الصبر

قال الله تعالى:'' وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157'' عزيزي القارئ يتحدث موضوعنا عن الصبر وفي الآية الكريمة أعطى لنا الله بعض المجالات التي يجب علينا الصبر فيها وفي ديننا الحنيف قدم لنا بعض الطرق التي نقوم بها لتعويد النفس على الصبر نبدأ إذا بهذه المجالات المذكورة ونتطرق لنتيجة الصبر وفي الأخير سنستنتج قيمة الصبر في حياتنا الدنيا وفي الآخرة إذا أولا وفي بداية الآية أخبرنا الله تعالى أننا في هذه الحياة معرضون وبشدة للابتلاء في هذه المجالات الهامة والمختلفة والابتلاء هو اختبار من الله لعبده ليرى نتيجة ايمانه هل سيقابل ذلك الابتلاء بالصبر أم يقابله بالكفر ولذلك وجب علينا تعويد النفس على الصبر في جميع المجالات وحدثنا الله أنه مبتلينا بالخوف حيث ممكن سنتعرض للحروب فينقص الأمن أو مجرد علمنا بأنه في حيينا سارق فإن النوم سيذهب من أعيننا ولذاك نحمد الله على نعمة السلام والأمن والعافية،وانه أيضا عز وجل مبتلينا في أمننا الغذائي فيمكن أن نتعرض لأزمات إقتصادية أو طرد من العمل فينقص الغذاء فبالتالي وجب علينا الصبر وكما قلنا فالله قد أعطى لنا بعض الطرق لتعويد النفس على الجوع وهو الصيام فكما يعودنا على الصبر من الأكل والشرب فإنه أيضا يذكرنا بالفقراء فنتصدق عليهم ونشكره سبحانه وتعالى على نعمة الغذاء ويمكن أيضا أن نتعرض للإبتلاء في أموالنا كإحتراق منزلنا أو تحطم سيارتنا في حادث فمن صبر فإن الله سيخلف عليه بالضعف ولكن إن لم يصبر فقد كفر، وذكر الله أيضا أن الإبتلاء سيمسنا في الأنفس فيمكن أن نفقد أشخاص عزيزين علينا كثيرا سواء من العائلة أو الأصدقاء فوجب أيضا علينا أن نصبر ونحتسب أجرنا عند الله لأن كل هذه المصائب عبارة عن إبتلاءات من عند الله تعالى وفي الثمرات أيضا سنتعرض للإبتلاء فواجب علينا تدريب أنفسنا على النقص فبذلك ولو في حالة وقوع هذا الإبتلاء سيسهل علينا الصبر وأن الله يبشر الصابرين الذين عندما تصيبهم مصيبة من هذه المصائب قالو إنا لله وإنا إليه راجعون أي أن كل ما خلقه الله تعالى وسخره لنا فلسنا نحن من نمتلكه بل هو لله يتركه متى يشاء ويأخذه متى يشاء وكيفما يشاء بأن عليهم صلوات من ربهم أي المغفرة و وسيرحمهم الله وسيهديهم إلى الصراط المستقيم أي الجنةوهذا فقط لأنهم صبروا على جميع الإبتلاءات ونجحوا في الإمتحان الإلهي فسيكافئهم الله في الدنيا وفي الآخرة وقد قال الله تعالى:" إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ" أي أن الله سيحاسبنا على كل أعمالنا في هذه الحياة فكل عمل له مقدار من الحسنات أو السيئات إلا الصبر فمهما صبرنا وأخلصنا النية لله فإن الله سيكافئنا أكثر وأعظم ولا نخفي عليكم أن الصبر ليس بالشيء الهين ولا السهل فنقص عليكم بعض من قصص الصبر قصة ربما تعرفونها، كان هناك رجلاً عرف عنه التقوي والصلاح، كان هذا الرجل كلما أصابته مصيبة أو بلاء ما ،كان يقول دائماً خيراً إن شاء الله، وفي ليلة من الليالي جاء ذئب فأكل ديكاً له كان يربيه في مزرعته، فقال الرجل جملته المعتاده : خيراً إن شاء الله، ثم ضرب في هذه الليلة كذلك كلبه الذي كان يحرس منزله فمات علي الفور، فقال الرجل من جديد : خيراً إن شاء الله، ثم سمع حماره ينهق ويموت قدراً، فقال الرجل : خيراً إن شاء الله .. فتضايق أهله كثيراً منه، واتهموه بالبرود والبلادة، وفي اليوم التالي نزل أناس اشرار ظالمين أغاروا علي بلدته فقتلوا كل من بالمنطقة ولم ينج منها إلا هو وأهل منزله فقط، حيث استدل الذين اعتدوا علي المنازل بصياج الديكة ونباح الكلاب ونهيق الحمير، وهكذا قد مات كل من كان يملكهم، وكانتفي الليلة السابقة خيراً لهم وسبباً في نجاتهم من القتل فسبحان الذي يدبر الأمر وهو بكل شئ عليم .ومن قصص صبر الصحابة قصه عبد الله بن حذافه..

ورد في العديد من الكتب الاسلامية أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد قام بإرسال جيش لحرب الروم وكان من بين هذا الجيش بطل قصتنا عبد الله بن حذافة رضي الله عنه وارضاه، وقد طالت مدة القتال بين المسلمين والروم وتعجب قيصر ملك اليوم من ثبات المسلمين وصبرهم وجرأتهم علي الموت وعدم الخوف أو الرهبة، فأمر قصير أن يحضروا له اسيرا من المسلمين، فأتى إليه عبد الله بن حذافة والأغلال بين يديه والقيود في قدميه، فأوقفه الحراس أمام الملك، وعندما تحدث قيصر معه

لاحظ ما يتمتع به من ذكاء وفطنه فقال له : تنصر وسوف اطلق سراحك، فرفض عبد الله، فقال قيصر : تنصر واعطيك نصف ما املك، فرفض عبد الله، فقال قيصر : تنصر واعطيك كل ما املك واشركك معي في الحكم، فأجابه عبد الله قائلاً : والله لو أعطيتني ملكك وملك آبائك وملك العرب والعجم على أن أرجع عن ديني طرفة عين ما فعلت .

أنظروا كيف كان صبر وثبات صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم الكرام امام كل هذه الاغراءات، فقد فضل عبد الله بن حذافة رضي الله عنه البقاء في دين الله عز وجل حتي ولو عاش أسيراً طوال حياته .

غضب قيصر كثيراً من كلمات عبد الله وتوعده بالتعذيب والقتل فلم يظهر عبد الله اي خوف أو تردد فأمر القيصر بوضعه علي خشبة وأتى بالرماة وأمرهم أن يرموا السهام من حوله ولا يصيبوه وخلال ذلك كان يعرض عليه الرجوع عن دين الله والدخول في النصرانية، وظل عبد الله يرفض وينتظر الموت بصبر محتسباً الاجر من الله عز وجل، فلما أيقن القيصر إصراره على الاسلام أمر أن يضعوه في السجن وأن يمنعوا عن الطعام والشراب حتي كاد أن يهلك من الجوع والعطش، ثم احضروا له خمرا ولحم خنزير فما كان من عبد الله إلا أن أجاب : والله إني أعلم أني مضطر وأن ذلك يحل لي الآن في ديني ولكني لا أريد أن يشمت بي .

وهكذا لم يذق الطعام فعرض عليه القيصر إمرأة شديدة الجمال تعرض له الفاحشة، وهو رضي الله عنها وإرضاه يعرض عنها ولا ينظر إليها، فخرجت المرأة من عنده غاضبة وهي تقول : “لقد أدخلتموني على رجل لا أدري أهو بشر أم حجر وهو والله لا يدري عني أأنا أنثى أم ذكر” .

ولم ييئس القيصر من المحاولة فأحضر قدر من الزيت المغلي وأمر بالقاءه فيه، فعندما اقترب جسده من القدر وشعر بحرارة النار بكي رضي الله عنه ففرح القيصر وقال : “تنصر واعطيك وامنحك” فرفض عبد الله، فسأله قيصر عن الذي يبكيه فقال : أبكي والله لأن لي نفس واحدة تلقي في القدر فتموت ولقد وددت لو أن لي بعدد شعر رأسي نفوس تموت كلها في سبيل مرضاة الله عز وجل مثل هذه الموتة، فقال له قيصر : قبل رأسي وأخلي عنك، فاشترط عليه رضي الله عنه أن يخلي عن جميع أسرى المسلمين فوافق فقبل عبد الله رأسه وأطلق سراحه مع الأسرى .

فلو كانت الحياة بلا صبر لكان في أي بلاء تتعرض له تفقد أعصابك وتنهار فالصبر هو المحفز على مواصلة العيش فلو علم المنتحر مافي الصبر لما فكر الإنتحار أصلا هدانا الله ورزقنا الصبر يا رب العالمين والحمد لله رب العالمين.

مقال بقلم :بلعيد صالح بعنوان :الصبر حرر يوم:29/11/2018