مستخدم:مصطفى طاهر المعراوي/ملعب
بسم الله الرحمن الرحيم الرياضيات بين العلم ولأدب الحمد لله الذي علّم بالقلم *علّم الإنسان ما لم يعلم* والصلاة والسلام على المعلم الأوّل سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين *ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنّك أنت الوهاب…*أمّا بعد.. كانت هواياتي الأدبية وولوعي في الشعر يدفعاني إلى بعض الكتابات التي كنت أسميها شعراً,وكنت ألاقي كثيراً من الاستغراب والاستهجان من بعض الزملاء بدعوى أن اتجاهاتي علمية بحتة حيث كنت أدرس في الثانوية قسم العلمي. ثم تابعت تعليمي في كلية العلوم قسم الرياضيات. .ظناً منهم بأن الرياضيات والعلوم لا تمت إلى الشعر خاصة وإلى الأدب عامة من قريب أو بعيد,وأنّ من كانت اتجاهاته علمية لا يستعذب الأدب أو الشعر .وكذلك أن ذوي الميول الأدبية سلبهم الله الرغبة في العلوم أو الرياضيات,فلغة الأرقام لا تتوافق بنظرهم ولغة الأدب والشعر.ولكن التاريخ أثبت عكس هذه النظرية حيث قدم لنا الكثير من العلماء الأجلاء الذين برعوا في شتى المجالات العلمية والأدبية والدينية .أمثال ابن سينا وابن الهيثم والخيام والدينوري وغيرهم الكثير الكثير الذين جمعوا بين العلم والأدب والفلك وحلقوا في سماء المعرفة بشتى صورها,وكثيراً ما نقرأ لبعض علماء الرياضيات أبياتاً شعرية رقيقة عذبة تخالها لشاعر أديب,ولنقرأ هذه الأبيات للدينوري العالم الرياضي والفلكي الشهير: يقول الدينوري: أحمل نشر الطيب عند هبوبه..... رسالة مشتاق لوجه حبيبه بنفسي من تحيا النفوس بقربه....... ومن طابت الدنيا به وبطيبه وجد بي طيف منه في الكرى..... سرى موهناً في خفية من رقيبه
فما أجمل هذه الأبيات وما أرقها وأعذبها وهي صادرة عن عالم رياضي فلكي ليس له اتصال بالشعر والأدب . وتعال معي نقرأ في كتب الأدب ما نسب للشاعر الكبير النابغة الذبياني , فقد نظم أبياتاّ شعرية جاءت كلغز رياضي: واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت...... إلى حمام سراع وارد الثمد يحفه جانباً نيق وتتبعه..... مثل الزجاجة لم تكحل من الرمد قالت ألا ليت هذا الحمام لنا..... إلى حمامتنا ونصفه فقد فحسبوه فألفوه كما زعمت..... تسعاً وتسعين لم تنقص ولم تزد فكملت مائة بها حمامتها..... سرعت حسبة في ذلك العدد
وهذه الأبيات إذا ما ترجمت بلغة الجبر لكانت معادلة بالشكل التالي: نفرض عدد الحمام ( س ) فيكون:س + 5و0س =99 وقد قرأت في بعض المجلات والكتب وأذكر منها كتاب/تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك لقدري طوقان.مقتطفات حول هذا الموضوع.فهذا ابن الياسمين ينظم أرجوزة في الحساب والجبر بدأها بقوله: الجـــبـــــــر على ثلاثـــــــــــة يــــــدور . المال والأعـــداد والجـــــــــــذور كما أنه حل الكثير من المعادلات بأبيات شعرية , فقد حل المعادلة: د.س + م.س = ح بقوله: فربع النصف من الأشياء..... واحمل على الأعداد باعتناء وخذ من الذي تناهى جذره... ثم أنقص التنصيف تفهم سره فما بقى فذاك جذر المال..... وهذه رابعة الأحوال
وقد انتشر على ألسنة الناس اللغز الرياضي الذي نظمه الشاعر الكبير عمر الخيام بأبيات شعرية عذبة رقيقة: حبيبي قد غزا قلبي....... بألحاظ وأحداق له الثلثان من قلبي.... وثلثا ثلثه الباقي وثلثا ثلثه الباقي.... وباقي الثلث للساقي وتبقى أسهم ست.... توزع بين عشاق
وقد أرسلها لي زميلي وأستاذي الكريم رئيس شعبة الرياضيات في إدارة الإشراف التربوي بوزارة التربية والتعليم الأستاذ/عبد اللطيف الحزامي برسالة وطلب من أن أحل هذا اللغز شعراً . ونزولاً عند رغبته قمت بكتابة هذه الأبيات المتواضعة وقد ضمنتها حل اللغز السابق: تحياتي وأشواقي... إليك تزف أوراقي على زهر على ورد.... يفوح بصدق أعماقي رأيت القلب مقسوماً.... على صحبي وعشاقي فثلثان بأربعة.... وخمسين بإلحاق وعشر في ثمانية.... لثلثي ثلثه الباقي وثلثا ثلث ما يبقى..... فاثنان بأوراقي وأما واحد فرد.... نصيب البائس الساقي يكون الكل سبعين... وخمساً دون إزهاق وزدها أسهماً ستاً.... ومن صب ومشتاق فصار الحل مكتملاً..... بلا نقص ولا باق ثمانون إذا جمعت...... لواحد كان مصداقي
كما قمت بنظم بعض الأبيات الشعرية ضمنتها بعض الأسئلة الرياضية مثل: قل لي بربك يا فتى.... إن كنت تعرف قل متى (الجا)يساوي (للجتا)..... (والظا )يساوي (للظتا)
كما أنني قمت بصياغة قوانين الهندسة الفراغية(الحجم والمساحات) بأبيات شعرية. خاتمة:- هكذا رأينا أن الأدب والشعر ليس ببعيد عن الرياضيات , وكثيرون هم من يشبهون مادة النحو في اللغة العربية بمادة الرياضيات . وهناك أمثلة كثيرة على ذلك وظّف من خلالها الشعر لخدمة الرياضيات أو وظّفت الرياضيات في خدمة الأدب.وفي إحدى زياراتي لمدارس منطقة الجوف خلال عملي كمشرف تربوي لمادة الرياضات لفت انتباهي وأثار إعجابي أحد الزملاء الأجلاء معلم للغة العربية حيث كان يربط بين اللغة العربية والرياضيات في تدريسه لبعض الدروس (درس العقود) من خلال مسائل حسابية هادفة ومفيدة تتطلب إجابتها أن يتقن الطالب الكتابة الصحيحة لألفاظ العقود وكتابة الأعداد في اللغة العربية.وهذا ليس بالغريب فالرياضيات أم العلوم ويمكن أن تخدم جميع المواد ومن كان رياضياً لا يعني أنه لا يفهم الأدب أو يستعذبه, ومن كان أديباً لا يعني أنه لا يفهم الرياضيات وما أكثر من جمع بين الاتجاهين.. والله الموفق. معلم رياضيات مصطفى بن طاهر المعراوي المملكة العربية السعودية.سكاكا الجوف
المراجع:
1- تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك لقدري طوقان 2- نوابغ علماء العرب والمسلمين في الرياضيات, د. على عبدالله الدفاع