حادثة العقبة أو مؤامرة العقبة هي محاولة اغتيال فاشلة للنبي محمد عام 9 هـ أثناء غزوة تبوك على يد مجموعة من المنافقين. أثارت الحادثةُ خلافاً وجدلاً حول موضوع عدالة الصحابة بين أهل السنة والشيعة.

الأحداث

عدل

وردت الحادثةُ في مسند أحمد بن حنبل، وصحيح مسلم، وتاريخ الرسل والملوك لابن جرير الطبري، والكامل في التاريخ لابن الأثير. وفقاً لهذه المصادر، فقد خرج الرسول لقتال الروم أثناء غزوة تبوك (9 هـ) بجيش يبلغ حوالي 30,000 مقاتل. ولمّا وصل إلى تبوك، تفرّق جيش الروم ولم يثبت لقتال المسلمين. بعدئذٍ، رجع بمَن معه إلى المدينة. تذكر المصادر أن بعد وصول المسلمين إلى منطقة العقبة الواقعة بين تبوك والمدينة، وجدوا وادياً واسعاً يحاذيه ممر جبلي ضيّق لا يتسع إلا لقليل من المارّين. لهذا، أمرهم الرسول جميعاً بالمرور من الوادي، بينما اتّخذ هو طريق العقبة، واصطحب معه حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر.

أرسل الرسول من قبله منادياً نادى في الجيش "إن رسول الله يريد أن يسلك العقبة فلا يسلكها أحد واسلكوا بطن الوادي فإنه أسهل لكم وأوسع، فسلك الناس بطن الوادي وسلك رسول الله العقبة".[1] أثناء مرور الرسول بالعقبة، اجتمع 12 رجلاً من أفراد الجيش، متفقين على قتل الرسول وهم ملثمين. خططوا بصعود العقبة ورشق دابة النبي بالحجارة حتى تنفر وتسقط من فوق الجبل. تتفق المصادر على أن جبريل أعلم الرسول، وعند اقتراب المتآمرين منه، سمع النبي صوتهم وقد غشوه فنفرت ناقته حتى سقط بعض متاعه. فغضب النبي وأمر حذيفة أن يردهم. فبادر فرجع إليهم وجعل يضرب وجوه رواحلهم بمحجنه وقال لهم: إليكم إليكم يا أعداء الله! فانحطوا من العقبة مسرعين إلى الوادي واختلطوا بالناس. فسأل النبيُّ حذيفةَ: هل عرفت أحدًا من الركب الذين رددتهم؟ فقال: لا؛ كان القوم ملثمين والليلة مظلمة، وقد عرفت راحلة فلان وراحلة فلان. النبي: هل علمت ما كان من شأنهم وما أرادوه؟ حذيفة: لا. النبي: إنهم مكروا ليسيروا معي في العقبة فيزحموني فيطرحوني منها، سأخبركما بهم واكتماهم.[2][3]

تتفق المصادر أنّ النبيَّ أخبر حذيفة بأسماء المتآمرين. فلما سأله حذيفة عن سبب عدم قتلهم، رد عليه الرسول: "أكره أن يتحدث الناس ويقولوا إنّ محمداً وضع يده في أصحابه". جمع النبيُّ المتآمرين سرًّا وأخبرهم بما قالوه وأجمعوا عليه، فحلفوا بالله ما قالوا ولا أرادوا الذي ذكر. فأُنزِلَت الآية: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ۝٧٤ [التوبة:74] أسرَّ النبي إلى حذيفة بألا يصلي على فلان وفلان، فلما توفي الرسول، كان عمر إذا مات الرجل ممن يظن أنه من أولئك الرهط المتآمرين، أخذ بيد حذيفة فقاده إلى الصلاة عليه؛ فإن مشى معه حذيفة صلى عليه عمر، وإن انتزع يده من يده ترك الصلاة عليه.

في اليوم التالي جاءه أسيد بن حضير وقال: يا رسول الله، ما منعك البارحة من سلوك الوادي؛ فقد كان أسهل من سلوك العقبة؟ فذكر له ما حدث. فقال أسيد: قد نزل الناس واجتمعوا، فمُرْ كل بطن أن يقتل الرجل الذي همَّ بهذا، فإن أحببت بيِّن بأسمائهم، والذي بعثك بالحق لا أبرح حتى آتيك برءوسهم. فأجاب النبي: إني أكره أن يقول الناس إن محمدًا قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله تعالى بهم أقبل عليهم يقتلهم! أُسَيْد: يا رسول الله، هؤلاء ليسوا بأصحاب! النبي: أليس يظهرون الشهادة؟![4]

نص الحديث

عدل

ورد في صحيح مسلم:

لَمَّا أقْبَلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ مِن غَزْوةِ تَبوكَ أمَرَ مُناديًا فنادى: إنَّ رسولَ اللهِ أخَذَ العَقَبةَ، فلا يَأخُذْها أحَدٌ، فبَينَما رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ يَقودُه حُذَيْفةُ ويَسوقُ به عَمَّارٌ إذْ أقْبَلَ رَهطٌ مُتَلَثِّمون على الرَّواحِلِ، غَشَوْا عَمَّارًا وهو يَسوقُ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، وأقْبَلَ عَمَّارٌ يَضرِبُ وُجوهَ الرَّواحِلِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ لِحُذَيفةَ: قَدْ، قَدْ، حتى هَبَطَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، فلمَّا هَبَطَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ نَزَلَ ورَجَعَ عَمَّارٌ، فقال: يا عَمَّارُ، هل عَرَفتَ القَومَ؟ فقال: قد عَرَفتُ عامَّةَ الرَّواحِلِ والقَومُ مُتَلَثِّمون، قال: هل تَدْري ما أرادوا؟ قال: اللهُ ورسولُه أعْلَمُ، قال: أرادوا أنْ يَنفِروا برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ فيَطْرحوه، قال: فسَألَ عَمَّارٌ رَجُلًا مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ فقال: نَشَدتُكَ باللهِ، كَمْ تَعلَمُ كان أصحابُ العَقَبةِ؟ فقال: أربَعةَ عَشَرَ، فقال: إنْ كنتَ فيهم فقد كانوا خَمْسةَ عَشَرَ، فعَذَرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ منهم ثَلاثةً، قالوا: واللهِ ما سَمِعْنا مُناديَ رسولِ اللهِ، وما عَلِمْنا ما أرادَ القومُ، فقال عَمَّارٌ: أشهَدُ أنَّ الاثْنَيْ عَشَرَ الباقينَ حَربٌ للهِ ولِرسولِه في الحياة الدُّنيا، ويومَ يقومُ الأشْهادُ، قال الوليدُ: وذَكَرَ أبو الطُّفَيلِ في تلك الغَزوةِ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ قال للناسِ: وذُكِرَ له: أنَّ في الماءِ قِلَّةً، فأمَرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ مُناديًا فنادى: ألَّا يَرِدَ الماءَ أحَدٌ قَبلَ رسولِ اللهِ، فوَرَدَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، فوَجَدَ رَهْطًا قد ورَدوه قَبْلَه، فلَعَنَهُم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ يَومَئذٍ.

موقف أهل السنة

عدل

تلقت معظم مصادر أهل السنة الروايات المتعلقة بواقعة العقبة بالسكوت عن المتآمرين وعدم التعرّض لهم. أما تلك التي ذكرت أسماء المتآمرين على قتل النبي، فقد تُلُقّيت بالرفض.على سبيل المثال، تعرض ابن حزم الظاهري في كتابه المُحلى، بالنقد لرواية منسوبة إلى الوليد بن جميع عن حذيفة بن اليمان، قائلاً: "أما حديث حذيفة فساقط، لأنه من طريق الوليد بن جميع، وهو هالك، ولا نراه يعلم من وضع الحديث؛ فإنه قد روى أخباراً فيها أن أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة وسعد بن أبي وقاص أرادوا قتل النبي وإلقاءَهُ من العقبة في تبوك، وهذا هو الكذب الموضوع الذي يلعن الله تعالى واضعه، فسقط التعلق به".

إسقاط الرواية

عدل

من غير المعروف كيفية وصول الرواية إلى ابن حزم. ويُرجّحُ باحثون أنها كانت موجودة في بعض المدوّنات الحديثية، ثم حذفت من كتب أهل السنّة بعد القرن الخامس الهجري، لما تتضمنه من الطعن ببعض كبار الصحابة

تضعيف الرواية

عدل

على عكس ما ذهب إليه ابن حزم من جرحه والطعن بمرويات الوليد بن جميع، إلا أنّ عدّله كثيرٌ من العلماء والمحدثين. فقد رُوِي عنه في الصحاح الستة: البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. ووثقه شمس الدين الذهبي في كتابه "ميزان الاعتدال"، وابن حجر العسقلاني في كتابه "الإصابة في معرفة الصحابة".

المتآمرون

عدل

تذكر مصادر أهل السنة أن المتآمرين كانوا: عبد الله بن أُبَيٍّ وسعد بن أبي سرح، وأبي خاطر الأعرابي، وأبو عامر الفاسق، والحلاس بن سويد بن الصامت، وقد نُسب إليه أنه قال: "لا ننتهي حتى نرمي محمدًا من العقبة الليلة، وإن كان محمد وأصحابه خيرًا منا إنَّا إذن لغنم وهو الراعي ولا عقل لنا وهو العاقل!" ومجمع بن حارثة، ومليح التيمي، وحصن بن نمير، وطعيمة بن أبيرق، وعبد الله بن عيينة، ومُرة بن الربيع. وهناك اختلاف في عددهم بين ما إذا كانوا 10 أو 12 أو 14. فيُذكرُ أنّ عبد الله بن أُبَيٍّ تخلف عن تبوك، وسعد بن أبي سرح لم يسلم البتة، وأبو عامر الذي كان مع الكافرين في أحد لم يسلم، وسماه رسول الله أبا عامر الفاسق، وكان بعد أحد خرج إلى الشام فمات طريدًا وحيدًا، أو إنهم اثنا عشر ولم يعرف اسم اثنين أو ثلاثة منهم، فدُسَّ بينهم اسمان أو ثلاثة من أسماء مشاهير المنافقين.[4]

ضم علي بن أبي طالب للمتآمرين

عدل

وُجدت روايات تُورّطُ علي بن أبي طالب بتبعات مؤامرة العقبة رغم اشتهار بقائه في المدينة المنورة بأمر من الرسول وعدم مشاركته في غزوة تبوك وفقاً لتاريخ الطبري.مثلاً، يذكر ابن حجر العسقلاني، في كتابه "تهذيب التهذيب"، أن أحد الرواة المعروفين بالتحامل على علي بن أبي طالب، وهو حريز بن عثمان، روى أن النبي لما أراد أن يركب بغلته يوم العقبة، جاءه علي بن أبي طالب فحل حزام البغلة ليقع النبي ويموت.

موقف الشيعة

عدل

ذكر محمد باقر المجلسي في كتابه "بحار الأنوار"، أن المتآمرين يوم العقبة لم يفكروا في تنفيذ مخططهم إلا بعد أمر الرسول إياهم بضرورة مبايعة علي بن أبي طالب بالإمامة. ينقل المجلسي عن حذيفة بن اليمان أنه لما سُئل من جانب بعض التابعين عن هؤلاء المتآمرين، أخبرهم أنهم 14 رجلاً، تسعة من قريش، وخمسة من غيرها، وهم أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان وطلحة بن عُبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجراح ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وأبو موسى الأشعري، والمغيرة بن شعبة الثقفي، وأوس بن الحدثان البصري، وأبو هريرة، وأبو طلحة الأنصاري.

انظر أيضاً

عدل

مراجع

عدل
  1. ^ المغازي للواقدي 3: 1042 ؛ دلائل النبوة للبيهقي 5: 256.
  2. ^ المغازي للواقدي ج3، ص1042-1045
  3. ^ دلائل النبوة للبيهقي ج5، ص256-257
  4. ^ ا ب محمد لطفي جمعة (1940). ثورة الإسلام وبطل الأنبياء: أبو القاسم محمد بن عبد الله. هنداوي.

مصادر

عدل
  • السنن الکبری للبيهقي الجزء 8، ص198
  • البدایة والنهایة لابن کثیر ج5، ص24-26
  • السیرة النبویة لابن کثیر ج4، ص34-35
  • تفسير العياشي ج2، ص95-84
  • تفسير القمي ج1، 301
  • أمالي الطوسي، 175-295
  • مجمع البيان ج5، ص70
  • عن التبيان ج5، ص261
  • إعلام الورى ج1، 245-246
  • الخرائج والجرائح للراوندي ج1: 100-162
  • قصص الأنبياء للراوندي ج1، ص309
  • الصدوق فـي الخصال ج2، 499
  • بحار الأنوار ج21، 138-229 و231-247.
  • الاحتجاج للطبرسي ج1، 64-66
  • مسلم النيسابوري، صحيح مسلم، كتاب المنافقين رقم 11 و8: 123
  • مسند أحمد ج5، 390-391 و453
  • الطبراني في المعجم الكبير ج6، ص195
  • الهيثمي في مجمع الزوائد ج1، 110
  • ابن الأثير في الجامع ج12، 199
  • المعتزلي في شرح النهج ج2: 103
  • المحلى لابن حزم ج11، 255.260.
  • تاریخ االإسلام للذهبي ج2، 648.
  • تخریج الأحادیث والآثار لزیعلی ج2، 83
  • سبل الهدی والرشاد في سیرة خیرالعباد للشامي ج5، ص466