مستخدم:A72alaoui/ملعب

يتألف القرآن الكريم من أربعة عشر ومائة سورة، نزلت على مدى ثلاث وعشرين سنة. وإذا كانت سور القرآن الكريم تتقاطع في الموضوعات التي تعالجها من قبيل تصحيح العقيدة، وتزكية النفس، وإصلاح الفرد والمجتمع، وبيان الأحكام والتشريعات، وأيضا من خلال القصص وأخبار الرسل السابقين مع أقوامهم، فإن الباحثين في الدراسات القرآنية تنبهوا إلى أن كل سورة تتميز بمقصد عام تدور عليه محاورها.

فما المقصود بالوحدة الموضوعية في السورة القرآنية ؟

وأين تتجلى أهميتها ؟

وكيف يمكن الوصول إلى تحديد موضوع السورة القرآنية ؟

تعريف الوحدة الموضوعية عدل

"المقصود بالوحدة الموضوعية للسورة عند أهل الدراسات القرآنية أن كل سورة من سور القرآن لها وحدة معنوية وموضوع رئيس تدور عليه"[1] أو بعبارة أخرى "وحدةُ الموضوعات التي يعالجها القرآن الكريم في السورة وترابطُها حتى تكون كالجملة الواحدة أو الكلمة الواحدة."

وقد تعدد المصطلحات في توصيف هذه الظاهرة، حيث نجد من المهتمين والمختصين من يتحدث عن "الموضوع الواحد، أو الموضوع الكلي، أو الموضوع الأساسي، أو الموضوع الرئيس، أو قضية السورة، أو الفكرة الواحدة، أو الهدف الواحد، أو الهدف الأساسي، أو الغرض الواحد، أو المحور الواحد، أو شخصية السورة، أو المقصد الواحد، أو عمود السورة، أو محور السورة"، [2]

وهذا مما يدخل في باب اختلاف التنوع، لا اختلاف التضاد.

قد يتبادر للذهن إن الاهتمام بالوحدة الموضوعية للسورة أمر حديث، ولم يكن متداولا عند العلماء قديما، فهناك من اعتبر َ مصطلح "وحدة الموضوع" من المصطلحات المستعملة حديثا في علوم القرآن، وأن أول من استعمله هو ابن شهيد ميسلون الخطيب في كتابه "نظرة العجلان في أغراض القرآن" وكان ذلك في حدود الاربعينيات من القرن الماضي[3]؛ لكن بالرجوع إلى كتب المتقَدِّمين نجد أن الأمر على غير ذلك، ومن هؤلاء الإمام الفخر الرازي في مفاتيح الغيب، والإمام أبو إسحاق الشاطبي في الموافقات...

أهمية الوحدة الموضوعية عدل

تتجلى أهمية الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم في أمور كثيرة، نقتصر على ذكر أهمها:

الوحدة الموضوعية دليل من دلائل الإعجاز عدل

ذكره الإمام الزرقاني في مناهل العرفان في قوله: "القرآن لم ينزل جملة واحدة وإنما نزل مفرقا منجما على أكثر من عشرين عاما على حسب الوقائع والدواعي المتجددة(...) وكان الرسول صلى الله عليه وسلم كلما نزل عليه نجم من تلك النجوم قال ضعوه في مكان كذا من سورة كذا ، وهو بشر لا يدري طبعا ما ستجيئ به الأيام ، ولا يعلم ما سيكون في مستقبل الزمان، ولا يدرك ما سيحدث من الدواعي والأحداث فضلا عما سينزل فيها؛ ثم مضى العمر الطويل والرسول على هذا العهد ، وإذا القرآن كله بعد ذلك يكمل ويتم وينتظم ويتآخى ويأتلف وينسجم، ولا يؤخذ عليه شيء من التخاذل والتفاوت، بل كان من ضروب إعجازه ما فيه من انسجام ووحدة وترابط، حتى إن الناظر فيه دون أن يعلم بتنجيم نزوله لا يخطر على باله أنه نزل منجما، وحتى إنك مهما أمعنت النظر وبحثت لا تستطيع أن تجد فرقا بين السور التي نزلت جملة والسور التي نزلت منجمة من حيث إحكام الربط في كل منهما؛ فسورة البقرة مثلا وقد نزلت بضعة وثمانين نجما في تسع سنين لا تجد فرقا بينها وبين سورة الأنعام التي نزلت دفعة واحدة كما يقول الجمهور من حيث نظام المبنى ودقة المعنى وتمام الوحدة الفنية ..."[4]

ويشير الشيخ محمد عبد الله دراز في كتابه النبأ العظيم إلى ذات المعنى في قوله: " إنك لتقرأ السورة الطويلة المنجمة يحسبها الجاهل أضغاثًا من المعاني حشيت حشوا، وأوزاعا من المباني جمعت عفوا؛ فإذا هي لو تدبرت بنية متماسكة قد بنيت من المقاصد الكلية على أسس وأصول، وأقيم على كل أصل منها شعب وفصول، وامتد من كل شعبة منها فروع تقصر أو تطول؛ فلا تزال تنتقل بين أجزائها كما تنتقل بين حجرات وأفنية في بنيان واحد قد وضع رسمه مرة واحدة، لا تحس بشيء من تناكر الأوضاع في التقسيم والتنسيق، ولا بشيء من الانفصال في الخروج من طريق إلى طريق، بل ترى بين الأجناس المختلفة تمام الألفة، كما ترى بين آحاد الجنس الواحد نهاية التضامِّ والالتحاق."[5]

العناية بالوحدة الموضوعية سبيل إلى تدبر القرآن

لقد بين الله تعالى أن من مقاصد تنزيل القرآن الكريم تدبّره وتعقّله؛ فقد قال الله سبحانه: ﴿ كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ مُبَٰرَكٞ لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ ﴾ [ص:29].

كما عاب على المعرضين عن التدبر، فقال: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا﴾ [النساء:82] وقال: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَآ ﴾ [محمد:24]

ومن شأن النظر في وحدة الموضوع تحقيق هذه الغاية وهذا المقصد، حيث إنَّ العناية بالوحدة الموضوعية في السورة القرآنية ومحاولة استجلائها و"النظر في مورد السياق، واستحضار موضوع السورة، أو المقطع أو المشهد الذي تصوره الآيات، والبحث عن حكمة الترتيب، ووجه التعقيب في آخر الآية، والغاية التي تدور حولها الآيات"[6] من أكبر الأمور التي تعين المرء على فهم كلام الله تعالى، والوصول إلى هدايات الآيات بشكل أعمق، وتدفع عنه الوهم والتأويل الخاطئ. "فمن تدبر القرآن في ضوء النظام، فلا شك أنه لا يخطأ في فهم معانيه، ذلك أن النظام قد يبين له سمت الكلام، وينفي عنه تشاكس المعاني، ويرد الأمور إلى الوحدة"[7]


الفوائد التربوية للوحدة الموضوعية

يوضح الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب هذا الأمر في مجموعة من النقاط، حيث يعتبر أن: [8]

·      التنوع في معالجة الموضوع الواحد، يتناسب مع فطرة النفس الإنسانية التي تنفر من التكرار، ويتسرب إليها الملل بسرعة

·      في هذا التنوع الذي يعالج موضوعا واحدا تثبيت لهذا الموضوع في نفس التالي أو السامع لكتاب الله عز وجل أو المهتدي بهديه، إذ هو يوالي له إثبات هذا الموضوع من طرق عديدة، فكأنه يكرر له هذا الموضوع دون تكرار، وإنما هو التوارد المستمر الذي يثبت القلب ويغرس فيه موضوع السورة من موارد شتى؛ وهذه هي الطريقة التي يفضلها التربويون بحيث يبدأ المعلم بإعطاء فكرة عن الموضوع ككل، ثم يبدأ ثانية في إعطاء جزئياته، ثم يختم ثالثة بإثبات فكرة الموضوع، وبهذا يكون الذهن قد وقف على الموضوع أكثر من مرة، وفي هذا تثبيت له وزيادة فهم.

·      أن القرآن الكريم بهذا المنحى وبأسلوبه المعجز قدم موضوعاته بما يتلاءم مع استعدادات قارئيه من المؤمنين.

·      أن محاولة الوصول إلى موضوع السورة العام قبل تفسيرها يعين على تفسيرها بما هو أعمق وأشمل وأدق، لأنه سيكون مبنيا على ذلك الموضوع، وعلى ذلك فلا تبدو موضوعاتها الجزئية أشتاتا متفرقة، ولا تبدو قصص القرآن قصصا مكررة، وإنما ينظر إليها على أنها مترابطة الموضوعات تسير كلها إلى غاية واحدة.

منهج الكشف عن الوحدة الموضوعية للسورة عدل

إن الكشف عن موضوع السورة وإبراز اتساق عناصرها وتلاحم أجزائها يحتاج إلى مجموعة من الخطوات المنهجية التي تعين المتدبر في مقصده ومبتغاه، وفيما يلي بعض من هاته الخطوات:

·      تسمية السورة عدل

·      معرفة زمن نزول السورة عدل

·      تدبر فواتح السور وخواتيمها ودلالاتها عدل

·      التأمل في تكرار بعض الآيات والمعاني في السورة  عدل


  1. ^ المنتار، محمد (2013-06). "من محددات نظرية الترتيل في القرآن الكريم : الوحدة الموضوعية للسورة القرآنية". الترتيل ع. 1: 61–76. DOI:10.12816/0016384. ISSN:2336-016X. {{استشهاد بدورية محكمة}}: تحقق من التاريخ في: |date= (مساعدة)
  2. ^ المنتار، محمد (2013-06). "من محددات نظرية الترتيل في القرآن الكريم : الوحدة الموضوعية للسورة القرآنية". الترتيل ع. 1: 61–76. DOI:10.12816/0016384. ISSN:2336-016X. {{استشهاد بدورية محكمة}}: تحقق من التاريخ في: |date= (مساعدة)
  3. ^ سامر عبد الرحمن رشواني. منهج التفسير الموضوعي للقرآن الكريم-دراسة نقدية، ص 232.
  4. ^ عبد العظيم الزرقاني. مناهل العرفان، ص 557.
  5. ^ محمد عبد الله دراز. النبأ العظيم، 124-125.
  6. ^ المطيري، عبدالمحسن بن زبن بن متعب (2015). "مبادئ تدبر القرآن الكريم". مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية: 19. DOI:10.34120/0378-030-103-001.
  7. ^ عبد الحميد الفراهي. دلائل النظام، ص 5.
  8. ^ رفعت فوزي عبد المطلب. الوحدة الموضوعية للسورة القرآنية، دراسة تطبيقية، ص 9 - 12.