شاهد قبر منيساريتي؛ خادمة صغيرة (إلى اليسار) تقف أمام سيدتها الميتة.[1] أتيكا، حوالي 380 ق.م. (متحف جليبتوتيك، ميونخ، ألمانيا)

العبودية في اليونان القديمة

المصطلح عدل

 
سيد (إلى اليمين) وعبد (إلى اليسار) في رسم أحمر على كأس صقلي، 350 ق.م. متحف اللوفر في باريس

أشار اليونانيون القدماءإلى العبيد بأكثر من كلمة ،ومن ثم ينبغي وضع كل منها في سياقها منعا لأي لبس. أشار كل من هوميروس وهيسيود وثيوجنيس ميغارا إلى العبيد بكلمة δμώς / dmôs. ولهذا المصطلح معنى عام، ولكنه يستخدم على الأخص للإشارة إلى سجناء الحرب الذين أخذوا غنيمة، أو بعبارة أخرى، صاروا من المملوكين.

وفي الفترة الكلاسيكية، استخدم اليونانيون بكثرة مصطلح ἀνδράποδον /andrápodon ، والذي يعني حرفيًا :"من له قدما رجل"، وذلك في مقابل τετράποδον /tetrapodon، "ذوات الأربع" أو الثروة الحيوانية. والكلمة الأكثر شيوعا هي δοῦλος / doûlos، وقد ظهرت صيغة مبكرة منها في نقوش ميسينية على شكل do-e-ro، وذلك في مقابل (ἐλεύθερος / eleútheros) أي "رجل حر". ويمكن أن يستخدم الفعل δουλεὐω ، وهو لا يزال موجودا في اليونانية الحديثة بمعنى: يعمل، مجازيًا للتعبير عن صور أخرى من السيادة، مثل سيادة مدينة على أخرى، أو سيادة الوالد على طفله. وأخيرا، استخدم مصطلح οἰκέτης / oikétês بمعنى "الذي يعيش في منزل"، للإشارة إلى خدم المنازل.

وقد استُخدمت مصطلحات أخرى أعم لا تفهم إلا في سياقها مثل:

- θεράπων / therápôn- وكانت تعني "مرافق" في زمن هوميروس. (فقيل عن باتروكلاس أنه therapôn أخيل، وعن مريونس أنه therapôn ايدومينيوس)؛ كما استخدمت في العصر الكلاسيكي بمعنى :"خادم".

- ἀκόλουθος / akólouthos- وهي تعني حرفيًا "التابع" أو "الذي يصاحب". واستخدمت صيغة التصغير منها ἀκολουθίσκος للإشارة إلى صبيان الخدم.

- παῖς / pais- وتعني حرفيًا "الطفل"، وقد استُخدمت بمعنى "خادم المنزل الصبي"، كما استُخدمت بوصفها صيغة إهانة للإشارة إلى البالغين من الخدم.

- σῶμα / sôma- ومعناها الحرفي "الجسد"، وكانت تستخدم في سياق الحديث عن العتق أو التحرير

أصول العبودية عدل

الدور الاقتصادي عدل

 
الزراعة بوصفها استخدامًا شائعًا للرقيق، رسم أسود على جرة للفنان أنتيمنس، المتحف البريطاني

كانت جميع الأنشطة متاحة للرقيق باستثناء السياسية منها. فقد كانت السياسة عند اليونانيين النشاط الوحيد الذي يتطلب أن يكون المرء "مواطنًا"، أما الأنشطة الأخرى فقد كانت متاحة بقدر الإمكان لغير المواطنين. حيث كان المركز هو المهم وليس النشاط ذاته.

كانت الزراعة، قاعدة الاقتصاد اليوناني، هي مجال الاستخدام الرئيسي للرقيق. وربما امتلك بعض صغار ملاك الأراضي عبدًا واحدًا أوحتى عبدين. و يدل ادب التعليمات الوفير الموجّه لملاك الأراضي (مثل كتاب "الاقتصاد" لزنوفون، أو ذلك المنسوب خطأ إلى أرسطو) على وجود عشرات العبيد في المزارع الأوسع حجمًا؛ فكانوا إما عمالًا أو رؤساء عمال. وقد اختُلف حول المدى الذي وصل إليه استخدام الرقيق بوصفهم قوة عاملة في الزراعة. ومن المؤكد أن الرق الريفي كان شائعًا جدًا في أثينا، وأن اليونان القديمة لم تكن تعرف التعداد الضخم للعبيد االذي عرفه الإقطاع الروماني.

انتشر عمل العبيد في المناجم والمحاجر، حيث عمل فيها أعداد كبيرة من العبيد، من الذين استأجرهم المواطنين الاثرياء في الغالب. استأجر الستراتيجوس نيشياس ألفًا من العبيد للعمل في مناجم الفضة بلوريوم في أتيكا، واستأجر هيبونيكاس 600 عبدًا، وفيلونيديس 300 عبدًا.وقد أشار زنوفون إلى أنهم كانوا يتلقون أوبلة واحدة مقابل كل عبد في اليوم، مما يصل إلى 60 درخامة في السنة. لقد كان ذلك أحد أعلى الاستثمارات ربحًا بالنسبة للأثينيين. وقد قُدّر عدد العبيد العاملين في مناجم لاريوم أو في مصانع تجهيز الخام بحوالي 30 ألفًا. وقد اقترح زنوفون أن تشتري المدينة عددًا أكبر من العبيد، بما يصل إلى ثلاثة عبيد لكل مواطن، وذلك لضمان إعالة جميع المواطنين.

استُخدم العبيد كذلك للقيام بمهنة الحرفيين والتجار. وكما كان الحال في الزراعة، فقد عُني الرقيق بالقيام بالوظائف التي تفوق قدرات الأسرة. واستُخدم العدد الأكبر من العبيد في ورش العمل؛ فعمل 120 من الرقيق في مصنع الدروع الخاص بليسياس ، وامتلك والد ديموسثينيس 32 صانع سكاكين و 20 صانع أسِرّة.

عمل العبيد في المنازل كذلك. وكان الدور الرئيسي للعبد في المنزل هو النيابة عن سيده في تجارته، ومصاحبته في الرحلات. أما في وقت الحرب، فكان العبد يتحول إلى جندي مراسلة لجنود المشاة. أما الإناث من الرقيق، فكانت وظيفتهن القيام بالأعمال المنزلية، وبالأخص الخَبز وصناعة المنسوجات. ولم يخلُ من العبيد إلا منازل أفقر المواطنين.

الديموغرافية عدل

التعداد عدل

 
عبد إثيوبي يحاول ترويض حصان، التاريخ مجهول، متحف الآثار الوطني في أثينا

مصادر الإمداد عدل

توفرت أربعة مصادر رئيسية للعبيد: أولها الحرب. فالمغلوب يصير عبدًا للمنتصر إلا إذا تم التوصل إلى اتفاق أكثر موضوعية؛ أما المصادر الأخرى فهي القرصنة؛ وقطع الطريق، والتجارة الدولية.

الحرب عدل

امتلك المنتصر حقوقًا مطلقة على المهزوم وفقًا لقواعد الحرب آنذاك، سواءً كان جنديًا أو لم يكن. وبالرغم من أن الاسترقاق لم يكن ممنهجًا، فقد كان يعد ممارسة شائعة. ذكر ثيوسيديدز ان نيشياس أخذ 7000 من سكان هيكارا بصقلية أسرى، وبيعوا مقابل 120 وزنة في قرية كاتانيا المجاورة. وبالمثل، تحول جميع سكان أولنثوس إلى رقيق عام 348 ق.م.، كما حوّل الاسكندر الأكبر سكان طيبة إلى عبيد في 335 ق.م.، وقد فعلت الرابطة الآخية الشيء نفسه مع سكان مانتينيا.

القرصنة وقطع الطريق عدل

تجارة الرقيق عدل

النمو الطبيعي عدل

 
شاهد قبر يمثل طفلين مع مربيهم، ماتوا في زلزال، نيقوميديا، القرن الأول قبل الميلاد، متحف اللوفر

وضع الرقيق عدل

تعددت درجات الاسترقاق عند الإغريق، فكانت هناك فئات كثيرة بدءًا من المواطن الحر وانتهاءً بالرقيق المملوك، مرورا بالبنستاي أو الهلوت، والمواطنين المحرومين من حقوقهم، والمُعتقون، والاوباش، والمقيمون الأجانب (المتيك). ويربط بين هؤلاء جميعًا أنهم محرومون من الحقوق المدنية. وقد قدّم موسى فينلي مجموعة من المعايير لقياس درجات الاسترقاق المختلفة:

  • الحق في الملكية الخاصة
  • السلطة على عمل شخص آخر
  • سلطة عقاب شخص آخر
  • الحقوق والواجبات القانونية ( العرضة للاعتقال و/أو العقوبة التعسفية أو المقاضاه)
  • الحقوق والامتيازات العائلية (الزواج والميراث ... إلخ)
  • إمكانية الحراك الاجتماعي (العتق أو التحرير، والحصول على حقوق المواطن)
  • الحقوق والواجبات الدينية
  • الحقوق والاتزامات العسكرية (الخدمة في الجيش كموظف، أو كجندي ثقيل أو خفيف، أو كبحار)

رقيق أثينا عدل

كان رقيق أثينا ملكًا لسيدهم (أو للدولة)، يتصرف فيهم حسبما يراه مناسبًا. فيمكنه أن يعطيهم لغيره، أو يبيعهم، أو يؤجرهم ، أو يورثهم. ويمكن للرقيق أن يتخذ زوجة/زوجًا وأبناء، ولكن الدولة لا تعترف بالاسرة المملوكة، ويحق للسيد تفريقهم في أي وقت شاء. وقد امتلك الرقيق حقوقًا قضائية أدنى من حقوق المواطنين، وكان السيد يمثلهم في جميع الإجراءات القضائية. ولو أن العبد ارتكب جنحة أدت إلى تغريم الحر، فإنه يجلد مقابل ذلك. ويبدو أن النسبة كانت سوطًا واحدًا لكل درخامة. كما أن شهادة الرقيق لم تكن مقبولة إلا إذا كانت تحت وطأة التعذيب، فيما عدا استثناءات قليلة. حيث كان العبيد يعذبون في المحاكمات لأن ولاءهم غالبًا ما يظل لأسيادهم.ومن أمثلة وفاء العبيد القصة الشهيرة لثيميستوكل ومملوكه الإيراني سيكينس (والذي كان النقيض من إفيالتس تراخيس) ، حيث خان زيركسيز على الرغم من أصله الإيراني ، واعان الأثينيين في معركة سلاميس. ولكن على الرغم من تعذيبهم في المحاكمات، فقد تمتع رقيق أثينا بحماية غير مباشرة : فلو أن العبد تعرض لمعاملة سيئة، فإنه يحق لسيده الشروع في دعوى قضائية بخصوص الخسائر والفوائد (δίκη βλάβης / dikê blabês). وبالمثل، يحق لأي مواطن محاكمة السيد الذي يسيء معاملة مملوكه (γραφὴ ὕβρεως / graphê hybreôs) . إن هذه القوانين لم تسن مراعاة للرقيق، وإنما تجنبا للعنف الزائد (ὕβρις / hubris). ادّعى إيسقراط أن "أقل الرقيق قيمة لم يكن ليُعدم دون محاكمة". فلم تكن سلطة السيد على عبده مطلقة. وقد نص قانون دراكو على أن عقوبة قاتل الرقيق الإعدام؛ حيث كان المبدأ الذي ينطلق منه هو "هل انتشار هذه الجريمة أكثر يمكن أن يؤدي إلى أضرار خطيرة على المجتمع؟" إن الدعوى المرفوعة ضد قاتل الرقيق لم تكن دعوى تعويض عن خسائر، مثلما يكون الحال مع قاتل الماشية، بل δίκη φονική (dikê phonikê)، والتي يُعاقب عليها لانتهاكها الدين عن طريق سفك الدماء. أما في القرن الرابع قبل الميلاد، فقد كانت محكمة البلاديون هي المسئولة عن محاكمة المتهم في هذه الحالة، وهي المحكمة المختصة بجرائم القتل الخطأ. ويبدو أن العقوبة المفروضة كانت أعلى من الغرامة وأدنى من الإعدام-فلعلها كانت النفي، مثلما كانت عقوبة قتل المتيك. ولكن على الرغم من كل ذلك، فقد انتمى الرقيق انتماءً حقيقيًا إلى أسرة سيدهم. وجرت العادة باستقبال العبد الجديد بتقديم المكسرات والفواكه، مثلما هي العادة في استقبال العروس الجديدة بالضبط. كما شارك الرقيق في معظم الطقوس المدنية والاسرية، بل إنهم كانوا يُدعَون صراحة إلى مأدبة الإراقة (Choes)، في اليوم الثاني من عيد أنثستريا، كما سُمح لهم بالشروع في الطقس السري الإليوسيني. وكان بمقدور الرقيق طلب اللجوء إلى معبد أو مذبح، كما يفعل الأحرار تمامًا. وقد اشترك الرقيق في عبادة آلهة أسيادهم، وإن سُمح لهم بالإبقاء على أعرافهم الدينية الخاصة إن وجدت. لم يُكفل للرقيق حق الملكية، ولكن أسيادهم عادة ما كانوا يسمحون لهم بالإدخار حتى يتمكنوا من شراء حريتهم. ولا تزال هناك سجلات باقية حتى اليوم تسجل قيام رقيق بأعمال تجارية بأنفسهم، ولم يكن عليهم أن يدفعوا سوى ضريبة ثابتة لأسيادهم. بالإضافة إلى ذلك، فقد كان في أثينا قانون يجرّم ضرب الرقيق: فلو أن امرءًا ضرب من يبدو له عبدًا في أثينا، قد يفاجأ بأنه ليس سوى مواطن مثله، حيث أن كثيرًا من هؤلاء لم يكن يرتدي ملابس أفضل حالًا من الرقيق. كما درج أهل اثينا على تقبل الردود الفجة من الرقيق بشكل أثار دهشة بقية سكان اليونان. وقد حارب رقيق أثينا جنبًا إلى جنب مع أحرارها في معركة ماراثون، وهو ما تخلد ذكراه الآثار. كما صدر مرسوم رسمي قبل معركة سلاميس ينص على وجوب أن "ينقذ المواطنون أنفسهم، ونساءهم، وأطفالهم، ورقيقهم". فُرضت على الرقيق قيود والتزامات جنسية استثنائية، فعلى سبيل المثال، لم يُسمح للعبد بأن تكون له علاقة شاذة مع صبيان الأحرار ("لا يسمح للرقيق أن يكون عاشقا لصبي حر، ولا أن يتتبعه، وإلا عوقب بخمسين جلدة علنية"). كما حُرم العبيد من دخول معهد المصارعة ("لا يُسمح للرقيق بممارسة الرياضة أو التدهن بالزيت في معاهد المصارعة"). ويُنسب القانونان السابقان لسولون. وقد وفّر الآباء المعنيون بحماية صبيانهم من أية ممارسات غير مرغوب فيها حارسًا لهم من الرقيق، وسُمّي "المُربي" ليرافق الصبي في أسفاره. وقد جرت العادة باسترقاق أبناء الأعداء المغلوبين، وكثيرًا ما كانوا يُضطرون إلى العمل في بيوت الدعارة الذكورية، كما كان الحال مع فيدون الإليسي، والذي اشتراه أصدقاء سقراط الأثرياء وأعتقوه من ذلك المكان بناء على طلب الفيلسوف. ونص القانون على تجريم اغتصاب الرقيق، مثلما هو الحال مع المواطنين تمامًا.

رقيق جورتين عدل

 
جزء من قانون جورتين، في جورتين بجزيرة كريت

أما في جورتين بجزيرة كريت، فقد دل قانون منقوش على حجر يعود تاريخه إلى القرن السادس قبل الميلاد على معاناة الرقيق (doulos أو oikeus) من التبعية الشديدة. حيث كان ابناؤهم ملكًا للسيد، والذي كان مسئولًا عن جميع إساءاتهم، وكان بالمثل يتلقى تعويضات عن أي جرائم يرتكبها آخرون في حق رقيقه.كما ضاعف قانون جورتين، والذي كانت معظم العقوبات فيه مالية، الغرامة على الرقيق لارتكاب جنحة أو جناية، وبالمثل، كلّفت الجريمة المُرتكبة في حق رقيق أقل بكثير من تلك المُرتكبة في حق حر. على سبيل المثال، بلغت عقوبة اغتصاب عبد لحرة غرامة مائتي استاتر (ربعمائة درخامة)، في حين لم تزِد عقوبة اغتصاب عبد لأَمة غير عذراء على غرامة أبولة واحدة (سُدس درخامة). وعلى الرغم من ذلك، فقد تمتع الرقيق بحق ملكية المنازل والمواشي وتوريثها إلى ذرياتهم، وكذلك الملابس والأثاث المنزلي. واعترف القانون بأسرة الرقيق، فلهم الحق في الزواج، والطلاق، وكتابة الوصية، والميراث، مثل الأحرار تمامًا.

حالة خاصة: رق الدَين عدل

قبل أن يحظر سولون رق الدَّين، اعتاد الأثينيون أن يُستعبد صاحب الدين غير القادر على دفعه، بحيث يصير رقيقًا عند الدائن.[2] وقد اختلف المؤخون المُحدثون في طبيعة هذه التبعية، أهي استعباد حقيقي أم صورة أخرى من صور الأسرْ؟ والمعنيون بهذه المسألة في المقام الاول هم الفلاحون المعروفون باسم الإكتيموري (أصحاب السُدس)[3]، والذين كانوا يعملون في أراضٍ مؤجرة يملكها أثرياء المُلاك، ولا يملكون ما يدفعون به الإيجار. وفي هذه الحالة، يتحرر الرقيق عند سدادهم الديون الأصلية. وقد تطور هذا النظام في منطقة الشرق الأدنى بإدخال بدائل أخرى، كما أنه ذُكر في الكتاب المقدس.[4] ولكن سولون وضع حدًا لهذا النوع من الاسترقاق عن طريق قانون سيسكثيا (σεισάχθεια / seisachtheia) أي "رفع الأعباء"، والذي حال دون أن يطالب الدائن بشخص المدين، وجرّم بيع أحرار أثينا، بما في ذلك بيعهم لأنفسهم. وقد استشهد سقراط في كتابه "الدستور الأثيني" بإحدى قصائد سولون، والتي يقول فيهها:

كم من رجل باعته خديعةُ مكرٍ أو قانون

أُبعِد عن أرض الله فأصبح عبدًا منبوذًا
ثم رددته إلى أثينا
كم من منفيَّ أبعده الدَّين عن الأوطان
لا يتكلم إلا بلسان أثينا
لكن صال وجال البلدان
فرددته إلى أثينا
وكم من رجل سام الذل وهان
ثم لدى سيده الساخط أحنى الجبين
فوهبته الحرية[5]

وبالرغم من ان مفردات سولون في الحديث عن الامر هي المفردات "التقليدية" للحديث عن الاسترقاق، إلا أن رق الدَّين كان مختلفًا عن الرق العادي، فعلى الأقل يظل الأثيني أثينيًا، وإن كان معتمدًا على أثيني آخر، كما أنه يظل في موطنه الاصلي.[6] مما يفسر موجة الاستياء ضد رق الدَين التي سرت في القرن السادس قبل الميلاد، فهي لم تكن تطالب بتحرير جميع الرقيق، وإنما اقتصرت على أولئك الذين استُعبدوا بسبب الديون.[7] وكانت هناك حالتان استثنائيتان لم تطلهما إصلاحات سولون: المرأة الغير متزوجة التي فقدت عذريتها، ففي هذه الحالة يحق لوليها أن يبيعها كأمَة،[8] كما أنه يحق لأي مواطن أن "يعرض" (أي يتخلى عن) أي طفل وليد لا يرغب فيه.[9]

العتق عدل

من المؤكد ان عتق الرقاب كان موجودًا في خيوس منذ القرن السادس قبل الميلاد. وقد يعود تاريخ العتق إلى مرحلة أبكر من ذلك، حيث أنه كان يتم شفاهة. ومن المؤكد أيضًا أن عتق الرقاب بطريقة غير رسمية كان يحدث في الفترة الكلاسيكية. فلم يكن المواطن يحتاج لأكثر من أن يكون معه شهود يصحبونه ومملوكه إلى تحرير علني، يكون إما في المسرح أو أمام المحكمة العامة. وقد حُظرت هذه الممارسة في أثينا في منتصف القرن السادس قبل الميلاد، وذلك تجنبًا للإخلال بالنظام العام.

وقد أصبح العتق أكثر شيوعًا في القرن الرابع قبل الميلاد، فظهرت نتيجة لذلك بعض النقوش الحجرية، والتي تم استردادها من المزارات مثل دلفي ودودونا. ويعود تاريخ تلك النقوش في المقام الاول إلى القرنين الثاني والأول قبل الميلاد، والقرن الأول الميلادي. وبالإضافة إلى ذلك، أصبح العتق الجماعي ممكنًا؛ ويُعد العتق الجماعي في جزيرة ثاسوس من الامثلة المعروفة على ذلك في القرن الثاني قبل الميلاد. ومن المحتمل أن هذا العتق الجماعي حدث في إحدى فترات الحروب، كمكافأة للعبيد على ولائهم.[10] ولكن الوثائق تتعامل مع العتق في معظم الحالات كفعل تطوعي يقوم به المالك (غالبًا ما يكون المالك الرجل هو المُعتِق، ولكن المالكة كانت تُعتِق ايضًا في الفترة الهلنسية).

وقد وجب على الرقيق في كثير من الأحيان أن يدفع مبلغًا من المال مقابل حريته، بحيث لا يقل هذا المبلغ عن قيمته في السوق. ويمكنه دفع هذا المبلغ من مدخراته، أو من قرض (ἔρανος / eranos) يأخذه من سيده أو أحد أصدقائه أو أحد زبائنه، وقد كان هذا المصدر الأخير هو الذي تلجأ إليه المومسات، وتعد قصة الهِتايرا (المومس) نييرا أحد أشهر الأمثلة على ذلك.[11]

وكثيرًا ما كان العتق ياخذ طابعًا دينيًا، بحيث يُعتبر عملية "بيع" العبد إلى أحد الآلهة، والذي غالبًا ما يكون أبولو الدلفي،[12] أو بحيث يُنذر العبد بعد تحريره. ويحصل المعبد على جزء من الصفقة النقدية، بالإضافة إلى أنه يضمن العقد. كما يمكن أن ياخذ العتق طابعًا مدنيًا تمامًا، وفي هذه الحالة يلعب القاضي دور الإله.[13]

وتكون حرية الرقيق إما كلية أو جزئية، حسبما يشاء السيد. فالحرية الكلية تحصن الرقيق ضد أي محاولة لاستعباده مرة أخرى، وهو ما قد يحاول فعله ورثة السيد السابق.[14] أما الحرية الجزئية، فيمكن أن تضع على الرقيق بعض الالتزامات تجاه السيد السابق. وقد كان أكثر العقود صرامة هو البارامون، وهو رق مؤقت يحتفظ السيد فيه فعليًا بحقوق مطلقة.[15]

أما في ما يتعلق بالمدينة، فلم تتساوَ حقوق الرقيق المحرر مع حقوق المواطنين بالميلاد. حيث كان مثقلًا بمختلف الالتزامات، كما يظهر في مقترحات أفلاطون في كتابه القوانين:[16] فعليه المثول في بيت سيده السابق ثلاث مرات شهريًا، كما أنه يُمنع من أن يفوق سيدَه ثراءً، وما إلى ذلك. في الواقع، تشابهت منزلة الرقيق المحررين مع منزلة المتيك، وهم الأجانب المقيمون، والذين كانوا أحرارًا ولكنهم لم يتمتعوا بحقوق المواطنين.[17]

رقيق اسبرطة عدل

استخدم مواطنو اسبرطة الهلوت، وهم مجموعة تابعة تملكها الدولة بشكل جماعي. ولا يُعرف تحديدًا إذا ما كان الاسبرطيون يملكون عبيد متاع كذلك أم لا. وقد ورد ذكر بعض الذين أعتقهم الاسبرطيون، وهو ما كان ممنوعًا في حق الهلوت، أو بيعوا خارج لاكونيا : مثل الشاعر ألْكمان؛[18] وفيلوكسينوس كيثرا، والذي يُشاع عنه أنه استُعبد مع عدد من مواطنيه عندما احتُلت مدينتهم، ثم بيع لأحد الأثينيين؛[19] وطباخ اسبرطي اشتراه ديونيسيوس الأكبر أو اشتراه أحد ملوك بونتوس، ذُكرت الروايتان عند بلوتارخ؛[20] وكذلك الممرضات الاسبارطيات الشهيرات، واللاتي كُنّ محل تقدير حقيقي لدى الآباء في أثينا.[21]

وقد جمعت بعض النصوص ذكر الرقيق مع الهلوت، مما قد يدل على أنهما ليسا نفس الشيء. فذكر أفلاطون في ألقبيادس الأول امتلاك أثرياء اسبرطة "للعبيد والهلوت"،[22] كما تحدث بلوتارخ عن "العبيد والهلوت". وأخيرًا، فوفقًا لما ذكره ثيوسيديدز، نصت الاتفاقية التي أخمدت ثورة الهلوت عام 464 ق.م. على أن أي ميسيني متمرد يُضبط داخل البيلوبونيز "يكون رقيقًا لمن ضبطه" ، مما يدل على أن امتلاك عبيد المتاع لم يكن مجرمًا وقتها.

وبناء على ذلك، أجمع معظم المؤرخين على أن اسبرطة عرفت استخدام عبيد المتاع، على الأقل بعد الانتصار على أثينا في 404 ق.م.، ولكنهم لم يُستخدموا بأعداد كبيرة، كما أنهم كانوا مقصورين على الطبقات العُليا من المجتمع.[23] وكما كان الحال في المدن الإغريقية الأخرى، كان عبيد المتاع يُشترون من السوق أو يُأسرون في الحروب

  1. ^ A traditional pose in funerary steles, see for instance Felix M. Wassermann, "Serenity and Repose: Life and Death on Attic Tombstones" The Classical Journal, Vol. 64, No. 5, p.198.
  2. ^ Aristotle, Constitution of the Athenians, See also 1:2 and Plutarch, Life of Solon, 13:2.
  3. ^ Literally, "six-parters" or "sixthers", because they owed either one-sixth or five-sixths (depending on the interpretation) of their harvest. See Von Fritz for further reading.
  4. ^ Deuteronomy, 15:12–17.
  5. ^ Constitution of the Athenians 12:4. Trans. by Sir Frederic Kenyon, accessed 15 May 2006.
  6. ^ Finley, p.174.
  7. ^ Finley (1997), p.160.
  8. ^ Plutarch, Life of Solon 23.2.
  9. ^ Brulé (1992), p.83.
  10. ^ Dunant and Pouilloux, pp.35–37, no.173.
  11. ^ Demosthenes, Against Neaira, 59:29–32.
  12. ^ See Foucart for further reading.
  13. ^ Garlan, p.82.
  14. ^ Garlan, p.83.
  15. ^ Garlan, p.84.
  16. ^ Laws, 11:915 a–c.
  17. ^ Garlan, p.87.
  18. ^ Herakleides Lembos, fgt. 9 Dilts and Suidas, s.v. Ἀλκμάν.
  19. ^ Suidas, s.v. Φιλόξενος.
  20. ^ Life of Lycurgus, 12:13.
  21. ^ Life of Lycurgus, 16:5; Life of Alcibiades, 5:3.
  22. ^ "…ἀνδραπόδων κτήσει τῶν τε ἄλλων καὶ τῶν εἱλωτικῶν", Alcibiades I, 122d.
  23. ^ Oliva, pp.172–173; Ducat, p.55; Lévy (2003), pp.112–113.