مستخدم:ELKIHEL FAISSAL/ملعب

الطب الشعبي مكون أساسي من تراث وثقافة المجتمعات   عدل

تعريف الطب الشعبي عدل

تعددت التسميات التي أطلقت على الطب الشعبي مثل الطب المحلي أو الطب التقليدي أو الطب البديل وغير ذلك من التسميات .وبذلك فقد تعددت التعريفات الموضوعة للطب الشعبي في سياق هذه التعريفات فقد يعرف الطب الشعبي بأنه مجموعة من الأفكار والمعتقدات الشائعة في المجتمع حول أنماط المرض والنظرة العامية لمسبباته والأنساق الثقافية التي تحدد طريقة المجتمع في اختيار المعالجين الشعبيين والممارسات العلاجية المتبعة خارج النسق الطبي الرسمي والتي تشمل الطقوس والعادات والوصفات العلاجية المستعملة لإجراءات الوقاية من المرض ومعالجته .[1] وقد يعرف الطب الشعبي أيضا بأنه  مجموعة من المعارف الشعبية التي تكونت عبر أزمنة طويلة استمرت بسبب ارتباطها بالطبيعة وبالظروف الاجتماعية ،وهو نوع من التداوي يقوم به أشخاص محترفون أوغير محترفين يستخدمون النباتات الطبيعية وبعض أجزاء من الحيوانات والدهانات .في حين يرى ابن خلدون أن الطب الشعبي من اختصاص أهل البدو وأنه يعتمد في غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص ،ومتوارثا عن مشايخ الحي وعجائزه وربما يصح البعض منه ألا أنه ليس على قانون طبيعي ولا على موافقة المزاج.[2] . وترى منظمة الصحة العالمية أن  الطب الشعبي  ذو تاريخ طويل وأنه مجمل المعارف والمهارات والممارسات القائمة على النظريات والمعتقدات والخبرات المتأصلة في مختلف الثقافات ،سواء كانت قابلة للشرح والتفسير أم لا ،وتستعمل في صيانة الصحة والوقاية من الاعتلال البدني والنفسي وتشخيصه وتخفيفه ومعالجته .[3] إذن يتضح أن التعاريف السابقة لاتكاد تختلف حول مفهوم الطب الشعبي ،بحيث يتفق معظمها أن هذا النمط من الطب يعتبر من مكونات الثقافة الشعبية للمجتمعات  ويعكس كيفية نظرتها لمفهوم المرض وطرق علاجه والتعامل معه، ويتضح أيضا أن الطب الشعبي يمارس من قبل أشخاص معينين يعتبروا مؤهلين للعلاج وإن كانوا في بعض الأحيان يقومون بسلوكات لا تدخل ضمن نطاق الطب إلا إنها تعتبر ضمن الطب بحيث يتفق على مفعولها العلاجي. وأيضا ما يميز الطب الشعبي هو استعماله لمكونات طبيعية ، نباتية أو حيوانية أو معدنية في العلاج. وبما أن هذا الطب الشعبي التقليدي يعتبر ضمن عناصر التراث الشعبي فإنه غالبا ما يصطبغ بما يصطبغ به التراث الثقافي الشعبي من مفاهيم تنتمي إلى مجال الغيب والخرافة، كالاعتقاد في قدرة بعض الأشخاص والطلاسم، التمائم، الجن، المزارات والأولياء وغير ذلك من الكائنات والعناصر الفوق الطبيعية في العلاج أو إحداث الأذى. غير أن هناك ممارسات علاجية تدخل ضمن الطب الشعبي وقد اعترف الطب الحديث  بقدرتها ونجاعتها في العلاج كالتداوي بالوخز بالإبر وهو علاج تقليدي صيني، وكذلك الإتفاق على قدرة بعض الأعشاب العلاجية والوصفات الشعبية كالزنجبيل الذي استعمل منذ قرون في الطب الشعبي لعلاج الغثيان ومازال استعماله منتشرا حتى الآن في الطب الرسمي .[4]

– جذور ونشأة الطب الشعبي عدل

ورد في الحديث الشريف أن الله تعالى خلق الداء وخلق معه الدواء، وبذلك فإن عهد الطب الشعبي يرجع إلى زمن موغل في القدم خاصة إلى تلك الفترة التي انفصل فيها الإنسان عن الطبيعة حيث لم يعد يعتمد في عيشه على الصيد والالتقاط والجمع فحسب بل تعدى ذلك إلى الاستقرار وإنتاج الغداء،وبذلك تغيرت مفاهيمه تجاه البيئة التي يعيش فيها وأخدت تتبلور لديه ممارسات قائمة بشكل أكبر على استغلال الطبيعة الحيوانية والنباتية من حوله .وبدافع غريزة البقاء التي منحه الله إياها أراد الإنسان أن يحمي نفسه من المخاطر المحدقة به كلسعات الحشرات السامة وعضات الحيوانات المفترسة وما يتعرض له جسمه من جروح وكسور وما يعانيه من آلام جراء ذلك فاكتشف سواء عن طريق الفطرة والصدفة أوالملاحظة أن بعض العناصر الطبيعة النباتية لها قدرة علاجية قوية المفعول ،كما دفعه فضوله المعرفي إلى مراقبة سلوك الحيوانات التي تعيش من حوله ،فلاحظ مثلا أن الكلب - وهو أول من حيوان دجنه الإنسان -عندما يشعر بانحراف في صحته فإنه يأكل أعشابا معينة لتهدئة اضطراب المعدة وأن القطط تبحث عن نبات النعناع وتأكله بنهم شديد عندما تشعر بالتخمة لطرد الرياح والغازات من المعدة . وعن طريق  الملاحظة أيضا اكتشف أن رؤوس سهام صيده عندما تحتك بنباتات معينة فإنها تكون فعالة في قتل الفريسة فأصبح يدرك عن طريق التجربة أن هاته نباتات سامة يجب عليه الحذر منها وعدم استهلاكها. [5]وهكذا أخذت معارف الإنسان تتطور حول بيئته الطبيعية غير أن هذا لم يمنعه من الاعتقاد بقوة أن آلامه وأمراضه تسببها أيضا قوى أخرى غيبية، وبسبب محدودية معارفه أخد يفسر أن ما ألم به من أعراض على أنه لعنة من الآلهة أو بسبب أرواح ومخلوقات معادية. لذلك لجأ إلى الممارسات السحرية والخرافية في التداوي والتي يمارسها أشخاص لهم سلطة روحية، اعتبروا قادرين على العلاج وتخليص أجسام المريض من الأرواح الشريرة وما تسببه من آلام. لذلك يمكن القول أن الطب في بدايته كان مرتبطا بالسحر و أن أماكن العبادة  كانت هي مؤسسات العلاج الأولى. ولعل الدليل على ذلك هو أن الجمجمة التي عثر عليها بتافوغالت (كهف الغار- المغرب الشرقي ) في شرق المغرب والتي تعود إلى أكثر من 12 ألف سنة، وقد خضع صاحبها لعملية جراحية تعرف ''بالتربنة'' وهي إحداث  فتحة مستديرة في الجمجمة، وحسب الدارسين فإن هذه الممارسة قام بها أشخاص يتولون الإشراف على الطقوس والنواحي الروحية، ولابد أنه كان لهؤلاء الأشخاص بعض الملكات الاستثنائية التي أهلتهم لإحتلال منزلة اجتماعية مرموقة وإلا ما كان للمريض أن يضع الثقة فيهم لإجراء عملية مؤلمة أشد ما يكون الألم .[6]وقد عثر في الصين على مؤلفات في الطب الشعبي تعود إلى حوالي 3000 سنة ق.م . تضم ذكرا للأدوية المستعملة في ذلك الزمن وتحتوي على وصفات علاجية تتم عن طريق طقوس سحرية وغيبية .

يلاحظ أن جوهر الطب الشعبي في كثير من المجتمعات لم يتغير منذ القدم وحتى اليوم .فهذا النوع من الطب لا يزال يجمع بين خليط من المواد الطبيعية ( نباتات ،معادن ،أجزاء حيوانات ..)و عناصر أخرى وممارسات تصنف ضمن نطاق الغيب والخرافة ، لذلك نميل إلى الاعتقاد أن تجارب الإنسان في صراعه الطويل مع المرض قد شكلت تراكمات وخبرات اعتبرت فيما بعد أساسا متينا بنيت عليه المعارف الطبية المتقدمة خاصة عندما زادت معارف الإنسان وتغيرت نظرته لكل ما يحيط به ، ولذلك فإن التراث الطبي في العالم هو تراث مشترك وملك للإنسانية جمعاء وساهمت فيه كل الحضارات بقدر مع معين من التجارب والعطاء ،فمثلا ورتث الحضارة اليونانية والرومانية المعارف والمعتقدات الطبية لحضارات بلاد مابين النهرين ومصر والشرق الأقصى والحضارة الإسلامية بدورها في عصور ازدهارها تلقت المعارف اليونانية والرومانية والفارسية والأمازيغية، بالدراسة والترجمة والتمحيص، ولم يكتف المسلمون بالنقل فقط بل أضافوا إلى هذه المعارف بحيث أصبحت أصيلة فخلصوها من الممارسات الخرافية ومن المفاهيم الوثنية التي تتنافى مع مبدأ التوحيد، فجعل المسلمون الطب والصيدلة علوما تجريبية وألفوا فيها الكتب المهمة. وفي عصر النهضة ترجم الأروبيون معارف وعلوم العرب والمسلمين إلى لغاتهم الوطنية، فأصبحت تلك المعارف ركنا أساسيا بنيت عليه نهضة أروبا العلمية والثقافية والحضارية، فظلت مؤلفات ونظريات الأطباء العرب والمسلمين تدرس في جامعات ومعاهد أروبا حتى حدود القرن 19 م .[7]

الطب الشعبي ومصادر البيئة المحلية عدل

تلعب البيئة الجغرافية الطبيعية بما تتضمنه من عناصر : ماء ،تضاريس ، تربة ،نباتات ، حيوان ،مناخ..دورا رئيسا في تحديد السمات الأساسية لكل مجتمع من المجتمعات ،فظروف الوسط الجغرافي ، -خاصة في المجتمعات التي لم تصل بعد إلى مستوى معين من التقدم العلمي والتكنلوجي الذي من شأنه أن يمكنها من التغلب على المعيقات الطبيعية وتحويل معطيات المجال لصالح الإنسان – تتحكم وتحدد شكل النشاط الاقتصادي الممارس ونمط الحياة وشكل الإنتاج والمفاهيم الاجتماعية السائدة فمثلا البيئة الصحراوية الجافة بالمغرب تفرض على الإنسان الذي يستوطنها ممارسة نمط اقتصادي واجتماعي يتجلى في التنقل عبر المساحات الصحراوية بحثا عن الكلأ والماء والإقامة في الخيام وتربية مواشي ومزروعات مقاومة  للجفاف وتتحمل العطش وإقامة أنظمة سقي ( الخطارات مثلا) تهدف إلى تدبير القلة من موارد المياه  وغير ذلك من مظاهر التأقلم والاستجابة لظروف البيئة الطبيعية وما تتيحه من إمكانيات وموارد. ويعتبر الطب الشعبي من الميادين التي تستثمر فيها مصادر البيئة  المحلية المتاحة  وتستخدم كعناصر رئيسية في العلاج .ونورد بعض عناصر البيئة الطبيعية المستعملة في الطب الشعبي والتي جمعناها عن طريق استقصاءات شخصية وميدانية، ومن ذلك :

- عناصر علاجية ذات أصل نباتي: تضم الأشجار وبعض أجزائها كاللحاء والجذور والجذوع، الأوراق، الثمار، الأعشاب والنباتات الطبية والعطرية كالحلبة والفجل والأزير والبسباس والزعتر والحرمل والزيتون وزيته والعسل الثوم والعود ... - عناصر علاجية ذات أصل حيواني: ويستعمل فيها الحيوان وبعض أجزائه كالسلحفاة والقنفذ والضفدع  وبعض الأجزاء الأخرى كالمرارة والدم والشحم والقرون... عناصر طبيعية أخرى :وتشمل الأحجار(حجر الواد) والأصداف (الودع) ،حجر الملح (الملحة الحية)، النار، الرماد، ماء المطر، التربة ( تربة الأضرحة، تربة جحور النمل، تربة المقابر ..)،المعادن (الفضة،النحاس، الحديد)( حدوة الحصان)، التمائم، المزارات، الأحجبة، البخور، الطلاسم ، الحروز ..وهذه أمثلة للحصر فقط يتضح إذن أن الطب الشعبي يعتمد على قوى غيبية وفوق طبيعية في العلاج كما أنه   شديد الارتباط بالعناصر البيئية المحلية وما توفره من موارد نباتية وحيوانية ومعدنية، ولعل هذا ما يدفع إلى الاعتقاد بنجاعته في العلاج لأنه يستعمل عناصر طبيعية متاحة ،يعتقد الناس أنها إن لم تنفع فلن تضر ،خاصة في الوقت الذي أخدت تتبلور فيه مفاهيم تدعوا إلى العودة إلى الطبيعة  على مستويات عدة ، وأثبتت فيه الكثير من العقاقير الكيميائية عجزها على العلاج ومضاعفاتها الجانبية في كثير من الأحيان.

المراجع المعتمدة عدل

نجلاء عاطف خليل ،في علم الاجتماع الطبي : ثقافة الصحة والمرض،نشر مكتبة الأنجلو مصرية،2006، .

ابن خلدون ، المقدمة ،دار الفكر ، لبنان ،2001 -1421

منظمة الصحة العالمية :استراتيجية منظمة الصحة العالمية في الطب التقليدي: 2023-2014-.

رياض رمضان العلمي ، الدواء من فجر التاريخ. إلى اليوم ،عالم المعرفة ،عدد 121،يناير1988،

محمد القبلي وآخرون، تاريخ المغرب تحيين وتركيب،منشورات المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، الرباط 2011.

مصطفى الرافعي ،تأثير الحضارة العربية في الحضارة الغربية ، مجلة التراث العربي ، العدد 1،السنة الأولى ، اتحاد الكتاب العرب ،دمشق ،1979.

مراجع عدل

  1. ^ نجلاء عاطف خليل ،في علم الاجتماع الطبي : ثقافة الصحة والمرض،نشر مكتبة الأنجلو مصرية،2006،ص260.264 - نجلاء عاطف خليل ،في علم الاجتماع الطبي : ثقافة الصحة والمرض،نشر مكتبة الأنجلو مصرية،2006،ص260.264
  2. ^ ابن خلدون ، المقدمة ،دار الفكر ، لبنان ،2001 -1421، ص 651.- ابن خلدون ، المقدمة ،دار الفكر ، لبنان ،2001 -1421، ص 651.
  3. ^ منظمة الصحة العالمية :استراتيجية منظمة الصحة العالمية في الطب التقليدي 2023-2014- ص 15.- منظمة الصحة العالمية :استراتيجية منظمة الصحة العالمية في الطب التقليدي 2023-2014- ص 15.
  4. ^ .نجلاء عاطف ، مرجع سابق ، ص 282.- .نجلاء عاطف ، مرجع سابق ، ص 282.
  5. ^ رياض رمضان العلمي ، الدواء من فجر التاريخ. إلى اليوم ،عالم المعرفة ،عدد 121،يناير1988،ص 16- رياض رمضان العلمي ، الدواء من فجر التاريخ. إلى اليوم ،عالم المعرفة ،عدد 121،يناير1988،ص 16
  6. ^ -محمد القبلي وآخرون، تاريخ المغرب تحيين وتركيب،منشورات المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، الرباط 2011.ص54- -محمد القبلي وآخرون، تاريخ المغرب تحيين وتركيب،منشورات المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، الرباط 2011.ص54
  7. ^ مصطفى الرافعي ،تأثير الحضارة العربية في الحضارة الغربية ، مجلة التراث العربي ، العدد 1،السنة الأولى ، اتحاد الكتاب العرب ،دمشق ،1979.- مصطفى الرافعي ،تأثير الحضارة العربية في الحضارة الغربية ، مجلة التراث العربي ، العدد 1،السنة الأولى ، اتحاد الكتاب العرب ،دمشق ،1979.