البهائيون في لبنان

يعود تواجد البهائيّين في لبنان إلى نهايات القرن التّاسع عشر عندما وفد اليه عددٌ منهم واستقروا فيه. بعد فترةٍ من إقامتهم في لبنان والتّفاعل مع أبنائه، اعتنقت عدّة عائلات لبنانية بمبادئ وتعاليم الدين الجديد، وبذلك صار البهائيّون، مع نهاية القرن التّاسع عشر، متواجدين في معظم مدن لبنان.[1]

زار عبد البهاء  [2] بيروت أكثر من مرّة؛ كانت أولاها تلك الّتي قام بها في صيف عام 1887 عندما التقى برجالات المدينة من أدباء وصحافيين ورجال دين وأفراد من العائلات اللبنانية المعروفة، فتوطّدت بين الطّرفين أواصر المحبّة والألفة، [3] وعبّر عدد منهم عن احترامهم وتقديرهم لشخص عبد البهاء والمبادئ الّتي كان يدعو إليها في كتب ورسائل ما زالت موجودة، وبعضُها منشورٌ، حتّى يومنا هذا.[4][5][6]

بدأ عدد البهائيّين يتزايد في لبنان منذ مطلع القرن العشرين، خاصّةً وأنّ مجموعةً من الطلاب البهائيّين المقيمين في بيروت ومن القادمين إليها من الخارج التحقوا بالجامعة اليسوعيّة وكذلك بالكليّة الإنجيليّة السّوريّة

(الجامعة الأميركية) للدّراسة. كان  شوقي أفندي [7] حفيد عبد البهاء، من بين الطّلاب البهائيّين الّذين درسوا في تلك الجامعة خلال تلك الفترة. كما انتقل إلى لبنان بعض العائلات البهائيّة من البلدان القريبة للعمل، فاستقرّوا فيه، ومع مرور الأعوام صاروا جزءًا لا يتجزّأ من المجتمع اللّبناني.

يعيش الآن العائلات البهائية في شتّى المناطق اللّبنانيّة وهم من مختلف الخلفيّات الاجتماعيّة والمذهبيّة والعائليّة؛ فالبهائيون جزءٌ من نسيج هذا الوطن، وهم يساهمون بما لديهم من موارد وطاقات متواضعة للعمل مع أبناء مجتمعهم من أجل مشاركتهم بقِيَمٍ روحانية تساعدهم ليعملوا معاً على خدمة وطنهم بكل إخلاص مدفوعين بحبّهم للإنسان وللوطن الّذي يعيشون فيه.

ما يؤمن به البهائيون

يومنون بأن بهاء الله [8] صاحب رسالة سماوية أنزلها الله في هذا العصر من أجل توحيد العالم في ظلّ مدنيّة إلهيّة جامعة، ويؤمن بها اليوم الملايين من أبناء البشر في شتّى أصقاع العالم ومن مختلف الجنسيات والأعراق والمشارب. كما أنّه لا يمكن تحقيق وحدة العالم الإنساني إلاّ بقيام تعاون وثيق بين جميع أولئك الذين يسعون بإخلاص لتوحيد العائلة الإنسانيّة، بغضّ النّظر عن إنتماءاتهم العقائديّة ومشاربهم الفكريّة، مع التّأكيد على أنّ سعي البهائيّين لتوحيد العالم الإنساني لا يتعارض، إطلاقًا، مع محبّتهم ووفائهم لأوطانهم، ومع حسّهم بوجوب صرف طاقاتهم في خدمة البلاد الّتي يعيشون فيها والمجتمعات الّتي ينتمون إليها.[9]

يؤمن البهائيّون أيضاً بوحدانية الله، وبالتّالي يعتقدون اعتقادًا راسخًا بأنّ الأديان الّتي بعثها الله الواحد، لراحة البشريّة وخلاصها، هي أيضًا واحدة في جوهرها وغاياتها وإنْ كانت متباينة في تفاصيل أحكامها وشرائعها الّتي تتباين باختلاف الأزمنة والأمكنة الّتي تظهر فيها، وتتغيّر مع تطوّر الثّقافات والحضارات والظّروف الّتي تتحكّم بمسارات التّاريخ البشري.

وقد دعا بهاء الله أهل العالم، في هذا العصر، إلى نبذِ التّعصبات بجميع أشكالِها الدّينية والعرقية والطَبَقيّة والسّياسيّة؛ [10] فالبهائيون يفخرون بأوطانهم وانتمائهم لأرضهم أينما وجدوا، وهم يعملون متّحدين متّفقين على كلّ ما من شأنه توطيد أواصر الوحدة بين أبناء البشر إلى أن تتحقّق وحدةُ العالم الإنساني ويعمّ السّلام أرجاء الأرض. على كل انسان يأمل في مستقبل يُشرق بنور الاتّحاد والاتّفاق وتخمد فيه نيران الضّغينة والبغضاء، أن يأخذ بيد أخيه الإنسان للسّير معًا نحو تحقيق هذا الهدف الّذي نحتاج إليه في زمننا هذا أكثر من أيّ زمنٍ مضى.

كما يؤمن البهائيون بمبادئ العدل والإنصاف [11] في عالمٍ مزدهرٍ مادياً وروحياً يتمتع أفرادُ المجتمع فيه بروابط الألفة والمحبة والاتحاد. لهذا يسعون أينما وُجِدوا إلى تطبيق تعاليمِ دِينِهم ومبادئِه [12] في حياتهم اليومية، ويتشاركون مع إخوانهم في الوطن في واجبِ الخدمةِ لمجتمعاتهم وأوطانهم لما فيه الخير والصلاح، متمثّلين بقول بهاء الله: "كًلُّكم أثمارُ شجرةٍ واحدةٍ وأوراقُ غصنٍ واحد"، و"ليسَ الفخرُ لحبِّكم أنفسِكُم بل لحبِّ أبناءِ جنسِكم".

يسعى البهائيّون في لبنان، وبمعيّة إخوانهم وأخواتهم في هذا الوطن، إلى بث روح الوحدة والائتلاف والمحبّة الجامعة والخدمة للمجتمع، عسى أن يكون لهذا الوطن الصّغير بمساحته والكبير بدوره الإنسانيّ مساهمةٌ مؤثّرة في تأسيس دعائم الاتّحاد والاتّفاق والسّلام.

جبران خليل جبران وعلاقته بالبهائية وعبدالبهاء

تعود علاقة جبران بالدّين البهائي وبالبهائيّين إلى عام 1910 عندما انتقل للسّكن في نيويورك، والّتي بقي فيها حتّى وفاته عام 1931. كان يسكن في منطقة مانهاتن غرينويتش، مقابل بيتٍ كانت تسكنه بهائية أمريكيّة هي جوليت تومسون. كانت جوليت، مثل جبران، فنّانة تتقن الرّسم والكتابة، فنشأت بينهما صداقة تعرّف من خلالها على رسالة  بهاء الله، واطّلع على كتاباته العربيّة الّتي وصفها لجوليت بأنّها "أسمى أنواع الأدب المحيّر للألباب" . توطّدت أواصر الصّداقة بين الفنّانين حتّى وفاة جبران، وقد كانت جوليت إلى جانبه في اليوم الّذي فارق فيه الحياة.

[13]صل عبد البهاء إلى نيويورك في 11 نيسان 1912، وكان جبران من أوائل الّذين التقوا به في منزل جوليت. كان عبد البهاء آنذاك في الثّامنة والسّتّين من عمره، فيما كان جبران في ربيعه التّاسع والعشرين.بعد أربعة أيّام من قدوم عبد البهاء إلى نيويورك، وصل خبر غرق سفينة تيتانيك، فغمر جبرانَ الحزنُ لأنّ أكثر من خمسين لبنانيًّا كانوا من بين الغرقى. ذهب في ذلك اليوم للقاء عبد البهاء، ودعاه لإلقاء خطبة أمام جمعيّة "الحلقة الذّهبيّة"في نيويورك عن وحدة الأديان.[14]

في 19 نيسان، وكان اليوم الأخير لزيارة عبد البهاء الأولى لنيويورك، حضر جبران إلى بيت جوليت الّتي توسّطت له عنده حتّى يسمح لجبران برسم لوحة له، فبقي جبران في محضره مدّة ساعة يتبادلان أطراف الحديث، وبعدها رسم لوحة لوجه عبد البهاء ما زالت موجودة في متحفه حتّى يومنا هذا. بعدما أنهى جبران الرسم ، ذكر لجوليت أنّه: "لأوّل مرّة أشاهد هيكل إنسان على قدر من النّبل يجعله أهلاً ليحلّ فيه الرّوح القدس". بعد أعوام من لقاء جبران عبد البهاء، وعندما كان يكتب كتابه (يسوع ابن الإنسان)، نقلت جوليت عنه قوله لها إنّ شخص عبد البهاء كان موجودًا في مخيّلته.[15]

وصف جبران عبد البهاء لماري هسكل بقوله: "إنّه رجلٌ عظيمٌ جدًّا. إنّه رجلّ كاملٌ؛ ففي أعماق روحه عوالم، وما أروع صفحة وجهه، وما أجمل ذلك الوجه الصّادق كلّ الصّدق، المليح كلّ الملاحة".

خلال الأسبوع الّذي أمضاه عبد البهاء في نيويورك،حضر جبران ثلاثة اجتماعات عامّة ألقى فيها  عبد البهاء خطابات تدعو إلى الوحدة والسّلام، وكان يقوم جبران أحيانًا بترجمة أحاديثه للجمهور إلى الانجليزيّة.

بعد مضيّ سنوات على لقاء جبران بعبد البهاء، اجتمع البهائيّون في نيويورك، ذات مساء في قاعة المركز البهائي في المدينة، لمشاهدة فيلم متحرّك يعرض زيارة عبد البهاء لأمريكا. حضر جبران إلى ذلك الاجتماع، وكان يجلس إلى جانب جوليت في الصّفّ الأمامي، وعندما شاهد عبد البهاء يتحرّك أمامه على الشّاشة أجهش بالبكاء. عندها طلب الحضور منه إلقاء كلمة في المناسبة، فقام على التّوّ ووقف على المنصّة، فيما كانت عيناه تغرورقان بالدّموع، وخاطب جمهور البهائيّين الأمريكيّين قائلاً لهم: "أُعلن أنّ عبد البهاء هو مظهر الله في هذا اليوم"، ولم يَزِدْ على ذلك أيّ شيء، وكانت دموعه ما تزال تنهمر، فنزل عن المنصّة وعاد للجلوس إلى جانب جوليت، فأمسك بيدها، وقال لها: "لقد فَتَحْتِ أمامي بابًا في هذه اللّيلة"، وغادر بعدها القاعة. [16]


المراجع

  1. ^ "الدين البهائي - الموقع الإلكتروني للجامعة البهائية حول العالم". www.bahai.org. اطلع عليه بتاريخ 2023-02-21.
  2. ^ {{استشهاد ويب https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%87%D8%A7%D8%A1 | title = حضرة عبدالبهاء | ما يعتقد به البهائيون | website = www.bahai.org | accessdate = 2023-02-21 }}
  3. ^ وندي مؤمن و موجان مؤمن (2009). فهم الدين البهائي (ط. الأولى). الفرات للنشر والتوزيع. ص. 317. ISBN:9953-417-65-2.
  4. ^ "حضرة عبد البهاء في صحف بيروت | البهائيون في لبنان". www.bahaileb.org. اطلع عليه بتاريخ 2023-02-21.
  5. ^ "حضرة عبد البهاء في صحف بيروت | البهائيون في لبنان". www.bahaileb.org. اطلع عليه بتاريخ 2023-02-21.
  6. ^ "حضرة عبد البهاء في صحف بيروت | البهائيون في لبنان". www.bahaileb.org. اطلع عليه بتاريخ 2023-02-21.
  7. ^ "حضرة شوقي أفندي | ما يعتقد به البهائيون". www.bahai.org. اطلع عليه بتاريخ 2023-02-21.
  8. ^ "حضرة بهاء الله | ما يعتقد به البهائيون". www.bahai.org. اطلع عليه بتاريخ 2023-02-21.
  9. ^ "تراثنا الروحي". www.daralsaqi.com (بالإنجليزية). Retrieved 2023-02-21.
  10. ^ "BAHĀʾ-ALLĀH". Encyclopaedia Iranica Online. اطلع عليه بتاريخ 2023-02-21.
  11. ^ الأفرانى، الشاذلى؛ الشيباني، مصباح (2015). "المساواة والعدل في الميراث". مجلة مسارات: 338. DOI:10.37401/1536-000-003.004-021.
  12. ^ "ما يعتقد به البهائيون | الدين البهائي". www.bahai.org. اطلع عليه بتاريخ 2023-02-21.
  13. ^ سهيل بديع بشروئي (2010). عباس أفندي (ط. الثانية). لبنان: دار الجمل. ص. 130-132.
  14. ^ "هل اعتنق جبران خليل جبران الديانة البهائية؟". رصيف 22. 2 أغسطس 2017. اطلع عليه بتاريخ 2023-02-21.
  15. ^ سهيل بديع بشروئي (2010). عباس أفندي (ط. الثانية) (ط. الثانية). لبنان: دار الجمل. ص. ص. 130-132.
  16. ^ "Juliet Remembers Gibran". bahai-library.com (بالإنجليزية الأمريكية). Retrieved 2023-02-21.