مستخدم:ElWaliElAlaoui/ملعب 10

الثقافة:

عدل

محاولة بريطانية للاستقرار في طرفاية عند نهاية القرن التاسع عشر

عدل

- احتلت قضية وحدة المغرب الترابية مكانة أساسية في اهتمامات المخزن طوال الفترات التاريخية السابقة لفرض الحمايتين الفرنسية والإسبانية على المغرب سنة 1912. وكانت الدول الأوربية المتعاقدة مع المغرب تتعامل مع هذه القضية الحساسة تعاملا مختلفا يراعي الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية أو السياسية أو الاقتصادية في البلد نفسه. ويبدو أن فرنسا وإسبانيا قد عبرتا بصريح العبارة عن قوة أطماعهما في الأراضي المغربية حين أشهرتا على المغرب حربين في سنتي 1844 و1859. أما بريطانيا فقد تبنت دائما، وعلى العكس من ذلك، سياسة سعت من خلالها إلى الحفاظ على الوحدة الترابية للمغرب، أو على الأقل إلى الحفاظ على ما يسمى بالوضع الراهن لإبقاء الأمور على ما هي عليه، والدليل على ذلك، هو تدخل الحكومة البريطانية تقديم وساطتها الدبلوماسية الحازمة لردع الأطماع الفرنسية بعد إيسلي سنة 1844 من جهة أولى، ومساهمتها في إنهاء الحرب المغربية الإسبانية سنة 1861  وإبرام الصلح بين المغرب وإسبانيا من جهة ثانية. أما إيطاليا ألمانيا وغيرهما من الدول الأجنبية فقد تأرجحت سياستها بوجه عام وحسب الظروف بين  مساندة وجهات نظر بريطانيا أحيانا، وتدعيم وجهات نظر إسبانيا وفرنسا أحيانا أخرى. ومع ذلك، يمكن القول إن بريطانيا قد ظلت حريصة إلى حد ما لأسباب إستراتيجية واقتصادية معروفة، على إعطاء أولوية خاصة لمسالة حفاظ المغرب على استقلاله وسيادته. ولم تتردد في التدخل دبلوماسيا كلما كانت هناك محاولة أجنبية تستهدف النيل من أراضيه. لكن مع نهاية سبعينيات القرن التاسع عشر، أقدم مغامر اسكتلندي  يدعى دونالد مكنزي donald mackenzieعلى تأسيس محطة تجارية في طرفاية، سماها شركة شمال غرب إفريقيا. فخلق بذلك أزمة في العلاقات الثنائية التقليدية القائمة بين البلدين منذ القرن الثاني عشر الميلادي. وهكذا أصبح المخزن المركزي لا يتردد في اتهام بريطانيا بالشروع في التخلي عن سياستها التقليدية إزاء المغرب، والتي كان قوامها مساندة وحدته الترابية. بل أصبحت بريطانيا في نظر المغاربة تساهم فعليا في خرق تلك الوحدة وفي تقويض دعائمها. وفي الحقيقة، أصبحت الحكومة البريطانية في حيرة من أمرها، وترددت مدة طويلة بين مساندة حليفها المغرب وبين الدفاع عن مصالح الشركة البريطانية التي أصبحت تطالبها بحمايتها وبالاعتراف بمشروعها اعترافا رسميا. وزاد الأمر تعقيدا، حين  توصل مكنزي إلى عقد اتفاقية مع أحد أبناء الشيخ بيروك سنة 1879 ” تنازل” له فيها عن مجال ترابي لفتح مرسى طرفاية أمام التجارة، فأطلق عليه اسم مرسى فكتوريا (port victoria). وفي هذا الصدد، جاء في رسالة وجهها النائب السلطاني محمد بركاش إلى ممثل بريطانيا في طنجة، جون دراموند هاي سنة 1879 ما يأتي: ” وإنه جعل شروطا مع ولد بيروك بناحية وادي نون، وتعجبت من هذا الافتيات الذي وقع منه ومن ولد بيروك. فإن مستر مكنسي هو من رعية أكريت أبرطن، وولد بيروك من رعية سيدنا أعزه الله، وكل واحد منهما ليست عنده مخزنية ولا نيابة من دولته، وإنما ذلك جرأة وافتيات. والآن، فها نحن نسترعي على مكنسي المذكور فيما يصدر لناحية مراكش من الضرر والخسارات لا في الرعية ولا في الديوانات ولا في غيرها. ولا نقبل نزوله في إيالة سيدنا نصره الله، وكل ما يقع له ولمن معه لا في أبدانهم ولا في أمتعتهم فدركهم على أنفسهم”. وقد أثار هذا المشروع حفيظة الإسبانيين والفرنسيين على السواء، فبدأ التفكير في الأوساط الحكومية وغير الحكومية في كل من فرنسا وإسبانيا للقيام بعمل مماثل على السواحل القريبة ببضعة أميال من رأس جوبي.ويحق التساؤل عن الأسباب الحقيقية لهذا الاهتمام الأوروبي بسواحل المغرب الجنوبية. فمن العلوم أن إسبانيا كانت موجودة في جزر كناريا ولن تنتظر بعين الارتياح إلى مشروع مكنزي، فاعتبرته محاولة بريطانيا حقيقة للمس بمصالحها المباشرة في المنطقة. وكان أول ردود فعل إسبانيا هو سعيها إلى إرغام المغرب على تطبيق البند  الخاص بسانتا كروز دي مار بيكينيا، كما هو وارد في نص الاتفاقية المغربية الإسبانية المبرمة سنة 1861. هذا علاوة على بداية تفكير رجال الأعمال الإسبانيين في تأسيس محطة تجارية منافسة لشركة شمال غرب إفريقيا في السواحل الصحراوية المغربية. كما أن فرنسا التي كانت تمهد وتخطط لمد خط حديد عابر للصحراء، قد رأت أيضا في مشروع مكنزي منافسا حقيقيا لها في المستقبل من الناحية الاقتصادية والسياسية. أما مكنزي ومجموعته، وإن كان لا يتمتع بمساندة رسمية صريحة من الحكومة البريطانية لمشروعه، فإنه قد عقد آمالا كبيرة على اتخاذ مرسى طرفاية نقطة انطلاق أساسية للتوغل  في قلب الصحراء والوصول إلى أسواق تنبكتو وغيرها للسيطرة على التجارة الصحراوية والانفراد بها لصالح الرأسماليين البريطانيين. أما المغرب بصفته المعني الأول والأخير بهذه القضية، فقد كان يرى في كل هذه المخططات الأجنبية خطرا حقيقيا على سيادته الترابية وتهديدا كبيرا لمداخيله الجمركية التي يمكن أن تتلقى ضربة قوية لو تحولت التجارة الجنوبية إلى مرسى طرفاية أو إلى غيرها. وأمام هذا الوضع المقلق، تبنى المخزن استراتيجية مزدوجة: فعلى المستوى الديبلوماسي، بادر المخزن إلى التنديد كتابة عبر مراسلات احتجاجية كثيرة ومفصلة وجهها النائب السلطاني محمد بركاش في المراحل الأولى من النزاع وخلفه محمد الطريس إلى المفوضية البريطانية في طنجة لرفعها إلى المسؤولين في وزارة الخارجية البريطانية. وتتكلم نصوص هذه المراسلات دون استثناء لغة واحدة هي الإصرار على اعتبار منطقة رأس جوبي التي توجد فيها طرفاية والأراضي الممتدة جنوبها في أعماق الصحراء أراض مغربية لا جدال فيها. ومن الناحية الإجرائية، قام السلطان مولاي الحسن بحركتين كبيرتين إلى الأراضي الجنوبية في سنتي 1882 و 1886 كلفتاه نفقات كثيرة وخسائر بشرية جسيمة. لكنها لعبت، مع ذلك، دورا أساسيا في تدعيم نفوذ المخزن المركزي في المناطق الصحراوية، إذ كان من أهم نتائجها تجديد تعيين عمال مخزنيين على قبائل الأقاليم الصحراوية، وتنظيم الحراسة المكثفة في السواحل المغربية الجنوبية، ثم الشروع في عرقلة كل التبادل التجاري غير القانوني بين القبائل الصحراوية والشركة البريطانية الموجودة في رأس جوبي، سواء باستعمال القوة والتهديد أو المداهنة والإغراء المادي. وتقدم لنا الرسالة الجوابية التالية التي وجهها الوزير المغربي محمد المفضل بن محمد بن ممد غرنيط باسم السلطان مولاي الحسن إلى سفير بريطانيا في المغرب جون دراموند هاي بتاريخ 3 يوليوز 1886 تقدم لنا نموذجا للأسلوب الدبلوماسي الذي تبناه المخزن للدفاع عن مكتسباته الترابية في الأراضي الصحراوية: “… وبأنك كنت أعلمت حقا بأن المحل المذكور المستقر فيه هذا التاجر خارج عن هذه الإيالة. واستدللت على ذلك بأن قبائله ليسوا بطائعين للمخزن. والآن قد زال الشك  والحين واتضح الصبح لذى عينين بورود آيت جمل من قبيلة تكنة الذين بأرضهم الطرفاية على الحضرة الشريفة سامعين مطيعين، وجددوا بيعتهم على التفصيل قبيلة فقبيلة بعد أن كانوا أعطوها على الإجمال من جملة قبائل الإيالة. فرتب لهم مولانا نصره الله الأعمال ونصب لهم العمال، وجعل العسس بمراسيهم التي من جملتها الطرفاية واستقامت أحوالهم. وتبين واتضح أن حد هذه الإيالة هي أرض الكراسي المستقلة مصر والسودان ومغنية، كما هو موضح مقرر في تواريخ علماء أهل هذه الإيالة. وبأن التاجر المذكور وغيره ممن نزلوا بغير الطرفاية لم يبق وجه لنزولهم هناك بطريق الحق والإنصاف المعهود المعروف من دول أوربة. حيث تبين أن تلكم النواحي من حساب الإيالة المغربية، ومن بقي نازلا فيها من التجارة فيكون نزوله فيها على وجه الافتيات والخرق للقوانين، بمنزلة من خرج بساحل من سواحل دكالة والشاوية والغرب وصار يبيع ويشتري فيها على وجه الكنطربنض، ويكون درك ما يصيبه في نفسه أو ماله على رأسه لا على غيره…” إن النتيجة التي ترتبت عن حركتي السلطان مولاي الحسن إلى سوس فيما يتعلق بمحطة مكنزي هي الحاق الخسائر تلو الخسائر بشركة شمال غرب إفريقيا البريطانية وتوقف تجارتها. وقد ارتفعت حدة التوتر بين القبائل المناصرة للمخزن والعاملين في المحطة البريطانية، فانتهت بمقتل أحد العمال البريطانيين سنة 1888، ولم تجد الحكومة البريطانية والحالة هذه بدا من الاحتجاج رسميا على المخزن المركزي فحملته مسؤولة ذلك العمل، وفرضت عليه أداء تعويضات مالية لفائدة أسرة القتيل البريطاني. وقد تطلب ذلك الدخول في مفاوضات مملة وتبادل مراسلات طويلة في الموضوع. لكن المخزن المركزي، وإن وافق على أداء فدية مالية لأسرة القتيل  البريطاني، ظل متمسكا بموقف واحد: ألا وهو اعتبار شركة شمال غرب إفريقيا مخالفة للقوانين الدولية، وأن الأرض التي تحتلها هي أرض مغربية لا جدال فيها، ولا بد من إبعادها منها. ونورد فيما يأتي نص الرسالة الجوابية التي حررها الوزير المغربي غرنيط باسم السلطان مولاي الحسن ووجهها إلى السفير البريطاني الجديد كَربي كرين سنة 1888. وإذا كانت هذه الرسالة تقدم لنا تفاصيل مهمة عن تطورات قضية استقرار شركة شمال غرب إفريقيا في رأس جوبي، فإنها في الوقت نفسه صورة عن الأسلوب الدبلوماسي الذي نهجه المخزن التقليدي للحفاظ على مكتسبات قبل السقوط تحت الحماية الأجنبية: “وبعد، وصلنا كتابك بأن دولتك الفخيمة هذه مدة منذ أمرتك بأن تعلم الحضرة الشريفة بأن الكبانية النجليزية التي بالطرفاية لها: 1-  الحق في النزول بها إن ظهر لها، وإن أمكن للجناب الشريف 2-  إلحاق تلك الناحية بإيالته بعد نزولها فيها فليس له أن يضربها أو يطردها منها جبرا 3- وبأن تطلب من الحضرة العالية المعاوضة على الهجوم الواقع من العسكر على فندق الكبانية بالمحل المذكور وقتل واحد منهم وجرح الغير و4-  زجر الذين ثبتت فيهم التهمة بذلك و5- رد خاتم النجليزي المقتول ومكانته وغيرها من حوائجه المنهوبة لكونها عند بعض من له الحكم هناك. وحيث 6- كان ورد الأمر عليك بذلك في شهر رمضان ظهر لك تأخير إعلام الحضرة الشريفة إلى انصرام رمضان تعظيما له. وأطلعت بكتابك شريف علم مولانا وصار نصره الله على بال من جميع ما ذكرته فيه، وأمرني أيده الله أن نجيبك عن ذلك بأنه إن كان ما بلغ للدولة المحبة المشروح أعلاه هوالمطابق للواقع، فما أشارت به من الحكم هو عين الحق. لكن 1 – كون الكبانية المذكورة لها الحق في النزول بالمحل المذكور عير ظاهر، لكون تلك المرسى غير معهودة للتجارة ولا مباحة من المخزن لتعاطيها بها. إنما المعهود والمباح للتجارة المراسي المعلومة عند الخاص والعام للوسق، والوضع التي يتعاطى بها التجارة غيرها من تجار الأجناس. فنزولها بذلك المحل وبناؤها به محلا للتجارة بغير إذن مخزن الإيالة إنما هو افتيات منها وخرق على المخزن بتشوف الغير لمثل ذلك. 2 – وبأن تلك الناحية لم تلحق بالإيالة المراكشية  بعد نزول  تلك الكبانية بالطرفاية، بل هي من حسابها من قديم. لكون قبائلها مباعين لمن سلف من ملوك دول المغرب وكانوا يتصرفون فيها وفيما جاوزها إلى السودان من غير منازع ولا معارض. وكذلك ساداتنا وموالينا أسلاف مولانا المنصور بالله المقدسون كانوا يتصرفون فيها إلى السودان. وأهلها مبايعون لهم ويخدمون في مخزنهم، ومن جملتهم قبيلة تكنة الذين لا زالوا من جملة الجيش السعيد إلى الآن وحتى الآن. غير أن المخزن لم يصرف وجهته إليها في بعض الأحيان حيث كانت متطرفة لم تأته على الطريق وكان أهلها مُقِليِّن. ولما رأى المخزن تشوف الغير لها صرف وجهته إليها وجعل العمال على قبائلها المجاورين للطرفاية ورتب العسة في مراسيها من القبائل الذين بها ومن المخزن، وأعلم الباشدور الذي كان في الوقت بذلك. وصار يُصيِّرُ على تلك العسات مالا له بال في راتبها  وفي شراء الإبل لحمل الماء لها حيث تلك الناحية عطشى لا ماء بها. كما أمرني أعزه الله أن نجيبك عن إعطاء المخزن المعاوضة على الهجوم على الفندق الذي بنته الكباينة بأن القائد عبد الرحمن ابن بيروك التكني كان أخبر بأن نصرانيا من الكباينة التي بالطرفاية خرج ليلا لقرب العسة فصادف بعض الأعراب فقتله حسبما تقف عليه في كتاب طيه. وبأنه دام تأييده أمر بالبحث في ذلك لتفصيل النازلة بما يقتضيه الحق فيها والمحبة التي بين الجانبين…”. علاوة على المطالبة  بفدية مالية لفائدة أسرة الإنجليزي المقتول، خطت شركة شمال غرب إفريقيا خطوة أخرى حين أقنعت وزارة الخارجية في لندن بضرورة الضغط على المخزن المركزي لأداء تعويضات مالية إضافية لفائدتها مقابل الخسائر التي لحقت بها من جراء عرقلة القبائل المؤيدة للمخزن لأعمالها التجارية. لكن المخزن رفض الرضوح لذلك، واستمرت الاتصالات والمراسلات حتى سنة 1891 فوضع الممثل البريطاني كربي كَرين المخزن المركزي أمام خيارين لا ثلاث لهما: إما أن يوافق السلطان على أداء خمسين ألف جنيه استرليني لشركة شمال غرب إفريقيا تعويضا لها عن الخسائر التي لحقت بها ويبقى الحال كما هو عليه في طرفاية، وإما أن يوافق السلطان على تسديد مبلغ عشرين الف جنيه استرليني فقط عن الخسائر التجارية للشركة البريطانية شريطة أن يعترف كتابة باستقلالية الشيوخ الصحراويين المتعاقدين مع مكنزي والاتزام بعدم التدخل في شؤونهم وبطبيعة الحال فقد فضل المولى الحسن الخيار الأول لأنه يعبر عن إصراره على اعتبار المنطقة المتنازع عليها أرضا مغربية مائة في المائة. وهذا على الرغم مما كلفه ذلك الاختيار من تضحيات مالية، إذ قسط أداء الخمسين ألف جنيه على امتداد خمس سنوات. وقد شهدت هذه القضية المعقدة تطورات مثيرة، ومن أبرازها اهتمام بلجيكا بالحصول على جزء من المجال الذي كانت تستغله الشركة البريطانية لكي تتخذه مصحة تابعة للصليب الأحمر البلجيكي  تحت رعاية عاهل بلجيكا. واستمرت القبائل الصحراوية المناصرة للمخزن المركزي في عرقلة العمليات التجارية لشركة شمال غرب إفريقيا.

وتوالت الاحتجاجات من الجانب المغربي والبريطاني دون حدوث تطور حاسم إلى أن انتهى الوجود البريطاني في طرفاية سنة1895  في عهد السلطان مولاي عبد العزيز الذي وافق على أداء خمسين  ألف جنيه استرليني إلى شركة شمال غرب إفريقيا، فتخلت عن محطتها التجارية وبذلك استعاد المغرب نفوذه على منطقة ذات أهمية في الأقاليم الصحراوية. غير أن الأطماع الإسبانية والفرنسية كانت قوة جدا فسقطت الصحراء المغربية في براثين الاستعمار الأجنبي.

المناورات الاستعمارية للنيل من السيادة المغربية على التخوم الصحراوية في عهد السلطان مولاي الحسن

عدل

- كان من ذيول حرب تطوان واتفاقية الصلح التي أعقبتها تلك المسألة المعروفة بقضية “سانتا كروز دي مار بيكينيا”  Santa Cruz de Mar pequeña ( الصليب المقدس للبحر الصغير). ذلك أن الاتفاق الإسباني المغربي المؤرخ ب 26 أبريل 1860 كان ينص في مادته الثامنة على أن للإسبان الحق في استرجاع محطة تجارية بسانتا كروز دي ماربيكينا كان أحد الإسبان Diego Garcia Herrera قد أسسها على الساحل الأطلسي للجنوب المغربي في النصف الثاني من القرن الخامس عشر دون أن يعرف أحد بدقة موقع ذلك المركز. كان مخزن سيدي محمد بن عبد الرحمن قد وافق على ذلك البند مكرها ضمن ما قبله أيضا من تعويضات مالية باهضة بعد الهزيمة النكراء التي حلت بالجيش المغربي في حرب تطوان. وإذا كان المخزن، وبتضحيات جسام، قد أدى ما فرض عليه من غرامة مالية ثقيلة، فإنه فيما يتعلق بتفويت جزء من التراب المغربي قد لجأ إلى المماطلة والتسويف، سيما وأن المسألة يكتنفها غموض كبير، والمخزن يعرف تمام المعرفة أن غرض الإسبان ليس هو الحصول على قلعة أو مرفأ تجاري، أو مرسى يلجأ إليه الصيادة الإسبان، بقدر ماكان هدفهم هو الحصول على موضع قدم يكون تمهيدا للتوسع على مجموع الساحل الصحراوي المقابل لجزر كانارياس. ولما توفي السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمن سنة 1873 وتولى العرش بعده السلطان مولاي الحسن، مازالت قضية سانتا كروز عالقة. كان عهد المولى الحسن عهد إصلاح ومحاولة تجاوز للآثار السلبية لهزيمتي إيسلي(1844) وتطوان (1859-186)، فقام المخزن بمبادرات إصلاحية متعددة يمكن تلمس بعضها في محاولته الحد من الحمايات القنصلية التي استفحل أمرها، وإصلاحه للجيش والماليةّ، وإرساله للبعثات الطلابية إلى الخارج، لكن ربما كان هاجس الحفاظ على الوحدة الترابية الإيالة أعظم مشاغله، ويتبين ذلك جليا في تحركاته الديبلوماسية، وفي التنقلات المستمرة لمخزنه في ربوع البلاد لتثبيت الأمن والسيادة. وقد أحصى نوردمان هذه التحركات، وخصص لها مقالا جيدا في مجلة هيسبريس ( 1980-1981). كان طبيعيا ألا ترتاح القوى الاستعمارية الأوربية للسياسة التي سلكها المخزن منذ تولية المولى الحسن زمام الأمور. وسنحاول في ما يلي الوقوف على بعض المحاولات الاستعمارية للنيل من السيادة المغربية على الأطراف الجنوبية مع ذكر مواجهة المخزن الحسني لتلك الأطماع. وسنرصد عددا من الإشارات التاريخية التي يتجلى منها حرص السلطان المولى الحسن على تثبيت السيادة المغربية على المناطق الجنوبية للرد على مختلف التحرشات والمحاولات الرامية إلى النيل منها. كما سنحاول الوقوف على مختلف العوامل، الداخلية منها والخارجية، التي جعلت من ذلك الحرص مطلبا حيويا لإنقاذ البلاد من السيطرة الاستعمارية.  1- الأطماع الإسبانية:  أشرنا إلى قضية سانتا كروز التي مازالت عالقة عندما تولى المولى الحسن العرش سنة 1873. فبمجرد أن تجلت الملامح الإصلاحية للمخزن الحسني، خاصة فيما يتعلق بتعزيز الجيش وتثبيت السيادة المغربية على التخوم، ازداد إلحاح مدريد على المطالبة باسترجاع سانتاكروز، مطالبة المخزن بالتعجيل في تنفيذ التزاماته، وبعد تحريات مشتركة على سواحل أيت باعمران وواد نون، وقع اختيار الإسبان على منطقة إفني بدعوى أنها تطابق الموقع القديم لسانتاكروز ولتعزيز ادعائهم، عمدوا إلى الاتصال ببعض الأهالي فخدعوهم بقولهم إنهم  يبحثون هناك عن مرسى بتفويض من السلطان، كما أغروهم بالأموال والوعود وتوصلوا معهم إلى اتفاق (21 يناير 1878) يؤازر تطلعاتهم. (2) وفي هذا الصدد كتب الوزير موسى بن أحمد إلى المفوض البريطاني بطنجة جون دراموند هاي بتاريخ 18 فبراير 1878. ” فتشوف لهم الناس وأنصتوا لقولهم، حيث سمعوا أن المحل أراده سيدنا أعزه الله لإنشاء مرسى به، بقصد ما ذكر لترسية اسبانيا به لصيادة الحوت. ثم لما ورد البابور جال في نواحي واد نون جولانا غير مقصود، ثم رجع لوادي إفني في ميعاد الناس الذين وجهوهم سابقا. وجعلوا يخوضون معهم ويطلعون بعض أعيان ذلك المحل للبابور، ويعطونهم الدراهم، ويلقنونهم الشهادة بأن هنالك داخل البر برج قديم يسمى برج النصارى، وهو الذي يدعونه في القديم بسانطا كروز”(3) أمام هذه المحاولة الاستعمارية الرامية إلى امتلاك مرسى للصيد والاستحواذ على قاعدة تشكل انطلاقا نحو مزيد من النفوذ في القطر السوسي، وفي الأطراف الصحراوية، أمام ذلك ارتأى المخزن الحسني نهج سياسة المماطلة ريثما تتجمع لديه كل المعطيات لاتخاذ القرار المناسب. ولكن سرعان ما انضاف مشكل آخر يعني المناطق ذاتها، ويتمثل في أطماع بعض التجار الانجليز: دونالد ماكنزي وجيمس كورتيس. وعند اشتداد هذه المنافسة الدولية تدخلت إسبانيا في منطقة وادي الذهب سنة 85/1884 متعللة بالحفاظ على مصالح شركة إسبانيا في الداخلة  La Compañía Mercantil Hispano- Africana قبل أن تعزز ذلك بابرام اتفاقية مع أحد زعماء أدرار.  2- الأطماع البريطانية:  في سنة 1875، أسس التاجر الانجليزي دونالد ماكنزي في لندن شركة تدعى   northwest african company التي كانت تتشوف إلى الشواطئ الأطلسية في مناطق سوس والصحراء. وفي السنة التالية قام رجال هذه الشركة، وعلى رأسهم ماكنزي، برحلة استطلاعية على السواحل الصحراوية كان الغرض منها ربط العلاقات ببعض القبائل والاعيان، خاصة آل بيروك، قصد تيسير مهمتهم. وابتداء من سنة 1887، ازداد نشاط ماكنزي في المنطقة وتوج بإبرامه لاتفاق ( يوليوز 1879) مع دحمان بيروك يسمح  للانجليزي بموجبه بامتلاك محطة تجارية في طرفاية. وفي أبريل من السنة التالية، كانت لهذه القضية ذيول بفعل المنافسة التجارية، إذ استطاع تاجر بريطاني آخر، وهو جيمس كورتيس، تحقيق اتفاق مع سيدي محمد التازروالتي (المتوفى في يوليوز 1886) وبعض شيوخ أيت باعمران. وكان طبيعيا أن تقلق هذه الاتفاقيات، المبرمة دون مباركة المخزن، راحة السلطان المولى الحسن. ففيما يخص مكنزي نجد محمد بركاش يكتب إلى النائب البريطاني وايط  بتاريخ 11 غشت سنة 1879 مذكرا إياه بما جرى من قبل محادثات مع المفوض جون دراموند هاي في شأن التجار الانجليز المتوغلين في الصحراء: ” وعليه، السلطان نصره الله، أمرني بالشكاية والتكلم مع بشدور النجليز طالبا منه ليس فقط الاعتراف بالحق السلطاني، بل الإعمال وإجعال ما يدل به صحبة سلطانة اكرت ابرطن(4) لنحو مراكشة. ووفاء للأمر المذكور طلبت استعمال القوة لمنع مكنسي(5) وغيره من نقضهم على الحقوق السلطانية لمولانا نصره الله وكفهم سيرتهم المجرمة. الباشدور النجليز ارتاب في رأس جوبي المذكور هل هو من إيالة السلطان. فجاوبته الساكنة في الصحرة. لأنها لا تعرف سلطانا آخر ولا تتبع إلا الدين النبي صلى الله عليه وسلم، وبه يخطبون عند صلاتهم  والعصيان الواقع بعض الأوقات لا ينتاج منه ترك أبطال السلطنة التي لمولانا وإقرار القبايل”.(6) ودائما في إطار هذا المسعى الدبلوماسي لدى ممثل بريطانيا العظمى بالمغرب، كتب الوزير محمد بن العربي بن المختار إلى دراموند هاي بتاريخ 19 شتنبر 1880: “وتعين على المخزن إذ ذاك أن لا يسكت على هذا الضرر الفادح ولا يتغافل عنه بوجه ولا بحال ويتصدى لقطعه بكل ما أمكنه وتأتى له إما بتوجيه محلة معتبرة تجول بتلك النواحي، وتصلح الخلل الحادث فيها بسبب نزول مكينسي بها، وتحسم مادة الفتنة التي نبعت بها وتطفئ نارها، وإما بغير ذلك من الوجوه التي تقطع مادة ذلك الداء العال بحول الله وقوته (7) اختار  المخزن أن يستنفد كل السبل الديبلوماسية، مراهنا على العلاقات الطيبة التي كانت تربطه ببريطانيا وآملا أن تمارس هذه الأخيرة سلطتها على رعاياها.غير أن بريطانيا لم تحرك ساكنا في هذا الشأن، بل تذرعت بالاتفاقية المغربية البريطانية سنة 1856، التي تضمن للرعايا الإنجليز حرية التجارة في المغرب، كما أنها ادعت أحيانا أن جنوب درعة لا تناله الأحكام السلطانية وهنا تجدر الإشارة إلى حدث يبين كيف حاولت الدبلوماسية البريطانية جعل السلطان يقر بما كان مخالفا للواقع. ففي زيارة له السلطان مولاي الحسن خريطة مغربية تتوقف حدود المغرب الجنوبية فيها عند وادي درعة. وكانت حجة المفوض البريطاني أن هذه الخريطة من وضع الطالب المغربي محمد الجباص الذي كان يتابع دراسته منذ 1876 بمدرسة عسكرية بانجلترا. وبالرجوع إلى تلك الخريطة، نجد فعلا أنها انجزت من طرف الطالب المغربي، وانتهى العمل منها في تاريخ 15 دجنبر 1879، أي في وقت كانت فيه بريطانيا في حاجة إلى ما تبرر به وجود ماكنزي في طرفاية. وفعلا وكما بين ذلك الأستاذ خالد بن الصغير في حوار مع إحدى الجرائد الوطنية،(8) قد أنجزت تلك الخريطة بطلب من هاي، وتحت إشراف أساتذة محمد الجباص، ذلك الطالب المغربي الذي كان يجهل كل شيء عن خلفيات ذلك الدرس التطبيقي. وبالإضافة إلى القنوات الدبلوماسية التقليدية، طرق المخزن أبوابا أخرى لعلها تحسم مادة الخلاف. وهكذا، كلف المخزن سنة 1880 التاجر المغربي محمد الدكالي- الذي كانت له تجارة رائجة مع عدد من العواصم الأوربية، بالاتصال مع اللورد ادوارد ستانلي، وزير الخارجية البريطانية سابقا (بين 1866-1868)- لعله يستعمل نفوذه لحل المعضلة.(9) وبموازاة العمل الديبلوماسي، لجأ المخزن أيضا إلى استنهاض القبائل الصحراوية قصد الوقوف في وجه الأطماع الأوربية في تلك السواحل. فجوابا على رسالة عبر فيها أعيان قبيلة إزرقيين عن عبارات ولائهم للسلطان، كتب مولاي الحسن بتاريخ 30 يناير1881، إلى هذه القبيلة يهنئها على ما قامت به لعرقلة نشاط الأوربيين في تلك الأطراف، ويحثها على ضرورة الاستمرار في ذلك النهج ومقاطعة تجارتهم: ” والذي يكون عليه عملكم في تخييب رجائهم وحسم مادة دائهم هو عدم البيع والشراء مع من يخطر منهم بتلك الأقطار والأنحاء والضرب على يد من تعاطى ذلك معهم وداخلهم ولابسهم. فهم الذين جرؤوهم على الإتيان لتلك الناحية وأطعموهم. وإلا فلو أهملوهم وأعرضوا عنهم، وتركوا المصارفة معهم ليئسوا من محالهم وذهبوا في الحين لحالهم. فشمروا عن ساعد الحزم في قمع المتصارفين معهم واجعلوا عليهم الأرصاد والعيون في الحركة والسكون، حتى  لا يجدوا سبيلا للبيع والشراء معهم وينقطع تشوفهم وطمعهم”.(10)  الحركتان الحسنيتان إلى الأطراف الجنوبية لتثبيت السيادة المغربية.  بعد أن استنفد المخزن كل السبل الدبلوماسية وغيرها لانتزاع اعتراف الأوربيين بالسيادة المغربية على أطرافه الجنوبية، ويرفعوا أيديهم عنها، ارتأى المولى الحسن القيام بحركة إلى سوس ومشارف الصحراء لمعاينة ما يجري هناك، ولتثبيت سيادته عليها وفي هذا الإطار تدخل الحركتان الحسنيتان إلى الجنوب سنة 1882 ثم سنة 1886. – كان من نتائج الحركة السلطانية الأولى إلى سوس ( يوليوز 1882) الشروع في بناء أسوار تيزنيت، والتي استمرت الأعمال فيها حتى أكتوبر 1885. وكانت هذه الخطوة تستهدف تقوية مركز في الجنوب يعزز النفوذ المخزني (11) ويمهد للحركة الثانية التي قام بها السلطان في ماي، يونيو 1886 إلى سوس والصحراء.  3- الأطماع الفرنسية:  منذ أن غزت القوات الفرنسية الجزائر سنة 1830، تعددت الأعذار للتطاول على السيادة المغربية على حدوده الشرقية والجنوبية – الشرقية. وزادت هذه الأطماع حدة بعد هزيمة إيسلي سنة 1844، وما تلاها من شروط مجحفة في حق المغرب بموجب اتفاقية للا مغنية. وفي عهد المولى الحسن، عندما حاول المخزن تنفيذ عدة مشاريع إصلاحية كفيلة بإرجاع بعض الهيبة للبلاد، استمرت فرنسا انطلاقا من الجزائر تحاول تقليم بعض الأطراف على الحدود. وقد تعددت وسائلها وأعذارها لتحقيق ذلك الغرض: مشروع السكة الحديدية المخترقة للصحراء، حق القبائل الثائرة، عدم وجود حدود واضحة المعالم بين البلدين، الخ. ففي 1880، عندما طرح الفرنسيون مشروع تمرير خط حديدي يربط وهران بنهر النيجر، ارتأت بعض الآراء الاستعمارية أن الهدف لا يتحقق إلا بضم بعض الأقاليم المغربية المتاخمة للحدود الجزائرية في الربوع الجنوبية الشرقية للمغرب. ومن هنا روجت ادعاءات مدعمة بخرائط مفادها أن قبائل ذوي منيع وأولاد جرير توجد تحت السيادة الجزائرية. وقد كان تزوير الحقائق التاريخية كبيرا إلى درجة جعلت مفوض فرنسا بطنجة (فيرنويي) يشكك في تلك الإدعاءات معتمدا على أرشيف فرنسي سابق لهذه الفترة. ففي رسالة مؤرخة في طنجة في 3 يونيو 1880 وموجهة إلى وزارة الخارجية الفرنسية، نقرأ تحت قلم فيرنويي ما يلي: ” اسمحوا لي في البداية أن أثير انتباه سعادتكم إلى عدم توصلي بخريطة السكك الحديدة الجزائرية التي تعتبر قبائل دوي منيع  وأولاد جرير من القبائل الموجودة بنفس المنطقة مستقلة عن المغرب ولا تعترف للسلطان إلا بسلطته الروحية. إن كل ما أتوفر عليه في هذا الصدد هو خريطة النقيب بودوان المنجزة سنة 1848 تحت إشراف وزارة الحربية، وخريطة إفريقيا التي نشرها مؤخرا بيترمان وكلتاهما تعتبر هذه القبائل مغربية، كما هو الحال بالنسبة لبقية الخرائط التي أعرفها. وإذا كانت وضعية هذه القبائل في علاقاتهما مع حكومة المغرب مطابقة لما تضمنته خريطة السكك الحديدية الجزائرية فمن البديهي أن التسليم بذلك من مصلحتنا (…). لكن، ويا للأسف فإن الأمور ليست كذلك بالنسبة لهذه القبائل التي سلمنا دائما بمغربيتها، وذلك ماهو ثابت ليس فقط من خلال ما هو وارد في كل الخرائط وما هو معروف عند الأجانب، بل أيضا مما هو مشهود به من طرف الجزائر ذاتها، حيث لم تتوقف هذه الأخيرة، منذ عدة سنوات، عن مطالبة المفوضة الفرنسية بالتدخل لدى السلطان لتهدئة تلك القبائل، محققة في ذلك أحيانا بعض النجاح”(12) لم تكن البراهين التاريخية لتُصرف الاستعماريين عن أغراضهم، بل ظلوا متشبتين بسياستهم التوسعية، وسلكوا في تحقيقها دروبا شتى، ومن القنوات التي استغلها الفرنسيون لبلوغ مرادهم في هذه المناطق الحماية القنصية التي أسدلوها على الشريف عبد السلام الوزاني سنة 1884. فقد كان لهذا الزعيم الديني نفوذ لدى بعض الجماعات السكانية على الحدود (الطيبيون) وحاول الفرنسيون أن يتخدوه مطية لبسط سيطرتهم على المنطقة. وقد بلغ الشطط ببعض الأوساط السياسية والإعلامية والمالية درجة جعلتها تقترح إمكانية تتويج الوزاني سلطانا على المغرب لعله يفوت جزءا مهما من البلاد إلى فرنسا. ولحسم مادة الخلاف هذه، بعث المخزن محمد بركاش في سفارة إلى باريس للتباحث مع الحكومة الفرنسية. أما أحد الفقهاء المغاربة، وهو الحسين السملالي المتوفى عام 1891، فقد سجل ارتساماته عن هذه النازلة بقوله: ” ومن جملة ما كتبوا ( أي الفرنسيون) في الجوازيط أنهم أدركوا ثلث المغرب لاعتقادهم أن هذا ( الوزاني) يتبعه الناس ولو في الكفر، ولم يعلموا أنه لا يساعده إلا خماميسه وعبيده.”(13) إذا كانت فرنسا قد استمرت في تقليم أجزاء من التراب المغربي انطلاقا من الجزائر، فإنها لم تغض الطرف عما يجري في الصحراء الغربية. إنها لا تترك أية فرصة تمر دون استغلال القضية لمآربها الخاصة. فأحيانا برزت كوسيط بين المغرب وإسبانيا في مسألة إفني، وأحيانا بدت كالقوة المعاكسة للأطماع البريطانية. ونعرض فيما يلي لإشارة تاريخية تسلط الضوء عن هذه المناورة الفرنسية: فخلال زيارة قام بها المفوض الفرنسي شارل فيرو للبلاط السلطاني في أواخر سنة 1886، أي شهورا قليلة بعد الحركة الحسنية إلى الجنوب نحمل إلى السلطان هدية عبارة عن خريطة لبلاد المغرب أنجزتها المصالح الطوبوغرافية الفرنسية وهي مكتوبة باللغة العربية. ورحب بها السلطان وأمر بتزيين أحد جدران قاعة الإستقبالات بها. وبعد أن عبر السلطان للمبعوث الفرنسي عن غبطته  بهذه الهدية، أضاف أن بوده أن تنجز المصالح الفرنسية  نسخة أخرى من هذه الخريطة تكون من القماش الذي يسهل لفه حول محور من الخشب، ويحمل أثناء حركات السلطان في أرجاء إيالته. ثم أضاف السلطان أنه يرغب أن تضم هذه الخريطة مناطق الصحراء المغربية حيث ثم مؤخرا إقامة مركز عسكري مغربي لتثبيت السيادة المغربية أمام التطلعات البريطانية.(14) لا يهمنا هنا ما إذا كانت فرنسا استجابت للطلب المغربي أم لا. فالأهم هو ما نستشفه من خلال التقرير الذي رفعه شارل فيرو إلى حكومته، والذي نلخصه فيما يلي: – كانت الحركة إلى سوس والصحراء تستهدف الوقوف في وجه  الانجليز. – كان السلطان، بتركيزه أمام المبعوث الفرنسي على الأطماع البريطانية، يحاول الإستفادة من المنافسة الاستعمارية القائمة بين لندن وباريس، وهي منافسة استمرت، كما هو معلوم، حتى سنة 1904 عندما أبرم الطرفان “الاتفاق الودي” الذي أطلق يد الفرنسيين في المغرب مقابل غض فرنسا  الطرف عن السياسة البريطانية في مصر. – كان الفرنسيون، بواسطة هذه الهدية الملغومة، أعني الخريطة التي حملها فيرو إلى السلطان مولاي الحسن، يسعون إلى الحصول على اعتراف سلطاني بخريطة مبتورة تتفق ومصالحهم، في حين كان السلطان يسعى إلى انتزاع اعتراف فرنسي بسيادة المغرب على أراضيه في الصحراء، علما بأن المنافسة الاستعمارية تجعل فرنسا لا تنظر بعين الرضى إلى السياسة البريطانية في منطقة شمال غرب إفريقيا. – قد يكون الطرف الفرنسي متوقعا لرفض المخزن لهذه الخريطة المخالفة للواقع، ولكن حتى في هذه الحالة، قد يكسب الفرنسيون من انضمامهم إلى اللعبة الدائرة في الصحراء، والتي من شأنها من جهة مزامحتهم للأطماع الأوربية الأخرى، ومن جهة أخرى جعل المغرب يغض الطرف عن التسرب الفرنسي على الحدود المغربية الجزائرية. ومعلوم أن فرنسا، بعد ان فرضت حمايتها على تونس سنة 1881، وعززت وجودها على ضفاف نهر السينغال، قد طوقت المغرب من جهتي الجنوب والشرق على شكل كماشة يصعب الانفلات من قبضتها.

هكذا يبدو جليا أن المناورات والأطماع الاستعمارية، قد طوقت البلاد من كل جهة، واشتدت هجمتها لتجهض عددا من المحاولات الإصلاحية التي قام بها المغرب في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، ولا سيما إبان عهد السلطان مولاي الحسن.

وصف بعثة سلطانية الى الصحراء المغربية في القرن الثاني عشر

عدل

- توماس بيلو، انجليزي من مواليد ميناء صغير بإنجلترا اسمه cornaouaille كرنواي سنة 1704، تم أسر من طرف المجاهدين السلاويين سنة 1716، وكان عمره 12سنة. اعتنق الاسلام لكنه سكت في روايته عن السلام الذي أعطي له كمسلم، عاد إلى بلاده سنة 1738، ونشر مذكراته بانجلترا ما بين 1743-1745. لعب دورا مهما في إنجاح السفارة الانجليزية إلى المغرب سنة 1711، حيث تم عقد معاهدة بين المغرب وانجلترا. وقد اعتمد الكثير من الباحثين على روايته حول المغرب، حيث استطاعوا بواسطتها حل الكثير من الإشكاليات التاريخية. كما فعل سبيلمان spilleman في دراسته حول آيت عطا، وكذلك مكالي مورسي m.morsy في دراسته عن الزاوية الحنصالية، وغيرهما من الباحثين المعاصرين، وتعتبر الآن مصدرا مهما في التاريخ المغربي في القرن الثامن عشر- القريب منا زمنيا والبعيد عنا معرفيا- قام بترجمتها وتحقيقها مكالي مورسيm.morsy ونشرها سنة 1983. -قدمها أصلا كأطروحة لنيل دكتوراه الدولة من جامعة نيس سنو 1976. -تكونبيلو pellow عسكريا في جيش السلطان المولى اسماعيل والذي كان يتلقى تربية عسكرية منذ الصغر، واستمر هذا التكوين حتى سنة 1721، بعدها أعطيت له قيادة فرقة عسكرية في عهد السلطانين المولى اسماعيل والمولى عبد الله، السلطانين اللذين أعطيا أهمية قصوى للمناطق الصحراوية، وتثبيت دعائم الاستقرار والازدهار الاقتصادي بها، حيث تعددت الرحلات والبعثات والقوافل التجارية إلى مناطق صحراوية،وكانت شنقيط المحطة الرئيسية يقول الزياني عن رحلة الموبى إسماعيل سنة 1019ه/1678م، ثم عام تسعة وثمانين وألف توجه السلطان لتدويخ السوس وتمهيده فبلغ إلى طاطا وأقا وشمنت وشنقيط وقدمت عليه وفود العرب أهل الساحل والقبلة مفاخرة ودليم وبربوش ومطاع وجرار وودي وأدوا طاعتهم “الزياني-البستان-ص159″.وفي ذلك الوقت تزوج السلطان خناثة بنت بكار المغفرية أم السلاطين. ولقد انتقل بيلو في عهد السلطانين إلى تامسنا، ثم ذهب في حركات إلى الجنوب من الأطلس الكبير حتى درعة تم التوات سنة 1724، حيث يقول:” وأمرنا السلطان بالذهاب إلى تافيلالت لمرافقة القافلة التي ستذهب إلى مدينة مكناس وهي إشارة وحيدة تثبت وجود قصبة مخزنية، والولاء الدائم والتبعية المطلقة للجهاز المخزني المحلي”أنظر نص بيلو ص”. ثم انتقل إلى المغرب الشرقي إلى بني يزناسن ووجدة، ثم سفره إلى الصحراء حتى نهر السنغال سنة 1731، في عهد المولى عبد الله تحت قيادة الباشا منصور. نص المرحلة: كنت في مكناس عندما جاء الأمر بذهابي مع بعثة عسكرية إلى بلاد آيت يمور (فبراير-مارس)، كمن أجل متابعة العصاة في الجبال ولمدة ثمانية أسابيع، وعدنا إلى مكناس غانمين، وبعد ثلاثة أسابيع جاء الأمر بذهابي في الحال مع القافلة التي ستذهب إلى غينيا بالنسبة للمؤلف تعني المناطق المحاذية لنهر ألسنغال وهذا الأمر أحزنني لاني كنت اعرف ان هذه الرحلة قد تدوم مدة عامين على الأقل، ولكني كنت أعرف انه لا فائدة من التذمر، لذا أخذت الطريق وأنا مظهر للمزح. كنت عل رأس قافلة من 12 ألف جمل، رقم لا يلبث يتزايد طيلة الطريق، الليلة الاولى وقفنا عند وادي بهت، والثانية عند ضاية الرومي، والثالثة عند النهرين بورقراق وكروgrou، والرابعة عند أم درمل، والخامسة واد نكيس، والسادسة في ماءة بيروبير، قليلا- شمال مدينة واد زم- والسابعة في البروج، والثامنة في مشرع سيدي الدهلية dahliya، والتاسعة في المنزل، والعاشرة في مراكش حيث مكثت قافلتنا والتي توسعت في الطريق لمدة ستة أيام للراحة. انطلقنا في اليوم الحادي العشر واتجهنا إلى وادي النفيس، وفي الثاني عشر وصلنا زاوية ابن الحوات والثالثة عشر إلى كيشور، والرابع عشر algorarsassa، والخامس عشر ايت واعطيل، والسادس عشر سوق سبت أكزولن، والسابع عشر عين الوفرة، والثامن عشر أكرود، وهو خليج صغير يستخدم من طرف الصيادين، والتاسع عشر واد تمرارت، واليوم العشرون في نهر واد سوس، يبعد بثلاث مراحل عن مدينة سانتا كروز (أكادير)، الواحد والعشرون وصلنا ماسة، الثاني والعشرون إلى اكلو، الثالث والعشرون إلى سيدي أحمد أو موسى حيث قبر أحد مشاهير الأولياء الرابع والعشرون إلى إفران، الخامس والعشرون إلى واد نون. ما وراء هذا المكان لا يوجد هناك منزل، السادس والعشرون تقدمنا حتى واد شبيكة، السابع والعشرون إلى الساقية الحمراء وهنا دخلنا في الصحراء. لقد أصبح عددنا الآن 30 ألف رجل و60 ألف جمل، وكل رجل كان يتكلف بجملين وتقدمنا تحت إرشاد أعرابي مسن، وفاقد لبصره والذي قادنا بسلام – باستثناء من مات في الطريق-إلى قصر شنكيط. وكان علينا أن نقضي خمسة أشهر لاجتياز هذا المحيط من الرمل، وكان هذا القصر (شنكيط) يسكن به العامل المغربي(gouvernant) إذن تواجد مخزني دائم بدرجة عامل وليس خليفة محلي. وهو في ملك عرب يعتبرون أنفسهم من سلالة أعلى. ويكونون مع بقية المغاربة شعبا واحدا في الأصل – وطيلة مدة إقامتنا في غينيا كانت الأموال والهدايا المحصل عليها تجمع في هذا القصر، نأخذها معنا عندما تأتي قافلة أخرى تخلفنا في المكان نفسه، وكان لنا معسكرنا حوالي هذا القصر وفي محيطه، ولقد ذهبنا إلى واد النيل (نهر السنغال) لمرات ثلاث حيث تم اخضاع بعض العصاة وكان سكان هذه المناطق خاضعين لأوامر السلطان. عندما وصلنا لأول مرة إلى نهر السنغال رأينا سفينة فرنسية من حمولة 80 طن مع طاقم مكون من إثنى عشر رجلا، كان المغاربة قد وصلوها عوما. وعندما أخذوا ما فيها تركوها. وقبل مواصلة حكايتي أود سرد حدث عجيب وقع مع الرجل المسن الذي أرشدنا في الصحراء. فلمدة الخمس عشرة يوما رأينا منها، وكان الرجل يحثنا على ملء قرابنا للتزود بالماء الكافي، لأن ولمدة خمسة عشر يوما سوف لا نجد الماء إلا في يوم من ثلاثة أيام ولم يخطئ مرشدنا المسن. كانت الرحلة بدون عناء كبير، وعندما وصلنا إلى بئر من هذه الابار دعانا إلى حمل ما أمكننا من الماء وترك البهائم تشرب ما أمكنها من هذا الماء، حيث قال: المرحلة القادمة تتطلب مدة طويلة للوصول إلى الماء، وعلينا بالاقتصاد في استهلاكه. كان الجو حارا بحيث كنا في بداية الخريف (شتنبر/أكتوبر1731) وفي اليوم السادس عندما أردنا أخذ الماء من قرابنا اكتشفنا باندهاش أن أغلبها فارغ، بفعل تأثير الشمس المحرقة. تبخرت المياه من مسام الجلد، وهكذا عانينا من العطش لمدة أربعة أيام، مما نتج عنه غضب وسخط عام، كانت ستكون عواقبه وخيمة لولا أن شيخنا المرشد شجعنا وطلب منا أن نعالج مصيبتنا بالصبر، وطمأننا بأننا على وشك الوصول إلى الماء الوفير، وطلب من أحد رجالنا أن يعطيه حفنة من الرمل لشمها، بعد الشم مدة طويلة، قال لنا مبتهجا، أننا سنصل إلى بئر ماء في ظرف يومين، ونشرب آنذاك ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وبهذا الأسلوب طمأننا فتابعنا طريقنا. وفي صباح اليوم الثاني طلب حفنة رمل، فتقدم أحد رجالنا ومد له نفس الحفنة التي شمها يومين من قبل، والتي احتفظ بها الرجل في قطعة من ثوب، شمها الأعرابي طويلا وأعلن آنذاك، هل الجيش لم يرجع أدراجه إلى الوراء، وبذلك أحسسنا بذنبنا لمحاولة تغشيش هذا الرجل الضرير بمحاولتنا اسقاطه في الخطأ… فرد قائلا: إرم برملك، واطلب منك أن بشرفي أن تعطيني حفنة رمل حقيقية من هذا المكان، وبمجرد ما شمها أعلن قائلا: – هذه هي التي تعبر عن انتظاري. وّأخبرنا بأننا سنجد الماء قبل أربع ساعات بعد منتصف النهار ففرحت كثيرا… وعند الساعة الثانية عشر، طلب حفنة أخرى من الرمل، وقال: – نعم، نعم، هكذا علينا أن نكون، انظروا جيدا حولكم، وعندما ترون الحيوانات الوحشية، والنعامات، والنسور، أو أي طير آخر، لا تتأخروا في إخباري. ولم نعد نصف مرحلة حتى رأينا عددا من النسور في السماء، وبعد ذلك مجموعة من الحيوانات الوحشية والنعامات متجمعة في نقطة من الصحراء، وعندما أخبر بها مرشدنا، أمرنا بالذهاب مباشرة في اتجاهها حيث وجدنا عدة آبار مغطاة بجلد الحيوان وليست بعميقة، وماؤها ممتاز لكنه نبهنا من تعكير صفوها، نظرا لفراغ صبرنا على الماء، وأنه يوجد مايكفي الجميع، ووعدنا أن يقودنا غدا مساءا إلى بركة كبيرة. وهكذا وجدنا أنفسنا بعد عطش مرير بجوار آبار، وكما وصفها الشيخ. وفي هذا المكان أقمنا خيامنا لقضاء الليلة، كما أن حيواناتنا كانت أكثر نشاطا لوجود المرعة الجميل. وبنشاط قمنا في الغد، وبعد حرصنا على ملأ قرابنا وتغطية الآبار بعناية، انطلقنا في طريقنا بعزم وشجاعة، وكما أخبرنا المرشد، وصلنا عند المساء قرب بحيرة ( لاشك أنها بحيرة ركيز rkiz شمال نهر السينغال بين podog ;dagana. حيث توجد هناك نباتات كثيرة، وحيث تعيش حيوانات وحشية، والنعام، فقررنا المكوث لمدة يومين، كنا تقضي فيها يومنا في اصطياد هذه الحيوانات، وكما علمني الشيخ كيفية اصطياد الطيور التي تقترب للشرب من البحيرة، حيث أمرنا بحفر عدة حفر بالقرب من الماء، كل حفرة تستطيع لاتساعها وعمقها أن تخفي رجلين أو ثلاثة بأسلحتهم، وطلب منا آنذاك بإبعاد الجزء الأكبر من القافلة من أجل أن تقترب النعام حتى نتمكن من تصويب الضربات إليها وبهذه النصيحة تمكننا من اقتناص عدد كبير منها وضمن صيدنا كذلك بعض السباع والظباء، والكل وضع في طنجرة الطبخ بدون تمييز بالرغم من ان لحم النعامة طري وجيد بالمقارنة مع الطيور الأخرى، كما يمكنها ان تغذي عددا كبيرا من الرجال لأنها تزن على الاقل 200 ليفر (50 كلغ) ولحمها مشحم جدا لدرجة أنه عند تهييئه بعناية يمكنه تغذية ما يقرب من مائتي شخص دفعة واحدة. عندما يريد عرب هذه المناطق أن يصطادوا النعامة يخرجون بأعداد كبيرة ويحيطونها من بعيد في متسع كبير، ويقتربون منها شيئا فشيئا حتى يتبعونها جريا ومطاردة. وهذا شيء قد يفاجئ القارئ الذي يتخيل أنه من السهل اصطياد طير لا يستطيع الطيران، لكني أؤكد لكم العكس لأن النعامة التي تطارد تجري بسرعة لا تستطيع حتى الخيل المغربية مجاراتها، وعندما ترى نفسها بمهاميز (eperon) تنمو تحت جناحيها، وهي جد طويلة وحادة، مما يسمح لها بتجديد نفسها كما تترك الأجنحة مطلوقة. وبالرغم من أنها لا تسمح لها بالطيران إلا أنها تزيد من سرعتها، لهذا السبب يتم إرغامها كأرنب محيطة برهط من الكلاب، إضافة إلى أن المنطقة ستكون عارية فلا ملجأ للاختباء. لنرجع إلى السفينة الفرنسية، إننا لم نجد فيها ذهبا لأن البحارة كانوا قد رموه، لم نجد إلا أنياب الفيلة وأفارقة سود اخذناهم معنا، وأحرقت السفينة ونقل الكل إلى شنكيط، مات منهم أربعة بالصحراء في طريق العودة، وثمانية مهم حملناهم معنا حتى مكناس. طيلة مقامنا البالغ إثتي عشر شهرا تقريبا، عند حدود غينيا جمعنا كميات كبيرة من الذهب والعاج. وضمت بعثتنا عددا من الأفارقة السود.. وبذلك أشرفت بعثتنا على نهاية مهمتنا لأن قافلة أخرى على وشك الوصول، فجمعنا كل مقتنياتنا وأخذنا طريق العودة، فوصلنا بدون عناء إلى البركة التي دلنا عليها الشيخ المرشد، فاسترحنا لمدة يومين ولم ينقصنا فيها شيء، لأن الصيد وفير، وبعدها تزودنا بالماء باتجاه الآبار المذكورة سابقا، وّأقمنا معسكرنا، ولا زلنا نتزود بالصيد المحصل عليه بالبركة، ولم نمس زادنا الأساسي، ثم أخذنا الطريق في الصباح الباكر وتأخرت وراء القافلة مع ستة من أصدقائي من أجل صيد بعض الظباء، فرأينا فجاة عشرين من الاعراب متجهين بإبلهم نحونا، وعند مرور القافلة اختبؤوا في تلال من الرمل المتكونة من الرياح العاصفية التي ستنقلها إلى مكان آخر. فاشتبكنا معهم بعد أن حاولوا ان ينصبوا لنا مكيدة، لكن عودة جنودنا لإنقاذنا دفعهم إلى الفرار، فنجوت من الموت بحيث مرت رصاصة بجوار صدغي، وجرح مغربي بجانبي، وقتلنا منهم ستة، ثم تعقبنا الآخرين فقتلنا أغلبهم، ولم نتمكن من ملاحقة ما تبقى منهم خشية الابتعاد والتيهان عن القافلة. وكان هذا هو الحدث الوحيد في هذا الرحلة. وفي طريق العودة كنت بجوار الشيخ المرشد حيث كنت أطرح عليه الكثير من الأسئلة خاصة ما يتعلق بمعرفته الدقيقة والعميقة بالرمل ورائحته، فأجابني بأدب كبير قائلا بأن هذه هي السفرة الثلاثون في الصحراء، وأنه قطع هذه الطريق ذهابا وإيابا ستين مرة، وفي رحلاته الأربعة المتأخرة شعر بان بصره ضعف، كما قام بعدة تجارب مستعينا بحاسة (4) شمه القوية جدا واكتسب بذلك خبرة ومعرفة جد متقدمة، وبما أنه قادر بالرغم من فقدان بصره أن يحدد بالضبط، وفي أي وقت المكان الذي يتواجد فيه بالصحراء. وفي يوم كنت أسير بجانبه، فضرب جملي بأرجله شيئا نتج عنه صوت يدل على فراغه فسألت الشيخ عما يكون هذا الشيء الموطوء فقال مومياء.فسألته وماذا تعني مومياء فرد قائلا: إنها جسم بشري مدفون من مدة طويلة في الصحراء، ويبس بالحرارة المرتفعة، وكن متيقنا لو أنه وجدوه ما تركوه هنا، خاصة لو وجدوه حسب ما يبتغون. – كيف ذلك ولماذا وهل هناك من هي أحسن من الأخرى، فرد الشيخ: – نعم، وهذا راجع للوقت الذي قضته في هذا المكان، وإلى الحرارة ودرجة يبوسة المومياء. – إذن أعتقد يا والدي المسن، إذا ما صدفت واحدة أخرى سيكون لي من الفضول لاستخراجها من الأرض. وفي الغد وعندما كنت بجانبه مرة أخرى، قال لي: -أنزل إلى الأرض حيث ان جملة داس مومياء، فاتبعت اشاراته فلامستها الغادس(او المررة) اليابسة الأطراف واللحم متغضن بالكامل، ولا زالت الأسنان متجردة في الفك. أما الرائحة فليست بكريهة بحيث يمكن للمرء أن يقربها منه دون انزعاج او تضايق. وهكذا انتهى سفرنا دون ان يحدث أي شيء غير عادي ووصلنا تادلا ( قصبة تادلا) حيث كان ينتظرنا السلطان عبد الله” (1) ( أواخر سنة 1732). – وفي الختام نود ثلاث ملاحظات أساسية: 1- الرابطة القوية بالشمال المغربي بصحرائه من الناحية الاقتصادية والسياسية والإنسانية والفكرية والعقائدية. 2- لقد أفادنا هذا الوصف في وضع خريطة جغرافية وبيئية للصحراء المغربية حتى نهر السنغال وذلك: – بتحديد نقط الماء الأساسية. – معرفة الحيوانات والطيور المتنوعة. – محطات بعض المميزات المعدنية (كالملح والذهب) والسلع التجارية (كالعاج وغيره). 3- دور خيرات الجنوب في إفريقيا السوداء في الاقتصاد المغربي ومنذ عهد السعديين ( بالنسبة للتاريخ الحديث)، حيث لعبت الصحراء دور الوساطة في نقل سلع إفريقية متنوعة إلى الشمال ثم إلى أوربا.

فكانت بذلك الصحراء بمثابة البحر لشعوب أخرى ومركز الاغتناء، ومنطقة للتواصل البشري، ونقطة ارتكاز في نجاح أو فشل كل الدول المتعاقبة على المغرب.