مستخدم:Dr.anas saeiid/ملعب

كان وأخواتها"كان وأخواتها" بين التمام والنقصان

لسنا هنا لعرض ما هو منشور في ثنايا كتب النحو عن "كان وأخواتها"، ولكننا هنا لننظر في حقيقة نقصان كان وأخواتها، وسيكون هذا المقال واحدا من مقالات عديدة تهدف إلى تقديم قراءات اجتهادية في جميع المسائل النحوية؛ ذلكم أننا نؤمن بأن النحو في حاجة إلى إعادة النظر في جميع مسائله، ونؤمن كذلك بأن النحو لم يحترق بحثا ودراسة، ونؤمن أيضا أن السابق قد ترك للاحق الكثير، وأن باب الاجتهاد مفتوح إلى قيام الساعة.

إنني أدعوكم إلى التفاعل مع هذا المقال تفاعلا إيجابيا يخدم لغتنا العربية القوية، ويحببها إلى قلوب أبنائها حتى يكونوا قادرين على التحدث بها بطلاقة وعفوية. وأفعال هذا الباب: كان؛ نحو: كان محمدٌ مجتهدًا، وصار؛ نحو: صار محمدٌ مجتهدًا، وأمسى وبات؛ نحو: أمسى محمدٌ وبات عالمًا، وأضحى محمدٌ نشيطًا، وليس؛ نحو: ليس محمدٌ مهملًا، وظل؛ نحو: ظل محمدٌ مجتهدًا، ومازال ومابرح ومافتئ وما انفك محمدٌ حريصًا على طلب العلم، ومادام؛ نحو: أجتهد في إرضاء الله مادمت حيًّا[1]. ويشترط في مجموعة من أخوات كان أن يكنَّ مسبوقات بنفي ملفوظ، وهذه المجموعة هي: مازال ومابرح ومافتئ وما انفكَّ، وقد يكون النفي مقدرا؛ كما في قوله تعالى: (قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ)[2]، ويشترط في الفعل (دام) أن يكون مسبوقا بالحرف (ما) المصدري الزماني. إن المشهور بين النحاة أن كان وأخواتها أفعال ناسخة ناقصة؛ تدخل على الجملة الاسمية، فترفع المبتدأ ويُسمَّى اسمَها، وتنصب الخبر ويسمى خبرها؛ كما في قولنا: "كان زيدٌ مجتهدًا"؛ فالأصل: زيدٌ مجتهدٌ. والمشهور بينهم أيضا أنها قد تأتي تامة، وذلك إذا تغير معناها إلى معنى "قام أو حصل"؛ كما في قولنا: "اشتدَّ الخلافُ فكان الاشتباك"؛ أي: فحصل الاشتباك.

والمشهور كذلك في تعليل نقصان هذه الأفعال أنها لا تكتفي بمرفوعها لافتقارها إلى المنصوب؛ فقولنا: "كان محمدٌ" غير مفيد، وهذا يعني أننا من أجل تقرير نقصان أو تمام هذه الأفعال مطالبون بإثبات افتقار هذه الأفعال إلى الخبر وعدم اكتفائها بالخبر، وهذا يعني أننا يجب أن ننظر في تعريف النحاة المشهور لهذه الأفعال، ثم النظر في صفات هذه الأفعال.

أما التعريف المشهور لهذه الأفعال، وهو أنها أفعال ناسخة ناقصة تدخل على الجملة الاسمية فترفع المبتدأ ويسمى اسمها وتنصب الخبر ويسمى خبرها، فيعني أن "كان" في قولنا: "كان محمدٌ" لم تدخل على الجملة الاسمية؛ فالنقصان هنا في الجملة لخلوها من الخبر، وليس في كان، وقس على ذلك أخوات كان.

وأما القول بافتقارهن إلى الخبر فيعني عدم وجود الخبر أصلا قبل دخولهن، وهذا يعني بالضرورة أن هذه الأفعال لم تدخل على جملة لعدم وجود الأصل الثاني المتمم لها، وعلى ذلك فالقول بالافتقار خطأ يجب إبطاله.

وأما صفات هذه الأفعال فإن الأفعال الناقصة تتصف بافتقارها إلى المنصوب، وبعدم الافتقار إليها، وبعدم أصالتها، وبعدم قوتها؛ أما من حيث الافتقار فقد ذكرنا أن هذا القول يعني بالضرورة عدم وجود الخبر أصلا، وهذا يؤدي بالضرورة إلى القول بأن هذه الأفعال لم تدخل على جملة، لعدم وجود الأصل الثاني المتمم لها، وعلى ذلك فإن هذه الأفعال غير مفتقرة إلى الخبر لوجوده أصلا قبل دخولهن عليه.

وأما من حيث عدم الافتقار إليهن فإن المعنى وإفادة تغير أو عدم تغير الخبر لا يتم إلا بهذه الأفعال، وهذا يعني بالضرورة أن هذه الأفعال مفتقَرٌ إليها.

وأما من حيث الأصالة فإن عدم قيام المعنى، وعدم حصول الفائدة إلا بهن، يعني وجوب وجودهن، وواجب الوجوب لا يستغنى عنه، وما لا يستغنى عنه أصل.

وأما من حيث القوة فإن إعمالهن النصب في الخبر المرفوع أصلا، إضافة إلى كل ما سبق ذكره، دليل قوة فيهن.

فإذا كانت هذه الأفعال غيرَ مفتقرة إلى الخبر لوجوده أصلا قبل دخولهن على الجملة الاسمية، وكن مفتقَرًا إليهن لإفادة معنى جديد أو لإقرار معنى قديم، وكن أصيلات لا يستغنى عنهن، وكن قويات عملا وصفة، فكيف يقال بنقصان هذه الأفعال؟!

فمن تمسك بافتقار هذه الأفعال إلى المنصوب قلنا له إن ظن وأخواتها مفتقرات إلى المنصوب الثاني افتقارا أشد من افتقار كان وأخواتها إلى الخبر، ومع ذلك لا يعد ظن وأخواتها أفعالا ناقصة.

إذن، ومن خلال العرض السابق يتبين أن هذه الأفعال تامة مطلقا، والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم.

  1. ^ أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك لابن هشام، ج1، ص209 وما بعدها، تح: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا_بيروت
  2. ^ قرآن، سورة يوسف 12، الآية 85