هو أبو محمد لخضر بن رابح الزاوي، نسبة إلى زاوية سيدي أحمد بن منصور.

نشأته: ولد فضيلة العلاّمة لخضر الزاوي سنة 1931م بقرية فلاحية تسمّى "الحوض" على مسافة عشرين كيلومترا من مدينة المدية، وهذه القرية الفلاحية هي بالقرب من بلدية "سي المحجوب" إحدى بلديات ولاية المدية، ومدينة المدية مدينة عريقة من ولايات القطر الجزائري.

حفظه للقرآن الكريم: ولما بلغ الشيخ الخامسة من عمره ذهب به والده إلى المدرسة القرآنية، وكانت المدرسة التي يعلم فيها القرآن في ذلك الوقت تسمى "الكُتّاب"، حيث قرأ القرآن الكريم على يد الشيخ محمد بن شهرة.

حرص والدته على تحفيظه كتاب الله عز وجل: وكانت والدة العلاّمة لخضر الزاوي "فاطمة الزّهراء" ـ رحمها الله ـ مصرّة كلّ الإصرار على تحفيظه القرآن الكريم، وعلى تعلّمه العلم النّافع وأملها أن يصير من حفظة كتاب الله عزّ وجلّ. وبالفعل، تحقّقت أمنيتها، فقد حفظ الشيخ لخضر الزاوي القرآن الكريم كلّه في مدة سبع سنين.

رحلته لطلبه للعلم: تشوّق فضيلة الشيخ لخضر الزاوي لطلب العلم، فاتفق هو وابن عمّته الصّادق وكان ابن خاله في نفس الوقت، اتفقا على السفر لهذه الغاية النبيلة، فكانا في الطلب كفرسي رهان.

وخرج الشيخ لخضر الزاوي مع قريبه المذكور في صباح يوم من أيام الله سيرا على الأقدام من مدينة "المدية" إلى مدينة "قصر البخاري" ووصلا إليها على الساعة الثانية زوالا، وباتا ليلتهما في مدينة قصر البخاري، فالتعب كان أخذ منها نصيبه، وفي اليوم الموالي واصلا السير قاصدَيْن زاوية الهامل. ولما وصل الشيخ لخضر لهذه الزاوية بقي بها أيّاما والتقى بشيخ الزّاوية آنذاك السّيد مصطفى الهاملي ـ رحمه الله ـ، ولم تطل إقامته في هذه الزّاوية لظروف خاصّة.

ثمّ توجّه بعدها نحو مدينة "الجلفة" حيث التقى هناك بالشّيخ عامر محفوظي ـ حفظه الله ـ فتوجه به إلى الشّيخ العلاّمة عطية بن مصطفى مفتي الجنوب، فوجّهه إلى زاوية الشّيخ سيدي عبد القادر بن مصطفى بـ"الإدريسية" وهي تبعد عن "الجلفة" غربا بمائة كيلومتر.

ولما وصل الشيخ إلى "الإدريسية" هناك وجد بغيته ومقصده، فقد قبله الشّيخ الشّيخ سيدي عبد القادر بن مصطفى في زاويته.

انكبابه على طلب العلم: أكب الشيخ لخضر على طلب العلم. وأصبح يتابع دروس الشيخ خليل، وابن حمدون على ميارة، وجوهرة التوحيد، والأجرومية، وحديث الأربعون النووية.

حصوله على الإجازة من الشيخ عبد القادر: بدا لشيخ الزاوية الشّيخ عبد القادر أن يجيز الشيخ لخضر الزاوي ـ لما رأى فيه من النجابة ـ، فأذن له في التّسبيق وتعليم وتكوين الطّلبة، وأذن له بالإفتاء على المذاهب الأربعة، وأجازه إجازة علمية هذا نصّها:

وأمره شيخه بأن يذهب إلى قومه ليعلمهم الفقه والتوحيد.

زواجه: قبل رحيل الشيخ لخضر الزاوي ظهرت أمور جديدة، يروي لنا الشيخ ذلك فيقول: "في يوم وأنا نائم نوم القيلولة رأيت في المنام أن الشيخ (عبد القادر) بعث لي فستانا نسائيا مع ابنه "سي أحمد"، وقال لي: إن الشيخ بعث لك بهذا الفستان.

فتعجبت من هذه الرؤيا.

وبعد أيام بعث لي الشيخ رجلا اسمه "محمد بن عمر" ـ في اليقظة ـ وقال لي: إن الشيخ يقول لك: زوّجتك ابنتي "آمنة" فاقبل هديتي. فبقيت متحيرا، لأنه ليس لديّ درهم ولا دينار ولا سكن، لكن الطلبة شجعوني وقالوا لي: لا ترد هدية الشيخ". ولما سمع بعض أقارب الشيخ عبد القادر بهذا الزواج عارضوه وقالوا له: كيف تعطي ابنتك وتبعث بها إلى بلد لا نعرفه!؟ ولكنّ الشّيخ عبد القادر لم يلتفت إلى معارضتهم، ولم يسمع لقولهم، وصنع وليمة حضرها من حضرها من الطّلبة وأهل البلد، وبعث معه جماعة من الطّلبة شيّعوه إلى مسقط رأسه "المديّة".

وكان الزواج المبارك، وكان صداق وجهاز زوجته من عند أبيها الشيخ عبد القادر.

أبناؤه من ابنة شيخه: كان من هذه الزوجة الصالحة: محمد، وأحمد، وعبد القادر، والبنات الثلاث: زينب، وفاطمة الزهراء، ونجاة، وكلهم على قيد الحياة، أمّا أمّهم فقد توفيت، رحمها الله تعالى.

رجوعه إلى أهله: لما رجع الشيخ لخضر نزل عند أبيه الزّاوي رابح في بيت متواضع، لا كهرباء ولا ماء. وبقي معه شهرا من الزمن.

تدريسه القرآن ومبادئ الإسلام: بعد نحو شهر من رجوعه طلبته جماعة من "روس الغابة" ـ بين سي المحجوب والمدية ـ لينتقل إليهم ويعلّم لهم أولادهم، وبدأ الأمر ينفرج، وقام يعلّم أولادهم كتاب الله، ويقدّم لهم دروسا في مبادئ الدّين، وكان الجامع الّذي يعلّم فيه وسط الغابة.

تولّيه القضاء والإفتاء إبان الثورة: بقي الشيخ لخضر يدرس في "روس الغابة" حتّى وصلت إليهم ثورة التّحرير المباركة، فعيّنه المجاهدون قاضيا ومفتيا، يفصل بين المتنازعين والمتخاصمين، ويحرّر لهم عقود الزّواج، وذلك سنة 1956م.

هروبه ونجاته من مخالب العدو بأعجوبة: في سنة 1958م وصل خبر تولي الشيخ لخضر القضاء والإفتاء إلى المعمّر ـ المدمّر ـ الفرنسي، واسم هذا الكافر المتجبّر هو "كاميل فنيو". فأخذ يبحث عن الشيخ وعن اللّجنة الّتي كانت تعمل معه، فهرب خائفا بأهله، ونجا بأعجوبة، بينما رفقاؤه قبض عليهم وعذّبوا ثم قُتّلوا.

رجوعه إلى زاوية شيخه عبد القادر وإمامته المصلين: رجع الشيخ لخضر مختفيا إلى زاوية زنينة "الإدريسية" الّتي درس فيها وتخرّج منها. وكان الشيخ عبد القادر قد كبر في السن وعجز عن إمامة المصلين فقدّم الشيخ لخضر للإمامة، وكان ذلك في سنة 1958م.

عمله بعد الاستقلال: بقي الشيخ لخضر في الإمامة إلى سنة 1963م، ثم عيّنته وزارة الأوقاف إماما رسميا يفتي ويفصل في النّزاعات بين العروش على الأراضي المتنازع عليها.

وفاة شيخه عبد القادر بن مصطفى: في سنة 1967م توفّي الشيخ عبد القادر بن مصطفى شيخ زاوية الإدريسية رحمه الله ورضي عنه

ما قاله عن شيخه: هو الشيخ الرّبّاني صاحب الحقيقة والشريعة والكرامات، وهو كالكبريت الأحمر، يُذكر ولا يوجّه، كما قال القائل:

حَلَفَ الزَّمَانُ لَيَأْتِيَنَّ بمِثْلــِهِ * حَنَثَتْ يَمِينُكَ يَا زَمَانُ فَكَفِّـــرِ

كملت أخلاقه، غير أنه لا يبقي على المال باقيا، فزاويته مبنية على الإخلاص، والزّهد، والتّوحيد، ومحاربة البدع والخرافات، ويدعو إلى الإسلام الصّحيح.

فهو من الصوفية، لا من المتصوفة، بل من الذين يقول فيهم القائل:

ليس التصوف لبس الصوف ترقعــــــه * ولا بكاؤك إن غنى المغنـــــــونا ولا صياح ولا طرب ولا اختـــــــباط * كأن قد صرت مجنــــــــــونا بل التصوف أن تصفو بلا كـــــــــدر * وتتبع الحق والقرآن والديـــــــنا وأن ترى خاشعا لله مكتئـــــــــــبا * على ذنوبك طول الدهر محزونـــــا

تنقله بين مساجد المدية: في سنة 1973م طلب الشيخ لخضر من الوزارة الانتقال إلى المسجد الحنفي بالمديّة فقبل طلبه، وانتقل إلى المسجد المذكور، ثمّ إلى المسجد الجديد، ثمّ إلى مسجد وزرة، ثمّ إلىالمسجد المالكي، وبقي فيه نحو عشر سنين، وكان له درس في كلّ ليلة يشرح فيه مختصر الشّيخ خليل.


المشايخ الذين التقى بهم: من المشايخ والأساتذة الّذين التقى بهم الشيخ لخضر وسمع منهم بعد شيخه سيدي عبد القادر تاج العارفين ومربّي المريدين: الشّيخ عطية مسعودي مفتي الجلفة وضواحيها. والشّيخ عامر محفوظي بالجلفة ـ حفظه الله ـ. والشّيخ عبد القادر بن أبي زيد بن عيسى الشّطّي ـ رحمه الله ـ. والشّيخ بابا اعمر مفتي المالكية وإمام بالجامع الكبير بالجزائر العاصمة، وقد أجازه، وذلك سنة 1963م. والشّيخ الفضيل اسكندر مفتي الحنفية بالمدية. والشّيخ مصطفى فخّار مفتي المالكيّة بالمدية. والشّيخ أحمد حماني ـ رحمه الله ـ. والشّيخ الطّاهر آيت علجات.

نشاطاته التّعليمية: النّشاطات التّعليميّة الّتي كان يؤدّيها الشيخ لخضر كثيرة ومتنوّعة، منها: تدريسه لطلبة الزّاوية بعد أن أذن له الشّيخ في ذلك. ومنها: التّعليم القرآنيّ الحرّ. ومنها: تدريسه للأئمّة بأمر من الشّؤون الدّينية. وبعد تقاعده اشتغل ولا زال يشتغل بتقديم الدّروس للطّلبة والأساتذة، والفتوى، والإصلاح بين المتخاصمين، وعقد القران بين الزّوجين، والإصلاح بينهما، ومساعدة الفقراء والمساكين: يجمع لهم الكفّارات والزّكاة، ومشاورتهم له في الأمور الخاصّة والعامّة. حفظ الله فضيلة الشيخ العلامة لخضر الزاوي ونفع به الأمة الإسلامية جمعاء، آمين.