جان جاك روسو
Jean-Jacques Rousseau
روسو بريشة موريس كنتن دو لا تور، 1753

معلومات شخصية
الميلاد 28 يونيو 1712
جنيف، جمهورية جنيف
الوفاة 2 يوليو 1778
إيرمينونفيل، مملكة فرنسا
سبب الوفاة سكتة دماغية
مكان الدفن مقبرة العظماء، باريس
الأب إسحاق روسو
الحياة العملية
الحقبة عصر التنوير
المدرسة الفلسفية العقد الاجتماعي، الحركة الرومانسية
الاهتمامات الرئيسية الفلسفة السياسية، والموسيقا، والتعليم، والأدب، والسيرة الذاتية، وعلم النبات
أفكار مهمة الإرادة العامة، الهمجي النبيل، الحب الشخصي، حب الذات، مركزية الطفل في التعلم، الدين المدني، سيادة الشعب، الحرية الإيجابية
كتب العقد الاجتماعي، خطاب في أصل التفاوت بين البشر، جولي أو إلواز الجديدة، إميل، الاعترافات
التوقيع

جان جاك روسو (بالفرنسية: Jean-Jacques Rousseau)‏ (28 يونيو 1712 - 2 يوليو 1778) هو فيلسوفٌ، وكاتبٌ، ومُلحّنٌ من جنيف. كان لفلسفته السياسية الأثر الكبير على مجرى التنوير في شتّى أنحاء أوروبا، كما أثّرت في جوانبَ من الثورة الفرنسية، وفي تطوّر الفكر السياسيّ والاقتصاديّ والتعليميّ الحديث.[1]

يُعدّ خطابُه في أصل التفاوت بين البشر وعقدُه الاجتماعيّ حجرا أساس في الفكر السياسيّ والاجتماعيّ الحديث، كما كان لروايته العاطفيّة جولي أو إلواز الجديدة أثرٌ مُهمٌ في نشأة الحركة الرومانسيّة في الأدب.[2][3] وبالإضافة إلى ذلك، يُعتبر روسو الكاتبَ الذي دشّن فنّ السيرة الذاتيّة الحديث بكتابته لاعترافاته التي نُشرت بعد وفاته.[4] أمّا كتابه إميل فهو رسالةٌ تربويّةٌ عن مكانة الفرد في المُجتمع، وقد عدّه روسو نفسُه "أفضلَ وأهمَّ" كتاباته على الإطلاق.[5]

كان روسو الفيلسوف الأكثر شعبيّةً في نفوس أعضاء نادي اليعاقبة إبّان حقبة الثورة الفرنسية، وقد نُقِل رفاته إلى مقبرة العظماء في باريس بصفته بطلاً قوميّاً عام 1794، أي بعد وفاته بستّ عشرة سنة.[6]

السيرة عدل

النشأة عدل

ولد جان جاك روسو في جنيف، التي كانت في ذلك الوقت دولة مدينة وجُزءاً من الاتحاد السويسري القديم. كانت جنيف جمهوريّةً هوغونوتيةً ومركزاً للكالفينية مُنذ عام 1536. وفي عام 1549، نجا ديديه -سلفُ روسو الذي يسبقه بخمسة أجيال- من اضطهاد الكاثوليك الفرنسيين له بفراره إلى جنيف؛ إذ كان يعملُ قبل ذلك بائعاً للكتب في فرنسا، وربّما كان قد نَشَرَ بعض المنشورات البروتستانتية هُناك. وبعد استقراره في جنيف أصبح ديديه تاجراً للنبيذ.[7][8] وقد كان روسو فخوراً بأنّ عائلته -التي تنتمي للطبقة الوسطى- كانت تمتلك حق التصويت في المدينة، وكان عادةً ما يُوقّع كتبه بعبارة "جان جاك روسو، مواطن جنيف" افتخاراً بمدينته.[9]

كان إسحاق روسو (والدُ روسو) يعملُ في صناعة الساعات، حالُه كحالِ جدّه وأبيه وأشقّائه. وقام كذلك بتدريس فنون الرقص لفترةٍ قصيرةٍ.[10] فبالرغم من انشغاله في حرفته، كان إسحاق شخصاً مُثقّفاً ومُحبّاً للموسيقا. وقد كتب روسو مرّةً يقول: "صانعُ الساعات الجُنيفيّ هو رجلٌ يُمكن تقديمه في أيّ مكان، أمّا صانعُ الساعات الباريسيّ فلا يصلحُ إلّا للحديثِ عن الساعات".[9](1) أمّا والدته، سوزان بِرنار روسو، فقد كانت من عائلةٍ من الطبقة العليا، لكنّها نشأت مع عمّها صمويل بِرنار (كان واعظاً كالفينيّاً)؛ إذ توفي والدُها وهو في أوائل الثلاثينات من عُمره.[11] وتزوّجها إسحاق وهي في الواحدة والثلاثين، وكان أخوها قد تزوّج أخت إسحاق قبل ذلك بثماني سنوات، بعد أن حملت بطفلٍ منه وتعرّضا للتوبيخ من مجلس الكنائس. وقد مات طفلُهما أثناء الولادة. بَلَغَ روسو نبأ ما حصل مُلفّقاً؛ إذ أُخبر عن قصّة حُبٍّ يافعٍ حُرم ثُمّ انتصر، ونَجَمَ عنه زواجان جمعا بين العائلتين في اليوم نفسه، ولم يعرف روسو حقيقة ما كان أبداً.[12]

ولد روسو في 28 يونيو من عام 1712، وقد وصف ميلاده لاحقاً بقوله: "ولدتُ وأنا على وشك أن أموت. كان أملُهُم ضئيلاً بإنقاذي."[13] وعُمّد في الرابع من يوليو في الكاتدرائيّة الكبيرة.[13] وبعد ميلاده بتسعة أيّام توفيّت والدته بحمى النفاس، وكان ذلك "أوّل مصائبه" بحسب وصفه.[13] نشأ روسو مع أخيه الأكبر فرانسوا في كنف والدهما وعمّتهما (التي كان اسمها سوزان أيضاً). وعندما بلغ الخامسةَ من عُمره باع والدُه منزلَهم الذي كانوا قد احتازوه من أقارب والدته، وبذلك تركت العائلةُ العَيْش في حيّ للطبقة العُليا وانتقلت لتسكُن شقّةً كائنةً في حيّ للحرفيين: كصائغيّ الفضة، والنقّاشين، وصانعي الساعات.[10] أتاحت هذه النشأةُ الفُرصةَ لروسو للمُقارنةِ بين الحرفيين وأولئك الذين كانوا يشتغلون بالأعمال التزيينيّة، فكتب في ذلك يقول: "أولئك الأشخاصُ المُهمّون الذين يُسمّون فنّانين بدلاً من حرفيين يعملون حصراً لحسابِ العاطلين والأثرياء، ويُسعّرون بضاعتهم التافهةَ بأسعارٍ اعتباطيّةٍ".[14] وأتاحت له أيضاً التعرّف على سياسة الطبقات؛ إذ كان كثيراً ما يُنظّم هؤلاء الحرفيّون حملاتِ مُقاومةٍ في وجه الطبقة المُخمليّة التي كانت تُدير المدينة.[10]

يذكرُ روسو أنّ والدَه نمّى فيه حُبّ القراءة عندما كان طفلاً، فكانا يقرأان معاً الروايات كُلّ ليلةٍ بعد تناول العشاء. وبعد فراغهما من قراءة الروايات انتقلا إلى قراءة الأعمال الكلاسيكيّة قديمها وحديثها، وكانت تلك الأعمالُ من تركةِ عمّ والدة روسو. كانت سلسلةُ (حياة نُبلاء اليونانيين والرومان) التي كتبها بلوتارخ أحبّ الأعمالِ إلى قلب روسو الصبيّ، فكان يقرأها لوالده وهو يصنعُ الساعات. رأى روسو في عمل بلوتارخ نوعاً مُغايراً من الروايات، وكان يُمثّل القيام بأفعال الأبطال النبيلة التي كان يقرأ عنها.[10] كما ذكر في اعترافاته أنّ قراءة أعمال بلوتارخ، والمُحادثات التي دارت بينه وبين والده بصددها، شكّلت فيه روحه الحُرّة والجمهوريّة.[15]

كان والد روسو مُحبّاً للصيد، وفي يومٍ من الأيّام دخل في نزاعٍ قانونيً مع أحدِ مُلّاك الأراضي الأثرياء الذي اتّهمه بالتعدّي على أرضه، وكان روسو في العاشرة من عمره حينها. ولمّا عَلِم الوالدُ بحتميّة هزيمته أمام القضاء قرّر الانتقالَ والعَيْش في مدينة نيون آخذاً عمّة روسو سوزان معه. وتزوّج إسحاق من امرأةٍ هناك، ومُنذ ذلك الحين لم يره روسو إلّا قليلاً.[16] لم يعُد إسحاق إلى جنيف أبداً، لكنّ روسو كان يزورهُ في نيون بين الفينة والأخرى ناقلاً إليه شغفَه بقراءةِ الكُتب. عَهِدَ إسحاق ولديْه إلى خالهما غابريل برنار الذي كان يعيشُ في جنيف،[17]. والذي عَهِدَ بدوره ولديْ إسحاق إلى القسّ لامبرسييه القاطنِ في بلدة بوسي بالقربِ من جنيف (شرقيّ فرنسا في الوقت الحاضر). قضى روسو هُناك سنتين (1722-1724) برفقةِ ابن خالِه أبراهام برنار، أمّا أخوه فرانسوا فقد غادر المكانَ سريعاً وفُقد أثرُه في مدينة فرايبورغ الألمانيّة. وبعد العودةِ إلى جنيف، أرسلَه خالُه ليتدرّب عند كاتب عدل. لكنّ روسو كَرِه المهنة ولم يكن مُتحمّساً لها، فقرّر خالُه إرساله إلى نقّاشٍ يُدعى أبِل دوكومان، ووقّع معه عقداً مُدّته خمس سنوات، وكان ذلك في 26 أبريل 1725.[18] وخلالَ هذه الفترة واجه روسو، الذي كان قد عاش طفولةً سعيدةً حتّى ذلك الحين، واجه انضباطاً قاسياً للمرّة الأولى.(2) وبعدَ ذلك بثلاثِ سنوات، يومَ 14 مارس 1728 على وجهِ التحديد، عاد روسو مُتأخرّاً من نُزهةٍ قضاها خارجَ المدينة ليجدَ أبوابَ جنيف قد أُغلقت، فقرّر أن يلوذَ بالفرارِ خوفاً من أن يضربَه سيّدُه مرةً أخرى، فودّع ابنَ خالِه أبراهام ورحل بلا رجعة.[19]

لجأ روسو -مُضطّراً لسدّ حاجتهِ إلى الغذاء بعدَ بضعةِ أيّامٍ من الترحال- إلى قسّ كونفنيون الواقعةِ في منطقة سافوا، وكان قسّاً كاثوليكيّاً يُدعى بنوا دو بونفير. أرسلَ القسُّ روسو بعد أن استقبله إلى سيّدةٍ تُدعى فرانسواز-لويز دو فارانس كانت تقطُنُ فود. كان عُمر السيّدة دو فارانس 29 عاماً آنذاك، وكانت قد اعتنقت الكاثوليكية الرومانية قبلَ وقتٍ ليس ببعيد تاركةً البروتستانتية، وباتت تعملُ على مُساعدة البروتستانت على اعتناق الكاثوليكيّة.[20] أُرسِل روسو بعد ذلك إلى تورينو عاصمة سافوا، التي وصلها في 12 أبريل 1728، واعتنق الكاثوليكيّة بُعيْد وصوله، وعُمّد في 23 أبريل من العام نفسِه.[21] أقامَ روسو بضعةَ أشهرٍ في تورينو شبهَ عاطلٍ عن العمل ومُعتمداً على إحسانِ بعضِ الأرستقراطيين ورؤساء الأديرة، لكنّ هذا الحالَ لم يُعجبه، فشدّ الرحالَ إلى شامبيري ليلتقيَ بالسيّدة دو فارانس مُجدّداً، ويقعَ في غرامها، وكان ذلك في يونيو 1729.[22]

شجّعت السيّدة دو فارانس روسو على الخوضِ في مجال الموسيقا بُحكم اهتمامه بها، وأشارت عليه بمُرافقة خبيرٍ موسيقيّ في رحلته إلى ليون في أكتوبر 1729. لكنّ روسو غيّر مسارَه في مُنتصف الطريق إلى ليون؛[23] ليتجوّل لمُدّة عامٍ في أرجاء سويسرا قبلَ أن يُعطيَ دروسه الموسيقيّة الأولى في نوشاتيل، وكان ذلك في نوفمبر 1730. عادَ روسو إلى معشوقتهِ السيّدة دو فارانس في سبتمبر 1731، فالتقى بكلود آنيه الذي كان يعملُ في منزل السيّدة، والذي اتّضح أنّه كان عاشقاً لها أيضاً. وعَمِل الثلاثةُ على التكيّف مع الوضع الجديد قَدْر الاستطاعة، حتى وافت آنيه المنيّة بعد أن أصابته ذات الرئة في 13 مارس 1734.[24] انتقلَ روسو بعد ذلك برفقة السيّدة دو فارانس (وكانت تكبره بثلاث عشرة سنة) للعيْش في منزلٍ ريفيّ بالقُرب من شامبيري

هوامش عدل

  • 1 هُناك أيضاً تعليقٌ لزائرٍ بريطانيّ يُوافق روسو في مقولته: "حتى الطبقة الدنيا من الناس [في جنيف] واسعةُ الاطّلاع، وقد لا توجدُ مدينةٌ في أوروبا [تُضاهي جنيف] في انتشار التعلّم فيها". وقد لاحظ آخرٌ أنّ عُمّال جنيف كانوا مولعين بقراءة أعمال لوك ومونتسكيو.[9]
  • 2 يُمكن قراءةُ المعلومات المُتعلّقة بطفولة جان جاك روسو في الكتاب الأوّل من اعترافاته.

مراجع عدل

  1. ^ Jean-Jacques Rousseau, in the Historical Dictionary of Switzerland.
  2. ^ "Preromanticism Criticism". Enotes. مؤرشف من الأصل في 2010-04-06. اطلع عليه بتاريخ 2009-02-23.
  3. ^ Darnton، Robert، "6. Readers Respond to Rousseau: The Fabrication of Romantic Sensitivity"، The Great Cat Massacre for some interesting examples of contemporary reactions to this novel.
  4. ^ The confessions of Jean-Jacques Rousseau
  5. ^ Rousseau, Jean-Jacques. The Confessions. Trans. J.M. Cohen. New York: Penguin (1953), 529-30.
  6. ^ Rousseau's Counter-Enlightenment: A Republican Critique of the Philosophes
  7. ^ Damrosch 2005، صفحة 8.
  8. ^ Damrosch، Leo (30 أكتوبر 2005). "Jean-Jacques Rousseau". The New York Times. ISSN:0362-4331. مؤرشف من الأصل في 2017-10-08. اطلع عليه بتاريخ 2016-12-22.
  9. ^ أ ب ت Damrosch 2005، صفحة 31.
  10. ^ أ ب ت ث Damrosch 2005.
  11. ^ Damrosch 2005، صفحة 9.
  12. ^ Damrosch 2005، صفحة 10.
  13. ^ أ ب ت Damrosch 2005، صفحة 7.
  14. ^ Damrosch 2005، صفحة 14.
  15. ^ Rousseau 1796، صفحة 10.
  16. ^ Damrosch 2005، صفحة 24.
  17. ^ Trousson 1993، صفحة 20.
  18. ^ (Trousson, t. I, ص.  48).
  19. ^ Bernard Cottret, « Rousseau fête ses 300 ans ! », émission Au cœur de l'histoire sur Europe 1.
  20. ^ Trousson 1993، صفحة 26.
  21. ^ (Trousson, t. I, ص.  62-63).
  22. ^ (Trousson, t. I, ص.  93).
  23. ^ (Trousson, t. I, ص.  97).
  24. ^ (Trousson, t. I, ص.  127).