العالمية الأولى على وجه الخصوص، والتكنولوجيا العسكرية المعتمدة على العلوم الأكاديمية تعد احد العوامل الأساسية في تصنيف فاعلية ونجاح الجيوش.

غالبًا ما يطلق على الحرب العالمية الأولى "حرب الكيميائيين"؛ وذلك بسبب الاستخدام المكثف للغازات السامة وبروز أهمية مواد كيميائية كالنترات والحشوات شديدة الانفجار. استخدم الغاز السام خلال الحرب بكثافة من قبل الألمان والبريطانيين على حد سواء؛ بداية من عام 1915، بإنتاج غاز الكلور من قبل المصانع الألمانية المتخصصة بالأصباغ الكيميائية، ومع سير امد الحرب انخرط العلماء على كلا الجانبين بسباق تسلح كيميائية لتطوير غازات أقوى، إضافة إلى تطوير التدابير المضادة لتحييد فاعلية الغازات الجديدة التي ينتجها العدو على الطرف الأخر.[1] ساهمت الفيزياء هي الأخرى في المجهود الحربي، بتطوير تكنولوجيا الاتصالات اللاسلكية والطرق المعتمدة على تحليل الصوت لاكتشاف الغواصات. فتحت هذه الأحداث الباب لعلاقة ناشئة ولأول مرة بين العسكرية والعلوم الأكاديمية.[2]

شهدت الحرب العالمية الثانية زيادة هائلة في التمويل العسكري للعلوم، وعلى رأسها الفيزياء؛ فبالإضافة إلى مشروع مانهاتن الأمريكي، الذي انتج القنبلة الذرية، عمل البريطانيون والأمريكيون على صناعة الرادارات على نطاق واسع، وكان لذلك تأثير كبير على سير الأحداث في الحرب؛ فقد مكنت الرادارات من اكتشاف سفن وطائرات العدو إضافة إلى استخدام الرادارات في توجيه المقذوفات المجهزة بصاعق اقترابي (المقذوفات التي تنفجر قبل اصطدامها بالهدف بمسافة معينة). إعتُبر كل من التشفير الرياضي وتوقعات الأنواء الجوية وبحوث تطوير الصواريخ تخصصات محورية بالنسبة للجهد الحربي؛ إذ كان للتمويل الحربي، الذي حضي بالأولوية في تلك الحقبة تأثيرات كبيرة طويلة الأمد على تطور تلك التخصصات. في نهاية الأمر، انتج توظيف التكنولوجيا في الجهد الحربي الوصول إلى الطائرات النفاثة، والرادارات، والمقذوفات المجهزة بالصاعق الاقترابي، وصولا إلى القنابل النووية، وهو ما يلخص الاختلاف الجذري لتكنولوجيا ما بعد الحرب عن ما قبلها. أدى ذلك بالقادة العسكريين لان يروا في مواصلة التقدم التكنولوجي مفتاحا للتفوق في الحروب المستقبلية. تعزز الارتباط بين المؤسسات العسكرية والعلوم الأكاديمية مرة أخرى خلال الحرب الباردة، خصوصا بالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، إذ واصل الإنفاق العسكري بالصعود حتى خلال فترات السلام الظاهرية، وبالواقع فانه توسع ليشمل العلوم الإنسانية والطبيعية، وادت رعايته إلى استحداث علوم جديدة تماما كالحوسبة الرقمية. انخفض التمويل العسكري للبحث العلمي بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي، إلا أن الكثير من البنية التحتية العلمية الأمريكية بقيت قائمة.

أثارت الوتيرة التمويل العسكري للعلوم، التي ارتفعت بشكل كبير منذ الحرب العالمية الثانية، مجموعة كبيرة من المؤلفات التاريخية لتحليل آثار هذا التمويل، وعلى وجه الخصوص بالنسبة للعلوم الأمريكية؛ فمنذ مقال بول فورمان عام 1987 الذي حمل عنوان "ما وراء الإلكترونيات الكمية: الأمن القومي كأساس للبحث الفيزيائي في الولايات المتحدة، 1940-1960"، كان هناك نقاش تاريخي مستمر حول كيف وإلى أي مدى أثر التمويل العسكري على مسار البحث العلمي والاكتشاف.[3] رد فورمان وآخرون بأن التمويل العسكري أعاد توجيه العلوم بشكل جوهري، ولا سيما الفيزياء، نحو بحوث تطبيقية، وأن التقنيات العسكرية قد شكلت أساسا للبحث اللاحق حتى في مجالات العلوم الأساسية. في نهاية المطاف، أدى التعاون المكثف بين العلماء والمخططين العسكريين إلى تغيرات في اتجاه البحث العلمي على الصعيد الثقافي والفكري. قدم دانييل كيفليس وجهة نظر بديلة، إذ أفاد بان التمويل العسكري ورغم رفده العلماء بالفرص ووسع نطاق البحث الفيزيائي بشكل كبير، إلا أن استقلالية العلماء الفكرية ظلت محفوظة.

العلم والتكنلوجيا العسكرية ما قبل العصر الحديث

عدل

خلال الحرب العالمية الأولى والأعوام ما بين الحربين العالميتين

عدل

الحرب العالمية الثانية

عدل

الحرب الباردة والجهد العلمي الأمريكي

عدل

الحوسبة

عدل

علوم الأرض والفيزياء الفلكية

عدل

العلوم البيولوجية

عدل

جدل تاريخي

عدل

المراجع

عدل
  1. ^ Harris, Robert and Jeremy Paxman. A Higher Form of Killing: The Secret History of Chemical and Biological Warfare. 2002. Chapter 1.
  2. ^ Kevles, Daniel J. The Physicists: The History of a Scientific Community in Modern America. New York: Alfred K. Knopf, 1971. pp 137-138.
  3. ^ Forman, Paul. "Behind quantum electronics: National security as basis for physical research in the United States, 1940-1960," Historical Studies in the Physical and Biological Sciences, Vol. 18, Pt. 1, pp 149-229.