مستخدم:A.A.HOSSIEN/ملعب

الديسلكسيا ..عرض أم مرض ؟ ابني لا يتكلم في غرفة الصف ولا يشارك ؟ دخل الأب لمكتبي منزعجًا وفي يده ورقة ، وتقدمت إليه لأهدأ من ثورته ، فسألته عن السبب فبدأ يسرد لي قصة " ريان " طالب الصف الرابع الذي كان شعلة من النشاط في الصف بشهادة معلمه السابق في الصفين الأول والثاني ، وهو كذلك في البيت حتى الآن ، لكن هذا تقريره ( الفتري) يبين أن مستواه متدنٍ جدًا ، وأن المعلم ألحقه بمجموعات تقوية لذوي صعوبات التعلم ، وبعد حوار طويل و زيارات متعددة من والد "ريان " وصلت إلى تشخيص دقيق إلى حد كبير لحالته ، وفيما بعد سأكمل للقراء الأعزاء قصة "ريان " وما تم معه ، ولكني أود في الأسطر التالية أن ألقي الضوء على مشكلة هي ــ في نظري ــ أعقد أسباب تدني المستوى التحصيلي للمتعلمين ، ألا وهي " الديسلكسيا "

فما" الديسلكسيا "  وهل هي مرض أم عرض ؟؟ .

يخلط الكثيرون بين أسباب ضعف المستوى التحصيل الدراسي للمتعلمين ، فالبعض يطلق على هذه الفئة من المتعلمين " ذوي صعوبات تعلم " والبعض يصفهم بالمتأخرين دراسيا ويبالغ البعض بوسمهم بالمتخلفين دراسيًا ، أو المعاقين دراسيًا وما شابه ذلك من التسميات المحبطة.

ومن بين  متدني المستوى التحصيلي هؤلاء فئة تعزى أسباب تدني المستوى لديها إلى مسببات لا صلة لها بالمشكلة التي يعانون منها إطلاقًا ، وربما نقدم في هذه السلسة من المقالات وصفًا تعريفيًا دقيقًا بهذه الفئة وخصائصها المميزة وكيف يمكن تشخيص حالة المتعلم وتصنيفه ضمن هذه الفئة ، وكيف يمكن للمعلم أن يتمكن من مساعدة هؤلاء المتعلمين وما الأساليب التي يجب أن يتعلموا بها ، وما دور الأسرة في علاج هذه المشكلة ، وقد نتطرق لأمور فرعية كثيرة نحتاج لإبرازها لإلقاء الضوء على الإيجابيات والسليبات الموجودة في مجتمعنا عند التعامل مع هذه الفئة من المتعلمين .

معلوم أن من بين اسبا ب ضعف التحصيل الدراسي الكثيرة والمتعددة ما يسمى باليونانية dys lexia) )" الديسلكسيا " وهي مكونة من مقطعين : (dys) ومعناها "صعوبة " و (lexia) ومعناها "الكلمة المكتوبة" . وقد فُسِّر هذا المصطلح عدة تفسيرات ، فقد أطلق عليها الطبيب الإنجليزي "هنشلوود Hinshelwood " مصطلح " عمى الكلمة الخلقي " ، وأطلق عليها "أورتون Orton" فيما بعد مصطلح "الرموز الملتوية Strephosymabolia "، وأطلق آخرون عليها كذلك مصطلح" الخلفة النضجية Maturational Lag " وكذلك "القصور الوظيفي الدماغي الخفيف" . غير أن المصطلح الشائع في هذه الأيام في بريطانيا هو العسر القرائي ( الديسلكسيا ) ( Giess,2005) وهو الذي درج الباحثون العرب على استخدامه حاليا. غير أن البعض يتوسع في تعريف المقصود بها ويجعله يشمل بالإضافة إلى صعوبة القراءة ، صعوبة التهجئة وصعوبة الكتابة وصعوبة اللفظ وصعوبة الاستيعاب القرائي وصعوبة الرياضيات لاقتران حل المسائل بالقدرة على قراءتها فضلا عن الصعوبات التي يمكن مواجهتها في تعرف الأعداد هورنزبي (Hornsby ،2000 ) . تعددت التعريفات التي تناولت مفهوم العسر القرائي و هذا دليل على أن الباحثين غير متفقين على تحديد تعريف موحد بينهم لاختلاف المعايير التي يتناولونها ، وقد ثبت أن تحديد مكونات العسر القرائي أو "الديسلكسيا" ليس بالمهمة السهلة ، ويمكن أن تعزى المشكلة المتعلقة بهذا التعريف إلى حقيقة مفادها أن عدد كبير من الباحثين من مختلف المهن ( الطب ، التربية ، علم نفس ، علم معالجة النطق ) اهتموا بهؤلاء المتعلمين ولديهم توجهات وتحيزات نظرية ولكنها ثابتة أثرت على تعريف كل واحد منهم لمجموعة ذوي العسر القرائي ( الزيات ، 2007) . قدمت المنظمة العالمية للأعصاب تعريفا "للديسلكسيا "على أنها: "خلل عند المتعلمين الذين، على الرغم من الممارسات الصفية التقليدية، يفشلون في اكتساب المهارات اللغوية الخاصة بالقراءة والكتابة والتهجئة التي تتواءم وقدرتهم العقلية، والمجموعة التابعة لمنظمة الأعصاب العالمية نفسها التي عملت على هذا التعريف أصدرت أيضاً تعريفاً آخر لصعوبة التعلم الخاصة "الديسلكسيا" والتي اعتبرته خللاً يظهر في صعوبة في تعلم القراءة، على الرغم من التدريس التقليدي والذكاء المناسب وتوافر الفرص الاجتماعية والثقافية". وهذا الخلل مصدره صعوبات معرفية أساسية عضوية الأصل" (Miles& Miles, 1991). اما (جمعية الديسلكسيا العالميةInternational Dyslexia Association – IDA) ( IDA, 2002 ) فتذكر إن العسر القرائي هو " صعوبة تعلم خاصة عصبية المنشأ، تتميز بمشكلات في دقة أو سرعة التعرف على المفردات، والتهجئة السيئة. وهذه الصعوبات تنشأ في العادة من مشكلة تصيب المكون الفونولوجي (الصوتي) للغة، ودائماً غير متوقعة عند الأفراد إذا قورنت بالقدرات المعرفية الأخرى، مع توافر وسائل التدريس الفعالة. والنتائج الثانوية لهذه الصعوبات قد تتضمن مشكلات القراءة، والفهم، وقلة الخبرة في مجال القراءة التي تعيق بدورها نمو المفردات والخبرة عند الأفراد" . تعريف ثومسون ( Thomson ,1990 ) أشار إلى أن : " الديسلكسيا صعوبة حادة في شكل اللغة الكتابية لا تعتمد على الذكاء ، ولا تعزى إلى أسباب ثقافية وانفعالية ، وتتصف باكتساب مستوى اقل في المهارات القرائية والتهجئة والكتابة من المستوى المتوقع منه نسبة إلى ذكائه وعمره الزمني ، وهي من منشأ معرفي تؤثر على المهارات اللغوية التي تتصل بالشكل الكتابي وبخاصة الرموز البصرية اللفظية والذاكرة القصيرة ونظام الإدراك والسلسلة." أما جمعية أورتون (Orton society ) فترى أن الديسلكسيا هي :" اضطراب لغوي محدد من منشأ بنيوي يتصف بصعوبة في تحليل الكلمة المفردة ، ويعكس في العادة قدرة غير كافية في المعالجة الصوتية " ( الوقفي(ب) ، 2003 ) . أرون واخرون ( Aaron ,et al,1999 ) قدما تعريفا عن "الديسلكسيا " مفاده : " أنها حالة يواجه فيها الفرد صعوبة بالغة في الربط بين الأصوات والحروف التي تمثلها في الكلمات المكتوبة . وهذا يعني أن "الديسلكسي " لا يستطيع قراءة الكلمات المكتوبة بسهولة ، وهذا الضعف في تعرف الكلمة المكتوبة بسرعة وسهولة يعيق عملية القراءة . وعندما يواجه المصاب بالديسلكسيا كلمة جديدة أو غير مألوفة فإنه يبذل جهودا كبيرة في محاولاته لقراءتها مما يجعله ينسى الجزء الذي قرأه من الجملة ، فيتأثر الاستيعاب بذلك سلبيا . وبذا يكون الضعف في الاستيعاب القرائي مرافقا للضعف في القراءة . علما بأن ذوي صعوبات القراءة يمكن أن يستوعبوا النص الذي يقرؤونه بدرجة أكبر مما تدل عليها قراءتهم الجهرية لهذا النص ، فضلا عن أن قدراتهم في الاستيعاب السمعي للغة المحكية عادية تقريبا . والمتعلم الذي لا يستطيع أن يفهم جيدا للغة المحكية واللغة المكتوبة لا يمثل حالة "ديسلكسيا ". وعلى هذا فمصطلح صعوبة القراءة أو " عسر القراءة" المحددة الذي يستعمل عادة كمرادف للديسلكسيا التطورية يعد عرضا لهذا الاضطراب ، إذ يدل على أن الصعوبة التي يواجهها المصاب بالديسلكسيا تقتصر فقط على اللغة المكتوبة ولا تشمل على صعوبات النطقية أو الشفوية بنفس المستوى ". ومن مشاكل هذه التعريفات :

أولا : أنها لا تحدد الأعراض التي وجد أنها ترتبط باستمرار مع هذا الاضطراب .
ثانيا : يحدد العسر القرائي في ضوء التباين بين مقاييس القدرة القرائية والعمر العقلي والعمر الزمني أو مستوى الصف الدراسي .

ثالثا : إن استثناء المتعلمين ذوي العسر القرائي الذين ينخفض معدل ذكائهم عن( 90) هذا معناه أن الديسلكسيين هم ذوو ذكاء متوسط فقط رابعا : إن التعريفات الاستثنائية تتناول ما ليس من اعرض الديسلكسيا ، وتهمل ما له صلة مباشرة بها . خامسا : تزودنا هذه التعريفات بمعلومات قليلة حول السلوك المحدد الذي يظهره الافراد المصابين بالديسلكسيا . سادسا : بعض التعريفات تعتمد على التباين بين القدرات الذكائية والقرائية كمحك للعسر القرائي في حين ان بعضهم يعتمد على وجود خلل في النظام اللغوي للطفل (حمزة ، 2008 ) . وبالرغم من اختلاف التعريفات إلا أن هنالك عوامل مشتركة عند تحديد مفهوم العسر القرائي وهي : • ان مرجعه عصبي وراثي لغوي . • متلازمته تستمر مع الفرد مدى الحياة ( ما لم يخضع للعلاج المبرمج) . • أنه متنوع الأعراض( إدراكية ـ معرفية ــ لغوية) فهو يصح أن يسمى متلازمة (syndrome ) أكثر منها مشكلة محددة . • أن للعسر القرائي آثار خطيرة تؤدي إلى مشكلات حياتية كلما نضج المصاب . وتعد مشكلة العسر القرائي من أكثر المشكلات شيوعا بين المتعلمين الذين يعانون من ضعف التحصيل الدراسي ، حيث تقدر نسبة انتشارها من 60 -85 % من ذوي صعوبات التعلم من أطفال المدارس ( Joshi et.al. , 2002 ) . و يشكل العسر القرائي مشكلة خطيرة على المستوى العالمي ، ليس فقط بالنسبة للفرد فحسب ولكن تمتد آثاره كذلك إلى المجتمع الذي يعيش فيه هؤلاء الأفراد ، فقط زاد عدد المتعلمين الذين يعانون من العسر القرائي بدرجة استرعت انتباه الخبراء والباحثين وحثتهم على تضافر الجهود من أجل حل هذه المشكلة ، وقد أكد ذلك "ليندجرين وزملاؤه بقولهم " أن العسر القرائي اضطراب له تأثيرات خطيرة على النمو الأكاديمي ، الاجتماعي والانفعالي لعدد كبير من المتعلمين " ( مرسي ،1987 ) . ويضع "دورينج وزملاؤه في (كامحي وكاتس ، 1998 ) تصورا عاما عن هذه المشكلة الصعبة على النحو التالي : " أن مجموعة صغيرة من المتعلمين الذين لا يوجد لديهم أي إعاقات جسمية أو اجتماعية يجدون أن من الصعب ، أو من المستحيل تعلم القراءة ، وهم غالبا يلقبون بذوي صعوبات التعلم أو ذوي صعوبات القراءة أو ذوي العسر القرائي ، ويعد تعلم القراءة بالنسبة لهؤلاء المتعلمين شيء مرعب ، والأفراد الذين يرغبون في مساعدة هؤلاء المتعلمين للتغلب على صعوبتهم يجدون العمل بنفس مستوى الصعوبة . ويستطرد الباحثين لماذا يعد تعلم القراءة سهلا لغالبية المتعلمين ، وصعب جدا بالنسبة لقلة منهم ، وهم يرون السبب في أن هؤلاء المتعلمين لا يعانون من التخلف العقلي حيث أن الصعوبات تكون محدودة في المجالات الاكاديمية من قراءة وكتابة وحساب ، ويتمتعون ببعض القدرات في الكلام والفهم والتفكير والتكيف ، كذلك لا يمكن اعتبار السبب في التدريس الرديء ، بل العكس يمكن وضع فرضية أن لدى هؤلاء المتعلمين قصور نوعي ومحدود جدا بالقدرات المطلوبة للقراءة . ( الهرش، 2010) . نخلص من هذا إلى أن " الديسلكسيا " أو ما سنقبل تسميته تجاوزًا بالعسر القرائي " عرض " وليس بمرض ، ولكن مكمن الصعوبة في علاجه هي في مرحلة التشخيص والفرز ، وضم المتعلم إلى هذه الفئة ليتلقى تعليمه بالطرق الصحيحة ويسير وفق برامج متدرجة للعلاج بدلا من ضمه لفئة صعوبات التعلم ذوي المشكلات من نوع مختلف عن مشكلة "الديسلكسيا "فتزداد مشكلته تعقيدًا وربما أدخلته في دائرة أمراض وعقد نفسية لا حصر لها . فهل للديسلكسيا أنواع ؟

وكيف يمكن تشخيص حالات الديسلكسيا بمختلف صورها  ؟ 

وكيف يجب التعامل معها في المؤسسة التعليمية وفي البيوت ؟ ، وما الأساليب الفعالة في علاج مثل هذه الحالات ؟؟ كل هذه أسئلة قد نستطيع الإجابة عليها في المقالات القادمة بإذن الله تعالى .

                                                                                       عبد الوهاب البغدادي     معلم وخبير تربوي