مستخدم:Hadi sahari/ملعب

== قصور السحاري ==- نبذة عن قصور الجلفة :

قصور بلاد أولاد نايل كانت منتشرة على مساحتها الشاسعة من بوغار شمالا الى الأغواط وتقرت جنوبا إلى بوسعادة وحدود بلاد الزيبان شرقا إلى جبال العمور غربا. ولو يعود بي التاريخ إلى سنة 1974 وقيل لي ماهي البلدية التي ترشحها لتحتضن عاصمة بلاد أولاد نايل لقلت دون تحرّج يجب أن تكون أيّ قصر من قصورها التاريخية الاّ المركز الاستيطاني الذي أنشأه الجنرال السفاح يوسف سنة 1851 ... ولتكن ولاية مسعد أو ولاية زنينة أو ولاية الشارف أو ولاية حد السحاري ... لأن الأمر يتعلق بامتداد تاريخي يجب أن تحظى به الولاية بما يحمل ذلك من تراث وتاريخ مجيد ودور إشعاع حضاري يمتد عبر العصور وليس أن يَختزل الولاية عند تاريخ قريب جدا.

وعند الحديث عن الدور الحضاري لقصور بلاد أولاد نايل يأتي في طليعة اهتمامات كل باحث دور الزوايا والتعليم القرآني الذين حافظ بهما السكان على الهوية الإسلامية العربية الأصيلة للمنطقة. وأمامنا اليوم قصرا "زنينة" و"بن يعقوب" الذين ذاع صيتهما بفضل الزاويتين اللتين احتضناها خلال العهد العثماني وهو ما كان ديدن قصور الشارف ومسعد والبرج ودمّد.

1-1:قصري زنينة وبن يعقوب:

ولمن لا يعلم فإن قصري زنينة وبن يعقوب يقعان في الجهة الغربية لبلاد أولاد نايل ويكتسيان أهمية إستراتيجية كونهما في الطريق نحو جبال العمور أين تشكل زنينة آخر نقطة من بلاد أولاد نايل بينما قصر بن يعقوب يحد الغطاء الغابي الكثيف المعروف بجبل السحاري الظهراوي. والأكيد أن زنينة رفقة عمورة تعتبران من أقدم القصور على الإطلاق في منطقتنا في حين أن "بن يعقوب" حديث النشأة مقارنة بزنينة. ورغم أن قصر "بن يعقوب" سابق لعهد الاحتلال الفرنسي إلا أننا سنجده شبه غائب في التقارير الفرنسية أو ربما هو ضمن تلك الإحصائيات التي تجمع "أهل زنينة وأولاد سيدي يونس" ككل واحد.

و"بن يعقوب" هي موطن قبيلة أولاد سيدي يونس وتقع على الطريق الجنوبية الرابطة بين قصري زنينة والشارف وقد عمّرها وعاش بها الولي الصالح "سيدي محمد بن يعقوب" وهي مسقط رأسه. و"قرية بن يعقوب" هي التي أسسها والده صاحب الجاه والسلطان والولاية سيدي يعقوب بن أحمد وذلك خلال الدولة العثمانية وبالضبط ما بين 1630 و1720م. وتشير الروايات الشفهية إلى أن "سيدي محمد بن يعقوب" قد بنى بقريته زاوية للتعليم القرآني. ولعل هذا القصر قد لعب دوره الحضاري اقتداء بالقصرين المجاورين له وهُما الشارف وزنينة الذين سبقاه نشأة وتعليما قرآنيا.

أما زنينة وكما أشرنا اليه فهي حسب المجلة الافريقية قصر قديم جدا وأن تسميته نسبة إلى امرأة عاشت فيه قبل عهد النبوة. وبعد الإسلام سكنه "بنو البدارنة" ثم حلّ به سيدي امحمد بن صالح. وبين قوسين فإننا سنؤخر الحديث عن "البدارنة" وأوائل سكان باقي القصور الى موضوع آخر لأن الأمر يتعلق بقبائل الزناتة التي كثيرا ما تتناولها كتابات إيديولوجية وتتبنى طرحا وحيدا وهو أن الجيتول أو "زناتة الصحراء" هم بربر (la Bérbérisation) وفي نفس الوقت يتم تجاهل الدراسات التي تقول بأنهم عرب هاجروا في فترات غابرة من فلسطين وسوريا وهناك العديد من المصادر والروايات التي تتحدث عن هذا الموضوع مثل ابن خلدون وابن أبي الزرع والميلي والسنوسي وغيرهم.

وخلال فترة نهاية القرن الخامس عشر الى بدايات القرن السادس عشر كان قصر زنينة يعج بحركة الطلبة المتوافدين على زاويته. ففي هذه الفترة أنشأ "سيدي امحمد بن صالح" زاويته التي صارت مقصدا لكل راغب في التزود بعلوم القرآن. ومن بين هؤلاء سنجد "سيدي علي بن محمد" الجد الأول للعبازيز الذي نزل على سيدي امحمد بن صالح ثم أنشأ زاويته في قصر "تيولفين". إلا أن زاوية زنينة ظلت تستقطب جموع الطلبة إلى أن تأسس قصر الشارف وزاويته بعد ذلك بحوالي قرن واستطاعت زاوية "سيدي عبد العزيز الحاج" أن تنافس زاوية زنينة.

وخلال العهد العثماني سنجد غزوة لباي وهران على زنينة ووصفا رائعا لأهل هذا القصر في كتاب ابن هطال التلمساني عن رحلة باي وهران "محمد الكبير" سنة 1785. فوصف الكاتب أهل زنينة بأنهم "أعراب لا حكم عليهم لأحد" وأنهم "أصحاب قوة وعدّة وعزة" وذكر شيئا من شجاعتهم أمام باي وهران وإيثارهم الفرار من مدينتهم على الاستسلام له أو طلب الأمان. وأنهم قبل هذه الحادثة كانوا قد طردوا باي التيطري وقتلوا له رجلين. كما ذكر ابن هطّال  في رحلته أن الأتراك عندما هاجموا "زنينة" وجدوا فيها ما يمكن اعتباره دلائل على تجارة كانت قائمة بالمدينة. حيث غنموا منها السمن والقماش والغرائر يُضاف إلى ذلك مطامر القمح والشعير.

ولا بأس أن نشير هنا إلى أنه مثلما كان خليفة الأغواط "أحمد بن سالم" هو الذي قتل خليفة الأمير عبد القادر "الحاج العربي" وقبلها طرد خليفة الأمير "عبد الباقي" سنة 1843 ودعوة الجنرال الفرنسي ماري مونج الى المنطقة ورافقه في جولته بها سنة 1844، فإن سبب غزو "زنينة" و"الشارف" سنة 1785 من طرف باي وهران هو مراسلته من طرف والد "أحمد بن سالم" مرتين من أجل أن يسانده على رئاسة قصر الأغواط أمام خصومه "أولاد سرغين" ... فكان من نتائج ذلك غزو ونهب زنينة.

وفي عهد الاحتلال الفرنسي، كان لزنينة دور محوري في المقاومة حيث تشير كتابات العقيد تروملي الى وجود الأمير عبد القادر بقصر زنينة سنة 1836 في سياق حديثه عن تعيين الحاج العربي كخليفة له على قصر الأغواط. وهكذا ظلت زنينة وفية للأمير عبد القادر حتى في أيام ضعفه ومطاردته من طرف الجنرال يوسف. فالجنرال يوسف قد عاقب بشدّة سكان قصري زنينة وسيدي بوزيد بسبب دعمهم للأمير واعتبر ذلك دليلا عدائيا ضد فرنسا. بينما تشير المصادر إلى أن أهل زنينة استقبلوا حملة الجنرال يوسف بإطلاق النار عليها فأحرقها يوم 22 مارس 1846 وارتكب فيها مجزرة استشهد فيها ثلاثون مواطنا من أهلها نظير استقبالهم للأمير وإيوائه ثم تعطيل الفرنسيين عن اللحاق به.

ويجدر التذكير أن العمليات التي تم توجيهها نحو قبائل وقصور بلاد أولاد نايل خلال سنة 1846 كانت تدخل ضمن "نظام لامورسيار" نسبة إلى اسم الجنرال الفرنسي الذي وضعه. ويذكر دي باراي أن هذا النظام كان يقضي بتوجيه حملات تلو الأخرى نحو المناطق الداخلية وأن يتم تغذية الحرب بالحرب وأن تموّن الحملات نفسها بنفسها (أي السماح بالنهب والمصادرة وفرض الغرامات الحربية على أوسع نطاق) وأن يتم ضرب مصالح العرب دون توقف إلى أن يطلبوا الأمان.

وفي نفس الفترة سنجد ذكرا لعرش أولاد سيدي يونس دون تفاصيل حول مجزرة أو معركة راح ضحيتها 30 طالب يتبعون الشيخ السنوسي سنة 1847. ورغم عدم توفر التفاصيل حول هذه الحادثة إلا أنها توحي ألينا بأن أهل قصري زنينة وبن يعقوب قد يكونون التحقوا بزاوية الشيخ السنوسي التي أسسها في قصر مسعد ما بين سنتي 1819 و1830 قبل أن يغادر في رحلته الشهيرة نحو بوسعادة ثم القاهرة ثم الحجاز ... فهل كان طلبة أولاد سيدي يونس معه في رحلته؟ أم أن الأمر يتعلق بعلاقة الصداقة التي كانت تربط بين الشيخ السنوسي وشهيد الزعاطشة الحاج موسى بن الحسن المدني الدرقاوي الشاذلي المصري؟ ذلك ما تخفى عنّا تفاصيله في الوقت الحالي.

وبالعودة الى الحياة اليومية لقصر زنينة فإن ما نهبه جنود باي وهران سنة 1785 يحيلنا على أن أهلها كانوا يمارسون تجارة التخزين. إضافة إلى أنهم يمارسون صناعة النسيج الرقيق والغليظ (الفليج) بدليل القماش والغرائر التي غنمها باي وهران. يُضاف إلى ذلك تخزين الأعذية ومنها السمن وكذا مطامر القمح والشعير. وكما أشرنا اليه في الحلقة السابقة عن قصر البرج فإن أهل القصور كانوا يمارسون تجارة التخزين في المطامير مع البدو الرحل وهو ما يعكس تلك العلاقة المتلازمة بين البدوي والحضري في بلاد أولاد نايل. وقد ذكر تقرير مكتب العرب بالمدية سنة 1846 أن قبائل أولاد سعد بن سالم كانوا هم الوسطاء بين أولاد نايل والجنوب في التجارة وأنهم يتخذون مطاميرهم في قصور زكار والمجبارة ومسعد وعامرة وزنينة وغيرها.

وأهل زنينة على غرار باقي قصور المنطقة، كانوا يمارسون الفلاحة في بساتين بقصرهم الذي يضم عدة ينابيع تقع كل واحدة منها ضمن السور الذي يحمي المدينة من الحيوانات. كما كان يوجد بالمدينة نظام ري يضم قنوات تحت الأرض تسقي بساتين جميلة ثم تلتقي في ساقية لتسقي حقول قمح التي تقع خارج البساتين. ويضاف الى ذلك حرف مثل الحدادة والحلي وصناعة الأسلحة التي برع فيها من سكان زنينة عرش أولاد الجلالي ومنهم عائلات ميساوي وبن بوزيد والشلالي وبوزيدي وزوّاي وبوروبة وطاهري والهادي وغيرهم.

وبالنسبة للمعلومات الجغرافية والديمغرافية بداية القرن العشرين، فإننا نجد زنينة مذكورة في قاموس بلديات الجزائر (1903) ويُشار إليها على أنها قصر لأولاد سيدي يونس وأهل زنينة وأنها تتبع بلدية الجلفة التي تبعد عنها بمسافة 80 كلم وعن آفلو بمسافة 58 كلم وعن الأغواط بمسافة 102 كلم على طريق ثنية الحد-الأغواط. وأن أهلها يمارسون تربية الأغنام. وفي موضع آخر يذكر نفس القاموس أن مجموع عدد أولاد سيدي يونس وأهل زنينة هو 2092 نسمة. وبعد ذلك جمعت الظروف أهل زنينة بما يحيط بها من قبائل العبازيز وأولاد نايل والسحاري وجعلهم يتلاحمون ويتصاهرون في مدينة دعا لها الأمير عبد القادر بالخير سنة 1846 فقال" اللهم ارزقهم بركة جبلين جبل عمور وجبل السحاري "وهي الرواية التي نقلها إلينا ابن زنينة الفاضل الأستاذ عبد الرحمان حنيشي.

2-1: قصور حد السحاري:

عند الحديث عن منطقة حد السحاري أو زمزاش فإننا سنجد أنفسنا أمام توبونيميا غزيزة لمعالمها وتضاريسها توحي كلها بازدهار مظاهر الحياة فيها. ويتجلّى ذلك من خلال توفر الشروط المعروفة لتشكل جماعات مستقرة من حيث منابع الماء والمطامير وأطلال الديار والقصور والمقابر القريبة منها.

ومن خلال رصد بعض من معالم المنطقة فإننا سنلاحظ كثرة الإشارة إلى أسماء المطامير وهي مخازن الحبوب والأغذية والمعدات التي كانت عماد التجارة في المنطقة. ولهذا فلن نتفاجأ حين نجد قبيلة "سحاري أولاد إبراهيم" تموّل منطقة سور الغزلان بالسلاح إبان فترة المقاومات الشعبية ولن نتفاجأ حين نجد السلطة الفرنسية قد أنشأت في خمسينات القرن العشرين كتيبة عسكرية متنقلة (Compagnies Nomades d’Algérie) وجعلت من مدينة بويرة السحاري (حد السحاري) مقرّا لاحدى هذه الكتائب لقمع الثورة بالمنطقة. 

وكما سبق الإشارة إليه فإن منطقة حد السحاري وبالخصوص جبالها قد كثرت بها المطامير التي نذكر منها مطمر معذر تارش ومطمر عزيجي ومطمر خليفة ومطمر ذراع الدقفت ومطمر البتة ومطمر معيذر العرعارة وغيرها. وهو ما يدل على العلاقة الوطيدة التي كانت تربط بعض بطون قبيلة السحاري بالبدو الرحل المحيطين بهم وبباقي المناطق من خلال تجارة المطامير. ويجدر التذكير هنا أن أهل المنطقة كانت لهم صناعات تقليدية متوارثة كابرا عن كابر أهمها القطران ذي الاستعمالات المختلفة في الحياة اليومية وتجارة الصوف والنسيج والملاسة أين نجد بعض بقايا الأواني الفخارية في جبل القعدة.

وما يعكس توجه قبائل المنطقة نحو الاستقرار عبر القرون هو كثرة مصادر المياه من عيون وصل عددها إلى 18 عينا (مثلا عين الحمام وعين عزيجي وعين مجنونة وعين تارش وعين كربوعة) إضافة إلى ضايات مثل ضاية أولاد بلخير وغيرها. كما يوجد بالمنطقة مقابر معروفة وسوف نلاحظ ظاهرة وهي وجود ثلاثية "عين ماء- مطمر- جبانة" مثل (مطمر خليفة-جبانة خليفة) و(جبانة الحمام-عين الحمام) و(عين تارش- مطمر معذر تارش- جبانة سي بختي). إضافة إلى أسماء رجال صالحين خلدت أسماءهم الذاكرة المحلية فنجد جبانة سي بختي وهو رجل صالح من قبيلة سحاري أولاد ابراهيم "فرقة أولاد علي بن ساعد"، وجبانة سي العابد "عرش أولاد العابد" وجبانة خليفة. وكما نعلم فإن العادة هي أن تحمل المقبرة اسم رجل صالح أو زاهد أو عالم.

وسوف نجد مرة أخرى أسماء لبعض المداخل الشمالية لجبل "القعدة" مثل "دخلة الزبوج" و"دخلة الشيخ" و"بويب تونس" وكأن الأمر يتعلق بمدينة أو حصن به أبواب وهو معطى توبونيمي لا يجب إهماله عند التطرق لمظاهر استقرار القبائل بجبال حد السحاري. فالاستقرار داخل الجبل يعني أنه لا حاجة لبناء أسوار وتحصينات مادام الجبل في حد ذاته حصنا طبيعيا.

وهكذا فإننا سنجد أنفسنا أمام تراث زاخر لسكان مستقرين في منطقة زمزاش منذ عدة قرون. فمدينة حد السحاري تشير الروايات الشفوية إلى أنها مدينة قديمة تعود إلى عهد الأتراك أو قبل ذلك. والمعروف أن اسمها القديم هو "بويرة السحاري" مثلما ورد في الكتابات الفرنسية المتأخرة. غير أن ما يجعلنا نوقن بأهمية البحث في تاريخ هذه المنطقة هو أن وجود قبيلة السحاري قديم وعمره على الأقل 07 قرون أي منذ أن أشار إليها ابن خلدون (1332 م-1406 م) في حديثه عن العرب الهلاليين (ومنهم بنو نائل) وأصولهم ومواطنهم منذ الهجرات الهلالية الأولى في القرن الحادي عشر ميلادي. حيث يذكر أن أكثر قبيلة السحاري موجودة في جبل مشنتل وهو الجبل المعروف حاليا بجبل السحاري القبلي ويقع شمال عاصمة ولاية الجلفة بمسافة 25 كلم تقريبا ويمتد غربا الى غاية مواطن قبائل سحاري أولاد سيدي يونس أين يوجد قصر بن يعقوب الذي تأسس بين سنتي 1630 و 1730م كما ذكرنا في الحلقة الثانية من سلسلة "قصور بلاد أولاد نايل".

وتوجد قصور تاريخية كثيرة بمنطقة حد السحاري ولعلها لقبائل الزناتة والعرب التي انصهرت فيما بينها بعد مع مجيء العرب الهلاليين وتغلبهم على المنطقة. وتحتفظ الذاكرة المحلية بأسمائها حسبما وثّقه ابن المنطقة "دباب مسعود" في مقال بـ "الجلفة إنفو" وذكر منها أسماء قصر "بن ساسي" و"قصر التارش" و"قصر سيدي داود" و"قصر رملاية الخرفي" (بالقرب من أولاد ساعد) و"قصر حاسي التوتة" والذي مازالت آثاره موجودة إلى يومنا هذا، مثله مثل قصر "السلوم" و"قصر المنكب"، ومنطقة خنق العدة التي يوجد بها قصر قديم جدا اسمه قصر "سيدي الزوجي" وهو رجل صالح سكن هذه المنطقة. وتوجد بجبل القعدة أطلال قديمة تقع في منطقة تسمى "الڤلَيعة" التي بنت فيها السلطات الفرنسية حصنا عسكريا. وأسفل هذا الموقع توجد أيضا مقبرة قديمة ما يوحي أنه كان مستقرا. كما يوجد بالسفوح الشمالية لجبل القعدة آثار بساتين قديمة صغيرة توحي بممارسة النشاط الفلاحي بالمنطقة.

والموقع الاستراتيجي لمواطن سحاري أولاد ابراهيم بمنطقة حد السحاري اكتشفته سلطات الاحتلال الفرنسي مبكرا فنجد أن الماريشال بيجو، الحاكم العام للجزائر، يقوم ببناء حصن عسكري في سور الغزلان "أومال" سنة 1846 بداعي قطع الطريق بين بلاد أولاد نايل التي انتقل منها المجاهد الحاج موسى بن الحسن الدرقاوي إلى القبائل الصغرى بين سنتي 1844-1847 وكذلك انتقل منها الأمير عبد القادر في فيفري 1846 بمعية فرسان أولاد نايل وعلى رأسهم سي الشريف بلحرش. ولهذا فإن بلاد أولاد نايل قد دفعت الثمن غاليا في حملات الجنرال يوسف ضد كل قبائل وقصور المنطقة من بوكحيل وقعيقع شرقا إلى زنينة والشارف غربا ومن بنهار شمالا إلى مسعد وزكار جنوبا. وسنجد في هذا السياق حملات ضد جبال السحاري منها حملة للعقيد كامو يوم 23 فيفري 1846 وحملة العقيد رونو في مارس 1846 وحملة العقيد بلانجيني في آفريل 1846 وكلها حملات انتهت بمجازر ومصادرة ممتلكات ومواشي قبائل المنطقة.

ورغم هذا الحصار والخناق فإن روح المقاومة بقيت مشتعلة بل وتعدت إلى دعم وتموين القبائل المجاورة بالسلاح. وهاهو الجنرال ديكرو بمساعدة العقيد أرشينار ينفذان هجوما عسكريا ضد سحاري أولاد ابراهيم في جبل القعدة يومي يومي 27-28 نوفمبر 1864. فعسكر الغزاة في "برج الحمام" بالناحية الجنوبية لجبل القعدة (المقسم) بينما قاد الجنرال ديكرو الهجوم على جبل القعدة من الناحية الشمالية. وتسببت هذه الحملة في مقتل عدد من رجال السحاري ومصادرة عدد كبير من مواشيهم (20 ألف رأس ماشية) واقتياد مجموعة كبيرة من الأسرى يوم 02 ديسمبر 1864 إلى الجنرال يوسف بالجلفة. والسبب الكامن وراء ذلك هو أن عرش سحاري أولاد ابراهيم قد موّنوا ثوّار بوسعادة وأومال (سور الغزلان) بـ 200 بندقية في سبتمبر 1864. ومنحوا خمسين "50" بندقية لفرسان قبيلة أولاد سيدي عيسى الأحدب عندما تعرّضوا لهجوم كتيبة قادها النقيب جيبون Gibon سنة 1864.

وبعد،

فبعد هذا السرد الموجز لتاريخ منطقة عريقة بقصورها وبدوها وتراثها فإننا نجد أنفسنا مرة أخرى أمام حاجة مُلحة للتوثيق وتدوين الروايات الشفوية وإجراء الأبحاث الميدانية التي تسمح لنا بتثمين الموروث وربط الأحفاد بتراث الأجداد ومن ثم بعث سياحة محلية بالمنطقة يكون عمادها التراث والطبيعة.

إن منطقة "حد السحاري" باعتبارها من أقدم حواضر بلاد أولاد نايل تستحق بعث البحث التاريخي والأثري بها ... كيف لا وهي من ألهمت الشاعر الشعبي الكبير "يحيى بن بختي" وجعلته يكتب أعذب الشعر الشعبي ويشتهر وطنيا بقصيدة "الإلياذة الشعبية.[1]

مراجع

عدل