ولد بسام العسلي ونشأ في حيّ الميدان، وهو أحد أحياء دمشق العريقة، من أسرة إتسمت بالروح الوطنية و العمل في الحقل السياسي.
فمن أبناء عمومته شكري العسلي (1868م – 1916م) سياسي، وكاتب، ومحام عربي سوري، ومن زعماء النهضة العربية. كان له دور بارز في الحياة السياسية، وفي كشف أهداف الحركة الصهيونية وفي مقاومتها. دفع ثمنًا باهظاً لمواقفه، ونفذ فيه حكم الإعدام في ساحة الشهداء في دمشق في (6 أيار1916). ونجله الفنان خالد العسلي وهو دبلوماسي سوري وفنان تشكيلي، صمم شعار الجمهورية العربية السورية1945.
ومنهم فائق العسلي[1] (1894 – 1926م) الذي التحق بالثورة السورية، وكان ركناً بين قياداتها واستشهد في معركة جباتا الخشب مع عمه الشهيد حكمت العسلي، ومنهم أيضاً رئيس وزراء سورية الأسبق صبري العسلي[2] (1903- 1976م) الذي كان من أعضاء الكتلة الوطنية وتولى رئاسة مجلس الوزراء في سورية في عهد الاستقلال لثلاث مرات على التوالي: 1954/1955/1956م.
في هذا المناخ السياسي والاجتماعي نشأ بسام العسلي وكان الأخ الأكبر لأربعة إخوة هم الدكتور المحامي عصام، ورَجُلَيّ الأعمال مروان ورضوان، و عبد المجيد، وأربع أخوات نجاة وندوة وحسن ونجوى.
ولئن تيسرت له الأمور بإعادة بناء داره من جديد إلا أنَّ الحياة لم تعد بتلك البحبوحة.
ولقد كانت نشأته في ظل تربية جمعت بين الشِّدة واللين.
في عام 1956م تزوج من المربية الفاضلة ملك الصواف، وأنجب منها أربعة أبناء؛ الدكتور الطبيب حسام والدكتور المهندس حازم والدكتورة باسمة والدكتورة الصيدلانية ميساء.
أمضى طفولته في الذهاب الى الكتَّاب ليتخرج منه حافظاً لربع يس.
انتقل بعد ذلك إلى ابتدائية خالد بن الوليد ومن ثمَّ إلى مدرسة التجهيز الثانية (للمرحلتين الإعدادية والثانوية) وشارك وهو ما يزال طالباً بحيوية ونشاطٍ لافت في المظاهرات التي قامت في سورية ضد المستعمر الفرنسي. وكثيراً ما كان يتكرر على ألسنة المتظاهرين تلك الأهزوجة التي تلهب المشاعر ضد المستعمر:
يا ظلامَ السّـجنِ خَيِّمْ إنّنا نَهْـوَى الظـلامَا
ليسَ بعدَ الليل إلا فجـرُ مجـدٍ يتَسَامى
وحدثت نكبة فلسطين وتعامل معها - هو والكثير من أبناء جيله – كما لو كان الأخذ بالثأر لكرامة الأمَّة الجريحة واسترداد الحق المسلوب مسؤوليتهم الشخصية، فانتسب الى الكلية العسكرية سنة 1950م، وتخرَّج في سلاح المشاة برتبة ملازم عام 1952م. وكان من أوائل دفعته.
مقابلة مع الضابط المظلي بسام العسلي في مجلة الجنديمقابلة مع الضابط المظلي بسام العسلي في مجلة الجنديفي 20 أيلول من عام 1952م تم إيفاده برفقة مجموعة من زملائه إلى فرنسا، لاستكمال تدريبهم العسكري، وهناك تلقى دورة تخصصية في أعمال المظليين. عاد بعده الى وطنه ليكون واحداً من خمسة ضباط أنشأوا سلاح المظليين في سورية، وليخدم في عدد من قطعات الجيش السوري، ثم لينفذ أخطر قفزة حرَّة في تاريخ سلاح المظليين يصحُّ أن تسجل في أرقام غينيس، أثناء العرض العسكري عام 1955م، إذ لم يفتح مظلته إلا قبل أمتار قليلة من الأرض، قفزة أشادت بها كل وسائل الإعلام في ذلك الوقت.
عام 1960م أُرسل مع كتيبته إلى مصر للانضمام الى سلاح المظليين هناك، وشارك في قوات الأمم المتحدة لحفظ السَّلام في الكونغو، حيث كان نائباً لقائد القوة العسكرية المشاركة من قبل الجمهورية العربية المتحدة.[3]
حركة الانفصال 1961:على الرغم من أن الوحدة العربية كانت ولاتزال حلماً لكل عربي إلا أنّ الممارسات التي تم القيام بها من قبل القيادة المصرية خلال سنوات الوحدة بين الجمهورية العربية السوريةوجمهورية مصر العربية والتي بدأت بإلغاء الأحزاب والحياة السياسية في سوريا ومن ثم إطباق القبضة الحديدية على الشعب السوري بكل مفاصل حياته، ما دفع العسلي مع مجموعة من ضباط الجيش العربي السوري بقيادة العقيد عبد الكريم النحلاوي للقيام بواجبهم تجاه شعبهم وبلدهم، لم يكن هدف وجوهر هذه الحركة الانفصال[4]، بل كان هدفها إعادة الوحدة إلى مسارها الصحيح وإرساء المقومات السليمة التي تسمح بضمان وتعزيز نجاحها، إلا أن القيادة المصرية لم تستجب لمطالبهم، ما أدَّى إلى تحول هذه الحركة إلى ما عرف لاحقًا بحركة الانفصال. وتجدر الإشارة هنا إلى مدى إيمان بسام العسلي ورفاقه من ضباط حركة الانفصال بمبادئ الحريات المدنية والديمقراطية، حيث أن حركة الانفصال هي الحركة العسكرية الوحيدة في التاريخ العربي المعاصر التي قامت بتسليم مقاليد الحكم إلى حكومة مدنيّة ديمقراطية وعادت من بعد ذلك إلى ثكناتها وقطعاتها. إنظر انقلاب 1961 (سوريا).
وداعاً أيها السِّلاح: عاد بسام العسلي بعد 8 آذار1963 إلى سورية وأحيل الى التقاعد برتبة مقدم وهو في الرابعة والثلاثين من عمره، وذلك مع كثير من ضباط الجيش العربي السوري، فتفرغ للكتابة والتأليف، وأبى أن يغادر وطنه الذي أحبه، والذي راهن على أن يعيش وأبناؤه في كنفه، بحيث يتعلم أولاده في وطنهم.
تغير في المسيرة: منذ نعومة أظفاره، كان بسام العسلي شغوفاً بالقراءة، وفي مرحلة الكلية العسكرية كانت له إسهامات كتابية في مجلة "الجندي"، وبعد إحالته إلى التقاعد في عمر مبكر، اتجه إلى المجال الذي أحبه وهو العمل الكتابي، وتخصص في التاريخ العسكري حتى صارمن أكثر الكتـَّاب في هذا الاختصاص شهرة وإنتاجاً.
عانى بسام العسلي في سنواته الأخيرة من ظروف صحية صعبة، بقي معها كعادته صابراً محتسباً، ولم تصرفه هذه الظروف عن متابعة العمل الفكري والكتابة إلا لفترة قصيرة قبل وفاته في دمشق يوم السبت 10 جمادى الأولى1439 للهجرة الموافق 27 يناير2018 للميلاد.
رفيق السِّلاح وصديق العمر؛ السيِّد أحمد راتب عرموش صاحب دار النفائس:
"بسام العسلي، النجم الذي هوى، والعلم الذي انطوى، الفقيد الغالي بسام العسلي كان متفوقاً في خدمته، وهو صاحب أخطر قفزة في المظلات، وكان شجاعاً، ونبيلاً، وكريمًا. بعد إحالتنا إلى المعاش أسست أنا دار النفائس، وبدأ هو التعمق في العلوم العسكرية والتاريخ الإسلامي، فهو وطني عاشق للجندية ومتلهف لخدمة بلده، وخلال مدة وجيزة أصبح من كبار الإستراتيجيين العسكريين."
"يمكن القول: إن الجهود التي بذلها بسام العسلي، والدراسات الفريدة التي أخرجها للناس، تعتبر أعمالاً رائدة ومنجزات علمية وثقافية متميزة، دلت على طول نَفَسٍ في البحث، وصبرٍ دائب على جمع المعلومات، وعكوفٍ طويل على الكتابة والتأليف، وما كان هذا ليتيسر له لولا التفرغ الذي أتيح له، والعزلة التي فرضها على نفسه، بعيداً عن إغراء الشهرة الزائفة والأضواء الخادعة. فرحم الله بسام العسلي، وأسكنه فسيح جناته، ونفع الأمة بما تركه من تراث تاريخي متميز، ودراسات استراتيجية رائدة."[5]
"وها هو يرحل اليوم، بل يترجل فارس آخر من فرسان القلم عن صهوة العطاء للجزائر، علمًا أنه ليس من أبنائها ولم يولد بترابها، بل ملاحم أرض المليون ونصف شهيد جعلته في رتبة مجاهدي الثورة بقلمه وفكره، رحل هذا الفارس لترتفع روحه الطاهرة الى بارئها سبحانه لعظيم، وليلحق بركب الشهداء والصديقين الذين أفنى عمره يحكي لنا عن أمجادهم ويؤرخ لتضحياتهم."[6]
رحل بسام العسلي مخلفاً وراءه أكثر من مائة كتاب في تاريخ المعارك والقادة العسكريين من التاريخ الإسلامي والتاريخ الغربي؛ كل هذه المؤلفات تعدُّ برمتها مكتبة متنقلة، تضمُّ موسوعات تاريخية تفتح لنا أبوابها على تاريخ الأمَّة العربية والإسلامية وفتوحاتها، وعلى الكثير من القادة العسكريين في العالم والمذاهب العسكرية المختلفة، وقد صدرت كتبه عن عدد من دور النشر العربية:
الملك عبد العزيز (1880- 1953م) رائد أمة...ومؤسس دولة
الكتب التي ترجمها:
إضافة إلى ما ألف وكتب بسام العسلي، فقد قام بترجمة سبعة كتب ذات طابع عسكري واستراتيجي، إلى اللغة العربية من اللغتين الفرنسيةوالإنجليزية، فأثرى المكتبة العسكرية العربية بها، وهي:
أعلام الجاسوسية العالمية: تأليف: كيرت سنجر، دار اليقظة العربية، بيروت، 1965م