مستخدم:Amine2023/ملعب

المنطق العملي في الإسلام

عدل

لسنا نعني بالمنطق العملي ذلك الشيء الذي دونت أصوله ووضعت قواعده منذ أرسطو.  إنما ما نعني به كيفية ارتباط العمل بوسائله و مقاصده[1]. وبهذا يمكن القول المنطق العملي هو ذلك الشعور الذي يجمع بيت العقل والمشاعر، وبين العلم والجمال.

ينقل لنا مالك بن نبي في كتابه وجهه العالم الإسلامي،« إحدى القصص قبل الحرب العالمية الأولى بقليل، حين بدأ أحد الضابط الشبان  واسمه ( أرنست بسيكاري )  يعمل في منطقة موريتانيا، فأثار حماسته ما رأى عليه مسلمي هذه البلاد من بساطة وعمق في إيمانهم... فجلس مع شاب مسلم، فأخذ يمتدح أمامه بالقوة المادية التي تتميز بها الحضارة الحديثة، فعقب الشاب البدوي على كلامه قائلا:

« لكم الأرض ولنا السماء»»[2]

ويا لها من عبارة! وان كانت تبدو بريئة ولكن فيها أعماقها شرخ واضح في فهم روح الإسلام فالإسلام لا يعتبر دينا  مجردا أو دينا لاهوتيا كما هو حال الدين المسيحي، بل  هو العلم والدين معا فقال الله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة: 11].

انشطرت وحدة الإسلام على يد أناس قصروا الإسلام إلى جانبه الديني المجرد، فأهملوا وأضاعوا خاصيته الثنائية التي ينفرد بها على سائر الأديان. فحين ضعف دور نشاط المسلمين وتملكتهم روح الخلود إلى الدعة والراحة وتوقفوا عن التفاعل مع العالم، وملكتهم خاصية التقليد وعطلوا دوران الفلك العقلي، ولذلك لم يسايروا الزمن ولم يربطوا بين حلقاته فعاشوا في هامشه. ويؤكد القرآن هذا الطرح إذ يقول الله تعالى: ﴿ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ 177﴾[البقرة :177 ].

الإسلام لم يرد أن يتجرد الإنسان من بشريه أو من شهواته التي وضعها الله فيه، ولكن أراده أن يكون متوازنا في استغلالها، لم يجعل له المثالية في الزهد والفقر، بل حثه على العمل والكسب الحلال، وفي نفس الوقت فرض عليه ألا يكون جاهلا، ويتجلى هذا تجليا واضحا في القرآن، فأول ما نزل من القرآن اقرأ.

الصلاة  والصوم لا يمكن القيام بهما دون وقت ودراسة الظواهر الفلكية، والزكاة  والمواريث لا يمكن تؤديتهما من دون علم الحساب والرياضيات والجبر والهندسة، والحج لا يمكن تأديته إلا بعلم الجغرافيا ومعرفة الأخبار والأجواء وما إلى ذلك من ترتيبات، فأركان الإسلام تفرض على المسلم ألا يبقى جاهلا ، فهي تعطيه حدا أدنى من الحضارة.

والقرآن ينوه بهذا في الكثير من الآيات من خلال طلبه المتكرر في تقصي الحقائق والتدبر في الطبيعة واكتشاف عجائب المخلوقات إذ يقول الله تعالى:

أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) الأنبياء.

إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ ۖ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ (95) فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) الأنعام .

الصلاة ليست مجرد عمليه دينية مجردة يقوم بها المسلم خمس مرات في اليوم،  بل إنها في نفس الوقت تجمع بين أمرين متناقضين منطقيا، لكنها لا تصح إلا بوجودهما وهما، النظافة والطهارة الحسية للجسم. هذا ما يؤكد على عملية الإسلام أو تعلقه بالمادة.  على عكس الدين المجرد الذي لا يفرض هذه الطهارة أو لا يعطي لها اعتبارا... أي أن للإسلام منطقا عمليا خاصا به يميزه عن غيره من الأديان،  وهو منطق جمع المتناقضات في نفس الوقت المادة والروح.

الصلاة كما هي عماد الدين فهي أيضا رؤية الإسلام للعالم والإنسان، فلا تصح الصلاة الا في وقتها ولا تصح إلا بالنية التي تعتبر أمرا روحانيا.

ومواقيت الصلاة وكذا الصيام والحج تعتمد جميعا على الحقائق الفلكية معينه و أوقات زمنيه معينه أيضا ثابتة لا تقبل التغيير وكذلك هي تطهير قلبي وروحي من الذنوب المرتكبة في الحياة.

أما الزكاة فقد أصبحت التزاما قانونيا أو فريضة شرعيه يدفعها الأغنياء للفقراء،  فهي تقلل من التفاوت المادي بين الناس وفي نفس الوقت هي تطهير قلبي للغني إذ يقول الله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) التوبة.

إن المعادلة القرآنية المألوفة التي تجمع بين الصلاة والزكاة ليست إلا ثنائيه الحياة المادة /الروح. وكذلك  الصوم الذي يقوم به المسلم لمدة شهر كامل. فهو ليس انقطاع عن الماديات و الشهوات، ونعني بذلك الأكل والشرب فقط بل هو أيضا، إعادة لهيكلة أو تصفيه روحية وقلبية، فلا يصح الصوم إذا لم يكن هناك امتناع كلي عن الشهوات بأنواعها.

وفي القران الكريم وفي كثير من الآيات نجد أن الدين الإسلامي يتقبل العالم كاملا ولا أثر لأي نوع من الصراع مع الطبيعة أو العالم المادي أو بعبارة أخرى هو الإسلام هو دمج  الفن مع التكنولوجيا أو الروح مع المادة.

وهكذا  يمنح الإسلام للعالم واقعية خاصة في فهم الإنسان..  لأن الإسلام لا يحاول أن يجعل من الإنسان ملائكة بل أن  يجعل الإنسان إنسانا. فكما منحه قدرا من الزهد فقد منحه أيضا قدرا من الرغبة في السعادة والمتعة إذ يقول الله تعالي: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) القصص.

« ونظرة إلى واقعنا لنرى الرجل الأوروبي والرجل المسلم: أيهما ذو حركة ونشاط وعزم وحركة دائبة؟

ليس هو الرجل المسلم بكل أسف، وهو الذي يأمره القرآن – كما يعرف ذلك تماما – بقوله تعالى:  وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ (19) لقمان. وقوله: وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ و مَرَحًا (37) الإسراء.

ألم نقل: إن الذي ينقص المسلم ليس منطق الفكرة، ولكنه منطق العمل والحركة، وهو لا يفكر ليعمل بل لبقول كلاما مجردا، بل إنه أكثر من ذلك يبغض أولئك الذين يفكرون تفكيرا مؤثرا، ويقولون كلاما منطقيا من شأنه أن يتحول في الحال إلى عمل ونشاط».[3].

وإننا لنحتار ما الذي يجعل من المسلم الذي يصلي يوميا 05 مرات، مضبوطا بالدقة والموعد والنظافة ويصوم شهرا كاملا في السنة يضبط فيها نفسه ويهذب فيها أخلاقه، لماذا لا تصبح هذه الأمور من الدقة والانضباط والإتقان عادة سائدة في حياته العملية، إنه لأمر عجاب... إنه خلل واضح في عقلية وذهنية الرجل المسلم. لا يمكننا الإجابة عن هذا التساؤل مع الأسف.

  1. ^ بن نبي، مالك (2015). [كتاب مشكلة الثقافة ص 85]. دار الفكر. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من قيمة |url= (مساعدة)
  2. ^ بن نبي، مالك (2016). [كتاب وجهة العالم الإسلامي ص132-133]. دار الفكر. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من قيمة |url= (مساعدة)
  3. ^ بن نبي، مالك (2015). [كتاب مشكلة الثقافة ص 87-88]. دار الفكر. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من قيمة |url= (مساعدة)