مستخدم:NASMI MOHAMED/ملعب

عاشوراء المغرب

تعتبر عاشوراء مناسبة دينية يخلدها المغاربة بصيام اليومين التاسع والعاشر من شهر محرم، إلى جانب إخراج الزكاة والصدقات، وزيارة المقابر، لكن أيضا هي مناسبة للفرح والاحتفال، وممارسة مجموعة من العادات والتقاليد والطقوس، والتي تمتد في غالبا الأحيان من فاتح محرم من كل سنة هجرية إلى العاشر منه. كما تتميز احتفالات عاشوراء بتاريخها القديم، وتنوعها من منطقة لأخرى ومن مدينة مغربية لأخرى، وهو يؤكد غنى وتنوع الحضارة المغربية.

التاريخ

عدل

الاحتفالات بعاشوراء في عهدي الدولتين المرابطية والموحدية

عدل

كانت عاشوراء من الأعياد الدينية الإسلامية المحتفل بها في عهدي المرابطين والموحدين في المغرب كما في الأندلس، وكانت تتجلى مظاهر الاحتفال بها في هذه الفترة من خلال تقديم الأطعمة والفواكه في هذا اليوم[1] إلى جانب خروج المغاربة إلى الطبيعة للنزهة والتي كانت من العادات الأندلسية التي تأثر بها أهل عدوة المغرب من جيرانهم في العدوة الشمالية خلال العهد المرابطي وترسخت أكثر على عهد الموحدين.[2] كما ارتبط الاحتفال بعاشوراء في هذا العهد بروز بعض الظواهر الاجتماعية كاستغلال المتسولين هذه المناسبة لكسب عطف الناس، ففي فاس يذكر التميمي في ترجمة أحد الزهاد، أن والده خرج في عيد عاشوراء قاصدا المسجد الجامع، فرأى جماعة منهم يتضرعون جوعا، ويستجدون المارة وقاصدي المساجد في هذا اليوم الديني[3]، كما استغل بعض المتصوفة هذه المناسبة لفعل الخير حيث أن أحد المتصوفة اعتاد على جمع المريدين في يوم عاشوراء من كل سنة والإنفاق عليهم والإكثار من الطعام ولو اضطر إلى الاستدانة[4]

الاحتفال بعاشوراء في عهد الدولة المرينية

عدل

عرفت الاحتفالات بعاشوراء في عهد الدولة المرينية طابعا رسميا حيث أشرف على هذه الاحتفالات سلاطين هذه الدولة بأنفسهم مثل أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق، وأبي عنان، الذين كانوا يقومون خلالها بعدة أعمال إحسانية لصالح الفقراء والمحتاجين منها القيام بحملات إعذار للأطفال المحتاجين مع تقديم لهم الملابس والطعام والمال، فكان السلطان أبي يعقوب بن عبد لحق المريني يقوم بتطهير الأيتام وكسوتهم والإحسان إليهم بالدراهم والطعام في كل عاشوراء.[5] أما على المستوى الشعبي فكانت عاشوراء مناسبة لقيام الأسر بالإحسان للمعلمين الذين يعتنون بتدريس أبنائهم، وهو ما أفتى أبو العباس الونشريسي بجوازه عندما سئل عن ما يأخذ المعلمون في عاشوراء. فأجاب لا بأس بالأخذ في عاشوراء.[6]

الاحتفال بعاشوراء في عهد الدولة السعدية

عدل

حافظت الدولة السعدية على الاحتفال الرسمي بعاشوراء وعلى عادة إعذار أبناء الفقراء والمحتاجين والإحسان إليهم، فكان السلطان أحمد المنصور الذهبي يعطي أوامره لختان أطفال الفقراء والمحتاجين، مع الإحسان إليهم بتقديم لهم أثواب الكتان، وأكياس الدراهم، وحصص من لحم البقر.[7]

الاحتفال بعاشوراء في عهد الدولة العلوية

عدل

أما بعد مجيء الدولة العلوية فسيعرف الاحتفال بعاشوراء مظاهر جديدة منها إقامة عروض مسرحية شعبية في الهواء الطلق بساحة المشور الملكي أمام السلطان حيث هناك كانت تدور مشاهد هجائية ساخرة مشحونة غالبا بروح النكتة.[8] كما كان سكان بعض المدن كمراكش يحتفلون بليلة عاشوراء كذلك عبر عرض مسرحيات تمثل عوائد أو تصرفات أشخاص من تجار وغيرهم.[9]  كما كان التحضير لعاشوراء بالقصور الملكية يتم بتغيير نظام التموين الذي كانت تتميز به دائما المواسم والأعياد والمناسبات الدينية بإدخال مواد تموينية كالحلويات والدجاج للعموم، زيادة على المقرر يوميا للخاصة، وما يلعب به الصبيان من المزامير والأواني.[10] الذين كانوا يستفيدون من عطلة بمناسبة عاشوراء التي تبتدئ من صبيحة اليوم العاشر إلى غروب اليوم الثالث عشر.[11] وقد استمر على المستوى الشعبي شراء الفواكه الجافة للاحتفال بعاشوراء ففي عهد السلطان العلوي المولى سليمان أشار محمد الضعيف الرباطي إلى أنه في وفي عاشوراء عام 1211 هـ لم يوجد اللوز ولا الفاكهة وكانت السفن توسق الزرع.[12]

جغرافية الاحتفال بعاشوراء في المغرب

عدل

تتميز الاحتفالات بعاشوراء على المستوى الشعبي بالاستعداد لها ابتداء من فاتح محرم من السنة الهجرية، حيث يزداد الرواج في الأسواق التي تتزين بمواد وسلع خاصة بالمناسبة، أمر الأسر والعائلات المغربية فيكون استعدادها للاحتفال بعاشوراء باقتناء الفواكه الجافة كالتمر، والتين المجفف، واللوز، والجوز، الحمص، الفول السوداني. وشراء بعض أنواع الحلوى. إلى جانب شراء مختلف الدمى والألعاب للأطفال، وشراء أنواع البخور، والملابس التقليدية للأطفال كالقفطان للإناث والجلباب للذكور، كما تحرص ربات البيوت على صنع أنواع من الحلويات الخاصة بعاشوراء تسمى القريشلات، أما في اليوم العاشر من شهر محرم ليلة عاشوراء تبدأ الاحتفالات باللعب على آلات الإيقاع مع ترديد أهازيج  شعبية خاصة بالمناسبة، وتحضير وجبة العشاء التي تكون عبارة عن كسكس بسبع خضر وذيل خروف مع القديد المتبقي من عيد الأضحى الذي بعد تناوله، يتم  تحضير الشاي المغربي الذي يشرب مع الفواكه الجافة التي تخلط مع بعضها لتوزع على أفراد العائلة بالتساوي بواسطة إناء فخاري يسمى زلافة، ولا تقف الاحتفالات عند حدود البيت بل تتعداه إلى الحي والقرية حيث يجتمع أهل الحي أو القرية على نار  يتنافسون على القفز فوقها مع الغناء وتريد الأهازيج الشعبية الخاصة بمناسبة عاشوراء، وابتداء صباح اليوم التالي يكون زمزم حيث يكون اللعب والاستحمام بالماء طلبا للخير والبركة معتقدين في ذلك أن جميع مياه الأرض تتصل في هذا اليوم بماء زمزم.

لكن احتفالات عاشوراء في المغرب تعرف اختلافا وتنوعا من منطقة لأخرى، بل وحتى في الزمان بين الماضي والحاضر، وهو ما يبرز غنى الثقافة الشعبية المغربية. ففي مدينة الرباط كان الناس يصومون بمناسبة عاشوراء، كما كانوا يختارونه يوما تؤدى فيه الزكاة ويوسعون على العيال والأطفال وتقام فيه الأراجيح ووسائل التسلية البريئة بالسوق الخاص الذي يجتمع رواده بساحة سوق الغزل[13]. وفي مدينة فاس بمناسبة عاشوراء كانت توزع الهدايا على الأطفال، أما بالنسبة لتلاميذ الكتاتيب القرآنية الفاسية على الخصوص فكانت كذلك عيد النور. فقبل أسبوع كان كل تلميذ يحمل إلى معلم القرآن قدحا من الزيت، ثم يهيؤون كلهم إنارة قاعة الدرس خلال الأيام التالية. كما كانت عاشوراء عيدا لطلب البركة حيث كان أطفال الكتاب القرآني يحفزون درسا قصيرا لتكون بداية السنة جيدة، كما كان الصناع يذهبون إلى معاملهم، والتجار إلى دكاكينهم، ليكون العام مزدهرا. وفي البيوت عند مطلع الفجر، كانت تفتح جميع الحقائب، والصناديق، والخزائن، والأبواب، حتى ينشر الله بركته بدون عائق وتعطى الزكاة للمساكين. وعيدا للتجديد حيث فيه تشترى ثياب جديدة، ويحلق الرجال رؤوسهم، ويقصون أظافرهم.[14] أما في شمال المغرب في مدينة تطوان فيكون الاحتفال بعاشوراء بصوم يومي تاسوعاء وعاشوراء، وشراء الفواكه الجافة، واللعب للأطفال الصغار، والملابس للنساء، ومناسبة لارتداء اللباس التقليدي والتزيين، ويعد الكسكس بقديد عيد الأضحى، كما تكون عاشوراء مناسبة لإخراج الزكاة.

وفي الجنوب في المدينة الحمراء مراكش كانت النساء يصعدن للأسطح للاحتفال بالضرب على آلات الإيقاع والغناء وترديد أهازيج عاشوراء، أو التجمع في الحي أمام أبواب المنازل. ويختتم الرجال والشباب في مراكش هذه الاحتفالات الجماعية وما يرافقها من ألعاب وأهازيج شعبية، بلعبة الدقة المراكشية الشهيرة. وتقام في ساحات أكبر الأحياء، في المدينة القديمة، ويقوم باشا المدينة، بتكريم فرقة الحي التي تفوقت في هذه اللعبة بمنحها هبة مالية، تنظم بها نزهة في حدائق أكدال قد تدوم ثلاثة أيام[15]. أما في منطقة دكالة فكانت الاحتفالات تبدأ في ليلة التاسع من شهر محرم بعد غروب الشمس، حيث تبدأ مباشرة أولى عيد عاشوراء حيث تجمع أكوام الحطب بفناءات كل الدور أو أعتابها وتشعل النار في هذه الأكوام مع استعمال قديدة من عيد الأضحى، وعندما يرتفع لهيب النيران يتلاحق رجال البيت في قفزها، أما النساء والأطفال فينتظرون حتى ينخفض لهيبها، وفي هذه الليلة تجتمع كل الأسر على موائد العشاء لتناول وجبة الدجاج التي تعد خصيصا لهذه المناسبة. وبعد العشاء تعلن الحلقة الثانية عن بدايتها بخروج النساء والأطفال إلى ساحة الدوار حيث يبدأ العزف على الدفوف، والأداء الجماعي لعدد من الأغاني والأهازيج الخاصة بهذه المناسبة. وفي الصباح الباكر من اليوم الموالي لعاشر من محرم قبيل طلوع الشمس تبدأ المرحلة الثالثة المتمثلة في الاستحمام بالماء البارد، حيث يتحول ماء البرك والآبار إلى ماء مقدس زمزم[16]. ولا تختلف الاحتفالات في منطقة بزو عن منطقة دكالة حيث يقوم أطفال المنطقة مع بداية شهر محرم بجمع الحطب وتخزينه في أماكن آمنة استعدادا للحدث الكبير، وهو يوم الشعالة حيث يتنافس أبناء الدواوير حول من ستبقى شعلته متقدة إلى وقت متأخر من الليل. ومن عادات الأطفال كذلك عندما يجمعون الحطب يحمل كل واحد حصته، وفي طريق عودتهم إلى قريتهم ينتظمون في صف منتظم مرددين أهازيج محلية. أما البنات فيبدأ الاحتفال عندهن بصنع دمية من قصب يسمونها سيدي عاشور وتلبسنها الجلباب والعمامة والحذاء ثم تنتقلن به طارقات الأبواب يطلبن بعض الهدايا من أسر القرية[17]. كذلك في منطقة الرحامنة تكون الاحتفالات بالغناء والضرب على آلات الإيقاع وإشعال النار والقفز فوقها، ومن عاداتهم في عاشوراء، أن الناس لا يطبخون شيئا يلزم فيه الكسكاس. بل إنهم في كثير من المناطق لا يطعمون في هذا اليوم غير الأشياء الجافة من القمح وفول وحمص، أما في اليوم الموالي فإنهم يطعمون الكسكس ذا السبع خضاري والزبدة والعسل والشفنج وغيرها من الأطباق الشهية. وإذا التقوا بعضهم تبادلوا المتمنيات بأن تكون السنة الهجرية سعيدة.[18] كذلك في واحة تسينت بمناسبة عاشوراء لا يشعلون النار للطبخ لمدة ثلاثة أيام معتقدين في ذلك أنه إذا تم إشعال النار للطهي فإن البيت سيحرق، وغالبا هي من بقايا المعتقدات اليهودية بالواحة خاصة أن اليهود لم يكن لهم ملاح بل عاشوا بين السكان في القصر.

أما في سوس فكان الشباب يخرجون مجموعات خارج قُراهم، فينادون -فيما زعموا- على الذئب أن يبعد عن غنمهم فيبنون هناك أحجارا في محلات ثم يرجع الجميع وهم يغنون غناء معلوما محفوظا متوارثا إلى أن يصلوا القرية فيبيتون على لعب أحواش[19]. وفي إينولتان يالأطلس الكبير يقيمون أسواقا خاصة بمناسبة عاشوراء يتزودون منها بأنواع الملابس والفواكه، ويحرقن البخور ويضعن الحناء. وفي هذه المناسبة تشعل النيران في أكوام من الحطب أمام الدور ليلا. وفي الغد يخرج ويشكلون عصابات تتأمر على بعض الأفراد، وتلقي بهم في المياه الجارية في السواقي.[20]

كما تكون عاشوراء مناسبة لإقامة الاحتفالات في الزوايا والأضرحة الدينة وإن كانت أقل حدة مقارنة مع عيد المولد النبوي، حيث تحيي الطائفة العيساوية في مكناس وباقي مناطق المغرب ليلة عاشوراء عبر عدة احتفالات موسيقية وطقوس منها لعبة الجمل والجمال حيث يصارع الجمال جمله غير المروض، ويلاعبه إلى أن يرضخ.[21] أما في الريف الأوسط والريف الشرقي كان المرابطون ومعهم سكان المنطقة يحرصون على إحياء هذه المناسبة في الأضرحة، وترجع هذه المناسبة في الريفين الأوسط والشرقي إلى تاريخ بعيد، فقد أشار البادسي إلى أن عباد بقوية كانوا يجتمعون ليلة عاشوراء في الرابطة المعروفة بأم أيمن[22]

أما حفظة القرآن في الكتاتيب القرآنية التقليدية فيلبسون الجلباب المغربي ويحملون ألواحهم بشكل جماعي، ويتجولون في القرى والأحياء لجمع الهبات والصدقات التي تكون من النقود والبيض حسب كل منطقة من  مناطق المغرب.

أكلات مغربية في عاشوراء

عدل

تتميز مناسبة عاشوراء في المغرب عامة بإعداد وجبة الكسكس بذيل الخروف والقديد المتبقي من عيد الأضحى إلى جانب تناول الشاي مع الفواكه الجافة وحلويات تسمى القريشلات إلا أنه من منطقة لأخرى يتم إعداد وجبات أخرى، وهو ما يبرز تعدد وتنوع المطبخ المغربي، وغنى الثقافة المغربية ففي المناطق الأمازيغية تعد ربات البيوت تاگـلا العصيدة إلى جانب أكلة أوركيمين وخبز تفرنوت، وفي طاطا يتم إعداد الكسكس بأرجل أضحية عيد الأضحى، وفي تارودانت يتم إعداد حساء شرشم يتكون من القمح والذرة والفول، ماء الماء والزيت والقديد، وفي تافيلالت يتم تحضير طبق يتكون من القديد والفول والحمص وفي الصويرة ونواحيها يتم إعداد مزين بمختلف الفواكه الجافة والحلويات والبيض المسلوق، أما في بعض المناطق فيكون الاحتفال بإعداد الثريد بالدجاج البلدي،  وإلى جانب الاحتفال باعداد هذه الأطباق يتم إعداد أكلات شعبية أخرى تختلف  حسب المناطق المغربية كالإسفنج، الفطائر، ومختلف أنواع الحلويات.

بابا عايشور

عدل

يعتبر بابا عايشور الشخصية التي ترتبط بمناسبة عاشوراء في المغرب، وهي شخصية أسطورية لها أسماء متعددة حسب المناطق المغربية، وهي شخصية توازي شخصية بابا نويل في الثقافة المسيحية، وارتبط بابا عايشور في المغرب كذلك بالهدايا حيث يتلقى فيه الأطفال من أسرهم هدايا مختلفة عبارة عن لعب وملابس جديدة، كما أنهم أثناء اللعب والاحتفال بليلة عاشوراء يطوفون على البيوت ويتعرضون المارة طلبا لحق بابا عايشور الذي يكون عبارة عن قطع من المال يقدم لهم.

وشخصية بابا عايشور معروفة بعدة أشكال بالمغرب منها أنه رجل عجوز يرتدي سروال فضفاض، وينتعل في قدمه خف حذاء تقليدي، ويغطى بالقفطان فالسلهام الأنيق العباءة، في حين تعلو رأسه قبعة عالية مزركشة، إضافة إلى المحفزة والعكاز[23]. ومنذ سنة 2006 بدأ الفنان المسرحي المغربي محمد صوصي علوي هاشم يتقمص شخصية بابا عايشور لإحيائها وتعريف الجيل الحالي بها.

الفرجة الشعبية في عاشوراء

عدل

في عاشوراء الكل يحتفل في المغرب رجالا ونساء صغارا وكبارا داخل البيت في الأسطح وحتى خارجه في الأزقة والشوارع والقرى والمداشر، بل وتتحول هذه الاحتفالات في كثير من الأحيان إلى كرنفالات، وإذا كانت احتفالات عاشوراء يكون إحياؤها بترديد الأهازيج الشعبية والضرب على آلات الإيقاع مثل الطعريجة، البندير، الدربوكة، الطبل، والقفز على النيران، فهي أيضا مناسبة للاحتفال عبر مختلف أنماط الموسيقى والرقص الشعبي المغربي المحلي، والتي تتنوع بتنوع المناطق المغربية، فمثلا في مراكش يتم الاحتفال بفن الدقة المراكشية، وفي مناطق سوس فيكون الاحتفال بلعب أحواش، وفي الأطلس المتوسط بفن أحيدوس، أما في تارودانت فالاحتفال بعاشوراء يكون بفن الملحون. وإلى جانب الرقص والموسيقى الشعبية فعاشوراء في المغرب تكون مناسبة للاحتفال بها بأشكال مختلفة من المسرح الشعبي المغربي، ففي مناطق الريف يحتفى بهذه المناسبة بمسرحيات با شيخ ، أما في بعض المناطق فيتم إقامة بوجلود حيث يقوم مجموعة من شباب بارتداء جلود الغنم أو الماعز ويضعون أقنعة ويقيمون تمثيليات، وفي تزنيت يخرج الشباب إلى الأزقة والشوارع في موكبهم يغنون ويرقصون يرتدون ملابس تنكرية ذات تصاميم غريبة[24]. أما في فاس فكان جنود الجيش الملكي ينظمون استعراضا هزليا يدعى البساط، يجري بدار المخزن ليلة عاشوراء، وفي الأيام التالية عند الأعيان في مقابل هدايا[25]

زمزم

عدل

في الصباح الباكر لليوم التالي لعاشوراء تكتمل الاحتفالات باقامة مهرجان شعبي ضخم يكون في جميع أرجاء المغرب هو زمزم الذي يتراشق فيه الشباب والأطفال فيما بينهم بالماء، كما يغتسل فيه الرجال والنساء بالماء، أما الأمهات فيقمن بغسل وجوه ورؤوس أبنائهن، وترش النساء الماء في أرجاء المنازل، أما في البوادي فيقوم الناس برش حظائر المواشي بالمياه، وفي بعض المناطق يقوم الشباب بإلقاء بعضهم البعض في الأنهار والجداول، وذلك طلبا لبركة هذه المياه المقدسة التي يعتبرون أن جميع المياه فوق سطح الكرة الأرضية ترتبط ببئر زمزم وتستمد خصائصها من مياهه.

تفسير أصل الاحتفال بمناسبة عاشورء في المغرب

عدل

تعتبر عاشوراء أكبر موسم احتفالي بالمغرب الذي يبدأ من فاتح السنة الميلادية إلى العاشر من شهر محرم بل وأحيانا يتعداه، كما تتميز عاشوراء بالمغرب بتعدد الطقوس والعادات والتقاليد، وحتى المعتقدات الشعبية، وهو الأمر الذي دفع الكثير من العلماء والباحثين المغاربة وحتى الأجانب إلى محاولة تفسير أصل احتفال المغاربة بعاشوراء، فمنهم من رأى أن أصل الاحتفال مسيحي ودليلهم في ذلك التشابه بين رأس السنة الميلادية وعاشوراء التي تأتي بعد عشرة أيام من فاتح السنة الهجرية خاصة فيما يتعلق بعادة شراء الألعاب والحلويات للأطفال الصغار وارتباط شخصية بابا عاشور بعاشوراء في مقابل شخصية بابا نويل برأس السنة الميلادية، كما أن الاغتسال بالمياه يوم زمزم يشبه إلى حد كبير طقس التعميد في الديانة المسيحية. وهناك من رأى أن مظاهر ابداء الفرح والبهجة والسرور بشراء ملابس جديدة، والفواكه الجافة، وتقديم الحلوى والألعاب للأطفال في عاشوراء هي من التأثيرات الأندلسية بالمغرب خاصة وأن نفس العادات كانت في الأندلس. في حين هناك من رأى أن أصل الاحتفال بعاشوراء هو شيعي يعود إلى بقايا التشيع بالمغرب، وأن عادة شراء الألعاب للأطفال ما هو إلا محاولة من الآباء والأمهات لإلهاء صبيانهم في ذلك اليوم عن التفكر في قضية سيدنا الحسين حتى لا يكثروا النواح عليه[26]. كما أن بعض الأهازيج الحزينة التي تتغنى ببابا عاشور الذي ما هو في الحقيقة إلا الحسين عليه السلام، بل وكانت عدة جموع من الشرفاء في فاس يتخذون الحداد بعضهم من فاتح محرم وبعضهم شهرا كاملا قبل عاشوراء[27]. وهناك من أرجع أصل الاحتفال بعاشوراء بالمغرب إلى التأثير اليهودي خاصة أن اليهود كذلك يحتفلون بهذه المناسبة أيضا، كما أن العنصر اليهودي يحضر في تجسيد بعض أشكال المسرح الشعبي خاصة في الجنوب المغربي. كما أنه في واحة تسينت بطاطا يكون احياء عاشوراء بعدم اشعال النار في البيت والطبخ يوم عاشوراء. في حين اعتبر فريق أخر أن مجموعة من الطقوس والتقاليد والمعتقدات الشعبية كالاعتقاد في الجن، البركة، السحر، والكرنفالات، المرتبطة بعاشوراء من البقايا الوثنية للمعتقدات الدينية القديمة التي كانت بالمغرب كالديانة القرطاجية، والفينيقية، والأمازيغية، والديانة العربية القديمة. فمثلا عالم الاجتماع الفنلندي إدوارد ويسترمارك اعتبر أن عاشوراء طقس شمال إفريقي مستندا في رأيه إلى أن المشرق العربي لا يعرف مهرجان عاشوراء وثانيهما الشبه الكبير الموجود بين هذا المهرجان وطقس منتصف الصيف[28] الذي كان في شمال إفريقيا في القديم. ويظهر أن عاشوراء في المغرب هي بوتقة لتأثير جميع الحضارات والديانات، وحتى الدول التي تعاقبت على حكم المغرب.


[1]- إبراهيم القادري بوتشيش، 1993، المغرب والأندلس في عهد المرابطين، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت.

[2] - حسن نجمي، 2007، غناء العيطة الشعر الشفوي والموسيقى التقليدية في المغرب، الجزء1، دار توبقال، الدار البيضاء.

[3] - إبراهيم القادري بوتشيش، 1992، ظاهرة التسول في المغرب والأندلس خلال عصر المرابطين والموحدين، مجلة مكناسة، ع 6، جامعة مولاي إسماعيل، مكناس.

[4]- إبراهيم القادري بوتشيش، المغرب والأندلس في عهد المرابطين، مرجع سابق.

[5] - علي بن أبي زرع الفاسي، 1972، الذخيرة السنية في تأريخ الدولة المرينية، دار المنصور، الرباط.

[6] - أبو العباس الونشريسي، 1981، المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوي أهل إفريقية والأندلس، أخرجه محمد حجي وآخرون، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الرباط.

[7] - أبي فارس عبد العزيز الفشتالي، 1986، مناهل الصفا في مآثر موالينا الشرفا، تحقيق عبد الكريم الكريم، مطبوعات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والثقافة.

[8]- Edmond Douté, 1909 Magie et Religion en Afrique du Nord, Alger.

[9] - إبراهيم حركات، 1994، المغرب عبر التاريخ، الجزء 3، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء.

[10] - عبد الرحمان بن زيدان، 1961، العز والصولة في معالم نظم الدولة، الجزء 1، مطبوعات القصر الملكي، الرباط.

[11] - المرجع نفسه.

[12]- محمد الضعيف الرباطي، 1986، تاريخ الضعيف تاريخ الدولة السعيدة، تحقيق أحمد العماري، دار المأثورات، الرباط.

[13] - عبد الله السويسي 1979، تاريخ رباط الفتح، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، الرباط.

[14] - روجي لوطورنو، 1992، فاس قبل الحماية، ترجمة محمد حجي الجزء 2، دار الغرب الإسلامي، بيروت.

[15] - عبد السلام السعيدي، 2003، عاشوراء بالمغرب، معلمة المغرب، الجزء 17، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، سلا، بتصرف.

[16] - عبد الغني منديب، 2006، الدين والمجتمع دراسة سوسيولوجية للتدين بالمغرب، إفريقيا الشرق، الدار البيضاء. بتصرف

[17] - المصطفى فرحات، 2007، طقوس وعادات أهل أبزو المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط. بتصرف

[18] - إدموند دوتي، مراكش، ترجمة عبد الرحيم حزل، منشورات مرسم، الرباط بتصرف.

[19]- المختار السوسي، المعسول، الجزء 1.

[20] - أحمد التوفيق، 2011، المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر، إينولتان 1850-1912، ط3، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية الرباط.

[21] - نور الدين الزاهي، 2011، المقدس والمجتمع، إفريقيا الشرق، الدار البيضاء.

[22] - مراد جدي، 2010، تحولات التدين الشعبي بالريفين الأوسط والشرقي، جامعة محمد الأول، وجدة.

[23]- https://www.alquds.co.uk/%D8%A8%D8%A7%D8%A8%D8%A7-%D8%B9%D9%8A%D8%B4%D9%88%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%B7%D9%82%D9%88%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%A7%D8%B1%D8%A8%D8%A9-%D9%84/

[24]- https://soussplus.com/35512.html

[25] - روجي لوطورنو، 1992، فاس قبل الحماية، ترجمة محمد حجي الجزء 2، دار الغرب الإسلامي، بيروت، بتصرف.

[26]- أبو العباس أحمد الرهوني، 2001، عمدة الراوين في تاريخ تطاوين، الجزء 2، تحقيق جعفر ابن الحاج السلمي، منشورات جمعية تطاون أسمير، تطوان.

[27] - روجي لوطورنو، 1992، فاس قبل الحماية، ترجمة محمد حجي الجزء 2، دار الغرب الإسلامي، بيروت، بتصرف.

[28]- عبد الغني منديب، 2006، الدين والمجتمع دراسة سوسيولوجية للتدين بالمغرب، إفريقيا الشرق، الدار البيضاء.